أبريل 21, 2024 - 21:58
هل غامر بايدن بسمعة القوات البحرية الامريكية عندما قرر مواجهة اليمن 


عرب جورنال / كامل المعمري - 
القوات البحرية الامريكية كانت ومازالت مصدر فخر واعتزاز لدى الكثير من الرؤساء الامريكيين الذين يعتبرونها اهم مصادر القوة والهيمنة وفرض سطوة امريكا على العالم 

كما ويرتبط سلاح مشاة البحرية في المخيلة الشعبية الأمريكية بشدة بتجربة الحرب العالمية الثانية بصفتها رأس الحربة الأول لدى الجيش الأمريكي والقادرة على مواجهة مختلف التحديات في جميع أنحاء العالم

فمجرد التهديد بارسال حاملة الطائرات الامريكية  لأي منطقة في العالم تجعل خصوم امريكا يراجعون مواقفهم او تهديداتهم كما حدث في  يوليو 2020، حيث قامت حاملتا طيران أمريكيتان بالمناورة معًا في منطقة بحر الصين الجنوبي، وهو حدث نادر خلال العقدين الماضيين، وذلك في أعقاب مخاوف من بكين التي تحاول تعزيز سيطرتها بشكل عملي في بحر الصين الجنوبي 

في الرابع من اكتوبر عام 2022 وجهت الولايات المتحدة الامريكية رسالة قوية للعالم لاسيما لخصومها روسيا والصين وذلك باعلان ابحار حاملة طائرات  "يو إس إس جيرالد آر. فورد" (USS Gerald R. Ford) التي كلف بناؤها أكثر من 13 مليار دولار في مهمتها الأولى باجراء مناورات مشتركة مع دول عدة من بينها كندا وفرنسا وألمانيا، تشمل التدريب على الدفاع الجوي والحرب المضادة للغواصات والعمليات البرمائية


حينها قال الأدميرال داريل كودل في بيان قبل إبحار الحاملة إن نشرها "سيظهر قدراتها الفتاكة التي لا تضاهى والمتعددة والشاملة في المحيط الأطلسي" بينما وصفها الرئيس الامريكي دونالد ترامب بانها رمز امريكي للقوة والنفوذ 

عززت امريكا خلال السنوات الاخيرة من زيادة القطع البحرية وعملت على تطوير وتحديث اسطولها البحري باحدث المنظومات القتالية المتطورة واجرت عدة مناورات مع حلفاءها الاروبيين استعدادا لاي مواجهة مع الخصوم خصوصا الصين وروسيا  مع تركيزها الواضح على الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ

مع انطلاق معركة طوفان الاقصى ودخول اليمن في هذه المعركة لمساندة فصائل  المقاومة في غزة ضد العدوان الاسرائيلي الامريكي واعلان اليمن منع عبور السفن الاسرائيلية او المرتبطة بالكيان من العبور في البحرين الاحمر والعربي وبدأت بأولى عملياتها في السيطرة على السفينة التابعه للكيان جلاكسي ليدر واستهداف اي سفن تابعة للعدو الاسرائيلي 
الولايات المتحدة الامريكية الحليف والداعم الاساس للكيان الاسرائيلي اعلنت التزامها بحماية السفن التابعه للكيان وتأمين الملاحة الدولية وارسلت الاساطيل وحاملات الطائرات والمدمرات المزودة باحدث التقنيات والمنظومات الصاروخية الحديثة 

لتبدأ أول معركة بحرية في القرن العشرين بين اليمن والتحالف الامريكي البريطاني المدعوم ايضا بمشاركة دول غربية عديدة ولم يكن احدا ليجرؤ في مواجهة القوات البحرية الامريكية 
ففي حين كانت الولايات المتحدة الامريكية تخوض غمار تنافس شديد في تطوير قدراتها البحرية استعدادا لمواجهات محتملة مع الصين او روسيا القت بها الاقدار لخوض هذه المعركة مع اليمن التي وضعت معادلة البحر مقابل وقف العدوان على غزة وهذا تحد كبير للولايات المتحدة الامريكية التي هي في نظر العالم حامية البحار ولم تكن دولة لتجرؤ على مواجهة راس الحربة في الجيش الامريكي (القوات البحرية ) سلاح امريكا الفتاك لفرض هيمنتها على اي دولة في العالم
بدأت المعركة وكشرت امريكا بمساعده بريطانيا عن انيابها باستخدام احدث اسلحتها الفتاكة صواريخ التوماهوك في قصف القدرات العسكرية  اليمنية التي قالت بانها تسعى لشل قدراتها وتحييد التهديدات اليمنية ووضع حد لها فيما استخدمت منظوماتها الدفاعية الحديثة في صد الطائرات المسيرة والصواريخ التي يطلقها اليمنيون غير انها فشلت مع اول هجوم تمكنت فيه اليمن من احراق واغراق سفن تجارية تابعه للكيان واكثر من ذلك لم تستطع امريكا وبريطانيا حماية سفنها التجارية بعد ان دخلت في دائرة الاستهداف 


عبقرية اليمن تكسر القواعد العسكرية 
وابعد من ذلك ان قوات صنعاء استخدمت صواريخ بالستية في استهداف السفن الحربية والتجارية وهذا امر غير مسبوق وخارج سياق العلوم العسكرية المعروفة اذا لايوجد دولة استخدمت صواريخ بالستية لاستهداف اهداف متحركة في البحر وهذه سابقة عسكرية تحسب لصنعاء التي اظهرت براعتها في تطويع مثل هذه الاسلحة واستخدامها في هذه المعركة
قد يبدو الامر غير مصدق لدى البعض فالمعلوم ان هناك صواريخ بحرية مضادة للسفن وطائرات مسيرة لكن استخدام صواريخ بالستية يبدو امرا غير معقولا غير انه وبالحسابات الدقيقة ومعرفة سرعه السفينة وسرعة الرياح والمسار الذي ستسلكه السفينة والنقطة التي ستعبر منها وتوقيت وصولها الى هذه النقطة وقياس السرعه او التوقيت التي سيصل بها الصاروخ البالستي الى النقطة المحددة أمرا يزيل كل الشكوك ويظهر عبقرية اليمنيين في صنع المفاجأت 
في يناير من العام الحالي قال نائب قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وقائد الأسطول الأمريكي الخامس لشبكة سي بي اس  براد كوبر، إن المواجهة مع قوات صنعاء هي أكبر معركة بحرية تخوضها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية مضيفا بان الحوثيين هم الكيان الأول على الإطلاق في تاريخ العالم الذي استخدم الصواريخ الباليستية المضادة للسفن، وأطلقها ضد السفن” واردف قائلا “لم يستخدم أحد مطلقاً صاروخاً باليستياً مضاداً للسفن، وبالتأكيد ضد السفن التجارية، ناهيك عن السفن البحرية الأمريكية”


الصين وروسيا أول المستفيدين

عشرات السفن الحربية والتجارية تعرضت للاستهداف بعضها تعرضت للغرق واخرى احترقت ولم تتمكن الولايات المتحدة الامريكية من تحييد قدرات اليمنيين وكسر معادلتهم البحرية التي وضعوها 

لقد كانت امريكا تغامر بسمعتها العسكرية لاسيما هيبة قواتها البحرية التي ظلت لاكثر من ثمانية عقود القوة الضاربه في العالم لتتباهي بها امام خصومها لاسيما في ظل التنافس البحري الكبير بين امريكا وحلفاءها من جهة والصين وروسيا من جهة اخرى 

اضف لذلك مابذلته الصين وروسيا من اموال طائلة في تطوير قدراتهما الاستخباراتية لمعرفة جوانب الضعف في القدرات البحرية الامريكية المحاطة بالسرية الشديدة باستثناء ما تستعرضه امريكا في مناوراتها العسكرية مع حلفاءها  غير ان دخولها بحرب مع اليمن قد كشفت الكثير من الامور العسكرية خصوصا للصين وروسيا وجوانب ضعف اخرى يعرفها اليمنيون فقط 

وابعد من ذلك وجهت اليمن ضربات غير مسبوقة للسفن الحربية الامريكية والمدمرات وذلك بصواريخ متطورة يعتقد بانها فرط صوتية وصلت الى هدفها بدقة وتجاوزت كافة خطوط الدفاع حتى ان بعض هذه الصواريخ شكلت رعبا حقيقيا للامريكي لولا استخذام نظام الدفاع الاخير 


خط الدفاع الاخير 

لقد كانت السفن الحربية الأمريكية تحاول التصدي   للهجمات الصاروخية البالستية اليمنية باستخدام دفاعات بعيدة المدى، على الأرجح صواريخ Standard SM-2 وStandard SM-6 وEvolved Sea Sparrow إذ تشتبك هذه الصواريخ الدفاعية مع أهدافها على مسافة 8 أميال (حوالي 12 كيلومترًا) غير ان ذلك لم يحدث عندما شن اليمنيون هجوما بصواريخ مطورة في شهر يناير من العام الحالي 

حينها قال مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، توم كاراكو، إنه من "المثير للقلق" أن صاروخ الحوثيين اقترب بشدة من سفينة حربية أمريكية.
في حين قال المحلل، كارل شوستر، وهو كابتن سابق في البحرية الأمريكية، إن الصاروخ الحوثي، الذي كان يتحرك بسرعة حوالي 600 ميل في الساعة (965 كيلومترًا في الساعة)، كان على الأرجح على بعد حوالي 4 ثوان من ضرب السفينة الحربية الأمريكية قبل ان يتم استخدام خط الدفاع الاخير للتعامل معه وهو  نظام "فالناكس" Phalanx الآلي بمدافع Gatling التي يمكنها إطلاق ما يصل إلى 4500 طلقة عيار 20 ملم في الدقيقة، والاشتباك مع المقذوفات أو الأهداف
امام كل هذا الاخفاق الامريكي في هذه المعركة بدأت تصريحات قادتها العسكريين تظهر للسطح لتبرر بأن الولايات المتحدة الامريكية ليس بمقدورها مواجهة هذه التهديدات ولابد من وجود شركاء الى جانبها وانها تتحمل تبعات كبيرة وخسائر اقتصادية كبيرة 


امريكا تستخدم التمويه على سفنها 
لم تكن امريكا وبريطانيا  تتوقعان هذا الفشل الذريع لدرجه انهما استخدمتا اسلوب التضليل والتمويه لكي تعبر سفنهما التجارية التي تحمل اعلام دول أخرى وهي نفس الحيل التي استخدمتها سفن الكيان الاسرائيلي غير ان صنعاء اظهرت براعة غير مسبوقة في قدراتها الاستخباراتية والمعلوماتية في تحديد هوية السفن حتى وان كانت تحمل اعلام دول اخرى الامر الذي جعل الامريكان في حيرة كبيرة من قدرات اليمن الاستخباراتية ولكي يخرج الامريكي من دائرة الاحراج يبرر لنفسه بأن ايران تزود الحوثيين بالمعلومات


أمربكا امام مأزق كبير 

تؤكد الدراسات الصادرة عن مراكز ابحاث غربية ان امريكا تواجه مأزقًا استراتيجيًا في اليمن، حيث تبدو جميع الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع الحوثيين محفوفة بالمخاطر. الاستراتيجية الحالية التي تنتهجها إدارة بايدن، والتي تتضمن سلسلة من الضربات البحرية والاعتراضات، تُعد الأقل فعالية 

 وان هذه الحملة تُغرق البحرية الأمريكية أكثر فأكثر في مستنقع الشرق الأوسط، بحثًا عن هدف يبدو بعيد المنال، في حين تتجه الأنظار بشكل متزايد نحو المحيط الهادئ كمسرح رئيسي للعمليات العسكرية.


وفيما تدرس الولايات المتحدة وتبحث عن استراتيجيات بديلة للتعامل مع تهديدات صنعاء على سفنها وسفن الكيان في البحرين الاحمر والعربي والمحيط الهندي يؤكد الخبراء بان اي خطط بديلة ستكلف امريكا المزيد من الخسائر الباهضة دون تحقيق اي نتائج وانه يتوجب عليها ان تسلك مسار  الحلول الدبلوماسية التي قد تكون الخيار الأمثل لتجنب التصعيد العسكري و أن السلام في غزة قد يكون الحل النهائي لهذا الصراع المستمر.