أبريل 30, 2024 - 16:15
أبريل 30, 2024 - 17:14
ماذا فعلت جامعة الدول العربية في مشكلة غزة وما لحق بسكانها من قتل وتدمير وتشريد؟

خالد الأشموري
في قمة العرب الـ 22 المنعقدة في مدينة سرت الليبية في مارس / 2010م ، وضع القادة العرب خطة موحدة للتحرك العربي من أجل حل القضايا العربية بصورة عامة والقدس خاصة، حيث تصدر البيان الختامي للقمة ملف القدس كواحد من أبرز القضايا المطروحة أمام القادة العرب التي أعتمدت على عدة مشاريع " قرارات" تتعلق بعملية السلام والصراع العربي – الإسرائيلي، بما في ذلك مبادرة السلام العربية والجولان العربي السوري المحتل والتضامن مع لبنان وتطورات الوضع في العراق والحصار المفروض على سوريا والسودان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ودعم الصومال وجزر القمر وتطورات الموقف العربي الموحد لأتخاذ خطوات عملية لإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية ومكافحة الإرهاب، واضطلاع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة بدوره القومي والإقليمي.. يكون القادة العرب قد أكدوا في البيان على موضوع السلام العادل والشامل في المنطقة كخيار إستراتيجي، وأن عملية السلام عملية شاملة لا يمكن تجزئتها ولا تتحقق إلا من خلال الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة ، بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو 1967م ، والأراضي التي ما زالت محتلة في الجنوب اللبناني، وكذلك الدعم الكامل لمدينة القدس وأهلها الصامدين والمرابطين على أرضهم في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتواصل وعلى مقدساتهم خاصة على المسجد الأقصى المبارك، والقدس الشرقية التي تعتبر جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية وعاصمة لدولة فلسطين. 
والسؤال المطروح: ماذا فعلت الجامعة العربية إزاء تلك الخطة الموحدة للتحرك العربي التي أقرها وأكد عليها القادة العرب لإنهاء الخلافات العربية والتمسك بالتضامن العربي وتكريس لغة الحوار بين الدول العربية ممارسة ومنهجاً لإزالة اسباب الخلاف والفرقة ولمواجهة التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية؟ وماذا فعلت للعراق؟ وماذا فعلت للمحافظة على وحدة السودان إزاء المؤامرات الاستعمارية الصهيونية الرامية إلى تفتيته وتقسيمه؟ وأين دورها الإيجابي في مشاكل اليمن وأزمات لبنان المتكررة ؟ والأهم – ماذا فعلت الجامعة العربية في قضية فلسطين المحتلة ومشكلة غزة التي لازالت تعاني من مآسي العدو الإسرائيلي حتى اليوم، وما لحق بسكانها خلال الستة الأشهر الماضية من قتل وتدمير وتشريد؟
في حقيقة الأمر كان يجب على هذه المنظمة التي تعد واحدة من أهم المنظمات الإقليمية والقارية والدولية والعالمية أن تقوم بدورها في مجال الحفاظ على السلم والأمن والتعاون العربي لمصلحة العرب التي جاء مولدها أساساً من أجهلم ، وكما ينص ميثاقها الذي قامت على أساسه كجهاز تنسيق وتعاون عربي رسمي عام، وكمنظمة إقليمية لدول عربية ذات استقلال وسيادة ، لم تأتي من فراغ حيث تعددت أسباب قيامها، ذكرها الباحثون والمؤرخون – لخصها الباحث والمتخصص في العلوم السياسية الدكتور/ عمر عثمان العمودي – جامعة صنعاء- في مقال له : بعنوان " جامعة الدول العربية والإصلاحات المقترحة" مجلة الجيش اليمني – العدد 348 ، نقتبس منه الآتي: عندما وصلت وقائع الحرب العالمية الثانية بين دول الحلفاء من جانب ودول المحور من جانب آخر إلى بلاد المشرق العربي أرادت بريطانيا أن تبعد هذه الدول والشعوب عن سياسات وأهداف دول المحور المعادية لها، وأن تجمع هذه الدول حول سياساتها ومصالحها القومية فلجأت إلى التظاهر بالودية تجاهها ورغبة في تغطية سياساتها ومخططاتها السابقة المعادية للعرب ومصالحهم العربية وتوجهاتهم الوحدوية في أعقاب الحرب العالمية الأولى وخاصة فيما يتعلق باتفاقية سايكس بيكو عام 1916م السرية بينها وبين فرنسا التي قسمت منطقة المشرق العربي بينهما إلى مناطق هيمنة واستعمار بريطاني فرنسي ناهيك عن وعد بلفور المشؤوم عام 1917م التي تعهدت فيه بإقامة دولة لليهود الصهاينة في فلسطين على حساب شعبها وتولت بنفسها عملية تنفيذه بريطانيا الاستعمارية أعلنت عام 1943م على لسان وزير خارجيتها "إيدن" عن استعدادها على مساعدة العرب في إقامة رابطة أو منظمة عربية يجتمع فيها العرب من أجل تعاونهم العام فيما يربطهم من مصالح  مشتركة، وقد أثار ذلك الإعلان الاستعماري طموحات وخلافات الحكام العرب فظهر في الأردن مشروع سوريا الكبرى ومحوره حاكم الأردن عبدالله بن الحسين بن علي وناهضه مشروع هاشمي عائلي آخر دعا إليه نوري العيد في العراق ومحوره العراق وكان فاروق ملك مصر وابن سعود ملك السعودية، وكذلك حكام سوريا ومصر لا يقبلون بالقوة والسيطرة الهاشمية المتنامية على حدودهم ولكل من مصر والسعودية وسوريا أسبابها الخاصة ثم ارتأت حكومة مصر أن توفق بين هذه التوجهات المتباينة فدعت إلى عقد اجتماعات عربية رسمية في مدينة الإسكندرية التي انتهت بتوقيع ما سمي ببروتوكول الإسكندرية في 7 أكتوبر عام 1944م وهو الأساس الذي قام عليه ميثاق جامعة الدول العربية المعلن عنها في 22 مارس عام1945م. وقد قامت جامعة الدول العربية على أساس توفيقي ومصلحة عامة توفيقية بين الدول العربية المستقلة نسبيا واسمياً وعددها سبع دول هي مصر والعراق وسوريا ولبنان والأردن والسعودية واليمن.. وكان قيام هذه المنظمة الإقليمية ومن البداية ضعيفا وشكلا بلا مضمون عماد ميثاقها هو التعاون والتنسيق بين هذه الدول سياسيا واجتماعيا واقتصادياً انطلاقاً من الاعتراف بأوضاع التجزئة القائمة والمحافظة عليها مع مواكبة السياسة البريطانية والمصالح البريطانية في هذه المنطقة وكان الجانب والبعد العروبي الوحدوي محدوداً في ذلك الميثاق ولم يتضمن شيئاً يذكر عن الشعوب العربية وآمالها وتطلعاتها في الوحدة العربية أو في حقوقها وحرياتها السياسية.
مستطرداً بالقول: كان تنامي الخطر اليهودي الصهيوني العنصري الاستيطاني في فلسطين كما وكيفا عددًا وعدة سلاحا ورجالا وعلماً ومعرفة وخبرة وتنظيماً وإدارة هو أول اختبار لجامعة الدول العربية ولمدى طاقتها وقدرتها في الدفاع عن الأمة العربية وأهدافها وقضاياها العامة، وقد عقدت الجامعة العربية العديد من الاجتماعات والمؤتمرات العربية الرسمية وكانت قراراتها وتوصياتها هي وراء الرفض العربي / الفلسطيني لقرار التقسيم الشهير رقم (181) في نوفمبر عام 1947م الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والجائر الذي أعطى لليهود الصهاينة 56 % من أرض فلسطين وللعرب أهل البلاد الأصليين 44 %فقط لا غير وعيب الرفض العربي أنه لم يقدم البديل الأفضل للعرب وأسلوب تحقيقه والعرب هم وراء دخول القوات العسكرية النظامية بعد تخلي بريطانيا عن انتدابها وواجباتها الدولية لصالح اليهود ومنظماتهم الإرهابية والمعيب في  الموقف العربي أنه قام على أسس ارتجالية وعلى جهل بقدرات العدو وقد أدى التدخل العسكري العربي الضعيف والمهلهل إلى إرباك المقاومة الشعبية الفلسطينية وهي بدورها ضعيفة وتفتقر إلى وحدة القيادة وكل هذه المعطيات السلبية العربية هي التي قادت إلى نكبة وهزيمة العرب في حرب 1948م مما مكن العدو الصهيوني من الاستيلاء على حوالي 79 % من أرض فلسطين وتشريد حوالي %80 من شعبها إلى خارج بيوتهم وأرضهم ومدارسهم وأماكن عبادتهم، كذلك فإن جامعة الدول العربية التي قامت كإطار للنظام العربي والعمل العربي المشترك كان دورها محدودا وضعيف القيمة في الحروب التالية بين الدول العربية ودولة الكيان الصهيوني في عام1956 م وعام1967 م باستثناء حرب أكتوبر عام1973م التي توفر لها الحد الأدنى من التضامن العربي على مستوى هذه المنظمة ومن خارجها والتي هزم العرب فيها دولة الكيان الصهيوني وغرور قادتها السياسيين والعسكريين وكان نصرا استراتيجيا للعرب تحقق لهم فيه العديد من النتائج السياسية والاقتصادية داخل المنطقة العربية وخارجها على أساس مهم وإيجابي. وبين عامي 1964 م و2009م عقد في إطار جامعة الدول العربية أكثر من 21 مؤتمراً من مؤتمرات القمة العربية العادية كانت في مجملها ذات طابع بروتوكولي استعراضي ورمزي وخطابي وذات قرارات متباينة ومتناقضة يجمد آخرها أو ينسخ آخرها أولها وهذا يقودنا إلى التساؤل عن مشكلة عدم فعالية قرارات مؤتمرات القمة أو القمم العربية؟ وهل تكمن هذه المشكلة في طبيعة وقصور ميثاقها العام وفي أسلوب اتخاذ القرارات فيها القائم على مبدأ الإجماع أم في كيفية تنفيذ قراراتها التي تخضع لإرادة ومشيئة الدول الأعضاء فيها ومصالحها القطرية تنفذ منها ما تريد وتجمد ما لا تريد أو لا ترغب فيه؟ وهل هناك مشاكل أخرى مسؤولة عن عجز هذه المنظمة منذ قيامها وإلى وقتنا الحاضر. 
الجدير بالذكر أن هناك مقومات إيجابية أنجزتها الجامعة العربية في الماضي منذ ظهورها وإنشائها في مارس 1945م ، بشهادة الدارسين والمحلليين والمؤرخين من العرب وغير العرب ، وهي كثيرة وقد صدر عن جامعة الدول العربية منذ قيامها إلى العام 2010م ما يزيد عن أربعة آلاف من القرارات المتعلقة بالاتفاقيات والمعاهدات بينهم في مختلف المجالات السياسية والدفاعية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والصناعية وفي مجال التجارة والمال والنقد ولكن ما نفذ منها لا يزيد عن 5% وأغلب المنفذ منها هو في أمور هامشية ومحدودة القيمة وبعضها للأسف قد تم تجميدها وقبل أن يجف الحبر الذي كتبت به " لا يتسع المجال لتوضحيها".
إذن هناك تساؤلات مثارة وكثير من القصور والأخفاقات المرتبطة بعمل وفعاليات الجامعة العربية، وبحسب الدكتور العمودي " نفس المصدر" فإن الجامعة في وقتنا الحاضر توجه إليها وإلى دورها في مجال العمل العربي المشترك وفي مجال الدفاع عن الأمة العربية ضد التحديات والأخطار الخارجية - توجه إليها - انتقادات عديدة تتعلق بمجمل أوجه قصورها وإخفاقاتها وهناك من الكتاب والسياسيين من يصفها بخيال الظل وأنها عبارة عن جهاز بيروقراطي متهالك وعديم الجدوى والفائدة، إخفاقاتها في مشكلة حرب الخليج الثانية - غزو العراق للكويت - وفي مواجهة الغزو المأساوي التدميري الأمريكي الامبريالي للعراق أرضا وشعبا ونظاماً وموارداً .. متسائلاً.. ماذا فعلت الجامعة في مشاكل الصومال والسودان ولبنان ؟ وماذا فعلت في مشاكل وخلافات وصراعات متعددة في دول عربية وبين دول عربية كثيرة سياسية ووحدوية ، ناهيك عن ضآلة منجزاتها بالنسبة للعمل العربي المشترك على أرض الواقع".
وقال الدكتور العمودي: لا أحد ينكر أوجه القصور والإخفاقات التي ترتبط بعمل وفعاليات جامعة الدول العربية في العقود الماضية ودورها المحدود القيمة والشأن في مجال الإنجازات المتحققة على أرض الواقع، ولكن من باب الإنصاف نقول:" إن جامعة الدول العربية رغم عيوبها وسلبياتها المتعددة يجب أن تظل بمثابة بيت العرب الأول ولا ننسى أن هذه المنظمة إقليمية تعاونية تنسيقية بين الدول العربية المستقلة بسياداتها وسياساتها القطرية الداخلية والخارجية فهي ليست فوق إرادات دولها ولا يقول بهذا الأمر ميثاقها الذي قامت عليه، والحقيقة أن أكثر الإخفاقات التي تنسب إليها أساسها الأول ومنبعها الأول يعود إلى صراعات النظم العربية الحاكمة وإلى قادة وحكام العالم العربي بوجه خاص فهي التي تحول دون بناء وتنمية الكيان العربي الواحد". 
إذن هناك تقاعس لدور الجامعة العربية والقضية الفلسطينية بوجه خاص بما في ذلك دورها العروبي في وقف الحرب على أبناء قطاع غزة من قبل العدو الصهيوني المحتل بقيادة الشيطان الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية، بالرغم من الإدانات العربية والدولية لهذه الممارسات غير الشرعية ، والأنتهاكات للقانون الدولي الإنساني ولمواثيق حقوق الإنسان.
ويمكن القول : أن جوهر وأساس المشكلة في كل التساؤلات المثارة وغيرها مما لا يتسع المجال لإثارته يتمثل في عدة أمور منها مشكلة العرب ووحدتهم وغياب دور الجامعة العربية في مجال العمل المشترك وفي مجال الدفاع عن الأمة العربية ضد التحديات والأخطار الخارجية الطامعة في الهيمنة على البلاد العربية ومواردها.. على العرب قادة وحكام أن يتحدوا في كنف هذا المجلس الجامع لما فيه خير وخدمة الأمة العربية وتلبية تطلعات أبنائها.. وحسبنا القول وكما يردد رجال السياسة: أن قادة وحكام العرب يدركون المخاطر بوجودهم وأمنهم ، وأنه يجب أن يكون لهم إستراتيجية عامة وخطط وبرامج تنفذ على أساس منظم ومرحلي وفي أتجاه الاهداف القريبة والمتوسطة والبعيدة ، المؤكدة والممكنة والصعبة على السواء .. فهل هم فاعلون؟!