أبريل 24, 2024 - 21:44
تصعيد الهجمات المتبادلة بين إيران والكيان الصهيوني.. هل تقود لحرب إقليمية ؟

 توفيق سلاّم

أظهر الصهاينة بشاعتهم بارتكابهم جرائم الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وغلبت عليهم أساليب التطرف الحقد والثأر والحماقة في النازية والعنصرية التي تتفوق لديهم على أساليب المنطق والوعي والإدراك. فأقدم في خطوة خطيرة على توتير قواعد الاشتباك مع إيران في استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا، متجاوزاً الأعراف والقوانين الدولية، وفي دلالة واضحة أنه لم ينس ما حدث لسفارته في طهران على الرغم من مضي حوالى 45 عاماً عليها، حيث شن يوم 1 أبريل الجاري غارة جوية على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، على إثرها ارتقى 7 إيرانيين بينهم القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد رضا زاهدي في استهداف مباشر في تصفية العناصر من علماء ومفكرين وقادة وأكاديميين كما هو ديدنه، وكما ما يفعل اليوم في قطاع غزة.

إعلان الرد 

وبعد إعلان إيران أنها سترد على الاعتداء في إطار حقها المشروع في ذلك، تسارعت الاتصالات الدولية في محاولة لثنيها عن الردّ. والملاحظ لم يُقابَل الاستهداف بالشجب أو الاستنكار من مجلس الأمن، بالرغم من أن استهداف المقرات الدبلوماسية خرق فاضح للقانون الدولي الذي ينص على حماية المنشآت الدبلوماسية. فكان الموقف الدولي باهتًا، وكأن شيئا لم يكن. كما لم تمنع واشنطن الإسرائيليين عن استهداف القنصلية بالرغم من علمها المسبق بذلك. وما إن أعلنت طهران عزمها على الرد حتى صدرت تصريحات غربية كثيرة في محاولة لثنيها، فطهران ليست بالدولة الضعيفة لتبتلع الجريمة بالسكوت، فردت بضرب القواعد العسكرية الإسرائيلية في النقب، وقاعدة نيفاتيم القاعدة الرئيسة التي انطلقت منها طائرة f16 لضرب القنصلية فضلاً عن استهداف مواقع استخبارية في الجولان، ثم عادت إسرائيل مجددًا بالرد على الرد الإيراني بمسيرة على مدينة اصفهان فجر يوم الجمعة 19 أبريل الجاري.
وأفادت قناة ABC نقلاً عن مسؤول أمريكي بأن هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان استهداف رادارًا للدفاع الجوي يعمل على حماية منشأة نطنز النووية.
وقالت القناة التلفزيونية إن "الإسرائيليين استهدفوا رادارًا للدفاع الجوي يعد جزءًا من منظومة الدفاع عن منشأة نطنز النووية". 
باحث إسرائيلي يقول: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فشلت، وذكرت أن مقاتلة إسرائيلية أطلقت ثلاثة صواريخ خلال الهجوم على إيران. وتشير التقييمات الأولية إلى تعطيل الرادار، ولكن التقييم لم يكتمل بعد.
وذكرت وسائل إعلام غربية صباح الجمعة، أن الجيش الإسرائيلي قصف مواقع في إيران، من جانبها أفادت وسائل إعلام إيرانية بوقوع انفجارات قرب مطار أصفهان، فيما نفى مسؤولون إيرانيون وقوع أي هجوم صاروخي مؤكدين أن دوي الانفجارات في أصفهان كان نتيجة تفعيل نظام الدفاع الجوي الإيراني. فيما أفادت شبكة "سي إن إن" الإعلامية الأمريكية بأن الصور التي تم التقاطها من أقمار صناعية لا تظهر أضرارًا كبيرة في المنطقة التي استهدفتها الضربة الإسرائيلية بالطائرات المسيرة على إيران. 
وهنا يأتي السؤال: هل يمكن إحلال الأمن والسلم الدوليين باختراق القوانين التي وضعتها الأمم المتحدة، سواء بمنع شن الحرب والعدوان، أو بحماية المنشآت الدبلوماسية أو جريمة اغتيال الزعماء السياسيين والقادة التي تعتبر قتلاً خارج القانون، وسياسات التوسع في الاحتلال؟ وفي سياق هذه الخروقات كيف يمكن الحفاظ على أمن العالم، إذا كانت هناك دول أو حكومات، أو كيانات مارقة تستخدم قوتها العسكرية لتوسيع نفوذها وفرض هيمنتها على الآخر ؟
من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية التزمت الصمت على جريمة الاستهداف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية، وارتفع صوتها عندما ردت طهران على ذلك العدوان. وتدخلت عمليًا إلى جانب الاحتلال بالتصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية التي انطلقت في الساعات الأولى للهجوم على إسرائيل ردًا على العدوان الإسرائيلي في الأول من إبريل. وبدا روح التضامن والتعاون للأنظمة الكونيالية واضحًا والوقوف بوجه إيران صفًا واحدًا تفرض نفسها على المواقف في الشرق الأوسط، لكي تكون لها هيبة سطوتها وهيمنتها وردع من يهدد أمن إسرائيل وسياستها في المنطقة. 
وكان  الكيان الصهيوني  المحتل قد أقترح على إيران عبر وسطاء أهدافًا للرد خارج الأراضي المحتلة، فرفضت ذلك إيران، لتهاجم  ليل 13- 14 أبريل 2024 ولمدة 5 ساعات منشآت وقواعد عسكرية في عمق الكيان المحتل، في رد محدود رسائله توزعت في كافة الإتجاهات، أولها ل"واشنطن" تقول فيها: "نعلم أنكم كنتم تعلمون مسبقاً بعملية الاستهداف لقنصليتنا في دمشق، لذا أوقفوا الحرب على غزة والجموا نتنياهو الذي يريدها حرباً إقليمية". وثانيها: إن كان لا بد من حرب إقليمية، فلتكن ولنذهب إلى تصعيد أوسع وهجوم أشمل وأقسى من هذا. وثالثها: أن إيران لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام أي هجوم لجيش الاحتلال على لبنان في استهدافه المباشر ل"حزب الله". ومن دون الخوض في تفاصيل الأرقام والاصابات، فإن النتائج الأولية لهذا الهجوم، هي على الشكل التالي:
قفزت إيران من دورها كلاعب إقليمي إلى لاعب دولي أساس، ليس بالنسبة للقضية الفلسطينية فحسب، بل في قدراتها على التأثير في الصراع الجيوسياسي العالمي في ظل امكاناتها الاستراتيجية على المستوى العسكري والأمني والاقتصادي.
إظهار مدى شجاعة وجدية القيادة الإيرانية، بالرغم من التحذيرات الغربية بالتهدئة وعدم الرد، فأظهرت الكيان الغاصب بموقع الضعيف الذي يحتاج لمن يدافع عنه، بعد مشاركة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن بالتصدي للرد الايراني على العمق الإسرائيلي واستهداف قواعد عسكرية ومراكز حساسة، ما وضعها بمواجهة مباشرة مع هذه الدول، فضلاً عن 
الخسائر الاقتصادية الإضافية للكيان وحالة الهلع التي تسببت بها الحرب النفسية التي مارستها القيادة الإيرانية من جراء تأخيرها الرد لأسبوعين.

الخسائر الصهيونية

الخسائر المادية الصهيونية من جراء التصدي للهجمات الإيرانية والتي تجاوزت المليار دولار، إضافة إلى حالات الرعب التي أصابت المستوطنين، حيث نجحت في صناعة نقمة حادة على نتنياهو وفريقه. وفرضت قواعد إشتباك جديدة مع الكيان تتلخص بالرد على الكيان الغاصب عند كل عملية هجوم أو اغتيال لشخصيات إيرانية.
تأكيدها على وحدة الساحات، وأنها ليست جبهة منفصلة عن محورالمقاومة. وفي خطوة لاستباق الرد الصهيوني هددت القيادة الإيرانية "واشنطن" من مساعدة الكيان الصهيوني في رده، وهو ما جعل الإدارة الأمريكية تطلق تصريحاتها وتحذيراتها لحكومة الكيان الصهيوني بعدم مشاركة الولايات المتحدة بأي هجوم على إيران، ويبدو هذا ما جعل الرد الإسرائيلي يبدو باهتًا، ولا قيمة له في استهداف المفاعلات النووية الإيرانية التي تضع إسرائيل نصب أعينها عليها. وهنا تطرح الأسئلة نفسها، ماذا ما بعد الرد الإسرائيلي؟ وقد كان  أمام الكيان الصهيوني ثلاثة خيارات: إما أن يبتلع مرارة عدم الرد على مضض ويرضى بقواعد الاشتباك الجديدة، وإما أن يُكمل نهج الاغتيالات لشخصيات في الحرس الثوري والعمليات الارهابية في الداخل الإيراني، وبالتالي يتحمل الرد الإيراني على جرائمه، وإما أن يجر معه منطقة الشرق الأوسط إلى تصعيد إقليمي شامل في رده على الرد الايراني، من خلال قيامه بخطوة جنونية عبر شنه هجمات مباشرة يبدأها بضربات استطلاعية يعقبها ضربات عنيفة لمنشآت داخل الأراضي الإيرانية، وهذا سيتطلب أولاً، ضرورة تعاونه مع القوات الجوية الأمريكية لنجاح العملية، وثانيًا التهديد الإيراني للبلدان التي قد تفتح أجواءها للطيران المعادي في إشارة إلى كل من الأردن والعراق والسعودية وتركيا، وثالثًا الاستعانة بإحدى الدول المجاورة والمعادية لإيران قاعدة انطلاق للوصول إلى أهدافه في الداخل الإيراني في إشارة واضحة إلى أذربيجان التي تعهدت سابقاً لإسرائيل بالسماح لها باستخدام مطاراتها في حال هجومها على منشآت إيران النووية، ولا مصلحة لاذربيجان في ذلك سوى مسايرة الحماقة الصهيونية بحماقة أكبر.

التصعيد بين طهران وتل أبيب 

التصعيد بين طهران وتل أبيب يقرأ على أنه تطور خطير وكبير وهام، بالنظر إلى استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق، كان ذلك تصعيداً إسرائيلياً مفاجئًا ومباغتًا، لم يكن بإمكان إيران السكوت عنه لأنه كان جارحاً لكرامتهم الوطنية، ولايبدو له علاقة بالعدوان على غزة. وإعلانها للعالم أنها مضطرة للرد، لأن إسرائيل لم تترك لها مجالاً آخر بسبب صلافة العدوان الإسرائيلي المباشر على قنصليتها، إلى درجة أن الإيرانيين طلبوا مخرجاً يجنبهم الرد، مثل إدانة مجلس الأمن قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، على حد تعبير مراقبين ومحللين، ومفكرين عرب. إلاّ أن ذلك لم يحدث، كانت طهران مضطرة للرد عسكريًا، ولكنها لا تريد حرباً إقليمية، ولعل ردها المحدود يفهم منه رسالة تحذيرية لإسرائيل مفادها بأن الساحات ليست متماثلة، وأن الحرب ليست رغبة وهوس في التفكير، والهروب من ساحة إلى أخرى. وهي محاولات من جانب إسرائيل لجر أمريكا وحلف الأطلسي في مواجهة مباشرة مع إيران.
والواضح إن إسرائيل ضعيفة، لكنها تحاول إخفاء هذه الهشاشة بتضخيم نفسها في مواجهة إيران، فإسرائيل عاجزة عن الدفاع عن نفسها، أمام المقاومة الفلسطينية، فما بالكم مع دولة حربية كبرى مثل إيران، فهي تناوش لكنها تتكئ على الدعم الأمريكي والغربي، ومع ذلك لا يمكن استبعاد استمرار المواجهات بين الطرفين، في إطار الهجمات المتبادلة، مع استبعاد حدوث حرب شاملة لا تريدها البلدان بالأصل، ولا أمريكا، لاسيما في عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

حماية إسرائيل 

ما كشف عنه الأحداث أن هناك حقيقة ماثلة في المنطقة أن هناك من يدافع  عن أمن إسرائيل، ظهر ذلك جليًا، أولاً في التحالف الضمني ضد اليمن، ثم تبلور بشكل أوضح في مع مجموعة البلدان ومن بينها دول عربية استنفرت لإسقاط الصواريخ والمسيرات دفاعاً عن إسرائيل". حاولت الأردن تبرير هذا الموقف من الطرفين، إلا أن هناك من يشكك بذلك. وبرأي المفكر العربي عزمي بشارة أن "اللوبي العربي ــ الإسرائيلي ــ الغربي يعتبر  المسألة الأساسية هي الخطر الإيراني، لا القضية الفلسطينية. فهذا التحالف القائم بالفعل والذي كشف عن نفسه ليلة القصف الإيراني على إسرائيل، يثبت بحسب بشارة أن "دولة الاحتلال لا تستطيع أن تحمي نفسها من إيران من دون الدعم الغربي والأمريكي، وهذا التحالف الذي دافع عن إسرائيل بوجه الهجوم الإيراني، هو هدية لإسرائيل، ولكنه في الآن نفسه تقييد لها في حروبها". وفي إطار قراءته لمستقبل الصراع الإيراني ــ الإسرائيلي، توقع بشارة أن يتواصل النشاط العدواني الإسرائيلي ضد إيران، وأن يستمر "النشاط الاستخباري التخريبي ضد إيران وداخلها، لكن أن تذهب طائرات إسرائيلية لقصف إيران، أو أن تقصفها بصواريخ من دون تنسيق مع الحلفاء، فإن هذا ما لا يريده الأمريكيون بشكل عام وفي سنة انتخابات بشكل خاص".
ويرى بشارة، بأن بايدن أكثر جرأة بكثير من ترامب في مسألة الحروب، وهو ما ظهر في أوكرانيا وغزة.
واستطرد موضحاً أنه بعد السابع من أكتوبر، "تغيرت قواعد الاشتباك، وأصبحت شروط اندلاع الحروب أصعب مما كانت عليه سابقاً"، وهو ما يظهر على جبهة لبنان أولاً، وفي الفعل الحربي بين إيران وإسرائيل حالياً. وعن هذا الموضوع، لاحظ بشارة أنه في قضية الحروب، الرئيس الأمريكي جو بايدن بدا أكثر جرأة بكثير من الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما ظهر في أوكرانيا أولاً، وفي غزة في مرحلة لاحقة".
وعن احتمال تجاوز رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الخط الأمريكي الأحمر الرافض لاندلاع حرب شاملة في المنطقة، ذكّر المفكر العربي بشارة، في حواره مع التلفزيون العربي، بأن نتنياهو "ليس كليّ القدرة، ذلك أن هناك مؤسسات في إسرائيل، لا يمكنه تجاوزها، وهناك أمريكا لا يمكنه معاكسة مصالحها، والأمريكيون غاضبون لأن نتنياهو لم ينسق معهم قبل قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وهناك رفض أمريكي قاطع للرد الإسرائيلي على الرد الإيراني". وخلص إلى أنه رغم تمتع نتنياهو بهامش واسع من المناورة، إلا أنه يصعب أن يصل به الأمر إلى حد أن ينفذ ما ترفض أمريكا فعله بشكل حاسم مثل قصف إسرائيل المفاعلات النووية الإيرانية مثلاً، لأن هذا يؤدي إلى حرب أكيدة لا تريدها أمريكا..!