أبريل 22, 2024 - 15:48
حزب الله في خط المواجهة مع الكيان الصهيوني


أروى حنيش

بينما تتصاعد وتيرة  الحرب الفاشية الصهيونية في ارتكاب مجازر الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير للشعب الفلسطيني في قطاع غزة،  منذ أشهر، تتجه أنظار العالم نحو جبهة الحدود الشمالية المشتعلة بالصدامات المسلحة والمعارك المستمرة بين إسرائيل وحزب الله، فقد تعرضت عدة قواعد عسكرية إسرائيلية، ومواقع ومراكز استخبارية على الحدود لقصف مباشر من الحزب، أدى في بعض الحالات إلى إيقاع خسائر فادحة بها. وهذه القواعد ذات أهمية استراتيجية في تمركزها، وبالذات في منطقة الشمال، يعتمد عليها الجيش الإسرائيلي كقواعد رئيسة يشن من خلالها أغلب طلعاته الجوية لاستهداف مواقع عسكرية في سوريا ولبنان، ومؤخرا انطلقت منها طيران f35 لاستهداف القنصلية الإيرانية بدمشق التي راح ضحيتها عددًا من القيادات العسكرية في الحرس الثوري الإيراني وأبرزهم الجنرال محمد رضا زاهدي.  وعلى إثر الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق زاد حجم التوتر والتصعيد بين إيران وإسرائيل في الضربات المتبادلة، مما يعكس مخاطر متنامية تهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط باندلاع حرب مفتوحة، لايحمد عقباها. 

حزب الله في الواجهة

دخل حزب الله في مواجهة حقيقية مع إسرائيل في أعقاب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، وقيام إسرائيل بحرب شعواء على غزة. جبهة الشمال لم تكن بمنأى عن أحداث غزة، فهناك اشتعلت الصدامات والمواجهات العسكرية بين حزب الله والجيش المحتل، اضطرت السلطات الصهيونية لإجلاء عشرات آلاف الإسرائيليين من المستوطنات والبلدات القريبة من الحدود مع لبنان. وهدد المسؤولون الإسرائيليون بإطلاق عملية عسكرية واسعة، إذا لم يتم التوصل إلى تسوية تفضي إلى إبعاد مقاتلي حزب الله عن الحدود إلى ما وراء نهر الليطاني، في حين لوح الحزب برد قوي.
وضمن القواعد العسكرية جاء استهدف حزب الله أكثر من مرة على قاعدة على ميرون، وتم بعشرات الصواريخ رداً على الضربات الإسرائيلية المتواصلة على القرى الجنوبية والتي أسفرت  عن سقوط عدد من الضحايا من المدنيين. 
وأعلن حزب الله في بيان أصدره، أنه "استهدف مستعمرة "ميرون" بعشرات صواريخ الكاتيوشا رداً على ‏اعتداءات العدو على القرى الجنوبية الصامدة والمنازل المدنية وآخرها الاعتداء على بلدة خربة ‏سلم واستشهاد عائلة".
وكانت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية، قد أفادت  أن خمسة أشخاص على الأقل قتلوا أربعة من عائلة واحدة، وأصيب تسعة في غارة إسرائيلية على منزل في جنوب لبنان.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"،  إن الجيش الإسرائيلي أدرك في الأشهر الأربعة الأخيرة أن ترسانة أسلحة حزب الله تتضمن أيضاً العديد من الذخائر الدقيقة، بعضها ذو مسار مسطح مثل الصواريخ المتقدمة والبعيدة المدى المضادة للدروع، والتي يصل مداها إلى حوالى عشرة كيلومترات.
وأضافت الصحيفة العبرية، أن "بعضها لا يحتاج إلى خط رؤية متواصل بين منصة الإطلاق والهدف، إذ تجاوزت الصواريخ الدقيقة التلال وانفجرت على أهداف في كريات شمونة ومحيطها".

قصف قاعدة ميرون

قصف قاعدة ميرون حظي باهتمام خاص في الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية، فما هي هذه القاعدة، وما أهميتها التاريخية والدينية والعسكرية في إسرائيل؟
 تمتلك منطقة جبل ميرون أهمية خاصة عند اليهود الصهاينة، الذين يعتبرون أن الجبل بحد ذاته مذكور في التوراة، يقدّسون قبراً يقولون إنه يعود لـ"رابي" يهودي عاش في القرن الثاني الميلادي، ويقيمون سنوياً احتفالات في ذكرى مولده قرب قبره الذي يدّعون أنه موجود في مستوطنة ميرون الواقعة على السفح الشرقي للجبل في المنطقة المكشوفة نحو الجهة اللبنانية، والبعيدة نحو كيلو متر ونصف الكيلومتر عن قمّة الجبل والقاعدة العسكرية.
وتوجد كذلك في المستوطنة التي يبلغ عدد سكانها نحو 1500 نسمة في أفضل أحوالها، فهناك عدة قبور وأضرحة يقول اليهود الصهاينة إنها تعود إلى شخصيات مقدّسة لديهم، ويصرّون على الاحتفال سنوياً هناك، لأن المنطقة تكتسب قداسة بشكل خاص تجاه اليهود المزراحيم الشرقيين، الذين أسسوا هذه المستوطنة بعد النكبة في 1949 على أنقاض بلدة ميرون الفلسطينية التي كانت موجودة مكانها، وسرقوا آثارها وتاريخها الذي يعود إلى نحو 2000 سنة.
وفي هذه المستوطنة بالتحديد حصلت أكبر "كارثة مدنية" في تاريخ الاحتلال عام 2021 عندما انهارت المدرّجات بجماهير المستوطنين المحتفلين بذكرى دينية، وحصل تدافع أدى إلى مقتل نحو 50 مستوطناً دهساً واختناقاً خلال التدافع.
كما تشكل القاعدة ‏مركزًا رئيسًا لعمليات التشويش الإلكتروني بالاتجاهات المذكورة، ويعمل فيها عدد من نخبة الضباط والجنود الإسرائيليين.
تعرف ميرون بأنها "عين إسرائيل في الشمال"، وتعتبر من أبرز مهامها كشف محاولات التسلل الجوي فوق إسرائيل والدول المجاورة، والإنذار المبكر لصالح الدفاع الجوي والمهام التشغيلية المختلفة.
تحوي القاعدة معدات وتجهيزات متطورة، كأنظمة اتصالات وتجسس وتشويش ومراكز تحكم، وصفها موقع "مكورن ريشون" العبري بأنها القاعدة السرية التي تدير الهجمات الجوية على سوريا.
يمكن لقاعدة ميرون أن تكشف كل طائرة على الرادار على مسافة تزيد عن 200 ميل بحري (حوالي 360 كلم) عن حدود إسرائيل، ولديها صلاحية إرسال طائرات مقاتلة لاعتراض أهداف تصنفها معادية، أو شن هجمات في دول أخرى، مثل لبنان سوريا.
مما سبق، يعتبر تعطيل قدرات المحطة، ولو حتى جزئيا ولفترة محدودة، سيحرم عين الجيش الإسرائيلي الشمالية من رؤية وبناء صورة مستمرة للحالة الجوية، وتكوين صورة عما سيكون عليه الوضع في حالة توسع الاشتباكات مع حزب الله على الجبهة اللبنانية.
بالإضافة إلى المحطات الثابتة، يوجد في القاعدة نظام تحكم جوي لوحدات متحركة، مثل طائرات التجسس الشهيرة "أواكس" ومناطيد المراقبة.

تموضع قاعدة ميرون 

تتموضع القاعدة على قمة جبل "الجرمق" بحسب التسمية الإسرائيلية وترتفع قرابة 1200 متر عن سطح البحر، وتقدر مساحتها بنحو 161 ألف مترًا.
لم تكن القاعدة العسكرية، منذ بداية التصعيد العسكري الأخير في جنوب لبنان، بمنأىً عن التهديدات، وهو ما ذكره العديد من محللي الاحتلال أثناء حديثهم عن التطورات المحتملة لبنك أهداف المقاومة. ويأتي ذلك بشكل خاص بعد أن سبق واستهدفت المقاومة هذه القاعدة في عام 2006 خلال حرب تموز بقصف صاروخي متكرّر، وقد أدى استهداف ميرون إلى مقتل مستوطنين 2 وجرح 5 آخرين بحسب اعترافات العدو. واليوم، في الحرب الدائرة في جنوب لبنان منذ 3 أشهر بين حزب الله و"جيش" الاحتلال الإسرائيلي، يشكّل استهداف هذه القاعدة ضربة نوعية للمقاومة ضد هدف استراتيجي إسرائيلي، لا تتوقّف حدودها عند الآثار المباشرة فقط.
فقد حافظت المقاومة على انتقاء طبيعة الأهداف التي تضربها طوال الفترة الماضية، ضمن إدارتها المحكمة لسلّم التصعيد مع الإسرائيلي، والذي تمكّنت خلال أشهر من ضبطه على إيقاعها، وإجبار الإسرائيلي على الرضوخ لمعادلاتها، سواء لجهة منطقة العمليات العسكرية، وطبيعة القصف داخل لبنان، وردع الاحتلال عن استهداف المدنيين في لبنان ضمن معادلة الرد بالمثل، وتحييد جزء كبير من الجغرافية اللبنانية عن دائرة استهداف الاحتلال.
ولكنّ التمادي الإسرائيلي في تنفيذ عملية قصف صاروخي استهدف الضاحية الجنوبية، وأدى إلى اغتيال قيادات في المقاومة الفلسطينية أبرزهم القيادي في حركة حماس الشيخ صالح العاروري، جعل المقاومة تحسم خيار التصعيد ضد الاحتلال.
ففي السادس من يناير الماضي، قصف حزب الله القاعدة بصواريخ "غراد" و"كورنيت" لتشكل العملية أول استهداف لها وبعد نفي إسرائيلي، نشر الإعلام العسكري التابع للحزب صورًا للعملية التي وصفها مصدر عسكري لبناني للجزيرة بأنها "نقلة نوعية في عمليات حزب الله نظرًا للقدرات الدقيقة التي يتطلبها الاستهداف".
وذكرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، اليوم، أن 15 صاروخاً أطلقت على بلدات إسرائيلية بالقرب من الحدود مع لبنان. وأضافت الصحيفة التي أوردت النبأ نقلاً عن «القناة 12» الإسرائيلية، أنه لم ترد تفاصيل عن وقوع إصابات. وكانت الصحيفة ذكرت أن صفارات الإنذار دوت للمرة الثالثة خلال ساعة واحدة، في بلدات كفار هوشن (صفصوفا) وزيفون وساسا وشيفر بالقرب من الحدود مع لبنان.
إلى ذلك، قصفت مسيرة إسرائيلية حاوية شحن في جنوب لبنان بصاروخين، حسب ما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية.
وقالت الوكالة إن مسيرة إسرائيلية «أغارت ، بصاروخين، على حاوية شحن بأرض زراعية في الوزاني»، وأضافت أن المدفعية الإسرائيلية استهدفت الأطراف الجنوبية لبلدة ميس الجبل (طوفا).
ولفتت الوكالة إلى أن «الطيران الحربي الإسرائيلي شن ليلاً 3 غارات على بلدة بليدا، مستهدفاً 3 منازل».
 شنت إسرائيل ضربات على سوريا قتلت قياديين بـ«الحرس الثوري الإيراني»، ثم شنّ الطيران الإسرائيلي ضربات على جنوب لبنان بطائرة مسيرة استهدفت سيارة على طريق بلدة البازورية ما أدى إلى مقتل 4 أشخاص.
وفي نهاية مارس الماضي ضُربت القاعدة بمجموعة من صواريخ "فلق"، وحقق حزب الله إصابة مباشرة في مركز عمليات كشف الأهداف الجوية، في حين أدى الصاروخ الثاني لتدمير رادار التقاط الأهداف البعيدة.
ومع بداية أبريل الجاري، استخدم حزب الله سلاحًا أكثر تطورا في عملياته هو صواريخ "ألماس-3" الذي يمثل الطراز الأحدث من هذه الفئة، ويصل مدى الصاروخ لنحو 16 كيلومترًا، ويوجه بالأشعة تحت الحمراء ويحمل جهازا كهروضوئيًا لتحديد وإصابة الهدف، ولديه القدرة على اختراق متر واحد من الدروع.
وأظهرت الصور التي نشرها حزب الله لحظة إطلاق الصاروخ محمولاً على الكتف وتحديد الهدف ثم التسديد، ولم تقتصر المفاجأة على استخدام الجيل الثالث من صواريخ ألماس، بل في نوعية الهدف الذي كان رادارًا من طراز "ايه إن تي بي كيو 37" (ANTPQ-37)، أمريكي الصنع وتقدر قيمته بـ10 ملايين دولار.
وتظهر المشاهد التي بثها حزب الله أن الاستهداف تم انطلاقا من خلفية استخبارية وعن سابق تشخيص ومعرفة بمكان وجود الرادار في وحدات المراقبة الجوية داخل قاعدة ميرون.
وحسب مصدر عسكري لبناني، يحتاج الرادار إلى طاقم تشغيل من 8 أفراد، وهو يعمل على رصد وكشف قذائف المدفعية والصواريخ لمدى يصل لنحو 50 كيلومترًا، ويتيح تصحيح رمايات القوات الصديقة، وباستطاعته أيضا تعقب 10 أهداف في نفس الوقت بتحديد مصادر إطلاق النار.
ومع وقوع قاعدة ميرون في مرمى حزب الله يكون الجيش الإسرائيلي أمام تهديد بتعطيل رادارات المراقبة والكشف بعيدة المدى وغرف تحكم بالمسيّرات إضافة لمنظومات اتصالات رقمية عند الحدود الشمالية مع لبنان.
لا يستطيع الاحتلال إخلاء  قاعدة ميرون الأساسية في الشمال، ولكنه بات اليوم في وضع يكون مقرّه الأساسي في الشمال مهدّداً بالنيران الدقيقة من قبل حزب الله، ما يعني أنّ حزب الله بالفعل دفع خطّ الجبهة مع الإسرائيلي إلى 8 كيلومترات داخل الحدود الفلسطينية المحتلة، وأخضع جنرالات الاحتلال للمرة الأولى لاختبار تلقّي نيران مباشرة من المقاومة التي كانوا يظنون أنّ مقرهم الرئيس بعيد عن قدراتها إلى حدّ كبير، وأنّ حربهم ضدها هي عن بعد بواسطة الطيران والمسيّرات.
كذلك، يعدّ استهداف القاعدة وهي مسؤولة عن العمليات الجوية ضد لبنان، ردّاً دقيقاً على الجهة المسؤولة ضمن "جيش" الاحتلال عن استهداف الضاحية واغتيال القيادات الفلسطينية منذ أيام، وهو يندرج ضمن اختيار المقاومة الدقيق لطبيعة أهدافها، وإدارتها للسلّم التصعيد مع الاحتلال.