أبريل 24, 2024 - 21:42
سرطان بحري: توظيف دمائه الزرقاء في الأدوية  والأجهزة الطبية الحديثة


أروى حنيش

لا يعلم معظم الناس حول العالم أن صحتهم يمكن أن تعتمد على سرطان بحري يعرف بدمه الأزرق، ويشبه شكله مزيجًا من العنكبوت والقملة العملاقة.
ويعتبر هذا السرطان البحري الذي يعرف باسم سرطان "حدوة الحصان" أحد أقدم الأحياء في عالمنا على الإطلاق، يقول العلماء إنه أقدم من الديناصورات، ويعتقد البعض أنه يعيش على الكوكب منذ نحو 450 مليون سنة.
ويمكن مشاهدة هذا النوع من السراطين في المحيط الأطلنطي أثناء المد المرتفع. ولحسن الحظ أن هذه "الحفريات الحية" لا تزال توجد في المحيط الأطلنطي، والهندي والهادئ حتى وقتنا الراهن، ولازالت هذه الأحياء البحرية تسهم في إنقاذ ملايين البشر حول العالم.

أقدم المخلوقات 

في ظل المعترك البيئي الذي يشهده عالمنا اليوم، يبرز خطر جدي يلوح في الأفق، مهدداً بطي صفحة أحد أقدم المخلوقات على وجه الأرض، سرطان حدوة الحصان، المعروف أيضاً بـ"الأحفورة الحية" نظراً لبقائه دون تغيير جوهري منذ 450 مليون سنة، والآن أصبح مهددًا بالانقراض بعد أن أوجد الطب الحديث له استخداماً، وهو توظيف دمائه الزرقاء لاختبار وجود أي ملوثات بكتيرية خطيرة في الأدوية الجديدة والمبتكرة، حيث يتفاعل مستخلص خلايا دماء هذا الحيوان بشكل كيميائي مع أي ملوثات ضارة في الأدوية.
ويتم اصطياد الآلاف من هذه الحيوانات سنوياً بهدف استخلاص دمائها من أحد الأوردة الدموية القريبة من القلب، ليطلق سراحها لاحقاً، لكن ثبت أن 30% من هذه المخلوقات تموت بعد هذه العملية، وهو الأمر الذي دفع علماء من جامعة نيو ساوث ويلز بأستراليا ومتحف علم الحيوان بجامعة هارفارد الأمريكية، إلى إنشاء أطلس يضم جميع أنواع سرطان «حدوة الحصان» من 480 مليون عام، وأعلنوا عن هذا العمل في العدد الأخير من دورية «فرونتيرز إن إيرث ساينس».
المفارقة تكمُن في أن العلم نفسه، الذي طالما سعى إلى فهم أسرار الطبيعة والحياة، قد يلعب دوراً غير متوقع في نهايتها. السبب ليس بعيداً عن دماء هذه المخلوقات الزرقاء الفريدة، التي باتت مطلباً رئيسًا في صناعة الأدوية بسبب خصائصها فإن استمرارية هذه الممارسة تواجه تحديات أخلاقية وبيئية، نظرًا للاعتماد المفرط على استخراج الدم من هذه الكائنات، مما يضعها في خطر الانقراض، 
ولهذا السبب يعزى غلاء سعر دم سرطان حدوة الحصان، حسب موقع "sciencetimes".

 حماية وتعقيم الأجهزة الطبية 

يحمل هذا المخلوق القديم، الذي تجاوز عصوراً وكوارث، سراً طبياً في دمائه الزرقاء الفريدة، مما جعله محور اهتمام لا يقدر بثمن في عالم الطب نظرًا  لاستخداماته الطبية، فهو يحتوي على الخلايا الأميبية التي تعود بالنفع على الإنسانية في مجال الحماية من التلوث في الأجهزة الطبية المبتكرة،  وتعتبر الدماء الزرقاء مادة أساسية في تصنيع  المادة الكيميائية الثمينة المستخدمة على نطاق واسع في تحديد التلوث بالمنتجات الطبية.
ويستخلص العلماء الدم الأزرق من سراطين حدوة الحصان منذ حقبة السبعينيات من القرن الماضي، ويستخدمونه في اختبار تعقيم الأدوات الطبية والعقاقير التي تُحقن في الوريد ومدى صلاحيتها للاستخدام.
ومن الممكن أن يؤدي وجود بكتيريا ضارة على أسطح الأدوات الطبية إلى قتل المريض، لكن الدم الأزرق شديد الحساسية للسموم البكتيرية.
ويستخدم هذا الدم في الكشف عن أي تلوث أثناء تصنيع كل ما يُمكن إدخاله في الجسم البشري، من لقاحات تطعيم وحُقَن وريدية وحتى الأجهزة الطبية التي تُزرَع داخل الجسم البشري.
ويُعدّ الدم الأزرق لهذه السراطين أحد أغلى السوائل عالميًا، ويصل ثمن اللتر الواحد منه إلى 15 ألف دولار.
البحث عن بدائل مستدامة يبدو أمراً ملحاً، وفي هذا السياق، يأتي عامل C، المجموعة الاختبارية المنتجة مخبرياً كبديل واعد لـ LAL. على الرغم من التحديات الناجمة عن المحافظة والتأخر في التحسينات التنظيمية في قطاع الأدوية، يعد استخدام عامل C خطوة نحو تخفيف الضغط على سلطعون حدوة الحصان، مما يوفر أملاً لاستمرارية هذا النوع المدهش.
مع تزايد الطلب على هذا الدم الثمين، تزداد الضغوط على أعداد هذه الكائنات، ما يثير قلق دعاة الحفاظ على البيئة الذين يحذرون من تداعيات هذه الممارسات على استمرارية وجود سرطان حدوة الحصان. في هذه المقالة، سنغوص في أعماق قضية متشابكة تجمع بين العلم، الأخلاق، والجهود المبذولة لإنقاذ واحد من أقدم سكان كوكب الأرض.
حيث يتعرض نحو نصف مليون من سراطين حدوة الحصان في المحيط الأطلنطي للصيد سنويًا من أجل الانتفاع بها في مجال الطب الحيوي، بحسب لجنة مصايد أسماك الدول المطلّة على الأطلنطي.
لماذا الدم الأزرق؟
يأتي اللون الأزرق من النحاس الموجود في دم سرطان حدوة الحصان - وفي الدم البشري، تؤدي ذرات الحديد الوظيفة نفسها فتصبغه باللون الأحمر.
لكن ليس لون الدم في هذه السراطين هو ما يهمّ العلماء فحسب؛ فبالإضافة إلى النحاس، يحتوي هذا الدم على نوع خاص من العناصر الكيميائية يحاصر البكتيريا عبر التجمّع (التجلّط) حولها.
ويمكن لهذه المواد الكيميائية أن تتبّع مسار البكتيريا مهما كانت كميتها ضئيلة. وتوظَّف عملية التجمع (التجلّط) حول البكتيريا في عمل اختبارات تعقيم بكتيريا الخلايا الأميبية LAL و TAL باستخدام دماء السراطين الأمريكية والآسيوية على الترتيب.
ماذا يحدث للسراطين بعد ذلك؟
يمكن امتصاص 30 في المئة من دم سرطان حدوة الحصان بحقنة تخترق مُحارَه على مقربة من القلب. بعد ذلك يُعاد السرطان إلى بيئته الطبيعية.
لكن الدراسات تقول إن نسبة تتراوح بين 10 و30 في المئة من تلك السراطين تلقى حتفها في تلك العملية، تاركة الإناث الحية تواجه وحدها صعوبة في التكاثر.
ويطالب أنصار الحفاظ على البيئة بالبحث عن بدائل صناعية لعمل هذه الاختبارات التي تتعقب السموم، لكن شركات الأدوية تقول إن البدائل الصناعية يجب أن تثبت قدرتها على تعقب السموم في العالم الطبيعي، وليس فقط في العالم الافتراضي (الصناعي) القائم حتى الآن.