
في حوار حصري تستضيف "عرب جورنال" عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، محمد البشير، لمناقشة جملة من المواضيع والملفات الساخنة في المنطقة، وأهمها تطورات معركة طوفان الأقصى وانعكاساتها الإقليمية. ويسلط الحوار الضوء على صفقة التطبيع المحتملة بين السعودية و"إسرائيل"، في ظل تراجع أمريكي واضح عن "أثمان الصفقة" لجهة السعودية، وهي الصفقة التي باتت مرتبطة كسابقاتها من صفقات التطبيع، بتصفية القضية الفلسطينية بعد إسقاط إقامة الدولة الفلسطينية من بنودها. كما يناقش الحوار عدد من المستجدات الراهنة في المنطقة العربية، والمتعلقة بأحداث غزة.
عرب جورنال/ حوار/ حلمي الكمالي _
التفوق أصبح واضحاً للمقاومة الفلسطينية في معركة غزة، مقابل جيش إسرائيلي مهزوم، ومتفائلين جداً في تحقيق انتصار كبيرة للمقاومة على الصعيد السياسي مستقبلاً
عملية طوفان الأقصى أدت إلى انهيار مشروع التطبيع بشكل كامل بعد أن أصبح الكيان يشعر بأنه يخوض معركة فاصلة ووجودية، بينما تعتبرها المقاومة معركة من معارك كثيرة في مواجهة الاحتلال
اليمن ضرب مثالا حقيقيا عندما أكد للغرب أن الدفاع عن هذا الكيان يجب أن يدفع مقابله ثمنا باهظا؛ وهي معادلة اقتصادية تتناسب مع مضمون سياسة الغرب في تعامله مع أمتنا العربية واستغلاله لثرواتها
مساندة اليمن لغزة وكذلك بقية جبهات المقاومة، أثبتت أن هذا الكيان يمكن إزالته، كما أثبتت للغرب أنه لا وجود له في هذه المنطقة
الرواية الفلسطينية أصبحت اليوم هي الرواية الأصدق عند الغرب، وما يحدث من حراك عالمي ضد الصهيونية يعد مدخل حقيقي لأن يكون هناك أقطاب متعددة بعيداً عن القطب الواحد
حركتنا السياسية المنظمة في الوطن العربي أصابها الشلل، وتم التآمر عليها ومحاصرتها من قِبل النظام العربي الرسمي الذي ساهم في الحد من الخروج الشعبي المستمر لدعم غزة
_ بعد 8 أشهر من العدوان على غزة في ظل إخفاقات إسرائيلية واضحة وصمود فلسطيني رهيب.. ما توقعاتكم لمستقبل المعركة في غزة على ضوء التطورات العسكرية القائمة في القطاع وأيضاً على وقع التطورات الإقليمية وجبهات المقاومة المساندة؟ وأي تداعيات خطيرة للعدوان الصهيوني على رفح، خاصةً على دول الجوار الفلسطيني برأيكم؟
استطيع أن أقول إن هذه المقاومة التي استندت إلى قوتها أولاً، وحاضنتها الشعبية العظيمة ثانياً، وإجرام هذا الكيان الصهيوني ثالثاً، هذه الثالوثية هي القواعد الأساسية التي تجعلنا متفائلين جداً في انتصار المقاومة، وفي تحقيق انتصارات كبيرة باعتبار أن هؤلاء استطاعوا أن يعدوا العدة بشكل واضح مستفيدين من التجارب الماضية في صراعهم مع هذا الكيان، مقابل جيش مهزوم استدعى إليه ليشغل آلياته التي تعمل على أجهزة الكمبيوتر؛ جيش من الموظفين الذين تعاملوا مع الوظيفة بشكل بعيد عن العسكرية، وهذا يؤكد نتائج هذه المعركة خلال الفترات الماضية.
بما يعني أن التفوق أصبح واضحاً للمقاومة ما بين القوى بعد حصار بري وبحري وجوي. وأود أن أذكر هنا، أن ثورة المقاومة الفلسطينية هي الثورة الوحيدة في العالم التي ليس لها عمقاً جغرافياً، كما حصل في كل ثورات العالم.
غزة، هذه المساحة الجغرافية المتواضعة المحاصرة من كل مكان، استطاعت أن تحقق ما لم تستطع أن تحققه كل الدول العربية التي أدعت أنها رافضة لوجود هذا الكيان، وعملت ودفعت ثمناً غالياً لا شك في تصديها لبرنامج أمريكا والغرب في زرع هذا الكيان.
بالتالي فإن الواضح تماما، أن المستقبل للمقاومة إن شاء الله.
_ بخصوص صفقة التطبيع المحتملة بين السعودية و"إسرائيل" نلاحظ خفض أمريكي كبير في وعود الصفقة لجهة السعودي.. إذ يؤكد المسؤولين الأمريكيين اليوم أن الصفقة ستكون مقابل "مسار ذا موثوقية" لإقامة دولة فلسطينية، بدلاً من الشروع في إقامة هذه الدولة، كما بدأ الحديث عن تهدئة في غزة بدلاً من وقف العدوان.. برأيكم هل يمكن القول أن الأمريكي تراجع عن وعوده أم أن ما كان يقال في البداية هو مجرد كلام لتبرير الصفقة؟ وهل تعتقدون أن هذه الصفقة كسابقاتها من صفقات التطبيع والتي خدمت الإسرائيلي على حساب الدم الفلسطيني، أم أن ثمن هذه الصفقة هو أكبر بكثير وعلى حساب الوجود الفلسطيني ككل؟
فيما يتعلق بالتطبيع مع السعودية، يعتقد الأمريكان والغرب بشكل عام على تحقيقه من خلال السعودية تتويجاً لما يسمى بالمشروع"الإبراهيمي للسلام".
ولكن أعتقد أن طوفان الأقصى أدى إلى انهيار هذا المشروع بشكل عام، باعتبار أنه حتى الدول الحاضنة شعبيا وكثير من ممثلي هذه الدول المطبعة يقفون اليوم في موقفاً مختلفاً بعد أن انتصرت الرواية الفلسطينية، وبعد أن أصبح الكيان يشعر أن هذه المعركة هي معركة فاصلة، بينما المقاومة لم تقل ذلك، سواء كانت المقاومة الفلسطينية أو جبهات المقاومة المساندة.
جميعنا يتفق على أن هذه المعركة ليست المعركة الفاصلة، بينما هذا الكيان بإجرامه الغير عادي الذي أتى على البنية التحتية بكل عناوينها سواء كانت ذات علاقة بالصحة، أو ذات علاقة بالتعليم أو ذات علاقة بالبنية السكانية، والطرق أو غيرها؛ يؤكد مرة أخرى أنهم يعتبرونها معركة فاصلة، بينما نحن نعتبرها معركة من معارك كثيرة في مواجهة الاحتلال، لكنها المعركة الأكثر تتويجاً لحاجتنا إلى كنس هذا الكيان.
وبالتالي، فإن مشروع التطبيع مع الكيان أو الدولة الفلسطينية، قد فشل، فلم يعد هناك مشروع حل الدولتين، لأن الغرب لا يريد دولتين.
وفي ذات الوقت، هذه المعركة تؤكد مرة أخرى، أن فلسطين هي لأهلها وستعود إن شاء الله ، بعد أن يفيق العرب ويغيروا الخارطة السياسية التي ما زالت تتماهى بأجنداتها المختلفة مع المشروع الأمريكي، ورأس حربته الكيان الصهيوني.
_ بصفتكم عضو أمانة المؤتمر القومي العربي .. كيف تقيّمون دور الأحزاب السياسية والحركات الوطنية العربية تجاه ما يحدث من عدوان صهيوني على غزة؟ وما الذي يتوجب على هذه الأحزاب والحركات فعله اليوم لنصرة مظلومية غزة ومواكبة الأحداث والمتغيرات الإقليمية والدولية خاصة في ظل الحراك السياسي والطلابي العالمي القائم ضد الصهيونية العالمية؟
طبعا من المهم أن نميز بين النظام الرسمي العربي الذي استطاع خلال الفترة الماضية أن يؤثر تأثيراً كبيراً على الحركة المنظمة على الصعيد العربي، والذي استطاع بعد أن هزمت المشاريع القومية والمشاريع اليسارية، لأسباب تتعلق بالحرب البينية فيما بين هذه المشاريع، أو الحرب المباشرة من قبل الغرب وأدواته كالنظام الرسمي العربي ضد هذه القوى، حيث أصبح تحجيمها واضحاً، لكن خلال المعارك الكبرى دائما ما تتجاوز أمتنا كل هذه المعوقات التي فرضها النظام الرسمي العربي بشكل أو بآخر، وتصبح هي سيدة الموقف أو المشهد السياسي.
لكن فعاليته بسبب غياب الحركة المنظمة بشكل أو بآخر يؤدي إلى تواضع مساهماتها في نصرة أي معركة عربية، كهذه المعركة التي تحدث في غزة. خلافاً لذلك نجد أن الحركة المنظمة في الغرب سواء كانت على الصعيد الطلابي أو على الصعيد السياسي، استطاعت أن تفرض وجودها لأنها حركة منظمة.
لذلك عندما نرى أن هناك نحو مائة مدينة في بريطانيا أو مثيلتها في إسبانيا، أو ما يحدث في كل الجامعات الأمريكية، فهذا منبعه الحركة المنظمة.
وبالتالي حركتنا المنظمة في الوطن العربي أصابها الشلل، وتم التآمر عليها ومحاصرتها، وأصبحت الدولة القُطرية تقدم المنفعة الدائمة لجمهور واسع بحاجة إلى خدمات، وأصبحت سلة الاستهلاك فيها عاليا.
هذا كله ساهم في أن يكون للأجهزة الأمنية في الحكومات العربية دوراً هاماً في الحد من الخروج المستمر لدعم غزة.
لاحظنا في بداية الحرب على غزة، أن الخروج كان هائلاً، وكان الشارع ينبض عربيا وينبض شعبيا وحتى على مستوى الشارع الاسلامي، دعما لغزة، لكن بعد ذلك ومع مرور الوقت والمحاصرة والملاحقة للمتضامنين مع غزة، وغياب العمل المنظم الحقيقي أدى إلى ظمور ذلك.
لكن ظل الخطاب السياسي للقوى السياسية على الرغم من قلة تنظيمها، هو سيد الموقف. فهذه النشاطات المختلفة السياسية ابتداءاً من البيان والتصريح والاعتصام والمسيرة وجمع التبرعات والتأييد، سواء كانت من المنظمة على شكل المؤتمر القومي العربي أو المؤتمر القومي الاسلامي أو المؤتمر العربي العام، أو القوى المتفرعة عنها، كل هؤلاء على قلة العدد المنظم، استطاعوا أن يثبتوا حضوراً، ويعبروا عن نبض الشارع الذي كانت ترجمته الأساسية في المقاطعة، وفي أيضاً مقاومة التطبيع، بحيث أصبح التطبيع وراءنا بعد أن فرضت طوفان الأقصى معادلة أن هذا الكيان يجب أن يزول.
_ ما تعليقكم على التدخل العسكري اليمني لمساندة غزة؟ وماذا يعني نجاح اليمن في فرض معادلته البحرية الداعمة لغزة على الرغم من العدوان الأمريكي البريطاني الأوروبي؟ وهل تعتقدون أن الموقف اليمني المفاجئ قد خلط الأوراق على الأمريكي والإسرائيلي وساهم في مراجعة الأعداء لحساباتهم في ما يخص معركة غزة، وتحديداً اقتحام رفح الذي يبدو العدو مخاوفاً من خوضها بشكل أعمق بعد إعلان القوات المسلحة اليمنية توسيع نطاق الحصار على الملاحة الإسرائيلية إلى البحر المتوسط ؟
واضح تماماً أن كل من يقاوم هذا العدوان الأمريكي على وجه الخصوص، الصهيوني كرأس حربة لأمريكا والغرب؛ هو بحاجة إلى مواجهة عربية، ويجب أن يشعر الغرب أن وجود هذا الكيان يكلفه أكثر مما يستفيد من المنطقة من عوائد اقتصادية أو عوائد سياسية أو ممرات استراتيجية.
وبالتالي، اليمن ضرب مثالاً حقيقياً على أن الدفاع عن هذا الكيان واستمرار وجود هذا الكيان يجب أن يدفع الغرب ثمنا باهظا مقابله؛ باعتبار أن المعادلة الإقتصادية تتناسب مع المضمون الحقيقي للخطاب السياسي الغربي في تعاملهم مع أمتنا العربية، وتجزئتها من أجل استغلال ثروات الأمة وتحويلها إلى سوق استهلاكي بعيداً عن السوق الانتاجي.
وبالتالي، فإن مشاركة اليمن ومساندته لغزة، بالإضافة إلى المساندة العراقية واللبنانية جسدت عنوان أن هذا الكيان يمكن إزالته، حتى ولو كانت مواقف النظام الرسمي العربي مختلفة.
لذلك نرى أن كل المقاومين هم خارج النظام الرسمي، حركات سياسية تحولت إلى حركات مسلحة سواء بجهد ذاتي أو بدعم من إيران الصديقة والتي لم تبخل على هذه القوى في أن تكون لها حضوراً.
وبخصوص الكلمات الغربية اللعينة التي تحاول أن تشيطن هذه المقاومات وتزعم بأنها أذرع لايران، فالحقيقة أن هذه المقاومات لم تحقق مصالح معينة لايران، بل حققت مصالح حقيقية لأمتنا، واستطاعت أن تقول لهذا الغرب ولهذا الكيان : أنت لا وجود لك في هذه المنطقة، ونحن نرفضك باسم كل أمتنا العربية التي كانت دائما تنبض بالمواقف الكبرى سواء على الصعيد الثقافي أو على صعيد كرة القدم، أو على الصعيد الاجتماعي، أو على الصعيد العسكري وتوجته حماس، بحيث أصبحت أمتنا كلها ترفض هذا الكيان، بل وامتد رفضها إلى تحقيق انتصاراً في حرب الرواية، بحيث أصبحت الرواية الفلسطينية هي الرواية الأصدق عند الغرب.
هذا الغرب الذي مفاعله الأساسية الحركات المنظمة، وأصبح الشباب اليهودي يمثلون جسماً كبيراً، بحيث أصبحت المعركة العالمية ضد الصهيونية التي تجاوزت الدين وتجاوزت القومية وتجاوزت الحدود، وضد كل هؤلاء الذين يتحكمون بالسلاح الاستراتيجي مقابل ذلك يجوعون العالم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى من حيث نسبة البطالة ونسبة الفقر والتشرد والجوع الذي يعصف بالعالم. وهذا مدخل حقيقي لا شك انه يدفع باتجاه أن تكون هناك أقطاب متعددة بعيداً عن القطب الواحد.
_ ما هي توقعاتكم للمشهد الفلسطيني في غزة وكذلك المشهد الإقليمي والدولي على وقع ما حدث ويحدث من تطورات متغيرات عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية في المنطقة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر؟
المشهد الفلسطيني هو الأروع منذ أكثر من مائة عام. وهو اليوم يفرض حضوره، وهو الذي ترجمته أمريكا عندما تحدثت عن الميناء البحري، وقالت إنها ترسل رسائل كثيرة من خلال آخرين إلى حركة حماس. وهذا يعني أن حماس ما زالت موجودة في غزة، وما زالت الكلمة الأولى والعليا هي للمقاومة.
وهنا طبعاً، لا نقلل من حركة المقاومة وقدرتها في الضفة الغربية، وما تفرضه من معادلات ومواجهات حقيقية، حيث تأتي في المرتبة الثانية بعد غزة.
أعتقد أن المقاومة ستحقق انتصارات كبيرة على الصعيد السياسي مستقبلاً، وهذا طبعا سببه كما أشرت في بداية الحديث عن الأركان الثلاثة المتمثلة في قوة المقاومة وتنظيمها بالبعدين العسكري والمدني، والحاضنة الشعبية التي لن تمل رغم التضحيات الكبيرة، وأيضاً المجازر البشعة التي ترتكبها القوات الصهيونية وحاضنتها الشعبية التي تعبّر صباحاً ومساءً عن العنصرية، عن "الابرتايد"، عن القتل والإبادة التي أصبحت عند الغرب عنواناً من عناوين وجود "إسرائيل".