أبريل 22, 2024 - 22:16
 الاستراتيجية الروسية تمنح  "كش ملك" لفرنسا وأمريكا في الملعب الافريقي 

عرب جورنال / كامل المعمري - 

لم تتوقع الولايات المتحدة بأنها ستكون التالية بعد فرنسا التي تلقت ضربات قوية أدت إلى إضعاف نفوذها في أفريقيا وإخراج قواتها من بعض الدول الأفريقية وإنهاء العقود الاقتصادية والاستثمارية معها فبعد قرابة عام من خسارة فرنسا لحلفائها في أفريقيا في دولة مالي والنيجر وتشاد وغيرها أتى الدور على أمريكا قبل أيام والبداية كانت من النيجر فما كان من الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن ترد وبقوة على روسيا وذلك بإعلان مجلس النواب الأمريكي موافقته على مشروع قانون يقدم مساعدات لأوكرانيا بقيمة 60.8 مليار دولار وبلا شك ستكون هذه المساعدات عسكرية

إذن كيف نجحت روسيا في إزاحة النفوذ الفرنسي والأمريكي من أفريقيا؟ وكيف تمكنت من قلب الطاولة بحيث أصبحت الحليف الاستراتيجي لأهم الدول الافريقية الغنية بالطاقة والمعادن 

  "الأمن بالنسبة لروسيا يعني أولا وقبل كل شيء أمن الطاقة وأسواقها المستهدفة" هذه العباره جاءت في مقدمة إستراتيجية الأمن القومي الروسي، التي شارك في صياغتها عام 2007 الجنرال مخموت أخمدوفيتش غارييف وهي استراتيجية تعمل عليها روسيا  لتعزيز نفوذها للتحكم بمصادر بأسوق الطاقة والغاز عبر شركاتها التي تعمل في اكثر من دولة للسيطرة على هذا مصار الغاز القادمة من دول اخرى والتربع على عرش الصدارة بحيث تكون المتحكم الاكبر بالسوق

لقد كانت هذه الاستراتيجة تقرأ المستقبل والتحولات السياسية والعسكرية والنظام العالمي بدقة بالغة فروسيا كانت تدرك بانه في يوم ما ستعمد الولايات المتحدة الامريكية الى محاربتها اقتصاديا عبر مقاطعة الدول الاروبية للنفط والغاز والروسي 

وما كانت تخشاه روسيا هو ايجاد مشاريع خطوط انابيب جديدة لتزويد أوروبا الغربية بغاز غرب إفريقيا لذلك كان عليها ان تتحرك في افريقيا وتعزز من نفوذها في هذه المناطق التي تهيمن عليها فرنسا وامريكا  السياسية الخارجية الروسية وشخصية بوتين فمنذ ان جاء بوتين الى السلطة في 7 مايو عام 2000 كان عليه ان يستعيد امجاد روسيا العظيمة فهو رجل مخابرات ويجب عليه ان يواجه المشروع الغربي الذي تسبب بتفكك الاتحاد السوفيتي والنهوض بروسيا لتكون في موقعها الصحيح 

لذلك يمكن ان نفهم سياسة روسيا الخارجية انطلاقا من طموحات وشخصية الرئيس فلادمير بوتين الذي نجح في استعادة عظمة روسيا فقد وصفه  الدبلوماسي والسياسي الأميركي الراحل هنري كيسنجر عن حين سئل عن شخصية بوتين وتوجهاته  في حديث لصحيفة فايننشال تايم فقال "كانت معتقداته الأساسية نوعا من الإيمان الصوفي بالتاريخ الروسي... كان يشعر بالإهانة، لقد تعرض للإهانة والتهديد، لأن روسيا كانت مهددة بامتصاص الناتو لهذه المنطقة بأكملها...".

كذلك مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" وليام بيرنز عندما سئل عن تقييمه لشخصية بوتين قال: "إنه يختمر في خليط قابل للاشتعال من الإحساس بالظلم والطموح منذ سنوات بعيدة"، مضيفا أن "آراءه ازدادت تصلبا وأنه معزول بشدة عن وجهات النظر الأخرى"


افريقيا وجهة روسيا 

وبما أن الوجهة إلى أفريقيا مرة أخرى تدرك روسيا بأنها وقعت في أخطاء جسيمة في السابق قبل تفكك الاتحاد السوفيتي عندما مدت نفوذها في أفريقيا وأرهقت الخزانة العامة للدولة لذا؛ لا بد من تجنب مثل هذه الأخطاء والتوغل في أفريقيا عبر التواجد العسكري أولا والسيطرة على أسواق قطاع النفط والغاز والتعدين والمعادن وإدخال منتجاتها إلى السوق الأفريقية

المحطة المهمة في خارطة العلاقات تمثل القارة الأفريقية محطة مهمة في خارطة العلاقات الدولية المعاصرة، حيث تتسم بمواردها الطبيعية الغنية وعندما نتحدث عن استراتيجية روسيا في إفريقيا، يجب أن نفهم العلاقة الطويلة والمعقدة بين البلدين. تأسست هذه العلاقة في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ولكنها شهدت تطورات مختلفة على مر العصور. في العقود الأخيرة، شهدنا تجديد الاهتمام الروسي بالتعاون مع الدول الإفريقية في مجالات متعددة مثل التجارة والطاقة والتعليم والأمن

لقد سعت روسيا بجدية إلى تحقيق هيمنتها في قطاع الطاقة العالمية من خلال استراتيجية جديدة تستهدف عام 2030 تهدف هذه الاستراتيجية إلى ربط الأسواق المستهدفة بخطوط غاز طبيعي، والسيطرة على تدفقات الغاز القادمة من مصادر أخرى، بهدف تعزيز موقعها كأكبر متحكم في سوق الطاقة.

ومازاد من أهمية هذه الاستراتيجية التحركات الأوروبية ردا على التوترات مع روسيا، خاصة بعد الأحداث في أوكرانيا، مما أدى إلى زيادة الطلب على مصادر الطاقة غير الروسية 

   روسيا تضمن حماية اسواق الطاقة
تُعدّ منطقة غرب أفريقيا، أكبر مساهم في مستقبل القارة من النفط والغاز، إذ استحوذت على نحو 60% من الاحتياطيات المكتشفة مؤخرًا من حيث الحجم.
وتكللت اكتشافات النفط والغاز في غرب أفريقيا، بإعلان اكتشاف أكثر من 50 تريليون قدم مكعبة من الغاز في المنطقة. وفق معلومات رصدتها منصة attaqa.
وأُعلِن مؤخرًا أكبر 3 احتياطيات في منطقة غرب أفريقيا، وهي: حقل – ياكار-تيرانغا في السنغال، وحقل أوركا في موريتانيا، وحقل بالين في ساحل العاج، التي تحتوي نحو 3.6 مليار برميل من النفط المكافئ فيما بينها.
وبحسب وسائل اعلام غربية فإن  روسيا تسعى للتدخل  في أبرز مشروعين يجري الإعداد لهما لمد خطوط أنابيب الغاز غرب أفريقيا، في محاولة لتضييق الخناق على الأوروبيين الباحثين عن بديل لغازها الامر الذي تخشاه دول الغرب خصوصا ان  شركة غازبروم الروسية المملوكة للدولة تتواجد بقوة  في أفريقيا وقد وقعت عدة اتفاقيات مع كبرى الدول الغنية بالغاز مثل الجزائر و كذلك مع شركة الطاقة في جنوب أفريقيا،"ساسول" التي تعد من أكبر وأهم شركات الطاقة في العالم التي تعمل في مجال الطاقة عبر استخدام الفحم الحجر وغيرها من الدول وربما النيجر ونيجيريا في قادم الايام

استراتيجية روسيا في إفريقيا

عملت روسيا على تعزيز علاقاتها السياسية مع الدول الإفريقية من خلال التبادل الدبلوماسي والزيارات الرسمية التي. تهدف إلى بناء شراكات استراتيجية في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.

كما سعت روسيا إلى تعزيز التجارة مع الدول الإفريقية من خلال تبادل الموارد الطبيعية والتكنولوجيا والمعدات الصناعية وشجعت روسيا الشركات الروسية على الاستثمار في البنية التحتية وقطاعات الطاقة والتعدين في إفريقيا.

وفي الجانب الثقافي قدمت روسيا منح دراسية للطلاب الإفريقيين للدراسة في الجامعات الروسية، وتوفر برامج تدريبية وتبادل ثقافي لتعزيز التفاهم الثقافي بين الشعوب.

وفي مجال الأمن والدفاع قدمت روسيا الدعم العسكري والأمني للدول الإفريقية في مجال مكافحة الإرهاب وتدريب القوات الأمنية. تسعى روسيا أيضا إلى تعزيز التعاون العسكري والتبادل التكنولوجي في مجال الدفاع مع الدول الإفريقية.

أهمية إفريقيا لروسيا

تعتبر إفريقيا مصدرا هاما للموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والمعادن، وتسعى روسيا إلى تطوير شراكات لاستغلال هذه الموارد بشكل مستدام حيث. ترى روسيا إفريقيا كسوق محتملة لمنتجاتها وفرصة لتوسيع وتنويع صادراتها غير النفطية

التأثير الجيوسياسي

عملت روسيا على تعزيز تواجدها الجيوسياسي في إفريقيا كجزء من استراتيجيتها العالمية لتحقيق التوازن مع القوى الغربية الرئيسية.

باختصار، تعتبر روسيا إفريقيا شريكا استراتيجيا مهما في مسعاها لتحقيق التأثير العالمي وتعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية من خلال استراتيجيات متعددة تشمل الاقتصاد والأمن والتعليم

الاستراتيجية الروسية تتحقق 

تأثرت قارة إفريقيا بشكل متزايد بالإستراتيجية الروسية، مما أدى إلى زيادة حالات التمرد والانقلابات العسكرية في الدول الأفريقية فخلال ثلاث سنوات منذ 2020 وحتى 2023 شهدت قارة أفريقيا ثمانية انقلابات في مالي وبوركينا فاسو والغابون والنيجر وغينيا وتشاد بعض هذه الانقلابات فقد سهل الدعم الروسي وجود ظهير لهذه الحركات على الصعيدين العسكري والاقتصادي والدبلوماسي

بعد انقلاب مالي وبوركينا فاسو طردت السلطات هناك القوات الفرنسية وسط موجة من الشعور المناهض لبلادهم كما ألغى قادة الانقلاب في النيجر أيضا التفاهمات العسكرية مع فرنسا الأمر الذي يؤكد نجاح الاستراتيجية الروسية في أفريقيا وإضعاف الدور الفرنسي فيها وقبل أيام تم إلغاء التفاهمات العسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية ووافقت أمريكا على إخراج قواتها


لقد عززت روسيا من دورها ونفوذها  في دولة النيجر عبر مجموعة من الأنشطة والتدخلات التي تشمل:

التعاون العسكري والتقني: تقديم الدعم الفني والتدريب العسكري للقوات النيجرية من قبل الجيش الروسي، مما يعزز قدراتها العسكرية ويؤدي إلى زيادة التأثير الروسي في البلاد.


الاستثمارات الاقتصادية: توجد شركات روسية تستثمر في قطاعات متنوعة في النيجر، مثل قطاع التعدين والطاقة، مما يعزز التبادل التجاري بين البلدين ويعزز العلاقات الاقتصادية.

الدعم السياسي والدبلوماسي: تقديم الدعم السياسي للحكومة النيجيرية في المنتديات الدولية، وتبادل الزيارات الرسمية بين المسؤولين الروس والنيجيريين، مما يعزز العلاقات الثنائية بين البلدين.

التأثير الثقافي والديني: تقديم المساعدات الثقافية والدينية، مثل بناء المدارس والمساجد ودعم المشاريع الثقافية، بهدف تعزيز الشراكة وتعزيز الصورة الإيجابية لروسيا في النيجر.

التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة: تقديم الدعم والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، مما يعزز الاستقرار الأمني في النيجر ويساهم في تعزيز التعاون الأمني بين البلدين.
بهذه الطرق عززت روسيا من دورها في دولة النيجر وسعت إلى تعزيز تأثيرها السياسي والاقتصادي والثقافي في البلاد وتمكنت من خلال هذه الاستراتيجية دعم عملية الانقلاب وقلب الطاولة على فرنسا وأمريكا تماما كما فعلت في مالي

روسيا تنجح في إزاحة فرنسا وأمريكا

في السنوات العشر الماضية، شهدت العلاقات بين النيجر والولايات المتحدة تطورات ملحوظة، خاصة في مجال الأمن الإقليمي. تم توقيع اتفاقية عسكرية بين البلدين في يوليو/ تموز 2012، حيث تم إنشاء قاعدة جوية في أغاديس بتكلفة 100 مليون دولار، وافتتحت في 2016 تحت اسم "قاعدة النيجر الجوية 201".

تلعب هذه القاعدة، إلى جانب "القاعدة الجوية 101" في نيامي، دورا مهما في دعم العمليات الاستخباراتية ومراقبة الجماعات المسلحة.

ومع ذلك، فقد تصاعدت التوترات بين البلدين بعد الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 2023 الذي أطاح بالرئيس محمد بلزوم. أدانت الولايات المتحدة الانقلاب، مما وضعها في مأزق بين الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية ودعم عملية الانتقال الديمقراطي.


في مارس/ آذار 2024، ألغت حكومة النيجر الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة، بعد تحذير الأخيرة النيجر بشكل تهديدي من التقارب مع روسيا وإيران.

بررت النيجر إلغاء الاتفاقية الأمنية بأن وجود القوات الأميركية يخرق الأعراف الدستورية، وأن الاتفاقية لم تفرض أي التزامات على القوات الأميركية لدعم النيجر في مكافحة الإرهاب.


يؤكد المسؤولون الحاليون في النيجر أن تعزيز العلاقات مع روسيا يأتي من إدراك حاجتها لشريك يقدم دعما فعالا، خاصة في ظل تجاربها مع شروط غربية غالبا ما كانت مجحفة وان هذه الشراكة تهدف إلى تعزيز الأمن القومي والاستقلالية في مجال الطاقة ومكافحة الإرهاب


بدأ التعاون العملي مع وصول طائرة إيليوشين- 76″ الروسية إلى نيامي في أبريل الجاري، محملة بمعدات عسكرية متطورة، بما في ذلك تركيب نظام دفاع جوي يعزز القدرات الدفاعية.

كما يرى المسؤولون في النيجر أن التعاون مع روسيا في مجال اليورانيوم سيسهم في تطوير القدرات النووية وحل أزمة انقطاع الكهرباء المزمنة التي تعاني منها البلاد...