ديسمبر 23, 2023 - 20:44
دير القديس هيلاريون.. الأكبر في الشرق الأوسط  وثالث أقدم مدن العالم القديم 

أروى حنيش

ذكر تقرير لوكالة أسيوشيتدبرس، أن دير القديس هيلاريون الذي يعد المكان الأثري الأكبر في الشرق الأوسط منذ العهد البيزنطي. ويسمى الدير محليًا ب " تلة أم عام " نسبة لأنثى الضبع التي كانت تستوطن الدير . فالموقع مدرج منذ العام 2012 على قائمة المواقع الأثرية الهامة نظرًا لاحتوائه على معالم أثرية وقطع نادرة. ما يجعل هذا المعلم التاريخي محل اهتمام علماء الآثار، والبعثات التنقيبية، والباحثين والدارسين، بالإضافة إلى موجات السياح والزوار التي تقصده من كل مكان في العالم من العرب والأجانب. فالزائر للمكان يعيش دهشته، وروعه جماله المعماري، وآثاره ما يجعله يغرق وسط عبق التاريخ المنبعث من ثالث أقدم مدن العالم القديم، إنه دير القديس هيلاريون، نتعرف عليه هنا عن قرب لمعرفة هذا الشاهد الحضاري الذي بقي يقاوم الزمن من التآكل والاندثار، ليحكي لنا قصة المكان، بناته الأولين سكانه ومن عاصره من الأجيال المتعاقبة، وما حل به من الكوارث، والإهمال، وسطو الأيدي للعبث به ومحو معالمه الأثرية، وكل ما يتعلق بالماضي.. فما هو دير الزور؟

الموقع 

دير الزور معلم أثري يقع وسط قطاع غزة في مكان يسمى خربة أم عامر، أو أم التوت على قطعة تبلغ مساحتها 25 دونمًا، وهو الدير الأثري الوحيد في فلسطين حيث يعود تاريخه إلى حوالى ما قبل 17 قرنًا من الزمن، ويسجّل قصة راهب فلسطيني عاش المطاردة خارج فلسطين ودفن في هذا الدير.
وحسب ما جاء في موقع سكاى نيوز، أن هذا الدير يقع على الكثبان الرملية لبحر قطاع غزة، ويرجع اسم هذا الدير، الذي يتربع على تلة ساحلية قرب مخيم دير البلح وسط القطاع، إلى الراهب هيلاريون الذي عاش فى القرن الرابع الميلادي، عندما كانت المسيحية هي العقيدة المهيمنة على هذه المناطق آنذاك. وتسبب الزحف العمراني في قطاع غزة، الذي يعد البقعة الأكثر ازدحامًا على وجه الأرض، في تعريض المواقع الأثرية إلى التآكل والقضاء عليها.

تاريخه

 تورد مصادر تاريخية، وعلماء آثار، بأن دير هيلاريون يمتد عمره إلى 4 آلاف و500 سنة،
أي أنه يعود إلى الزمن البيزنطي، وبُني سنة 327، بعدما عاد هيلاريون من مصر إلى قطاع غزة، هرباً من الفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية فيها من جهة، ولإعالة أسرته بعد رحيل والده من جهة أخرى. 
 وهو محاط بأسوار وأعمدة من العصر البرونزي، بالإضافة إلى قطع فسيفساء بيزنطية ملونة، كان يزخر بها ساحل القطاع، كما يقول خبراء الآثار.
ويشير عالم الآثار الفرنسي جان باتيست همبرت، الذي أشرف على مواقع أثرية عديدة في قطاع غزة من 1995-2005، " بأن الآثار فى غزة في كل مكان"، ويضيف أن القطاع "واحة غنية جدًا بالحدائق، والمدن، والحصون، والأسوار القديمة التى تنتشر فى كل مكان".

الحفاظ على المعلم
 
يشكو عالم الآثار همبرت من تعرض المكان إلى الاندثار نظرًا لندرة الإمكانات المالية، وقلة الموظفين المحليين المدربين على التعامل مع مثل هكذا آثار ذات قيمة تاريخية نادرة، الأمر الذي يجعلها عرضة للنهب، ولعوامل مناخية متغيرة، فضلاً عن الزحف العمراني الحديث عليها.
ويؤكد اليافاوي أن إسرائيل سرقت الكثير من آثار الدير ونقلتها إلى متحف "بروك لوفير" في مدينة تل أبيب.
 ورصدت فرنسا بالتعاون مع منظمة اليونسكو عام 2010 مبلغًا ماليًا لإنقاذ دير القديس هيلاريون من الإندثار، إلاّ أن الأوضاع السياسية المضطربة الذي يشهدها القطاع لا تترك مجالاً للاعتناء به.
ويعتمد القيمون على الموقع الأثري على تسنيد أسواره بالخشب وأكياس الرمل، في محاولة منهم للحفاظ عليه ولو مؤقتًا، في ظل عدم توافر أدوات حديثة تمكن من التعامل مع مثل هذه المواقع الأثرية النادرة على الوجه الأمثل.

 اكتشاف مقام هيلاريون

 أُكتشف مقام القديس الذي كان مخفياً تحت أكوام من الرمال العالية بعد قدوم السلطة الفلسطينية إلى غزة، وذلك في منتصف تسعينيات القرن الماضي. وكان الإسرائيليون قد اكتشفوا الموقع عام 1993 بالصدفة، ولكنهم حوّلوه إلى منطقة عسكرية، ومع ذلك 
بقي صامداً لأكثر من 1800 عام، وغفل عنه جميع مَن تعاقبوا على السيطرة على غزة بعد نزوح الرهبان. كما أُكتشف في الموقع بقايا تابوت القديس هيلاريون وحوض تعميد ولوحات فسيفسائية، ومعالم أخرى بقيت منذ أن فارق المسيحيون المنطقة. 

معالم الدير

يحتوي الدير من الجهة الشمالية على مجموعة غرف كانت مخصصة لإيواء طلاب العلم والنزلاء الذين كانوا يقصدون هيلاريون لتعليمهم الدين المسيحي والدخول فيه، فقد كان أول راهب فلسطيني، كما كان له صيت كبير لكونه تلميذ الأب أنطونيوس الكبير. 
ويحتوي في مدخله تيجاناً وأعمدة أثرية بيزنطية، يزيد عمرها على 1400 عام، وفي مدخله توجد صالة استقبال للحجيج والزوار المسيحيين، ممن كانوا يصلون إليه من مختلف أنحاء العالم، خاصة حوض البحر الأبيض المتوسط، والصالة أرضيتها مصنوعة من الفسيفساء المرصعة، مرسوم عليها طيور وحيوانات، وهي مخصصة لمباركة القسيس للزوار خاصة الأطفال والمواليد الجدد.
ويحتوي الدير كذلك على حمام بيزنطي قديم، يضم غرفة لـ"الساونا" ومغطس ماء ساخن، وبجانبها فندق لإقامة الحجيج، ممن جاؤوا من مناطق بعيدة، وكذلك مطبخ لإعداد الطعام، إضافة إلى مكان مخصص للعبادة وأداء الطقوس والشعائر الدينية، وإلى جانبها أيضًا غرف خاصة لإقامة رجال الدين، حيث يقيمون صلواتهم. وتتميز أرضيتها بأنها مرصعة بالفسيفساء، وتضم الفسيفساء عبارات تتضمن أسماء أربعة أنهر يعتقد القساوسة وجودها في الجنة.

مساحة الدير 

كانت مساحة الدير في القرن الرابع بـ 250 متراً مربعاً، إلاّ أنه مع الزمن   توسع تدريجياً ليصل إلى 7 آلاف متر مربعًا في القرن السادس.
ووسط الدير، توجد برك رخامية قديمة مبنية كحفر داخل الأرض على شكل الصليب، وتسمى بأحواض التعميد، وكان يُوضع فيها الماء المقدس لتغطيس مَن أراد الدخول في المسيحية فيها، كما توجد حجرة كبيرة تحتوي على بقايا تابوت القديس هيلاريون.  وفي وسط الدير، كانت توجد غرفة مخصصة لصنع النبيذ، وبركة لتربية الأسماك، هي من أوائل برك زراعة الأسماك في العالم، ويوجد حمام النظافة الخاص بالقديس، وما زال مقعده الرخامي الذي كان يجلس عليه عند الاستحمام موجوداً وما زالت المقاعد المحيطة بهذا المقعد موجودة. والإضافة إلى ذلك تحتوي الساحة على برك مخصصة لتربية الأسماك، حيث يتم تصريف المياه إلى هذه البرك، وما يفيض من الماء يتم سقاية الأشجار داخل الدير..
 ويوضح اليافاوي أن آخر ما تم اكتشافه في المقام كان تابوت القديس هيلاريون، لافتاً إلى أن عمليات البحث ما زالت مستمرة من قبل بعثات دولية مختصّة، بالتعاون مع وزارة السياحة الفلسطينية. 

ترميم الدير 

دعمت مؤسسة الإغاثة الأولية الدولية مشروعاً لإعادة ترميم الدير الذي يزيد عمره على 1450 عاماً، من خلال مشروع بدأ أواخر العام 2017 وحتى العام 2019.
وشملت عملية الترميم تنظيف أقبية الدير، وإقامة ممرات خشبية مرتفعة لمرور الزوار والمهتمين، ومشاهدة محتويات الدير من الأعلى، مع وجود دليل سياحي متخصص يشرح بإسهاب ما يحويه الدير الذي تزيد مساحته عن سبعة آلاف متر مربع.
وأكد القائمون على ترميم الدير، أن الأمور تسير بشكل جيد، وتم انجاز جزء كبير من العمل، بما يبرز محتوياته وحفظها، وإذا ما تم العمل بوتيرة عالية، سيكون مؤهلاً لاستقبال الزوار والباحثين والمؤرخين، ويصبح من أهم المعالم الأثرية في فلسطين.
فالمعلم يعد من أهم المعالم الأثرية في الفترة البيزنطية، وظل لقرون طويلة من أهم المعالم الدينية المسيحية في العالم العربي كله، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الحضارة والتاريخ العريق لفلسطين ولمدنها القديمة الضاربة في القدم.

الحدث الثقافي 

يبقى "دير القديس هيلاريون" شاهداً ومعلمًا حضاريًا وثقافيًا واجتماعيًا على موروث تاريخي عريق يؤكد أصالة الشعب الفلسطيني وارتباطه بأرضه وبجذوره التاريخية، على الزمن،  على الرغم من محاولات المحتل طمس معالم المكان ومحو آثاره، لالغاء الهوية التاريخية، وبكل ما يرتبط بتاريخ المجتمع من خلال سرقة  مقتنياته الأثرية، ومحاولة ارجاع ذلك لليهودية في محاولة لتشويه التاريخ وتسييس الآثار، لخدمة تثبيت الوجود البهودي. لذلك نجد أن "دير القديس هيلاريون"، يتعرض بصورة مستمرة لعمليات نهب واسعة نفذتها سلطات الاحتلال في الفترة الواقعة بين 1967- 1995، وعمدت خلالها الأخيرة على نبشه وسرقة آثاره، ونقلت إلى المتاحف الإسرائيلية. 
يبدو أن هذا المعلم التاريخي سيكون معرضًا للاستهداف الإسرائيلي على قطاع غزة في إطار خططه، لمحو وهدم كل ما يتعلق بتاريخ المجتمع، والأمم والامبراطوريات والتدخلات الخارجية للسيطرة على البلد على اِمتداد العصور المختلفة، إلا أن ذلك لن يمحي تاريخ الشعب الفلسطيني
وماضيه القديم وإرثه الحضاري الذي ظل مرتبطًا به على مختلف عصور وأزمنة التاريخ.