أبريل 30, 2024 - 16:06
مايو 1, 2024 - 09:40
هل نجحت زيارة بلينكن في خفض التوتر، الصيني الأمريكي .. ؟


أنس القباطي
تمر العلاقات الصينية الامريكية بمرحلة من التوتر المشوبة بحالة من الشك والارتياب، بعد سنوات من التقارب الحذر، وهذه المرحلة ظهرت بجلاء بعد اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية قبل اكثر من عامين، وهو ما يعد نتيجة للموقف الصيني من روسيا، والتي فرضت عليها عقوبات غربية على خلفية الحرب التي شنتها على جارتها اوكرانيا الاقرب إلى الغرب، وهو ما ادى إلى تصعيد ازمة جزيرة تايوان الحليف لواشنطن، والتي تعتبرها الصين جزء من اراضيها.
وزيران في الصين
خلال شهر إبريل/نيسان 2024 زار الصين وزيران امريكيان، هما وزيري الخزانة والخارجية، ما يعد مؤشرا على ان ملفات عالقة توتر العلاقات بين بكين والصين، أبرزها الملف الاقتصادي، وملف العلاقات الخارجية، خاصة ما يتعلق بالعلاقات الصينية الروسية. 
شريكين وليس خصمين
والاربعاء 24 إبريل/نيسان 2024 وصل وزير الخارجية الامريكي، انتوني بلينكن، إلى الصين، في زيارة استمرت ايام، التقى خلالها نظيره الصيني، وانغ بي، ووزير الامن العام، وانغ شياوهونغ، قبل ان يلتقي الرئيس الصيني.
ومن خلال لقاءات الوزير الامريكي، يتضح ان قضايا الامن والسياسة الخارجية والاقتصاد كانت من ابرز الملفات التي جرى نقاشها. وبحسب وكالة الصين الجديدة الرسمية للأنباء؛ اكد الرئيس الصيني للوزير الامريكي ان أكبر اقتصادين في العالم يجب أن يكونا "شريكَين وليس خصمَين"، مبينا أنه لا يزال هناك "العديد من القضايا" التي يجب حلها، كاشفا ان هناك "العديد من المشاكل لا تزال بحاجة إلى حل، ولا يزال من الممكن بذل مزيد من الجهود"، داعيا الولايات المتحدة الامريكية للنظر لتطور الصين بشكل إيجابي. ومن حديث الرئيس الصيني يتبين ان هناك العديد من القضايا ما تزال عالقة بين البلدين، وهو ما يعني ان حالة التوتر القائمة مرشحة للتصاعد، او انها ستقف عند المستوى الحالي من التوتر، ما يعد مؤشرا على وجود هوة بين الطرفين لم تردم بعد، وان حالة عدم الثقة بين البلدين هي سيدة الموقف.
لقاء مطول ومعمق
افادت وسائل اعلام صينية وامريكية ان لقاء بلينكن ونظيره الصيني التي سبقت لقاء الاول بالرئيس الصيني، استمرت قرابة 6 ساعات، وهو مؤشر على أن قضايا عديدة طرحت في اللقاء، وان كثير من التفاصيل أثيرت فيها، ويتضح ذلك من خلال وصف وزير الخارجية الصيني للقاء بانه كان معمقا وبناء، لكن عدم الحديث عن اتفاقات تمخض عنها اللقاء يعد مؤشرا على ان ما تم نقاشه لم يثمر عن اي نتيجة. أكثر من خمس ساعات ونصف ساعة مع وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، وصفها بأنها "معمقة وبناءة".
قضايا حساسة
وفيما لم تكشف القضايا التي ناقشها لقاء بلينكن ووزير الأمن العام الصيني، الذي سبق لقائه بنظيره الصيني والرئيس الصيني، فإن ذلك يراه متابعون مؤشرا على ان قضايا امنية حساسة نوقشت في اللقاء، وبالتالي فإن دخول الملف الأمني في جدول زيارة بلينكن يشير إلى ان طبيعة التوتر القائم اصبح يتعدى ملفي العلاقات الخارجية والاقتصاد، وعليه فإن دخول الملف الامني كقضية خلاف يعني ان هناك تعقيدات كثيرة ستقف عائقا امام تحقيق انفراجة في العلاقات بين البلدين، نظرا لان الملف الامني حساس في العلاقات بين الدول، واستخدامه كورقة ضغط يعقد المشاكل اكثر مما يحلها. ويتكهن مراقبون بأن ابرز قضية اثيرت بين الوزيرين كانت ملف تايوان.
الشرق الاوسط
وكانت قضية الشرق الاوسط من ابرز القضايا التي ناقشها لقاء بلينكن بنظيره وانغ، نظرا لما تمثله التوترات الجيوسياسية في البحر الاحمر وحرب غزة من قلق للولايات المتحدة، والتي ترى ان الصين ستساهم بشكل ايجابي في حلها، نظرا لانعكاسات ما يحصل في غزة والبحر الاحمر من تاثيرات سلبية على الاقتصادين الامريكي والصيني. وفي هذا السياق قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، إن بلينكن بحث مع نظيره الصيني "الحاجة لتفادي المزيد من التصعيد في الشرق الأوسط وفي شبه الجزيرة الكورية".
تصلب بكين
والواضح مما تم تداوله اعلاميا حول  لقاء بلينكن بالمسؤولين الصينيين في زيارته الاخيرة التي جاءت بعد اقل من عام من زيارته السابقة ان بكين أظهرت تصلبا في موقفها، وهو ما جعل بعض المحللين يرون ان زيارة بلينكن فشلت في تجسير الهوة بين البلدين. 
خيار العقوبات
وفي حال لم تحصل واشنطن على الحد الادنى من النتائج المرجوة من زيارة بلينكن، فإنها بلاشك ستلجا إلى خيار العقوبات لارغام الصين على القبول بما تريده، لان السكوت عن الصين سيعطي ردة فعل عكسية على الحزب الديمقراطي الحاكم في الانتخابات الرئاسية المرتقبة، وبالتالي فإن إدارة بايدن ستستخدم العقوبات كمادة في الدعاية الانتخابية لمنع الحزب الجمهوري ومرشحه ترامب من استخدام التوتر مع الصين للتاثير على اصوات الناخبين.
هدف الزيارة
زيارة بلينكن إلى الصين بعد اقل من شهر على زيارة وزيرة الخزانة،جانيت يلين، يعد مؤشرا على فشل زيارة يلين، وربما يكون اشارة إلى ان واشنطن اتخذت قرار العقوبات، وان بلينكن قدم إلى بكين لإنذارها بإن واشنطن اتخذت قرارها، خاصة وان يلين كانت قد طالبت الصين حينها بخفض إنتاجها الصناعي طوعا، وهو ما لم تستجب له بكين.
التخلي عن روسيا
يعتقد متابعون للتوتر القائم بين واشنطن وبكين ان زيارة بلينكن للصين تم فيها طرح مطلب واشنطن بتخلي الصين عن دعم روسيا، كحل وسط لترحيل القضايا العالقة، واعتبار ذلك اساسا لبناء الثقة بين البلدين، وشرط اساسي لواشنطن لوقف العقوبات التي تنتوي فرضها على الصين، خاصة وان روسيا بدأت تضيق الخناق على نظام زلينسكي وداعميه الغربيين، والذي سيؤثر سلبا على شعبية الحزب الديمقراطي في الانتخابات الامريكية المرتقبة.
هل ستكون عقوبات غربية..؟ 
تعد العلاقات الصينية الروسية واحدة من اهم التناقضات الرئيسية بين واشنطن وبكين منذ اندلاع الحرب الاوكرانية، وهي واحدة من اهم أسباب التلويح الامريكي بالعقوبات التي تستخدمها للضغط على الصين، فالولايات المتحدة تلوح بالعقوبات في وجه الصين كوسيلة ضغط ترى بأنها فاعلة، لأن ذلك يعني ان العقوبات لن تكن امريكية فقط، وانما ستكون من اغلب حلفائها الغربيين، ما سيجعل الصين ترضح بالنظر لحجم التبادل التجاري بينها وبين اوروبا الغربية، ما يعني ان الغرب سيتحد ضد الصين، كما حصل مع روسيا بعد اطلاقها العملية العسكرية ضد اوكرانيا.
رسالة انذار
وبالنظر إلى الاجراءات التي اتخذتها واشنطن بالتزامن مع زيارة بلينكن للصين، لا يستبعد ان هدف الزيارة كان لانذار بكين من استخدام واشنطن لسلاح العقوبات، وان النقاشات التي جرت كانت حول المطالب الامريكية لوقف العقوبات. وقبل ان يصل بلينكن إلى مطار شنغهاي الصيني، كان مجلس الشيوخ الأمريكي قد اقر قانوناً يقدم حزمة بقيمة 8 مليارات دولار على شكل مساعدات عسكرية إلى تايوان، كما صوت المجلس على حظر تطبيق تك توك الشهير على وسائل التواصل الاجتماعي إذا لم تصفه الشركة الأم الصينية "بايت دانس" خلال تسعة أشهر، وكل هذه الاجراءات تعد بمثابة ضغوط على الصين لارغامها على التعاطي الايجابي مع المطالب التي حملها بلينكن إلى بكين. وفي حال تصلبت الصين في موقفها فلا يستبعد ان تعلن إدارة بايدن خلال الاسابيع القليلة القادمة عن حزمة عقوبات اولية ضد الصين.
ضغط صيني
من جانبها تسعى الصين للضغط على الولايات المتحدة بملفات مختلفة، ما يجعلها تبدو متصلبة في موقفها، يتضح ذلك من البيان الصيني الذي صدر في بكين قبيل وصول بلينكن، والذي قال إنه في حين بدأت العلاقات بالاستقرار بين البلدين، فإن الولايات المتحدة تواصل الدفع قدماً باستراتيجية احتواء الصين، وتستمر في تبني أقوال وأفعال خاطئة تتدخل في الشؤون الداخلية للصين، وتعمل على تلطيخ صورة الصين وتقويض المصالح الصينية. واكد ان الصين تعارض بشكل صارم هذه الخطوات وقد اتخذت إجراءات مضادة قوية، لم تحددها. ويبدو ان الصين بدأت تعمل على ملف الشرق الاوسط الذي يعد حساسا للولايات المتحدة، وذلك من خلال زيارة وفدين من حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين إلى بكين.
فتح وحماس في الصين
وفي هذا السياق ذكرت وسائل إعلام غربية أن وفدين من حركة فتح بقيادة عزام الأحمد، وحركة حماس بقيادة موسى أبو مرزوق، توجها إلى الصين لاجراء المفاوضات حول المصالحة بينهما. ويرى متابعون ان الصين تسعى للتوسط بين الحركتين للوصول إلى مصالحة بينهما، وهو امر مقلق للولايات المتحدة التي ترى ان تصالح فتح وحماس في هذا التوقيت مزعج، كون ذلك مقدمة لتوسيع حرب غزة إلى الضفة الغربية. وبالتالي فإن الولايات المتحدة تشعر، ان تقارب الفصائل الفلسطينية مع الصين لن يكون إلا ضدها.
منظور صيني
كما تسعى الصين لتوطيد علاقاتها بالاتحاد الاوروبي من خلال التعاون الاقتصادي في محاولة منها لايجاد جدار يعزل اوروبا عن امريكا في حال اتجهت واشنطن لفرض عقوبات على بكين، غير ان التعويل على اوروبا يبدو غير مجديا، فكثير من القضايا الحساسة بيد واشنطن، ما يجعلها تسير خلف المشيئة الامريكية،  لكن يبدو ان الصين تسعى لتوظيف الازمات التي تشهدها اوروبا للتقارب معها، وعلى الاقل جعل الشعوب الاوروبية ترفض دخول حكوماتها في اي عقوبات تفرضها واشنطن ضد بكين. 

ومما سبق يمكن القول ان حالة التوتر القائمة بين الصين وروسيا  تسير باتجاه التصاعد، خاصة في ظل الموقف الصيني المتصلب امام الضغوط الامريكية التي تريد تحجيم الاقتصاد الصيني عند مستوى محدد، فالصين ترى ان قضية تايوان مسألة داخلية صينية لا تفاوض فيها، في حين ترى الولايات المتحدة ان قضية تايوان هي المكان الانسب للي الذراع الصينية، وهذا الامر هو العائق الذي يقف امام تحقيق تقدم لردم الهوة بين واشنطن والصين.