أبريل 24, 2024 - 22:00
العاصفة المطرية في الخليج بين التغير المناخي وتجارب الاستمطار في الامارات


أنس القباطي
اثارت الامطار الغزيرة التي شهدتها عدد من دول الخليج تساؤلات حول طبيعة العاصفة المطرية التي شهدتها المنطقة، والحقت اضرارا فادحة بالبنية التحتية، وادت إلى سقوط ضحايا. ودارت التساؤلات حول ما اذا كانت تلك العاصفة مرتبطة بالتغيرات المناخية التي تشهدها الكرة الارضية، ام انها مرتبطة بتجارب الاستمطار.
اتفاق نسبي
يربط خبراء المناخ بين ارتفاع درجات الحرارة العالمية وبروز العديد من الظواهر في الغلاف الجوي للكرة الارضية، ومن ابرزها ظاهرة هطول الامطار شديدة الغزارة التي تؤدي إلى تدفق السيول الجارفة المدمرة. ويتفق المختصون في علم المناخ نسبيا ان ارتفاع درجات الحرارة عالميا هو العامل الرئيسي في التغيرات المناخية، وان ارتفاع درجات الحرارة مرتبط بالانشطة البشرية التي تؤدي إلى ضخ كميات من الغازات الناتجة عن الانشطة الصناعية المختلفة مثل غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات في الغلاف الجوي، والتي تسبب الاحتباس الحراري.
عاصفة الخليج حدث استثنائي
وخلال شهر ابريل/نيسان 2024 ضربت منطقة الخليج العربي عاصفة مطرية شديدة غير مسبوقة مصحوبة برياح قوية، تسببت بوقوع فيضانات، الحقت ضررا كبيرا بالبنية التحتية، وكبدت القطاع التجاري والدول والمواطنين اضرار فادحة، ما ادى إلى توقف الحركة وانقطاع كثير من وسائل المواصلات والخدمات بين الناس. بدات العاصفة المطرية من عمان، وانتقلت إلى الإمارات والسعودية ودول مجاورة، وتعد الامارات اكثر الدول المتضررة من العاصفة المطرية. وأفادت تقارير صحفية ان هذه العاصفة لم تشهدها البلاد منذ 75 عاما، غير ان اضرارها لم يسبق ان شهدتها البلاد. وبحسب وكالة "وام" الاماراتية الرسمية شهدت البلاد هطول أكبر كميات أمطار في تاريخها الحديث بين يومَي 16 و17 إبريل/نيسان 2024، وهي الأكبر منذ بدء تسجيل البيانات المناخية في البلاد عام 1949. فيما اعتبر المركز الوطني للأرصاد في الامارات أن الكميات القياسية للأمطار التي هطلت مؤخرا تعد "حدثاً استثنائياً"، موضحا ان منطقة "خطم الشكلة" بالعين شهدت هطول وصل إلى 254.8 ملم في أقل من 24 ساعة، مبينا أن سحب ركامية تكونت على المناطق الساحلية، وتحركت شرقا وشمالا، صاحبها سقوط أمطار مختلفة الغزارة مصحوبة بالبرق والرعد وحبات البَرَد على بعض تلك المناطق.
التغير المناخي
والمعروف ان التغير المناخي هو عبارة عن تغير المناخ التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. ويمكن أن تكون هذه التحولات طبيعية، لكن منذ القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية هي المسبب الرئيسي لتغير المناخ. ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري (مثل الفحم والنفط والغاز) الذي ينتج غازات تحبس الحرارة، بحسب موقع الأمم المتحدة على الانترنت.
الاستمطار
اما الاستمطار فهو عملية استثارة وحفز السحب والغيوم لإسقاط محتواها من المياه الكامنة أو الثلج المتجمد فوق مناطق جغرافية محددة، عن طريق استخدام وسائل صناعية ومواد كيميائية تعمل على تسريع عملية هطول الأمطار أو زيادة إدرار السحب من المياه مقارنة بما يمكن أن تدره بشكل طبيعي. 
تباين
وما ينبغي الاشارة له ان عمليات الاستمطار للسحب وارتباطها بحصول العواصف المطرية لا يزال محل تباين بين المختصين في علم المناخ، وان كان الكثيرين يؤكدون ان العواصف المطرية لا تتسبب بها عملية الاستمطار، لان الاستمطار هي عملية لاستدرار المطر من السحب المحملة والعابرة لاجواء الدول. غير ان اخرون يرون ان بعض عمليات الاستمطار قد تكون بسبب سوء تقدير لكمية الامطار التي تحملها السحب، فيؤدي ذلك الى التسبب بعواصف مطرية، خاصة في الدول التي ما تزال تجري تجاربها الاولية على الاستمطار.
تجربة الامارات في الاستمطار 
في يوليو/تموز 2010 بدا المركز الوطني للإرصاد في الامارات العمل على مشروع استمطار السحب بكلفة بلغت 11 مليون دولار، ونجح المشروع في اسقاط امطار في صحاري دبي وأبو ظبي. وجاء هذا المشروع كاستراتيجية حكومية لمواجهة تحديات المياه في الدولة. واعتمد المشروع على أحدث التقنيات المتاحة على المستوى العالمي، باستخدام رادار طقس متطور لرصد أجواء البلاد على مدار الساعة. وفي العام 2014 تم تنفيذ 187 مهمة لتلقيح السحب في اجواء البلاد، استغرقت كل طائرة نحو ثلاث ساعات لاستهداف خمس إلى ست غيمات بكلفة 3000 دولار لكل عملية. وفي العام 2017 أرسلت 214 مهمة، لترتفع في العام 2018 إلى 184 مهمة، وزادت في العام 2019 إلى 247 مهمة. وفي العام 2020 ادت تجارب الاستمطار إلى حدوث فيضانات بتاريخ 9 يناير/كانون ثان 2020.
ما بعد العاصفة
بعد حدوث العاصفة المطرية في عمان والامارات ودول خليجية خلال ابريل/نيسان الجاري وجهت اصابع الاتهام للامارات بالتسبب في كارثة الفيضانات بسبب تجاربها في استمطار السحب، ما جعل الحكومة الاماراتية تسارع لنفي تلك التهمة، بعد ان اصبحت حديث كثير من وسائل الاعلام خارج الامارات التي خاضت جدلا واسعا لا يزال مستمرا.
أمر مضلل
وفي هذا السياق قالت مجلة "ذا تايم"، الأميركية، ان الإمارات سعت إلى جانب بعض الدول إلى استخدام تقنية الاستمطار، وبناء عليه أرسلت السلطات أوامر إلى المركز الوطني للأرصاد لحقن مواد كيميائية في السحب في محاولة لاستمالة بعض الأمطار في وقت سابق من الأسبوع الماضي، ونتيجة لذلك، هطلت الأمطار بشكل غير مسبوق، وتسببت في حصول أضرار عديدة في الممتلكات، بالإضافة إلى ذلك، تسببت بإلغاء العديد من الرحلات الجوية وإقفال مطار دبي، والمدارس والطرقات، فيما طالبت السلطات من الموظفين وتحديداً القطاع الحكومي، العمل عن بعد، ولفتت الى ان خبراء في المناخ والجيولوجيا، لفتوا إلى أنه وعلى الرغم من قيام الإمارات أو غيرها من الدول، بتقنيات تلقيح السحب، فإن تثيبت ما حصل فعلاً في الأيام الماضية، قد يكون أمراً مضللاً.
البذر السحابي
من جانبه تسال جيف بيرارديلي كبير خبراء الأرصاد الجوية والمناخ في الولايات المتحدة الامريكية، في تغريدة له على منصة "إكس"، إن كان ما شهدته الإمارات من أمطار، قد يكون نتيجة "البذر" السحابي أو ما يعرف بتلقيح السحب الذي ربما ساعد في إغراق البلاد بالأمطار والعواصف.
اضرار تفوق المنافع
وذهب البعض لتعزيز اتهامهم للامارات بالتسبب بكارثة الفيضانات نتيجة تجاربها في الاستمطار الى ما قاله خبراء في المناخ عن تلك التجارب التي قد تؤدي الى العواصف المطرية التي تسبب الكوارث، ومن ذلك ما قالته لورا كول، أستاذة السياسة العامة في جامعة نورث إيسترن التي اشارت في دراسة لها نشرتها مجلة الذرة، إلى إن تلقيح السحب قد يؤدي إلى حصول أضرار تفوق المنافع، وقد تثير شكوك حول استخدامها، وفاعليتها وتأثيراتها الحقيقية.
دفاع لدرء التهمة
وفي اطار دفاع وسائل اعلام رسمية اماراتية وأخرى مقربة من الحكومة ذهبت لدرء تهمة في حصول الكارثة، وبنت دفاعها على ما قاله خبراء في المناخ من إن الأمطار الغزيرة التي خلفتها العاصفة المطيرة ناجمة عن التغير المناخي الذي يفضى إلى ارتفاع درجات الحرارة وليس الاستمطار الصناعي الذي تجريه دولة مثل الإمارات بشكل متكرر للحصول على الأمطار، معتبرة ان ما حصل في الخليج هو منخفض مطير، وهو يشبه إعصار دانيال الذي ضرب درنة، لكن الفرق أن البنية التحتية في الإمارات وعمان متينة ساعدت على تجنب النتائج الأسوء، في حين خلف إعصار درنة دمارا واسعا. 
الماء من الهواء
وعززت ما ذهبت إليه بما قاله خبراء في المناخ، من ابرزهم عالم الأرصاد الجوية، رايان ماو، الذي شغل منصب كبير العلماء في الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي سابقا، والذي قال: “من المؤكد أننا لا نشهد نتيجة عملية تلقيح السحب،  واذا حقق تلقيح السحب هذا، فستكون للإمارات هذه الكميات من المياه طوال الوقت. لا يمكنك إنشاء الماء من الهواء وتسجيل 6 بوصات من الأمطار”. 
تجاهل التوقعات
وكذلك ما قاله مايكل مان، عالم المناخ في جامعة بنسلفانيا، من أن هناك “ثلاثة أنظمة للضغط المنخفض شكلت قطارا من العواصف تحرك ببطء على طول التيار النفاث (الهواء الذي يحرك أنظمة الطقس) باتجاه الخليج”. وأضاف أن “اتهام الاستمطار يتجاهل التوقعات والأسباب”، واعتبر أن الذين يشيرون إلى الاستمطار هم ممن ينكرون تغير المناخ ويحاولون صرف الانتباه عما يحدث في الحقيقة.
نفي
من جانبه قال المركز الوطني للأرصاد الجوية الاماراتي، إنه لم يرسل طيارين لعمليات تلقيح السحب قبل أو في أثناء العاصفة التي ضربت الإمارات مؤخرا. وقال عمر اليزيدي، نائب المدير العام للمركز لموقع"سي إن بي سي" إنه "من المبادئ الأساسية لتلقيح السحب هو استهداف السحب في مرحلتها المبكرة قبل هطول الأمطار، فإذا كانت لديك حالة عاصفة رعدية شديدة فقد فات الأوان لإجراء أي عملية تلقيح".
الخلاصة
ومما سبق يمكن القول ان الوصول إلى نتيجة حاسمة فيما شهدته منطقة الخليج من عاصفة مطرية لا يمكن الجزم به، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي تشهدها الكرة الارضية، وعدم وجود اجماع بين خبراء الاستمطار حول ما اذا كانت عمليات استمطار السحب تؤدي إلى مثل ما حصل في الامارات وعمان، نظرا لكون التجارب في هذا الجانب مستمرة، وعدم افصاح الدول الرائدة في الاستمطار عن حقيقة ما توصلت إليه في تجاربها، ويرجع عدم الافصاح إلى ان بعض الدول العظمى توظف الاستمطار في صراعاتها على النفوذ، ولذلك تحيط اغلب نتائج تجاربها بالسرية. غير أنه وفي ظل استمرار التجارب فإن ذلك لا يعني وجود اخطاء، او محاولات لتجريب استخدام الاستمطار في استهداف الخصوم، بنوع اخر من جيل الحروب الحديثة التي بدا ياخذ منحى خطير نحو توظيف وتوجيه الكوارث الطبيعية للنيل من الخصم.