نوفمبر 23, 2023 - 18:58
أريحا مدينة القمر .. أقدم مدن التاريخ القديم ..!

أروى حنيش


يسجل التاريخ البشري أن "أريحا" في فلسطين هي أقدم مدن التاريخ الكنعانية المأهولة بالسكان، وسيسجل التاريخ أيضا أن غزة كأهم المدن التي اختبرت فيها مصداقية العالم في تمسكه بالقيم الإنسانية في العصر الذي تحولت فيه النازية الإسرائيلية إلى وحوش لقتل البشر، وأن غزة تحولت إلى  مقابر جماعية.. أريحا هي الأخرى تتعرض إلى القصف والتخريب والتهجير.. نقف عند  مدينة أريحا الفلسطينية الجريحة، لنسلط الضوء عليها ونتعرف على واحدة من أعرق مدن التاريخ القديم، فيا ترى ما قصة هذه المدينة التي نالت اهتمامات المستشرقين، والأثريين والباحثين والكتاب والأدباء والمثقفين؟  

تعتبر أريحا من أقدم مدن فلسطين الكنعانية التي يواصل الاحتلال الإسرائيلي عمليات  قصفها بالغارات الجوية واقتحامها، بريا، وممارسة أبشع الانتهاكات في القتل واقتحام المنازل والاعتقالات  في إطار خططه لتهجير السكان خارج وطنهم، في عملية تطهير عرقي، في تكرار لنكبة 48 بهدف الاستيلاء على فلسطين ضمن المشاريع التوسعية الاحتلالية للاستعمار الجديد.

 أريحا واحدة من أوائل المدن التي بناها البشر  أثناء انتقالهم من مجتمعات الصيد وجمع الثمار إلى الحضارات المستقرة، فكانت أول مدينة حضرية فلسطينية مسوَّرة في التاريخ، وقد عُثر فيها على الكثير من الاكتشافات التي أذهلت العالم.
و يرجع الخبراء والأثريون تاريخها إلى العصر الحجري، أي إلى ما قبل سبعة آلاف عام ق.م، وهذا ما حمل بعضهم إلى القول أنها أقدم مدن  التاريخ، ومازالت تعمر وقائمة حتى اليوم.

موقعها

 شخص الخبراء موقع أطلالها في تل السلطان الذي يقع على بعد نحو كيلو مترين شمالي المدينة الحالية بجوار نبع عين السلطان، وتبعد عن القدس حوالي "38 كيلو متراً"، ويعد الطريق الرئيس من القدس أو رام الله إلى أريحا واحداً من أهم وأجمل الطرق في فلسطين، فهو نفسه الطريق التجاري القديم الذي كان ومازال يربط القدس بأريحا ومن ثم بشرقي الأردن عبر النهر، ويعد هذا الطريق منطقة شبه صحراوية تعرف محلياً باسم "برية أو صحراء القدس". ويقع على جانبي هذا الطريق عدد كبير من المواقع التاريخية والأثرية المهمة الجديرة بالزيارة.

تاريخ المدينة 

كانت المدينة عبارة عن بلدة صغيرة، لكنها كانت تدب فيها  الحياة والحركة ونشاط السكان   كونها منطقة يخيم ويقيم فيها الصيادون، بالإضافة إلى  جامعي الثمار من الثقافة النطوفية التي يعود تاريخها إلى 10000سنة  قبل الميلاد.
ولكن هذا الوضع لم يبدأ حتى انتهاء البرد والجفاف الناجم عن العصر الجليدي الأخير أو كما يطلق عليه علمياً "درياس الأصغر" حوالى عام 9600 قبل الميلاد.
حينها بدأ الناس النطوفيون في المنطقة يبحثون عن طريقة آمنة للحياة، وهي الانتقال إلى مستوطنات دائمة تقيهم الظروف الجوية السيئة.
أول منطقة تم اختيارها لتكون مستوطنة كانت "تل السلطان" التي تبعد مسافة 2 كيلومتر عن مدينة أريحا، لتصبح أول مستوطنة دائمة في العصر الحجري الحديث أي ما قبل الفخار، وهي منطقة تقع على نبع عين السلطان الذي يمدها بالمياه. وبحلول عام 9400 قبل الميلاد تقريباً، نمت المستوطنة لتشمل أكثر من 70 منزلاً، ويبلغ قطر هذه المساكن الدائرية 5 أمتار تم بناؤها بالطين والقش.
وبعد بضعة قرون، تم التخلي عن المستوطنة الأولى في حوالى 7000 قبل الميلاد، إذ تم إنشاء مستوطنة ثانية على يد شعب غازي استوعب السكان الأصليين في ثقافتهم، وكانت أيضاً مستوطنة من العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار، كما أن هناك أدلة على احتمال تدجين الأغنام في هذا الوقت تقريباً.
في حين كانت المباني عبارة عن هياكل مستقيمة مصنوعة من الطوب اللبن، يتكون كل مبنى من عدة غرف تقع حول فناء مركزي، كانت الغرف ذات أرضيات مصنوعة من الجير وكان للفناء أرضية مصنوعة من الطين.
استمرت الحياة على هذا الشكل حتى حوالى 6000 قبل الميلاد. الأمر الملفت أن هناك ثمة أدلة قليلة على وجود احتلال لمدينة أريحا لمدة 1000 عام على الأقل.

أريحا في العصر البرونزي

وبعد ذلك، تم إنشاء مستوطنات جديدة في أريحا بشكل دوري، كانت هذه المستوطنات لا تزال من العصر الحجري الحديث، ولكن هناك أدلة على أنها كانت تنتج الفخار. لكن في هذا العصر أصبحت أريحا مدينة مسوَّرة مرة أخرى في نهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد، وتشير الأدلة إلى أن الجدران أعيد بناؤها عدة مرات، حيث 
تم بناء أكبر هذه المستوطنات في عام 2600 قبل الميلاد على يد الأموريين.
وفي حوالى عام 2300 قبل الميلاد، حدث انقطاع آخر، ويبدو أن المدينة تعرضت للاحتلال. تقول المصادر التاريخية أن أريحا  استولى عليها الكنعانيون في عام 1900 قبل الميلاد، ووصلت إلى ذروتها بين عامي 1700 و 1550 قبل الميلاد.

في العصر الكنعاني عُرفت أريحا باسم "مدينة القمر" نسبة إلى الإله الكنعاني "باريخ"، لتعرف حينها باسم مدينة القمر.كان هذا بسبب صعود الأرستقراطيين الذين استخدموا عربات تسمى "ماريانو" في ولاية ميتانيت في الشمال، وقد أدى صعودهم إلى توسع حضري أكبر في المنطقة المحيطة، بما في ذلك أريحا. وبحلول هذا الوقت، كانت هناك جداران حول المدينة في سياج مزدوج مصنوع من الطوب اللبن، كان الجدار الخارجي يرتكز على قاعدة حجرية.
وعلى الرغم من حجم السور المثير للإعجاب، فإنه لم يكن مستقراً، إذ سقطت أريحا في العصر البرونزي في القرن السادس عشر، أي حوالى عام 1573 قبل الميلاد عندما دمرها زلزال عنيف.
يشير الخشب المتفحم الموجود في الموقع إلى أن بقايا المدينة قد احترقت.
بينما تشير الإمدادات الغذائية المدفونة أيضاً إلى أنه لم يتم الاستيلاء عليها بعد الزلزال وظلت غير مأهولة حتى أواخر القرن العاشر،  أو أوائل القرن التاسع قبل الميلاد عندما أعيد بناؤها.
انتهت سبع وأربعون سنة من الحكم البابلي عندما غزا الفرس بابل عام 598 قبل الميلاد. وبعد ذلك تم تخصيص أريحا لإعادة الإعمار، وظهرت المدينة مرة أخرى من تحت الرماد.
وبعد مئتي عام، تغيرت السيطرة عليها مرة أخرى عندما غزا الإسكندر الأكبر الفرس. واستخدم الإسكندر أريحا كملكية شخصية له في الفترة من 336 قبل الميلاد إلى 323 قبل الميلاد، وبعد ذلك أصبحت جزءاً من الإمبراطورية السلجوقية، وهي دولة خليفة لإمبراطورية الإسكندر.
بعد الغزو الروماني، تم منح أريحا إلى كليوباترا من قِبل مارك أنتوني، ولكن بعد انتحارهما المشترك، انتقلت ملكية أريحا إلى الملك هيرودس، الذي حكم يهودا في عهد الرومان.
ومثل بقية الأرض المقدسة، ستنتقل السيطرة عليها عدة مرات بعد العصر القديم، من البيزنطيين إلى الأمويين، والصليبيين، والعثمانيين، وغيرهم الكثير.
استمرت أريحا في الازدهار حتى الفتوحات العربية للمدينة في القرن السابع الميلادي حيث باتت أريحا تابعة للرملة في فلسطين.

 المعالم الأثرية في المدينة

 أريحا القديمة (تل السلطان) حدّد العلماء موقع أطلال المدينة قرب نبع السلطان على رابيةٍ مطلةٍ على واحة أريحا، على بعد اثني كيلومترٍ شمال المدينة الحالية، ومن هذه الأطلال: أقدم الدَرجات المعروفة في العالم، وأقدم سورٍ، وبرج دفاعٍ قديم ضخم. قصر هشام بن عبد الملك يقع هذا القصر على بعد ثلاثة كيلومتراتٍ شمال مدينة أريحا، وقد بدأ الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بتشييد هذا القصر خلال فترة حكمه، وهو عبارةٌ عن مجموعةٍ من الأبنية الملكية، وأحواضٍ للاستحمام وجوامع، وقاعاتٍ كبيرة مليئةٍ بالأعمدة، ويحتوي القصر كذلك على أرضياتٍ فسيفسائية، ومعالم أخرى من البحر الميت، والمغطس، ودير قرنطل، ودير القديس يوحنا المعمدان.

مقام النبي موسى

من المتعارف عليه محلياً أن مقام النبي موسى يعتبر مكاناً مقدسا،ً لأنه يضم ضريح النبي موسى، فالنبي موسى عليه السلام يعتبر من أهم الرسل في حياة المسلمين.
مقام حسن الراعي ومقام عائشة: وقد حُفظت المقبرة الكبيرة خارج أسوار المقام للحجاج المسلمين الذين ماتوا هنا خلال الاحتفالات، أو أولئك الذين طلبوا أن يدفنوا فيها بسبب الأهمية الدينية للمقام
المتحف الروسي
بقباب ثلاث ذات لون أبيض زاهي، ينتصب المتحف الروسي على أرض أريحا، أقدم مدن العالم، وبتصميم معماري يوازن بين روح الحاضر وعراقة الماضي، افتتح المتحف الروسي في مدينة أريحا من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبحضور الرئيس الروسي في 18 كانون الأول عام 2011م.