استراتيجية سيول
ضمن استراتيجية رئيس كوريا الجنوبية يول في برنامجه الانتخابي، أنه يسعى لأن تكون بلاده رائدة في صناعة الرقائق الإلكترونية، وقد كان يحتاج موادا كيميائية، كانت تضع اليابان عليها قيودا، من أن تصدر إلى كوريا الجنوبية، لذا من المؤكد أن الرئيس الكوري هذا ما حمله لزيارة اليابان وعمله تسوية النزاع التاريخي الذي سببته الأخيرة.
إحياء الزيارات الدبلوماسية
اليوم الخميس أعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، اتفاقه مع الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، على إحياء الزيارات الدبلوماسية بين بلديهما ورفع القيود التجارية، وذلك بمناسبة انعقاد قمة بينهما في طوكيو تهدف إلى "فتح فصل جديد" في العلاقات بعد توتر بدأ منذ سنوات على خلفية نزاع تاريخي له عقود.
وعلى ما يبدو فإن يول كوريا كان متفائلا لذا قال "في قمة اليوم، أعتقد أنه ستكون هناك مناقشات مثمرة يمكن أن تحوّل العلاقات الكورية اليابانية التي كانت متوقفة، إلى علاقة تعاون وتنمية متبادلة المنفعة" حسب وصفه، من جانبها أعلنت وزارة التجارة اليابانية، أنها سترفع القيود عن تصدير المواد الكيميائية اللازمة لتصنيع أشباه الموصلات إلى كوريا الجنوبية، بعد عقوبات فرضتها طوكيو في صيف العام 2019 إثر خلافات دبلوماسية بين البلدَين.
هدف استراتيجي
وقد كان هدف استراتيجي ليول إعادة العلاقات مع اليابان، فمنذ انتخابه العام الماضي، أكّد أنّ إحياء العلاقات مع اليابان هو أولوية قصوى له، ووصف الزيارة إلى اليابان، التي تتخللها أول قمة بين زعيمي البلدين منذ 12 سنة، بأنها "خطوة مهمة إلى الأمام"، معربا عن ثقته بنجاح خطته، مؤكداً قبل بدء زيارته في مقابلة مع وسائل إعلام كورية "أن الحكومة اليابانية ستنضم إلينا في فتح فصل جديد في العلاقات الكورية اليابانية"، مضيفا "أتمنى أن يمضي شعبا بلدَينا قدماً معاً نحو المستقبل بدلاً من التحارب بسبب الماضي".
هل يعيق رفض الاعتذار
وللتعريج لما حصل من اليابان بحق الكوريين، فوفق البيانات التي قدمتها سيول، بأن اليابان أجبرت ما يقارب 780 ألف كوري على العمل القسري خلال سنوات الاحتلال الـ35، سنة، دون احتساب النساء اللواتي خضعن لعبودية جنسية، وما أثار هذه القضية، حكم تاريخي في العام 2018، أمرت فيه المحكمة العليا في سيول بعض الشركات اليابانية بدفع تعويضات لعدد من ضحايا العمل القسري الكوريين الجنوبيين، وكان في المقابل رفض اليابان الحكم، معتبرة أنّ نزاعات الحقبة الاستعمارية تمت تسويتها في العام 1965، عندما طُبّعت العلاقات الدبلوماسية وقدّمت طوكيو لسيول قروضاً ومساعدات اقتصادية بقيمة 800 مليون دولار تقريباً، أي ما يعادل مليارات عدّة من الدولارات في الوقت الحالي.
مخاوف أدت للتحالف
وإزاء توتر العلاقات بين البلدين، فرضا قيوداً تجارية من الطرفين وأوقفا التعاون في مجالات عدة، لكن انتخاب يول وازدياد المخاوف بشأن التهديدات الكورية الشمالية والقوة العسكرية الصينية، زاد الاتقاد، في اتجاه إجراء مصالحة، لأن سيول نفسها لم تعد قادرة على الاستمرار في الخلاف حول قضايا ثنائية محددة، وليس من مصلحتها الاستمرار في ذلك.
تهديدات في المنطقة
وما يؤكد مصلحة تقارب سيول من طوكيو أنه من مصلحة الأولى، هو التهديدات التي تدور في المنطقة، مثل صواريخ كوريا الشمالية والأزمات، كاضطرابات سلسلة التوريد العالمية، التي دفعتها إلى الاقتراب من طوكيو، وفي تحدى كوري شمالي فإنه قبل وصول يول الى طوكيو، أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً في عملية استعراض للقوة هي الثالثة منذ الأحد، وتأتي بينما تجري كوريا الجنوبية والولايات المتحدة أكبر مناوراتهما العسكرية المشتركة.
تحديات كبيرة
ومع النجاح المبهر في إعادة العلاقات بين الدولتين، إلا أن البلدين، ما زالا يواجهان تحديات كبيرة فصحيح، أنه، من المفيد أن يبدأ تطبيع العلاقات بينهما، لكن من حيث النتيجة الأمر يصبح معقدًا بعض الشيء وكل كل ذلك يتوقف على مدى استعداد كيشيدا للاعتذار عن التاريخ، الذي كان سيئا بحق الكوريين، لأن اليابان لا تزال على اعتذاراتها التاريخية عن ارتكاباتها في الحرب التي تقدّمت بها في التسعينات، لكن كثير من مواطني، كوريا الجنوبية يشعرون أنّ هذا لا يكفي ولهم موقف من خطة يول الخاصة بالتعويضات.
ولاقى هذا التقارب، كثير من الترحيب على الساحة الدولية، خصوصاً من واشنطن التي تسعى إلى رؤية مصالحة حليفين آسيويين، لأن يول يرى في التقارب مع اليابان، زيادة في العلاقة مع الولايات المتحدة، لأنه يريد تحالف معها، وفق طابع عالمي وشامل واستراتيجي.. في مجموعة من القضايا من الاقتصاد إلى الأمن القومي والتكنولوجيا، ومن إدراكه، أنّ صراع بلاده مع اليابان بشأن القضايا الثنائية، سيعيق تعزيز علاقات سيول مع واشنطن، لذا كانت مسارعته، للتصالح مع اليابان.
فحسب رؤية يول أن لا علاقة مع واشنطن، مالم تكون في البداية مع طوكيو، لذا كان سعيه الحثيث للوصول إلى ذلك، وما تحقق له.