أجندة نُشر

تأجيل الرئيس تبون أو إلغاء زيارته لروسيا .. هل حسمت الجزائر خياراتها بالانحياز إلى محور أمريكا حفاظًا على مصلحتها؟!

عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي -
جمهورية الجزائر محكومةٌ -منذ استقلالها عن الاستعمار الفرنسي بداية ستينات القرن الماضي- بأنظمة ذات نهجٍ قومي عرفت بمعاداتها للإمبريالية الغربية التي ما يزال يمثلها حلف شمال الأطلسي المساند معظمُ أعضائه حقَّ المملكة المغربية في الصحراء الغربية وميلها -في المقابل- إلى القطب الاشتراكي الذي كان يتشكل من حلف وارسو، وكان يتزعمه الاتحاد السوفييتي، وبعد تفكك حلف وارسو والاتحاد السوفييتي تباعًا حافظت الجزائر على متانة علاقتها بجمهورية روسيا.

تأجيل الرئيس تبون أو إلغاء زيارته لروسيا  .. هل حسمت الجزائر خياراتها بالانحياز إلى محور أمريكا حفاظًا على مصلحتها؟!

حياد الجزائر الحذر من الحرب الروسية الأوكرانية
لعل إدراك النظام الجزائري ذي التوجه القومي اليساري الذي تعرض -منذ عشرات السنوات للكثير من الأزمات- ما تقتضيه المرحلة الراهنة المليئة بالتناقضات من النأي ببلاده عن بور الصراع المسلح إلى الحدِّ الذي يصعب على أطراف الصراع تصنيفه مع أو ضد، متخذًا من الحياد الإيجابي وسيلة لكسب ودِّ الأطراف المتصارعة بصورة مثالية تحسبًا لما قد يربطه بأحدها أو جميعها من مصالح مستقبلية، وهذا ما جسده بشكلٍ واضحٍ وجلي الكاتب «محمد فوزي» في استهلال مقاله التحليلي التساؤلي المعنون [ما أبعاد الموقف الجزائري من الحرب الأوكرانية؟] الذي نشره «إنتريجيونال للدراسات الاستراتيجية» في الـ٢٧ من أكتوبر على النحو التالي: (أعلنت الجزائر -مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في ٢٤ فبراير ٢٠٢٢- أن “سياستها الخارجية تقوم على عدم الانخراط في أيِّ نزاع”، مُتهمةً بعض الأطراف التي لم تُسمها “بمحاولة إقحام البلاد في النزاع”، مؤكدةً أن “أولويتها تتمثل في حماية رعاياها بالخارج”، في محاولة لتبني نهج متوازن بين المحاور الدولية المختلفة، خصوصاً مع ارتباط الجزائر بعلاقات استراتيجية بطرفي النزاع، سواء المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أو روسيا).
وفي قوله ضمن ذلك المقال: (يجد المتابع للموقف الجزائري من الحرب بشكل عام، أن هذا الموقف جاء استمرارًا لسياسات الرئيس “عبد المجيد تبون” التي استهدفت بشكل رئيسي “تنويع التحالفات الخارجية” للجزائر، وتجاوز فكرة التبعية للمحور الغربي وخصوصًا فرنسا، وهو النهج الذي ساد خلال حقبة الرئيس الأسبق “عبد العزيز بوتفليقة”).
فبالرغم من تأريخية العلاقات الثنائية الجزائرية الروسية، عملت جمهورية الجزائر جاهدة -في سبيل الحفاظ على ما تقتضيه مكانتها الإقليمية ومصالحها الاقتصادية من علاقاتٍ دولية جيدة- من أجل الوقوف من روسيا ومن دول أوروبا والولايات المتحدة على مسافةٍ واحدة، وذلك ما ألمح إليه الكاتب في مكانٍ ما من مقاله بقوله: (وقد تبنت الجزائر -منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية- مقاربة متوازنة تجاه أطراف الأزمة المختلفة، بما يضمن-من جانب- عدم الانخراط في سياسة المحاور، ومن جانب آخر تعظيم المكاسب الجزائرية خارجيًّا).

سعي روسيا لتحييد غاز الجزائر عن فكِّ أزمة أوروبا
أما روسيا فقد اجتهدت في تفعيل تأريخيّة تحالفاتها إلى أقصى مدى، ومن مظاهر ذلك الاجتهاد المتجاوز للمعتاد نشاط دبلوماسيتها -بعد أكثر من سبعة أشهر من شنِّ هجومها على أوكرانيا- في جمهورية الجزائر كبرى دول الشمال الأفريقي الذي يقع في خاصرة قارة أوروبا، فقد ورد في سياق التقرير الإخباريّ المعنون [الجزائر تُجر إلى استقطاب غير مسبوق بين موسكو وواشنطن] الذي نشرته «صحيفة العرب» يوم الخميس الموافق ٢٢ سبتمبر الماضي ما يلي: (استغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصة مراسم تسليم أوراق اعتماد السفير الجزائري في موسكو إسماعيل بن عمارة، ليجدد موقف بلاده من علاقاتها وتحالفها التأريخي والاستراتيجي مع الجزائر، كرد على ما وصف بـ”الضغوط الممارسة من طرف واشنطن على السلطة الجزائرية للابتعاد عن المحور الروسي”، وصرح أن “العلاقات الروسية الجزائرية عميقة في المجالين الاقتصادي والتجاري، وأنها تعد ثاني أكبر شريك تجاري لروسيا في القارة الإفريقية.
وأضاف: “تفاعل روسيا مع الجزائر من طبيعة الشراكة الاستراتيجية بينهما، واحتفال البلدين في مارس الماضي بالذكرى الستين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وروسيا، هو دليل على عمق واستراتيجية تلك العلاقات”، كما جدد توجيه دعوته لنظيره الجزائري عبدالمجيد تبون لزيارة موسكو، وهو تذكير للغرب لا غير، لأن الزيارة مبرمجة منذ عدة أشهر.
وأعرب بوتين، عن دعمه لما أسماه بـ”الخط المتوازن الذي تنتهجه الجزائر في الشؤون الإقليمية والدولية، وأشاد بمواصلة العمل معًا”، وهو ما يمثل استدراجًا للجزائر إلى الحلف الروسي عبر التذكير بالمواقف المشتركة بين الطرفين حول العديد من القضايا والملفات الإقليمية والدولية، ممَّا يزيد من استياء الغرب، وخاصة الولايات المتحدة من مثل هذا التقارب المقلق).
ومن مظاهر ذلك الاجتهاد الروسي غير البريء إبراز جانب التعاون العسكري تنفيذ المناورة العسكرية الجزائرية الروسية المشتركة «درع الصحراء» التي بدأت بتأريخ ١٦ نوفمبر الماضي في منطقة بشار التي تُعد -بحسب ما ورد في سياق التقرير الإخباريّ المعنون [تقارب روسي جزائري يذهب إلى أبعد من مجرد تعاون عسكري] الذي نشره موقع «ميدل إيست أونلاين» يوم الجمعة الـ١٨ من نوفمبر- (أبعد من مجرد تعزيز للعلاقات، حيث تشكل المناورات العسكرية الروسية الجزائرية في منطقة بشار على الحدود المغربية إلى جانب طابعها الاستفزازي حيال المملكة، رسالة روسية إلى الغرب مفادها قدرة موسكو على التمدد والنفوذ في منطقة استراتيجية بالغة الحساسية بالنسبة لأوروبا وللولايات المتحدة).
وتشمل تلك المظاهر -من جانب آخر- توقيع اتفاقية صفقة أسلحة روسية ضخمة لتعزيز القدرات العسكرية الجزائرية قدرها خبراء -وفق ما جاء في سياق خبر نشرته صحيفة الشرق الأوسط في العدد[١٩٨٥٨] الذي صدر يوم الجمعة الـ٢٣ من ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ الموافق ١٨ نوفمبر ٢٠٢٢م الماضي- بـ(١٧ مليار دولار، وهو ما تنظر إليه الولايات المتحدة على أنه مساعدة مالية جزائرية لروسيا في حربها مع أوكرانيا).

تعرض الجزائر لضغوط وإغراءات غربية قوية
ما من شكّ أن حاجة دول أوروبا الماسة إلى الغاز الجزائري لتعويض جزءٍ ممَّا كانت تستورده من روسيا بالإضافة إلى إدراك واشنطن ما يمكن أن يمثله استقطاب الجزائر إلى صفها وصف حلفائها في غرب أوروبا من خسارة فادحة على روسيا قد حمل البلدان الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية على استهدف الجزائر بضغوط من ناحية وبإغراءات من ناحية ثانيه، وقد تمثلت بعض الضغوط -بحسب تقرير موقع «ميدل إيست أونلاين» السالف الذكر- بـ(توجيه ٢٧ عضوًا من الكونغرس الأميركي رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن طالبوا فيها بفرض عقوبات على الحكومة الجزائرية بسبب ما اعتبروه "صفقات أسلحة بالمليارات مع روسيا"، ودعوتهم -من خلالها- الرئيس جو بايدن إلى تطبيق قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال عقوبات قانون 'كاتسا' الذي أقره الكونغرس في عام ٢٠١٧).
ويتمثل أحد مظاهر الإغراء التي تستهدف بها دول أوروبا الجزائر بهدف إبعادها عن روسيا في الدعوة التي وجهتها فرنسا للجنرال «سعيد شنقريحة» رئيس أركان الجيش الجزائري التي اعتبرت -نظرًا لتوقيتها- زيارة تأريخيّة، ولأهميتها وصفها «صابر بليدي» في سياق تقريره المعنون [شنقريحة في باريس.. زيارة بمهام أكثر من عسكرية] الذي نشرته «صحيفة العرب» يوم السبت الـ٢٨ من يناير الماضي بما يلي: (زيارة شنقريحة إلى فرنسا هي الأولى من نوعها منذ ١٧ عامًا، ولعل الهالة التي أحيطت بها من طرف الإعلام الفرنسي، وتوسيع المشاورات والتشريفات إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، توحي بأنَّ الفرنسيين استقبلوا شنقريحة، ليس كمجرد قائد لأركان الجيش، وإنما كشريك فاعل في رسم معالم التقارب بين البلدين.
وتناولت تقارير إعلامية فرنسية الزيارة من زاوية التمهيد للزيارة المنتظرة للرئيس عبدالمجيد تبون إلى باريس شهر مايو المقبل وبما يترجم نوايا النخب الفرنسية الحاكمة في تهيئة المناخ لرؤية شاملة يلعب فيها جيش وأمن البلدين دورًا مهما).
أما ثاني الإغراءات الأوروبية لإبعاد الجزائر أكثر فأكثر عن حليفتها روسيا فعن طريق إيطاليا، ذلك ما أكدته الكاتبة «مي مجدي» في سياق مقالها الصحفي المعنون [تقرير إيطالي: الغاز الجزائري خلاص أوروبا من هيمنة روسيا وأميركا قد تقدم دورًا محوريًّا] الذي نشره موقع «الطاقة نت» في ٣٠ يناير الماضي بقولها: (كانت إيطاليا في طليعة الدول الأوروبية لتعزيز التعاون مع دول جنوب البحر المتوسط في قطاع الطاقة، وأعطت الأولوية إلى الجزائر.
ويرجع ذلك إلى العديد من العوامل، من بينها القرب الجغرافي من الأسواق الأوروبية، والبنية التحتية الحالية، مثل خط أنابيب نقل الغاز أنريكو ماتيي "ترانسميد" بسعة ٣٤ مليار متر مكعب، والاحتياطيات الضخمة من الغاز البالغة ٤.٥ تريليون متر مكعب عام ٢٠٢١ أي ما يعادل ٢.٣٪ من احتياطيات الغاز المؤكدة في العالم.
وقد ساهمت زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الأخيرة بتاريخ ٢٢ يناير ٢٠٢٣ إلى الجزائر في تعزيز التعاون بين البلدين.
ووقع البلدان ٥ مذكرات تفاهم جديدة في قطاع الطاقة، تتضمن تعزيز التعاون الطاقي ودراسة أفضل الطرق لزيادة صادرات الطاقة من الجزائر إلى إيطاليا، عن طريق تعزيز قدرات نقل الغاز الحالية، وإنشاء خط أنابيب جديد لنقل الهيدروجين من الجزائر إلى روما).
أما ثالث تلك الإغراءات الغربية فقد اضطلعت به الولايات المتحدة الأمريكية وقد تمثل ذلك الإغراء في الزيارة التي قام بها «بريت ماكغوك» المسؤول الرفيع بمجلس الأمن القومي الأمريكي إلى الجزائر، والتي أتت -بحسب مضمون التغطية الخبريّة المختصرة المعنونة [الجزائر في قلب تنافس دبلوماسي أمريكي روسي.. ثناء من واشنطن وإشادة من موسكو] التي نشرها موقع “القدس العربي” في الـ٧ من ديسمبر الماضي (قبل أحداث مهمة تنتظر الرئيس عبد المجيد تبون أبرزها قمة أمريكا إفريقيا التي يحتمل أن يشارك فيها شخصيًّا، واللقاء المرتقب بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو الذي أعلن أنه سيكون قبل نهاية هذا السنة.
وقال المسؤول الأمريكي -عقب لقائه الرئيس الجزائري- «إنَّ الشراكة بين الجزائر والولايات المتحدة “قوية جدا”، مبرزا إرادة البلدين في العمل سويًّا من أجل تعزيزها أكثر فأكثر»).

تراجع علاقة الجزائر بروسيا حفاظًا على مصالحها من أوروبا
على الرغم ممَّا بذلت وتبذله موسكو من مساعٍ لإبقاء حليفها الجزائر في صفها، فإنَّ الضغوط الغربية المتسمة بالجدية والمرتبطة بعوائد اقتصادية كان لها الغلبة على مساعي روسيا، فقد أسفرت تلك الضغوط المبطنة بالكثير من الإغراءات عن إرجاء وربما إلغاء زيارة فخامة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى العاصمة الروسية موسكو التي كان مقرَّرًا إنجازها -بشكلٍ افتراضي- قبل نهاية العام الماضي، كما أسفرت -من ناحية أخرى- عن إلغاء ما كان سيعقب مناورة «درع الصحراء» الجزائرية الروسية المشتركة من مناورات أخرى، وقد أشير إلى ذينك الإجراءين الجزائريين في مستهل التقرير الإخباريّ المطول المعنون [تأجيل تبون زيارته إلى موسكو يعكس فتورًا في العلاقات الجزائرية-الروسية] الذي نشرته «صحيفة العرب» يوم الثلاثاء الموافق ٣ يناير الماضي بما يلي: (لم يجر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون زيارة لروسيا كما كان منتظرًا قبل نهاية العام المنقضي، مما يوحي بتطورات غير معلنة في العلاقات بين البلدين، خاصة مع الضغوط الغربية على الجزائر لتخفيف اندفاعها صوب موسكو.
ويحمل الإرجاء أو الإلغاء عدة دلالات حول منعطف جديد في العلاقات الجزائرية-الروسية، خاصة وأنه تزامن مع وقائع تفتح المجال أمام فرضية فك الارتباط بين الطرفين، بسبب الضغوطات التي سلطها الغرب، لاسيما الولايات المتحدة، خلال الأشهر الأخيرة، من أجل إبعاد الجزائر عن الحليف الروسي.
ويأتي التحول الجديد بالتزامن مع عدة تطورات مثيرة، حيث تم خلال شهر نوفمبر الماضي الإعلان عن إلغاء مناورات عسكرية كانت مقررة بين وحدات عسكرية مشتركة من البلدين في منطقة “حماقير” الواقعة في أقصى الحدود الجنوبية الغربية للبلاد).
ولم تقف بالجزائر مجافاة حليفتها التأريخية موسكو عند هذا الحدِّ من الصدِّ، بل تجاوزته إلى استهدافها بما لم يكن يرد من سهام النقد، وقد تأكد ما تردد حول هذا الانتقاد البالغ -بحسب بعض الآراء- درجة الإيذاء في احتواء تقرير صحيفة «العرب» الذي المستشهد به آنفا على: (وكان الرئيس الجزائري انتقد قبل أيام وجود عناصر فاغنر في مالي وذلك في حوار أجراه مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية.
وقد أثارت تصريحات الرئيس تبون المنتقدة بشكل ضمني للوجود الروسي تكهنات كثيرة، حول ما إذا كانت العلاقات بين الطرفين التي لطالما وصفت بالتاريخية والاستراتيجية قد دخلت طور الفتور.
كما حمل تصريح تبون بشأن مجموعة فاغنر طابعًا مفاجئًا للمتابعين قياسًا بنوعية العلاقات التي تربط الجزائر بروسيا، خاصة وأن بلاده هي التي سهلت مهام القوات المذكورة في النزول إلى مالي، فضلًا عن أن التصريح لوسيلة إعلامية فرنسية قد يحمل موقفًا معينًا، قياسًا بالتوتر الذي طبع العلاقة بين باريس وموسكو منذ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا).

تابعونا الآن على :


 

مواضيع ذات صلة :

حليب الهناء