مايو 5, 2024 - 16:11
الأمن الصهيوني المفقود..!

أروى حنيش

تقوم النظرية الإستراتيجية والعسكرية الصهيونية على التمسك بالعقيدة اليهودية "بوعد الله لشعبه المختار"، تطلعًا منها إلى "امتلاك أرض الميعاد"، وبناء على ذلك أخذت الصهيونية على عاتقها رسم الاستراتيجية، وصياغة الوسيلة والأدوات، وفي مقدمتها الأداة العسكرية، لتحويل الأمل المنشود إلى واقع ملموس. وكان ذلك باستباحة أرض فلسطين، وتفريغها من سكانها الفلسطينيين، عن طريق الاستيطان والحرب، ومن ثم فرض الإرادة لإقامة الدولة اليهودية. وهو ما أكده دفيد بن جوريون حين قال: "إن جنود موسى ويشوع وداود، لم يكفوا عن القتال، حتى فيما بينهم، وكذلك جنود صهيون، لن يتوقفوا عن الحرب". 
وتشكل التوراة جذور الفكر العسكري الصهيوني المعاصر، بينما ترسم النظرية الصهيونية أصوله. فهي تبيح اغتصاب فلسطين، طاعة لوعد الله وتتيح الحرب تحقيقًا "للمهمة الإلهية". فإسرائيل تجاهر بالعزم على التوسع، تنفيذًا وفقًا لايديولوجية سياسية دينية" لوصية نزلت من السماء" على بنى إسرائيل. وهي أيديولوجية في المنهجية السياسية، تنسب كل أسباب القتال ودوافع الحرب، إلى "يهوه"، رب الجنود، وإله إسرائيل. فعملت الصهيونية على تحويل العقيدة الدينية اليهودية، إلى "نظرية سياسية" تطالب بـما تزعم "بحق تاريخي"، وتستند إلى"وعد إلهي"، وإلى نظرية عسكرية، ونظرية أمنية كذلك. ولذلك يجري تسييس الدين اليهودي في أساس الوجود، الذي ارتكزت عليه النظرية الأمنية، من المنظورين السياسي والعسكري، والذي اتخذه دعاتها حجة للمناداة "بالقومية اليهودية"، وسندًا للمطالبة بتحقيق " الوعد الإلهي"، ودعوة لاغتصاب أرض فلسطين، وحق العودة إليها لبناء الدولة اليهودية الحديثة والمعبد الثالث في أورشليم. 

الدين إطارًا للنظرية الصهيونية 

تزعم الصهيونية إنه مثلما حفظ الدين اليهودي الشعب من الاندثار عبر قرون طويلة، يستطيع الدين أن يعيد جمع شمل الشعب فوق "أرض الميعاد"، داخل إطار الدولة التي تربط بين تراث الماضي البعيد، ومستجدات وحقائق الحاضر، وأمنيات المستقبل. لذلك، تمثل الديانة اليهودية إطاراً عاماً للنظرية الصهيونية. فالتوراة مصدر "العقيدة اليهودية"، منها نبعت فكرة "الخلاص والعودة"، وعلى هديها رسم اليهود حياتهم، ونظموا علاقاتهم، ورتبوا معاملاتهم، وبها أعادوا كتابة تاريخهم العسكري، واستنبطوا، كذلك، عقائدهم العسكرية.
ويُعد عام 1907 حدًا فاصلاً في التاريخ اليهودي الحديث، لارتباط ذلك التاريخ بنشأة الصهيونية الحديثة، واتجاهاتها الاستعمارية، حيث انتصرت آراء الزعماء الصهيونيين المنادين ببدء العمل في فلسطين، دون انتظار لأي ضمانات سياسية. وبعد موت تيودور هرتزل، تم انتخاب دفيد ولفسون رئيساً للمنظمة، وشكلت اللجنة التنفيذية للمنظمة من فريقين مختلفين في الرأي، وظهر هذا الاختلاف بعد رفض مشروع شرق أفريقيا، والفشل في إجراء أي مفاوضات ناجحة مع السلطات العثمانية. وعلى الرغم من اتفاق جميع الصهاينة على الهدف السياسي، الذي نص عليه برنامج بال، بشأن الوطن القومي في فلسطين، إلاّ أن الآراء اختلفت فيما يتعلق بأسلوب التنفيذ. إذ أصر فريق على بدء النشاط العملي في فلسطين دون الضمانات السياسية - وهؤلاء أطلق عليهم اسم: الصهاينة العمليين، بينما تمسك فريق آخر بأهمية الحصول على هذه الضمانات قبل أي عمل، وأطلق على هؤلاء اسم الصهاينة السياسيين. واستمر الصراع بين الفريقين عدة سنوات حتى  انتصر الصهاينة العمليون.

الدعاية الصهيونية

لعبت بث "البروباجندا" الدعائية عن ديمقراطية الدولة الكائنة ضمن محيط ديكتاتوري عدائي، وأنها الضحية الباحثة عن العيش بأمان، ينتظر أن تذبح، ويلقى بها في البحر، وتوجيه تهمة "معاداة السامية" لكل من يتجرأ على نقدها.
وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور قال في رسالته الموجهة للورد روتشيلد:
"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية، على أن لا يجري أي شيء قد يؤدي إلى الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية للجماعات الأخرى المقيمة في فلسطين أو من الحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الأخرى أو يؤثر على وضعهم السياسي".
الرسالة إذن تتحدث عن "وطن قومي"، وليس دولة، وتعطي اليهود صفة الشعب، بينما تصف الآخرين بالجماعات المقيمة في فلسطين أي نزعت عنهم صفة الشعب. وتطلب عدم التعرض لحقوقهم المدنية والدينية. لكن اليهود القادمين من كل حدب وصوب لم يلتزموا بها، وبريطانيا دعمتهم في كل الانتهاكات التي مارسوها ضد الفلسطينيين. وحسب إحصائيات عدد السكان في فلسطين قبل الحرب العالمية الأولى بلغ 690 ألف نسمة نسبة اليهود منهم 8 في المئة فقط. و92 في المئة من الفلسطينيين (من مسلمين ومسيحيين) وفي العام 1948 كان عدد السكان أكثر من 2 مليون نسمة منهم 31 في المئة من اليهود. الوكالة اليهودية عملت على دفع اليهود للهجرة بوعود "العيش في مكان آمن"، وخاصة بعد المحرقة اليهودية في ألمانيا "الهولوكوست". لكن انكشفت نوايا الحركة الصهيونية بعد هجرات اليهود الأولى إلى فلسطين بعد الحرب العالمية.
إذ تم سريعًا إنشاء تنظيمات عسكرية ميليشياوية إرهابية، ما بين الحربين العالميتين  مهمتها قتل الفلسطينيين وطردهم من قراهم، كما يحدث تمامًا اليوم في الضفة الغربية مع كتيبة "نيتسيح يهودا" التابعة لجيش الاحتلال التي قررت واشنطن فرض عقوبات عليها، وجماعات "شبيبة التلال" المدعومة من زعماء اليمين المتطرف مثل إيتمار بن غفير، وسموتريش الصهيوني اليهودي المتطرف الذي يدعو إلى تدمير غزة كاملاً. وكان من بين زعماء هذه العصابات دافيد بن غوريون، ومناحيم بيغن، وأسحق شامير، وأسحق رابين الذين أصبحوا لاحقا رؤساء وزراء لدولة الاحتلال.

نظرية الأمن القومي 

تحذر نظرية الأمن الإسرائيلية، من تعرض إسرائيل لحرب استنزاف طويلة، لذلك تؤكد أن يكون لدى الجيش  الإسرائيلي قوة، يمكنها، توجيه ضربات قوية، تخترق فيها الخطوط الدفاعية "للعدو"، بالقوات البرية والقوات الجوية، والقضاء على الرغبة في الاستمرار في القتال. وقد فرض هذا الفكر، على إسرائيل أن تكون حروبها قصيرة ومدمرة للأفراد والمعدات. كذلك، من الضروري توفر المرونة، من خلال القدرة على إيقاف العدو، أو احتوائه، ولو لفترة مؤقتة، لإعادة التوازن إذا اختل على أي جبهة من الجبهات العربية.
وحتى يتمكن من تنفيذ ذلك، يحاول الإبقاء على تفوقه الكمي والنوعي، طبقاً لما تمليه التطورات التكنولوجية. لذلك، اعتمد الفكر الإسرائيلي للتخطيط في المجال الاستراتيجي، على العديد من الأسس، أبرزها حاجة المجتمع للأمن، نتيجة لطبيعة نشأة الدولة، وخصائصها (البشرية، الجغرافية، الاجتماعية، مواردها الطبيعية، علاقاتها الدولية)، وصياغة ركائز نظرية الأمن، لتحقيق أهداف الدولة العليا. كما تَطّلَبْ طموح واتساع أبعاد المخطط الصهيوني، أن يعتمد في تحقيق أهدافه على التدرج المرحلي، والانتقال المتتالي من هدف لآخر، وصولاً إلى تحقيق غايتها، التي تنشدها إسرائيل. لذلك يرتبط تطور مفهوم الأمن الإسرائيلي، بالنظرة الإسرائيلية إلى الذات، والنظرة إلى غير اليهود، ليسبق موضوع الأمن من حيث الشكل أو المستوى موضوع الأرض. كما يقضي بتوظيف التفوق العسكري الإسرائيلي، لتحقيق التوازن في المنطقة من المنظور الإسرائيلي. كذلك ربط مفهوم الاستقرار، بالردع والقدرة على التهديد، ثم إجبار الطرف الآخر على الاستجابة، لما تراه إسرائيل من مركز القوة، حيث تسمح النظرية بقصر التنازلات الإقليمية على الأراضي ذات الأهمية الاستراتيجية المحدودة، أو تلك التي يمكن تعويضها من خلال التطور النوعي في نظم التسليح. وقد سعت النظرية الأمنية الإسرائيلية، منذ أن وضحت اتجاهاتها، في أوائل الخمسينيات، على يد دفيد بن جوريون  ومردخاي ماكليف إلى التأكيد على:
1. حل مشكلة وجود إسرائيل لتحقيق الأمن، في ظروف القلة العددية، أمام كثرة عدد الخصوم.
2. الجيش الإسرائيلي، هو العمود الفقري للمؤسسة الأمنية.
3. متطلبات الأمن الإسرائيلي، تستوجب بناء وتسليح الجيش الإسرائيلي، بالشكل الذي يسمح بالرد المناسب على التهديدات العسكرية، من دول المواجهة العربية.
4. تَبَنّي نظرية الأمن لأساليب قتالية دفاعية، تُعد بالنسبة لإسرائيل أمرًا صعب التنفيذ، وينطوي عليه أخطار عديدة، يمكن أن تجر الجيش الإسرائيلي إلى معارك طويلة واستنزافية، لذلك فإن الأجدى تَبَنّي نظرية قتال هجومية.
5. ضرورة تملك قوة ردع، مع العمل المستمر على تطويرها.

لذلك فإن نظرية الأمن، التي وضعها منذ أكثر من 40 سنة بن جوريون، أرادت أن تجيب على سؤال مصيري لإسرائيل، وهو كيفية تحقيق الأمن لشعب قليل العدد، يواجه كثرة معادية. فالبيئة العربية معادية لوجود إسرائيل. وفي معظم الحالات، أخذ بن جوريون في الحسبان ضعف إسرائيل في القوة البشرية "ديموجرافية السكان مقارنة بالشعوب العربية"، ومساحتها الضيقة، وكذلك مواردها المادية المحدودة. وهو ما أدى به إلى الاتجاه نحو عدد من المبادئ، شكلت ركائز نظرية الأمن، أبرزها:
1. أن كل الشعب هو جيش "الشعب المسلح".
2. نقل الحرب إلى أرض العدو.
وبناء على تلك الركائز، فإن الوجود القومي الإسرائيلي، مرتبط بمدى كفاءة جهاز الأمن في مفهومه الواسع، لخلق تفوق متنامٍ وسريع يؤدى إلى معالجة الضعف الأساسي لإسرائيل. وقد توصل واضعو نظرية الأمن إلى حلول لذلك، وقاموا بتطبيقها في إطار نظريتهم، إلا أن تلك الحسابات تم اختراقها، ونجحت المقاومة في كسر هذا التفوق الامني والاستخباري، في عملية طوفان الأقصى، وهو ما اعترف به رئيس الاستخبارات الإسرائيلي المقال بفشله في حماية إسرائيل.

 الجيش الإسرائيلي

  يعُد الجيش الإسرائيلي  الأداة الأساسية لجهاز الدفاع، وضع لنفسه أسلوباً عملياً هجومياً يساعد على حماية سيادة الدولة واستقلالها، من خلال طريقة قتال تهدف إلى نقل الحرب إلى أراضي الخصوم، وإلحاق الهزيمة بالقوات المعادية في معارك حاسمة وسريعة. لذلك، بنيّ الجيش الإسرائيلي وأُعِدَت نظريته القتالية، ووزعت الموارد بين القوى الهجومية مثل: القوات المنقولة جوًا والطائرات المقاتلة القاذفة، والهليوكوبتر الهجومية، والدبابات والمدفعية ذاتية الحركة، وغير ذلك، وبين قوى الدفاع مثل: المشاة، والأسلحة المضادة للدبابات، والأسلحة المضادة للطائرات، والملاجئ، والوقاية من أسلحة الدمار الشامل، وغير ذلك. 
ومنذ الخمسينيات لم يطرأ تغيير حاد في المبادئ العامة للنظرية. فقد عززت الحروب، التي دارت من آراء واضعي النظرية، لذلك بقيت سارية المفعول، في مجملها، عدا بعض التطوير والإضافات، عقب كل حرب شهدتها المنطقة "حرب عام 1967 وعام 1973 وحرب الخليج". ونجم عن أخطاء في تطبيق النظرية وليس بسبب أخطاء في النظرية نفسها، العديد من الصعوبات في الحروب. التغيير البارز، الذي حدث منذ الخمسينيات، كان في حجم ونوع نظم التسليح والمعدات، والتطور الكبير فيهما، وما لهذين العنصرين (الحجم والنوع) من انعكاسات على أسلوب إدارة الجولات العربية الإسرائيلية، ومن ثم على التطبيق الفعلي لنظرية الأمن.

تهديد الوجود الصهيوني

لأول مرة منذ تأسيس الكيان الصهيوني يشعر أن وجوده مهدد بعد عملية "طوفان الأقصى".
فهذه الدولة التي أقامتها الصهيونية اليهودية والعالمية بنيت منذ تكوينها على مجموعة من الممارسات كونت استراتيجياتها في رؤية لمستقبل استمرارية وجودها، فهذا الوجود مرتبط بعدة عوامل عملت على تحقيقها:
محو الوجود الفلسطيني كشعب على الأرض ومن الذاكرة العالمية، وربط  أرض فلسطين بمعتقد ديني هي "أرض الميعاد" التي وعدها الله بها بني إسرائيل "شعبه المختار"، كما أشرت سابقًا، وكل ذلك بهدف جلب أكبر عدد من اليهود في العالم لاستيطانها، لتكون الموئل الوحيد الذي سيعيش فيه اليهود المهددون، بعد ما أصابهم من اضطهاد في أوروبا. ثم ربط استمرارية وجودها بالحفاظ على ارتباطها بالقوى الخارجية (الصهيونية العالمية) التي صنعتها على أرض فلسطين.

التجنيد الإجباري 

لقد وجد كل مهاجر يهودي يصل إلى فلسطين نفسه أنه مدعو للانخراط بطريقة أو بأخرى في مخططات الصهيونية، وفي العصابات الصهيونية ليصبح قاتلاً ومحتلاً وطاردًا لأصحاب الأرض، ليحقق قيام دولة إسرائيل، وأن الأمان الذي وعد به لا يتحقق إلا عبر البندقية في مواجهة شعب يرفض الاحتلال، خاصة خلال الثورة الفلسطينية الكبرى "ثورة القسام" وقد سجلت شهادات عدد كبير من هؤلاء الذين اعترفوا بارتكابهم مجازر فظيعة في القرى الفلسطينية لترويع الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة.
وارتكبت العصابات الصهيونية مجازر مروعة إبان حرب النكبة 1948.
كما ارتكبت بحق الفلسطينيين بعد حرب النكبة مجازر أخرى منها (مجزرة كفر قاسم، ومجزرة خان يونس 1956، مذبحة الأقصى الأولى 1990، مذبحة الحرم الإبراهيمي 1996، مجزرة جنين 2002، مجزرة صبرا وشاتيلا 1982 ومجزرة قانا 1996 في لبنان). وإزاء كل هذه المجازر أغمضت بريطانيا، وكل الدول الداعمة لهذا الكيان، وعلى رأسها الولايات المتحدة أعينها واعتبرتها دفاعًا عن النفس كما تدعي حاليًا الدول الغربية الداعمة له أن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها".
تدعي دولة الاحتلال أنها تقوم بحروبها ومجازرها من أجل أمنها، ولخوض حروبها تفرض على كل يهودي ويهودية خدمة إجبارية في الجيش لمدة ثلاث سنوات، ويبقى رهينة استدعائه لخدمة الاحتياط كلما دعت الحاجة، أي أن اليهودي الذي بحث عن الأمان في فلسطين يجب أن يحمل البندقية ليقتل ويُقتل.
فمنذ إعلان قرار التقسيم الذي أعطى اليهود الذين يبلغ عددهم آنذاك حوالى 700 ألف نسمة 55 في المئة من الأراضي الفلسطينية، وللفلسطينيين البالغ عددهم 1,5 مليون تقريبا 45 في المئة من أرض فلسطين التاريخية. أي بفارق صارخ لصالح اليهود، فإن قرار التقسيم هذا حول القضية الفلسطينية إلى صراع عربي إسرائيلي بدأ بحرب 48 التي انتهت بنكبة، وقامت العصابات الصهيونية خلالها بالتوسع واحتلال كل الأراضي الفلسطينية ما عدا الضفة الغربية وغزة. وفي حرب النكسة 67 احتلتهما كاملاً، واحتلت صحراء سيناء المصرية والجولان السوري. وظهرت نوايا الدولة الصهيونية الباحثة عن أمان اليهود فيها أنها تزج بهم في حروبها التوسعية حسب مخططاتها غير المعلنة والتي كشفت عنها حركة حماس بعد عملية "طوفان الأقصى" بعد الاستيلاء على خرائط دولة إسرائيل إلى ما بعد الفرات والنيل، واستمرت الحروب مع الدول العربية في حرب 73، ومع فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية بعد ان تقاعدت الأنظمة العربية عن مواجهة دولة العدوان وتطبيع العلاقات معها، في حرب لبنان 1982. و1906، و10 حروب في غزة منذ انسحابها منها في العام 2005. وأقامت المستوطنات في معظم أراضي الضفة الغربية، وانتشرت عصابات المستوطنين المسلحين في كل القرى الفلسطينية لتقوم بقتل الفلسطينيين وتخريب ممتلكاتهم بحماية جيش الاحتلال. لقد كانت فكرة الصهيونية التي نادى بها هرتزل في كتابه "دولة اليهود" تقوم على "وجود اليهود داخل دولة واحدة ليحققوا الأمان" فإن هذه الفكرة لم تتحقق بعد 75 سنة من الاحتلال للأراضي الفلسطينية، ووجودها لم يستمر إلا بدعم الدول الغربية لها والدفاع عنها، ولم تستطع أن تستقطب يهود العالم، فاليهود في الدول الأخرى يعيشون بأمان وازدهار إلا في إسرائيل.
يقول أبراهام بورغ رئيس الكنيست الإسرائيلي سابقا: "هناك احتمال حقيقي أن يكون جيلنا هو الجيل الصهيوني الأخير".
ويقول المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه:" إن إسرائيل ليست مجرد دولة، بل مشروع استيطاني إحلالي، ومشيرًا إلى أننا نشهد حاليًا بداية النهاية لهذا المشروع".

وختامًا، تغيرت موازين القوى، ولم يعد الأمن الإسرائيلي، في مأمن لتحقيق الاستقرار للمستوطنين، طالما بقيت دولة احتلال إجرامية، لا تحترم أي قوانين أو تشريعات، أو معاهدات، بل ترتكز على سياسة فرض القوة كأمر واقع في احتلالها لفلسطين، تحت غطاء ديني ودعم سياسي أمريكي وأوروبي، على اعتبار أن إسرائيل تشكل خط الدفاع الأول عن المصالح الغربية في المنطقة. فهي لا تواجه دولة، ولا تواجه جيشًا نظاميًا كي تقضي عليه في مساحات مكشوفة، بل  تواجه حركة تحرر تدافع عن حقوقها وأرضها وحريتها وكرامتها واستقلالها، لاتملك من السلاح إلا سلاح تقليدي من صنع يدها، ولكنها تملك الإيمان والإرادة والعزيمة والإصرار، وتعتمد في استراتيجيتها في القتال طويل المدى، ضمن أساليب فنية وتكتيكيه، في أساليب الحروب الحديثة، لم يسبق للجيش الإسرائيلي معرفتها، وقد استطاعت اختراق التحصينات الأمنية، والإجهزة الاستخبارية في السابع من أكتوبر الماضي، وهذا ما أظهر الجيش الإسرائيلي بالضعف والهشاشة والركاكة والرخوة، وعدم مقدرته على توفير الضمانات الأمنية للمستوطنين المهددين بالوجود الطارد لاستقرارهم.
سبعة أشهر من القتال والفتك والتدمير لم تحقق فيها إسرائيل أهدافها بالرغم من الدعم الأمريكي والأوروبي السياسي والدبلوماسي والعسكري والمالي غير المحدود.
اعتمدت القصف الجوي والمدفعي، ولكنها لم تحقق إلا خسارة استراتيجية فقد قتلت المدنيين ودمرت مظاهر الحياة، ولكنها لم تستطع تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وهي في حالة انكسار، بعد الهزائم التي تكبدتها، في المواجهات مع المقاومة الوطنية، التي عرت هشاشة الجيش الإسرائيلي وترهل بنائه العسكري، وهذا ما كشفت عنه الوقائع الميدانية في القتال وجها لوجه مع المقاومة على الأرض، حتى لم يستطع الجيش الإسرائيلي أن يصور مشهد قبض على مقاوم واحد. 
وأمريكا اليوم ليست أمريكا قبل السابع من أكتوبر، فبعد وصول "طوفان الأقصى" إلى عقر دارهم في الشوارع والجامعات الأمريكية والأوروبية وصورة إسرائيل أصبحت مشوهه أمام العالم، بارتكابها مجازر  قتل الأطفال والنساء، كما أصبحت صورة أمريكا هي الأخرى معراة أمام العالم، فسقطت كل مفاهيم الحريات والعدالة التي كانت تتشدق بها أمريكا. كشفت عن وجهها السافر بأنها تدافع عن الإحتلال بكافة الوسائل والمحافل الدولية، فهي تسابق الزمن لإنقاذ ذاتها والكيان في تصريحات كاذبه من أجل لملمة الفضيحة وتستخدم من الأساليب الإعلامية من كذب وتضليل وخداع للرأي العالمي، بينما هي من تقف خلف تلك المجازر في الإبادات الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. 
اليوم أمريكا وإسرائيل تستجديان مصر وقطر بالضغط على حماس لقبول الصفقة بتبادل الأسرى وهدنة مؤقتة، حتى تخرج بحفظ جزء يسير من ماء وجهها، لكن المقاومة وصلت إلى نقطة اللاعودة فقد كشفت سر هذه الإدارة الأمريكية  المجرمة، وعرتها وحركت العالم كله ضدها، وأن النار التي ألقيت على غزة تصل شرارتها إلى أمريكا. وإسرائيل تعاني من أوضاع سياسية واقتصادية مهترئة، وحالة من عدم الاستقرار والخوف والهلع، وعدم الثقة في الحكومة والجيش الإسرائيلي، ويشهد الشارع غليان المستوطنين بالتظاهرات اليومية بشكل متزايد، وغضب من فشل حكومة نتنياهو وجيشه الذي يجر أذيال الخيبة بالهزائم المروعة التي سحقت كبرياءه ومرمطت به المقاومة في معارك النزال الميدانية. اليوم تحاول حكومة الحرب المصغرة، اجتياح رفح، هي محاولة أخيرة لنتنياهو لتغطية فشله وعجزه، بنقل المعركة إلى رفح، وهو ما سيؤدي إلى تفجر الأوضاع في المنطقة، لنرى الغطرسة الإسرائيلية الأمريكية بنهاية مخزية..!