مايو 3, 2024 - 21:58
مايو 7, 2024 - 09:39
مدير مركز القدس للدراسات السياسية لـ(عرب جورنال): التصعيد اليمني الجديد ضد الملاحة الإسرائيلية تحول إستراتيجي سيأخذ مجراه العملي وأمريكا حذرة من عملية رفح لفشلها في تأمين هذه الملاحة

في حوار خاص تستضيف "عرب جورنال" مدير مركز القدس للدراسات السياسية، عريب الرنتاوي، للوقوف عند أبرز وآخر المستجدات الراهنة على الساحة الإقليمية والدولية والمتعلقة بتطورات الأحداث في غزة، وعلى رأسها انتفاضة الطلبة في الجامعات الأمريكية والأوروبية انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني في غزة. ويناقش الحوار عدد من الملفات العسكرية والسياسية الساخنة في المنطقة على وقع معركة غزة، بينها توسيع القوات المسلحة اليمنية نطاق الحصار على الملاحة الإسرائيلية إلى البحر المتوسط، تزامناً مع تحركات إسرائيلية أمريكية لاقتحام رفح. كما يسلط الحوار، الضوء على المحاولات الأمريكية لتسريع صفقة التطبيع بين السعودية و"إسرائيل" وتداعياتها على المنطقة. 

عرب جورنال / حوار / حلمي الكمالي _

غزة قسمت العالم إلى فسطاطين، فسطاط الأخلاق والقيم والعدالة والحق وفسطاط الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعنصرية والابارتايد

انتفاضة الجامعات الأمريكية لم يكن حدثًا منبتًّا عن سياقه وتأثير هذا الجيل الذي بدأ ينفض عن نفسه غبار الرواية والسردية الإسرائيلية سيكون واضحا في قادمات الأيام 

المنظومة القيمية والأخلاقية للولايات المتحدة والغرب سقطت سقوطاً مدوياً مع أول صاروخ إسرائيلي انطلق لقتل النساء والأطفال في قطاع غزة 

الولايات المتحدة زعيمة ما يسمى بـ"العالم الحر والمتحضر " تستعير خطاب الديكتاتوريات في العالم العربي في قمع الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية

ما زالت الفرصة قائمة أمام الوصول لاتفاق تهدئة في غزة لكنها تتآكل شيئا فشيئا على وقع الهيجان الذي يصيب نتنياهو وبعض أركان حكومته من اليمين المتطرف، وواشنطن الشريك لإسرائيل في حرب التطهير والإبادة ما زالت تشاطر الاحتلال أهداف الحرب 

اليمن يواكب التصعيد الإسرائيلي في غزة، والتهديد اليمني الجديد ضد الملاحة الإسرائيلية في البحر المتوسط هو تحول إستراتيجي يأتي رداً على التهديدات الإسرائيلية بفتح معركة رفح، وسيأخذ مجراه العملي، وقد برهن اليمن أنه قول وفعل وأنه مع فلسطين

ثمة ما يشبه الإعتراف الرسمي من جانب الولايات المتحدة بالفشل والخيبة في الحد من العمليات اليمنية ضد الأهداف الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر

الولايات المتحدة أكثر حذراً في التعامل مع عملية إسرائيلية في رفح بسبب عجزها عن تأمين الملاحة البحرية إلى "إيلات" وفشلها عموماً في إسكات جبهات الإسناد سواءً على صعيد باب المندب والبحر الأحمر أو على صعيد جنوب لبنان

أنصار الله الذين لم ترهبهم التهديدات ولا الغارات ولا الضربات البريطانية والأمريكية وخاضوا حرب السنوات الثمانية ببسالة واقتدار وكفاءة؛ لن ترهبهم تحركات بعض الفصائل المحسوبة على التحالف السعودي الإماراتي، والمحروقة يمنيا وعربيا وإسلاميا

أنصار الله بعد دخولهم المباشر على خط الصراع في الحرب الفلسطينية الإسرائيلية في غزة، انتقلوا من كونهم مجرد قوة محلية في اليمن إلى لاعب إقليمي يشار له بالبنان

إدارة بايدن تريد إغلاق ملف التطبيع الإسرائيلي السعودي في عهدها قبيل الانتخابات، والجانب السعودي يبدو أيضا مستعجلاً وقد قدم تصوراً يهبط عن سقف مبادرة السلام العربية في عام 2002

السداسية العربية بحثت عدد من التفاصيل التي إن جرى التطبيع السعودي الإسرائيلي ستعلن السلطة الفلسطينية أن هذا التطبيع جاء في خدمة الفلسطينيين وبالتنسيق معهم ! والسلطة جاهزة للقبول بما هو أقل بكثير من إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة وحل قضية اللاجئين وحدود 67 والقدس الشرقية

_ البداية من الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية من أجل غزة، والذي بدأ يمتد إلى الجامعات الأوروبية.. أي انعكاسات لهذا الحراك، على الدعم الغربي المقدم لاستمرار العدوان على غزة؟ وأي تداعيات لهذا الحراك على الداخل الأمريكي المنقسم خصوصا في ظل حالة القمع والسلطوية التي ظهرت عليه إدارة بايدن؟ وهل انقلاب المشهد الدولي على الرواية الإسرائيلية قد يضعنا أمام انهيار محتمل للمنظومة الغربية الصهيونية المهيمنة على القرار الدولي؟

استبعد أن يكون هناك تأثيراً فورياً لهذا الحراك على المواقف والسياسات الأمريكية بالذات مما يجري في قطاع غزة. ولكن على المدى المتوسط والبعيد، هذه الجامعات هي أماكن تفريخ النخب القيادية في الإدارة والمؤسسات والمجتمع الأمريكي.

تأثير هذا الجيل الذي بدأ ينفض عن نفسه غبار الرواية والسردية الاسرائيلية، سيكون واضحا في قادمات الأيام. سيما وأن أخذنا بنظر اعتبار استطلاعات الرأي العام التي تتحدث عن تحولات كبرى في أوساط الشباب الأمريكي، بما في ذلك الإنجيليين منهم، الذين اعتادوا أن يكونوا أكثر دعماً لإسرائيل. وحتى الصوت التقدمي اليهودي بدأ يبرز في هذه الأحداث بصورة غير مسبوقة، وبالذات في أوساط الشباب.

غزة قسمت العالم إلى فسطاطين، فسطاط الأخلاق، القيم العدالة، الحق، وفسطاط الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعنصرية و "الأبارتايد" وغيرها من قيم بالية رجعية معادية لكل ما هو إنساني في تكويننا. وما يجري في الولايات المتحدة، أن هذا الجيل قرر أن يتحرك بدافع من منظومته الأخلاقية والقيمية، وانحيازه للحق والعدالة، وكرهه للعنصرية والتمييز العنصري والشعبوية المفرطة واليمين المتطرف، الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، الذي يمارس بحق أهلنا في قطاع غزة. 

انتفاضة الجامعات الأميركية لم تكن حدثًا منبتًّا عن سياقه، فثمة صحوة بدأت منذ عدة سنوات لتيارات مدنية وليبرالية وتقدمية وحقوقية في الولايات المتحدة، توّجت بانتفاضة جورج فلويد وحراك "حياة السود مهمة" والدور المتنامي للحركة النسائية في مواجهة خطاب يميني غارق في المحافظة، يغرف أحيانًا من قواميس "قروسطية".. بهذا المعنى يمكن القول؛ إن هذه الانتفاضة، لم تكن فعلًا مُؤسِسًا لتحولات المشهد الأميركي، بقدر ما كانت تتويجًا لمسار من التحولات، تدلل كافة المؤشرات على أنه سيستمر ويتنامى.. وبهذا المعنى تجوز المقارنة مع التحفظ، بين جورج فلويد الأميركي والبوعزيزي التونسي، فكلاهما كان غزالًا بشّر بزلزال. 

المنظومة القيمية والأخلاقية للولايات المتحدة والغرب سقطت سقوطاً مدوياً مع أول صاروخ إسرائيلي انطلق لقتل النساء والأطفال في قطاع غزة. ما يجري اليوم هو إيذان بنهاية حقبة. كل هذا القناع الزائف عن الحقوق والحريات، سقط سقوطا ذريعا للمرة الثانية في سبعة أشهر داخل المجتمعات الغربية.

الرئيس الأمريكي اضطر إلى أن يكذب وهو يبرر ما حصل من قمع في جامعة كولومبيا وفي كاليفورنيا وغيرها من الجامعات، عندما أدعى بأن الطلبة المعتصمين في الحرم الجامعي لجأوا إلى العنف والكراهية وهددوا حياة اليهود. علماً بأن جزء مهم من المشاركين في هذه الاحتجاجات، هم من أتباع منظمة الصوت اليهودي التي ترفض "إسرائيل" وممارساتها الإجرامية ضد شعبنا في قطاع غزة.

إذاً نحن نرى الولايات المتحدة زعيمة ما يسمى العالم الحر والمتحضر، تستورد أو تستعير خطاب الديكتاتوريات في العالم العربي التي ما أن يخرج نفرٌ للتظاهر أو الاعتصام في الشارع، حتى يلحق به كل الأوصاف والنعوت والاتهامات بهذا المعنى.

السقط الأكبر هي للإعلام الغربي والإسرائيلي خاصة، والذي يحاول أن يروج بأن حراك الجامعات الأمريكية هو من دفع حماس والإخوان المسلمين والمال القطري، لكأن هذه القوى تسيطر على أهم العقول الغربية في أهم الجامعات الغربية، وتلكم دعاية زائفة ساقطة لا يمكن لها أن تصمد أمام الوقائع العنيدة.

_ في ظل ما يجري من مفاوضات بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال.. هل تعتقدون أنه هذا المسار قد يفضي إلى نتيجة واضحة في الوقت القريب كوقف العدوان أو هدنة طويلة الأمد كأقل تقدير؟ وإلى أي درجة يمكن التعويل على صفقة قريبة أو وقف للحرب في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية باقتحام مدينة رفح؟ 

نحن في سباق محموم بين الدبلوماسية وطبول الحرب التي تقرع بقوة ضد رفح. نحن في الأمتار الأخيرة من هذا المفترق. في ظني ما زالت الفرصة قائمة أمام الوصول لاتفاق تهدئة، ولكنها تتآكل شيئا فشيئا على وقع الهيجان الذي يصيب نتنياهو وبعض أركان حكومته من اليمين المتطرف. وفي ظل الموقف الأمريكي المتلكئ والمائع الذي لم يضع حتى الآن خطاً أحمراً في وجه عملية عسكرية إسرائيلية في رفح. ودائما ما يتحدث عن التحفظ على عملية كبيرة قبل إجلاء المدنيين.

واشنطن الشريك لإسرائيل في حرب التطهير والإبادة. واشنطن ما زالت تشاطر إسرائيل أهداف هذه الحرب، سواءً في القضاء على حماس والمقاومة، وإطفاء جذوة المقاومة في نفوس وأرواح الشعب الفلسطيني، أو فيما يخص بالحقيقة استرداد المحتجزين بالقوة الغاشمة، وتحويل قطاع غزة إلى بؤرة غير قابلة للعيش البشري.

لذلك مخاطر العملية العسكرية الآن ما زالت قائمة، وربما تفوق احتمالات الوصول إلى اتفاق، لكن كما يتضح واشنطن أيضاً تحسب ألف حساب للفشل الاسرائيلي. إسرائيل فشلت في شمال غزة وفي خان يونس، وليس لدى واشنطن ثقة بأن إسرائيل ستصيب النجاح في رفح.

صحيفة "نيويورك تايمز" سبق وأن نقلت عن مسؤولين أميركيين كبار بأن ما يبحث عنه في رفح لم يجده في غزة وفي خان يونس، وهيهات أن يكون نتنياهو وجيشه متأكدان من أنهما سيحصدان في رفح على ما عجزوا عن تحصيله في خان يونس وفي شمالي غزة.

الساعات والأيام القليلة جداً القادمة حاسمة لجهة كسب هذا الرهان بين سباق الحرب والدبلوماسية. المقاومة وضعها سليم في رفح، الفاتورة الإنسانية باهظة لا شك في ذلك. ولكن الإسرائيلي لن يذهب إلى نزهة قصيرة في رفح. ورفح وفق كل التقديرات، قد تكون أم المعارك في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وهذا أيضا ما يدفع الإسرائيلي للتريث والتردد والتسويف.

لاحظنا في الآونة الأخيرة أن رفح، والتلويح بعملية فيها لم تعد ورقة قوية في يد الإسرائيلي، ولم تعد سيفا مضاءا في يد الإسرائيليين. المقاومة التي خاضت حروب في الشمال وفي الوسط، وتأقلمت مع تكتيكات الجيش وضراوته وعنفه وفاشيته؛ تعد العدة لجولة جديدة نأمل وإن شاء الله، أنها لن تكون لصالح الإسرائيليين في هذا المجال، وعندها سيضحك كثيراً من سيظحك أخيراً.

_ بعد إعلان القوات المسلحة اليمنية دخولها مرحلة رابعة من التصعيد دعما لغزة بتوسيع نطاق العمليات من البحرين الأحمر والعربي وباب المندب والمحيط الهندي إلى البحر المتوسط، واستهداف كل السفن المتجهة إلى موانئ الاحتلال في أي مكان ومن أي جنسية كانت.. أي تحول إستراتيجي يفرضه اليمن في مساندة غزة؟ 

اليمن يواكب التصعيد الإسرائيلي في غزة، وفي ظني أن هذا التحول الإستراتيجي على جبهة باب المندب؛ إنما يتزامن مع التهديدات الإسرائيلية بفتح معركة رفح.

في ظني أن هذا التهديد سيأخذ مجراه العملي، واليمن برهن أنه قول وفعل وأنه مع فلسطين. سيجري ترجمة هذا القرار إن وصلت المفاوضات حول التهدئة إلى طريق مسدود، وإن ركب العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو رأسه وذهب إلى معركة رفح.

أعتقد هو إيذان بأن الإقليم سوف يشتعل برمته على وقع التطورات في غزة في الساعات والأيام القليلة القادمة. 

_ بعد فشل هجماتها العسكرية في وقف العمليات اليمنية المساندة لغزة، يبدو أن الولايات المتحدة تتجه لدعم عملية برية في اليمن عبر الفصائل الموالية للتحالف السعودي الإماراتي.. برأيكم أي عواقب خطيرة لهذه الخطوة على أمن واستقرار المنطقة وعلى رأسها السعودية والإمارات؟ وهل تعتقدون أن اليمن نجح في فرض معادلته البحرية في ظل استمرار عملياته المساندة لغزة وتوسيع نطاقها إلى المحيط الهندي؟ 

ثمة ما يشبه الإعتراف الرسمي من جانب الولايات المتحدة بالفشل والخيبة في الحد من العمليات التي تنطلق ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية وبريطانية في البحر الأحمر من قِبل الإخوة اليمنيين. ثمة رغبة أمريكية بالانتهاء سريعا من ملف الأزمة في غزة، وهذا ربما أحد المحركات التي تجعل واشنطن حذرة في عملية رفح، لا أقول ترفض عملية رفح، ولكنها أكثر حذراً في التعامل معها لأنها في الحقيقة عجزت عما تسميه تأمين الملاحة في البحر الأحمر، والمقصود الملاحة البحرية من منظور أمريكي، الملاحة إلى "إيلات" على وجه التحديد. لذلك أعتقد أن الولايات المتحدة ستكون أمام خيارين، إما الذهاب إلى صفقة تنهي حالة التصعيد الإقليمي وسيناريو الانفجار الكبير سواءً في البحر الأحمر أو على الجبهة الشمالية بين لبنان وفلسطين المحتلة، أو إلى عملية سريعة في رفح موضعية جراحية وغير ذلك مما يفضله الأمريكيون تفادياً لهذا السيناريو وإقراراً بالفشل في إسكات جبهات الإسناد سواءً في باب المندب والبحر الأحمر أو على صعيد جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة. 

لاحظنا بالأيام الأخيرة أن هناك تحركات وحشود تقوم بها بعض الفصائل اليمنية المحسوبة على التحالف العربي التحالف السعودي الإماراتي ضد اليمن وضد "الحوثيين"، لكن أنصار الله الذين لم ترهبهم التهديدات ولا الغارات ولا الضربات البريطانية والأمريكية وخاضوا حرب السنوات الثمانية ببسالة واقتدار وتمرسوا في هذه المعارك بكفاءة تطوير أسلحتهم الصاروخية والمسيرات وغيرها؛ أعتقد أن هذه تحركات لن ترهبهم.

أنصار الله بعد دخولهم المباشر على خط الصراع في الحرب الفلسطينية الإسرائيلية في غزة، انتقلوا من كونهم مجرد قوة محلية في اليمن إلى لاعب إقليمي يشار له بالبنان. ولا أظن أن تحركات بعض الأسماء والرموز المعروفة والمحروقة يمنيا وعربيا وإسلاميا وغيرها، من شأنها أن تستحدث خللاً في المعادلة. هي عملية تشويش، إزعاج، تشديد انتباه يتعرض لها أنصار الله في اليمن، مثلما رأينا في لبنان، كثافة في الحملة على حزب الله من قبل وخصومه المحليين، ووصفه بأنه السبب في كل الشرور التي مر بها ويمر بها لبنان. لا هذه المحاولات نجحت في ثني اليمن عن خوض غمار الإسناد لجبهة غزة، ولا تلك نجحت في ثني حزب الله عن مواصلة القتال على جبهة الإسناد اللبنانية لفلسطين. 

_ ما هي قراءتكم للتحركات الأمريكية القائمة والحديث عن محاولات لتسريع صفقة التطبيع بين السعودية و"إسرائيل" ؟ ولماذا ظهر عباس الذي صمت عن مجازر الاحتلال غزة، للحديث من الرياض عن أمن "إسرائيل" ؟ وأي حديث أمريكي عن دولة فلسطينية في وقت ترفض واشنطن منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة؟  ماذا يدور تحت الكواليس بالضبط؟ 

إدارة بايدن في واشنطن تريد إغلاق ملف التطبيع الإسرائيلي السعودي في عهدها، ولا تريد ترحيل هذا الملف إلى ما بعد الانتخابات، لأنها تعتبر هذه الورقة رصيداً لها في العملية الانتخابية، ولا تريد أن تقدمها على طبق من فضة لإدارة ترامب في حال فوز الأخير في المعترك الانتخابي. والجانب السعودي يبدو أيضا مستعجلاً، فقد قدم تصوراً يتراجع أو يهبط عن سقف مبادرة السلام العربية في عام 2002. في قمة بيروت قيل أن التطبيع ممكن في حال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية المحتلة عام 1967، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره وبناء دولته على خطوط الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية، وتوفير حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين.

الآن السعودية تتحدث عن تطبيع مقابل مسار لا رجعة عنه كما يقال ! ولست أفهم ما الذي يعنيه هذا المصطلح. ولست أعرف ما الذي ستفعل السعودية في حال تراجعت عن هذا المسار ؟! ولدينا سجل تاريخي حافل من التراجعات والنكوص بالوعود من قبل الجانب الإسرائيلي.

اليوم في الحقيقة ينتابني قلقٌ أشد، هذا التصعيد، وهذا التلويح، وهذا الإصرار الإسرائيلي، وهذه المماطلة الأمريكية في مسألة معركة رفح. أخشى أن نصل إلى معادلة جديدة عنوانها هذه المرة رفح مقابل التطبيع، بمعنى أن تمتنع "إسرائيل" عن اجتياح رفح بشكل كامل، مقابل تطبيع فوري بعد وقف إطلاق النار مع المملكة السعودية.

هناك ما يشي في الأجواء بأن إسرائيل تريد مثل هذه المعادلة، وأن واشنطن ترغب بمثل هذه المعادلة. فكلاهما إسرائيل والولايات المتحدة تدركان أنه لا مسار بلا رجعة،  وأن حل الدولتين بات وراء ظهورنا وليس أمامنا، وأنه لا شريك إسرائيليا في حل الدولتين.

ولست استبعد تماما أن تكون المعادلة الجديدة للتطبيع هي رفح مقابل التطبيع، وتلكم بحد ذاتها دلالة أخرى على تهافت الحال العربي الرسمي. 

في ظني أن زيارة الرئيس عباس للمملكة العربية السعودية، كانت بهدف التشاور لمعرفة ما الذي يمكن أن يكون مرضياً للسلطة الفلسطينية لكي تقدم المملكة العربية السعودية على اتفاق تطبيع مع إسرائيل، ما الذي قد تعتبره السلطة الفلسطينية مساراً لا رجعت عنه أو أفق سياسي بمغزى ؟! وفي ظني أن السلطة الفلسطينية جاهزة للقبول بما هو أقل بكثير من إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة وحل قضية اللاجئين وحدود 67 والقدس الشرقية.

في ظني أن السلطة تبحث عن بعض الامتيازات، بعض المكاسب، بعض الصلاحيات، بعض التوسع هنا أو هناك، تقليص الاجتياحات الاسرائيلية أو تخفيضها، تمكين الأجهزة الأمنية الفلسطينية من القيام بدورها نيابة ربما عن الإسرائيليين.

أعتقد أنهم يبحثون في عدد من هذه التفاصيل التي إن جرى التطبيع مقابلها ستعلن السلطة أن هذا التطبيع جاء في خدمة الفلسطينيين وبالتنسيق معهم، وبما يخدم قضيتهم الفلسطينية !

السلطة الفلسطينية ذاهبه في مشروعها في إطار السداسية العربية وبالتنسيق مع الولايات المتحدة. وأعتقد أن كل هذا الصخب حول رفض عباس استقبال بلنكين في رام الله،  شهدنا مثله من قبل، وسنشهد مثله ربما من بعد، ولكن في نهاية المطاف، قل لي من شركاؤك وحلفائك أقول لك من أنت. 

_ المنطقة إلى أين في ظل التطورات الملتهبة على إمتداد الخارطة، من وجهة نظركم؟ وهل تعتقدون أن صمود محور المقاومة في عموم جبهات المساندة لغزة وتطورات البحر الأحمر والرد الإيراني على "إسرائيل" قد خلط كل الأوراق على الأمريكي ووضعه أمام واقع جديد؟ وكيف سيتقبل الأمريكي هذا الواقع الجديد برأيكم؟ 

نحن ما زلنا في قلب المعركة على المستوى الإقليمي، والولايات المتحدة تسعى جاهدة لتحويل نصر المقاومة وصمودها وثباتها إلى مكسب استراتيجي.

والمكسب الإستراتيجي كما تراه واشنطن هو في التطبيع السعودي الإسرائيلي، وفي إقامة تحالف بين إسرائيل وبعض دول (الإعتدال) العربي. هذا ما اتضح في الآونة الأخيرة، وهذا هو جوهر التركيز الأمريكي في هذه المرحلة. وأعتقد أن المعركة العسكرية حتى وإن حسمت، ستتبعها معركة سياسية كبيرة ربما تكون أشد ضراوة وفي ضوء هاتين المعركتين سوف تتضح الأمور وترتسم خرائط المنطقة وصورتها ومستقبلها.