مايو 4, 2024 - 19:27
 الدولة والجيش الصهيونيان في ظل حكومة «بنيامين» الموغلة في التطرف بين خريف الاستقالات وسوء المآلات   


عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي -
جيش «دولة الكيان» الذي ظل -منذ تأسيسه قبل أكثر من سبعة عقودٍ ونصف عقدٍ من الزمان- أهم مفاخر الدولة العبرية يمرُّ -على الرغم من ارتكابه في حقِّ أطفال غزة واحدةً من أبشع المجازر التي ارتكبت في تأريخ البشرية- بأسوأ مراحله العمرية، فقد كشفت عملية «طوفان الأقصى» ما لم يكن معلومًا من جوانب ضعفه التي كانت وراء فشله في اكتشاف تدابير المقاومة الفلسطينية قبل مفاجأتها عددًا من المستوطنات والمقار الاستخباراتية والدفاعية والأمنية الصهيونية بـ«أعتى طوفان» ستظل آثارهُ عالقةً في الأذهان ما توالت الأزمان على بني الإنسان.
وحتى بعد استهداف هذا الجيش «الهُمام» سكانَ «قطاع غزة» العزل -منذ 210 أيام بالتمام- بنيران أسلحته الشديدة الفعالية والكثافة، ما يزال -نتيجة تصلب قيادته السياسية المتطرفة- يتجرع على أيدي أبطال المقاومة الفلسطينية الباسلة هزائم عسكرية ميدانية مضاعفة، الأمر الذي حمل الكثير من قادته على التفكير -بجدية- بالاستقالة من مناصبهم القيادية مفسحين المجال -أمام أنصار التطرف- لممارسة المزيد من التعجرُف. 

موجة استقالات عصفت بـ«وحدة المعلومات» 

ممَّا لم يعد سرَّا أنَّ حرص نتنياهو على إطالة عمر حكومته وراء تحالفه مع عناصر متطرفة جارته -أثناء اتخاذ قرار حربه الانتقامية على «قطاع غزة» ردًّا على «طوفان الأقصى»- في رفع سقف أهدافه إلى مستوى غير واقعي أربك أداء الجيش المرتبك، فغدا مهددًا بالتفكك المُعبَر عنه بموجة الاستقالات التي عصفت بوادرها الأولى بعدد من قيادات «نظام المعلومات»، وذلك ما أشير إليه في سياق الخبر الصحفي التساؤلي المعنون [موجة استقالات غير مسبوقة داخل وحدة المعلومات بالجيش الإسرائيلي فما السبب؟] الذي نشره «يورونيوز عربي» في الـ4 من مارس الماضي بما يلي: (قالت القناة 14 الإسرائيلية إنَّ عددًا من كبار المسؤولين في نظام المعلومات في الجيش الإسرائيلي قدموا استقالاتهم، رغم استمرار الحرب على غزة.
وأفادت القناة أنَّ  "الكولونيل شلوميت ميلر بوتبول الذي يعتبر الرجل الثاني في قسم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بعد دانيال هاغاري، قدم استقالته أيضًا، بالإضافة إلى عدد كبير من الضباط المسؤولين في قسم المعلومات بالجيش".
وأضافت القناة الإسرائيلية أنَّ "موران كاتز رئيسة دائرة الاتصالات في وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ستترك وظيفتها، بالإضافة إلى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لشؤون الإعلام الأجنبي، الجنرال ريتشارد هيشت.
وأرجعت القناة هذه الاستقالات الجماعية إلى احتجاج الضباط على سير الأمور العملياتية والشخصية، وأوضحت أنَّ الاستقالات "تعكس حالة الاضطراب" بوحدة المعلومات التي يديرها هاغاري.
وتشير تقارير إسرائيلية خلال الشهور الأخيرة إلى خلافات عميقة بين الحكومة والجيش الإسرائيلي بسبب إدارة الحكومة للحرب).
 
استقالة «أهارون هاليفا» بسبب «طوفان الأقصى» 

إنَّ ما مني به الجيش الصهيوني في التصدي لـ«طوفان الأقصى» من فشل لا يحتمل هو فشلٌ استخباراتيٌّ في المقام الأول، وعلى هذا الأساس بادر الجنرال «أهارون هاليفا» رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية -من منطلق إقراره بفشله في تحمل مسؤوليته- إلى تقديم استقالته، وذلك ما أوضحه الصحفي «جيمس ماكنزي» في مستهل تقريره التحليلي المعنون [استقالة رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية على خلفية إخفاقات 7 أكتوبر] الذي نشره في «swi swissinfo.ch» في الـ22 من أبريل المنقضي على النحو التالي: (قال الجيش الإسرائيلي في بيان يوم الإثنين إنَّ رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية تقدم باستقالته بعد الإقرار بمسؤوليته عن الإخفاقات التي سمحت بوقوع الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وكان الجنرال أهارون هاليفا، الذي يخدم في الجيش منذ 38 عامًا واحدًا من عددٍ من كبار القادة الذين قالوا إنهم لم يتوقعوا الهجوم وفشلوا في منعه.
وقال في خطاب الاستقالة الذي نشره الجيش: “شعبة المخابرات تحت قيادتي لم ترقَ لمستوى المهمة الموكلة إلينا. شبح ذلك اليوم الأسود يطاردني منذ ذلك الحين”.
وسيترك هاليفا المنصب بمجرد تعيين خلف له).
وعلى سبيل التجاوب مع تقديم اللواء «أهارون هاليفا» استقالته وتنحيه عن المنصب مشفوعًا بذكر السبب، أعلن الجيش الصهيوني -بحسب ما نشر في موقع «اليوم السابع» وفي وكالة أنباء «الأناضول» يوم أمسٍ الأول- (تعيين «شلومى بندار» رئيسًا لشعبة الاستخبارات العسكرية).
 
تفضيل «فوكس» الاستقالة لاصطدامه بهجمة هدامة

بالتزامن مع تنحي اللواء «هاليفا» بلّغَ قائد المنطقة العسكرية الوسطى اللواء «يهودا فوكس» رئيسَ هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال «هرتسي هليفي» -وفق ما نقل موقع «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» عن صحيفة «معاريف» في الـ24 من أبريل الفائت- (أنه يعتزم الاستقالة من منصبه في أغسطس المقبل.
ويأتي ذلك في ظل أزمة تعصف بالجيش الإسرائيلي وتهدّد كبار الضباط بالاستبعاد).
وبالرغم من أنَّ «فوكس» هو المسؤول المباشر عن التصعيد الذي تشهده «الضفة الغربية» والتكنيل بالفلسطينيين منذ توليه زمام القيادة في أغسطس 2021 فإنه لم يُرضِ طموح متطرفي المستوطنين، وذلك ما يمكن أن يفهم من احتواء تقرير الصحفي «نظير مجلي» التحليلي المعنون [استقالة قائد المنطقة الوسطى في إسرائيل أخطر من استقالة رئيس الاستخبارات العسكرية] الذي نشره في صحيفة «الشرق الأوسط» بتأريخ 14 شوال 1445هـ الموافق 23 أبريل 2024م على ما يلي: (لكن الجنرال «فوكس» حاول في بعض الحالات عمل بعض التوازن، فمنع إقامة بؤر استيطانية وأخلى بعضًا منها، وفرض حوالي 20 أمر اعتقال إداري ضد مستوطنين أشاعوا الفوضى وخططوا لعمليات إرهاب يهودي ضد الفلسطينيين.
لذلك، ناصبه المستوطنون العداء، ودعا بن غفير لإقالته، وتعرض لحملة تحريض دموية من المستوطنين في الشبكات الاجتماعية، ونشرت صوره وعليها شارة النازية «الصليب المعقوف»، وصور أخرى ألبسوه فيها حطة فلسطينية.
لذلك، فقد أصيب فوكس باليأس، وحسب هيئة البث الإسرائيلية [كان 11]، فإن فوكس اجتمع برئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هليفي، قبل نحو الشهر، وأبلغه أنه يعتزم الاستقالة من منصبه، في الصيف المقبل).
والملفت أنَّ مجرد تلويح «فوكس» برغبته في تقديم استقالته الذي لم يخلُ عن رغبته في التأجيل قد تلُقّف من المستوى السياسي المتطرف بقبول الاستقالة وتعيين البديل، فقد أشار إلى ذلك الإجراء المستعجل «سعيد عموري» في مستهل الخبر المطول المعنون [الجيش الإسرائيلي يعلن سلسلة تعيينات جديدة في قيادته] الذي نشره يوم أمسٍ الأول في وكالة «الأناضول» بما يلي: (أعلن الجيش الإسرائيلي -الخميس- الموافقة على سلسلة تعيينات جديدة شملت مناصب رفيعة في قيادته. 
وقد شملت تلك التعيبنات تعيين العميد «آفي بلوط» رئيسًا للقيادة الوسطى في الجيش خلفا للواء «يهودا «فوكس»).

رئيس الأركان وقادة عدة يجنحون للاستقالة بشدة

من الأمور التي باتت معلومة للقاصي والداني أنَّ شعور الجيش الصهيوني العميق بالفشل الذريع أمام «طوفان الأقصى» وعدم وقوف قادة ذلك الجيش على خطة واضحة لما ينبغي أن يعقب اليوم التالي للحرب قد جعلا القادة العسكريين الميدانيين -بالإضافة إلى مرارة تجرُّعهم على أيدي المقاومين أقسى الهزائم- في ارتباكٍ دائم، وولَّدا لدى معظمهم -في كل الحالات- الرغبة في تقديم الاستقالات، وممَّا يمكن اعتباره «طامَّة» أن تشمل رغبة القادة في الاستقالة من المناصب بقناعة تامَّة رئيس هيئة الأركان العامَّة، فبحسب تقرير خبري نشرته «الجزيرة نت» في الـ22 من أبريل الماضي (توقّعت وسائل إعلام إسرائيلية أن تجر استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» أهارون هاليفا سلسلة من الاستقالات في قيادة الجيش الإسرائيلي.
ومن بين القيادات المتوقع أن تقدم استقالتها رئيس الأركان هرتسي هاليفي، ونائبه أمير برعام، إلى جانب قائد فرقة غزة أفي روزينفلد، وقائد المنطقة الجنوبية يارون فينكلمان رغم أنه كان في منصبه لمدة شهرين فقط قبل 7 أكتوبر الماضي.
كما يتوقع أن يقدم سلفه أليعزر طوليدانو استقالته أيضًا، وكذلك الحال بالنسبة لقائد شعبة العمليات شلومي بيندر، الذي يتوقع أن يقدم استقالته بسبب الانتقادات التي وُجهت له بخصوص نقل كتائب من قيادة فرقة غزة إلى الضفة الغربية عشية 7 أكتوبر).
وبحسب تقرير تفصيلي نشره في الـ27 من أبريل «سبوتنيك عربي»، فقد (أوضحت القناة "12" الإسرائيلية أن "استقالة رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي متوقعة خلال الفترة المقبلة، وأن نقاشًا يدور حاليًّا حول خليفته".
وقالت: "إنَّ العديد من الضباط جهزوا بالفعل محامين استعدادًا لتحقيقات الحرب".
 وأضافت: "من بين هؤلاء العميد يوسي شاريئيل قائد الوحدة 8200؛ والعميد آفي روزنفيلد قائد فرقة غزة؛ واللواء يارون فينكلمان قائد القيادة الجنوبية؛ واللواء عوديد باسيوك رئيس شعبة العمليات، واللواء إليعازر توليدانو رئيس قسم الاستراتيجية؛ ورئيس الأركان اللواء هرتسي هاليفي ورئيس الشاباك رونين بار").

الاستقالات مواقف تلبي طموحات غلاة التطرف 

ولأنَّ (مصائب قومٍ عندَ قومٍ فوائدُ)، فإنَّ استقالات الكثير من القادة العسكريين والأمنيين الصهاينة المحسوبين على مشارب سياسية مختلفة وتنحيهم عمَّا كانوا يتبوؤونه من مناصب يصب في صالح الأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة، ففي الوقت الذي كانت نخبها تكيل لهم التهم وتحرض رئاسة الحكومة -بصورةٍ دائمة- على إقالتهم، جاءت استقالات أولئك القادة العسكريين والأمنيين لتمنحهم فرصة ذهبية لتعيين الكثير من الموالين ملقين بالمؤسسات الدفاعية والأمنية في شرك التطرّف الذي سيرفع وتيرة العنف إلى مستويات أعنف وأكثف من شأنها الوصول -بطبيعة الحال- بعلاقة «دولة الكيان الصهيوني المحتل» بـ«الفلسطينيين الواقعين تحت وطأة الاحتلال» الآخذة في الاشتعال إلى ما لا يحمد عقباه من سوء المآل، وليس بمستبعدٍ أن تكون هذه التعيينات التي سيغلب عليها -بحسب الكثير من المؤشرات- طابع التعصب والارتجال أهم الأعمال التي ستدفع بـ«كيان العدو» الملطخة أيدي قادته بدماء الأطفال نحو الزوال، ويمكن استشفاف بعض مظاهر هذا  الداء العضال من استهلال التقرير الصحفي التحليلي المعنون [جنرالات مقربون من «الصهيونية الدينية» والمستوطنين لتولي أهم المناصب العسكرية] الذي نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» بتأريخ 20 شوال 1445هـ الموافق 29 أبريل 2024م الاستهلال التالي: (عبرت جهات عسكرية في إسرائيل عن القلق من الجهود التي يبذلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لتنفيذ سلسلة تعيينات لضباط ينتمون لتيار الصهيونية الدينية اليميني المتطرف ومقربين من قادة المستوطنين في الضفة الغربية. وقالت في تسريبات لوسائل الإعلام العبرية، إن هناك محاولات لتسييس الأجهزة الأمنية، وهذا بحد ذاته خطير، لكنه يصبح أخطر عند ما يلاحظ أن هناك محاولة لنشر فكر متطرف سيلحق ضررًا سياسيًّا واستراتيجيًّا بإسرائيل).