ومنظمة شانغهاي للتعاون هي منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية. تأسست هذه المنظمة في 15 يونيو/حزيران 2001 في مدينة شانغهاي الصينية، وذلك في اجتماع لقادة 6 دول هي: (الصين، روسيا، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان). ووقع ميثاق المنظمة في يونيو/حزيران 2002، ودخل حيز التنفيذ في 19 سبتمبر/أيلول 2003. وتهدف المنظمة - مقرها الرئيسي بكين - إلى بناء نظام عالمي متعدد المراكز، يتسق بشكل تام مع قواعد القانون الدولي ومبادئ الاحترام المتبادل، التي تلبي مصالح كل دولة، مع وضع احتياجاتها وطموحاتها المتبادلة في الاعتبار. وتؤكد المنظمة في ادبياتها على أنها منظمة متعددة الجنسيات والثقافات، وتسعى جاهدة إلى إخماد صراع الحضارات في جميع مناطقها بالتحديد.
واصبحت منظمة شنغهاي اليوم مكونة من 8 دول أعضاء، بعد قبول عضوية كل من الهند وباكستان، و4 دول مراقبة أبدت الرغبة في الحصول على العضوية الكاملة وهي: (أفغانستان، إيران، بيلاروس، منغوليا)، و6 دول ”شركاء حوار“ هي: (أرمينيا، أذربيجان، تركيا، سريلانكا، كمبوديا، نيبال).
وفي قمتها الأخيرة التي انعقدت يومي الخميس والجمعة 15و 16 سبتمبر/أيلول 2022 في العاصمة الاوزبكية سمرقند، بمشاركة قادة الدول الثمان الأعضاء، إضافة إلى رئيسي إيران وتركيا، بدت منظمة شانغاهاي كتكتل دولي جديد يؤذن ببدء عهد جديد لنظام الدولي قائم على تعدد الأقطاب، ما يعد رسالة تحدي للنفوذ الغربي القائم على نظام القطب الواحد. ويرى متابعون ان روسيا والصين سعت من خلال هذه القمة إلى تقديم المنظمة كبديل للمنظمات الدولية التي تدور في الفلك الغربي. وبدأ ذلك واضحا من خلال سعي الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ إلى حشد قادة آسيا خلف ما يمكن اعتباره "نظاما دوليا" جديدا.
وكان أبرز حدث في قمة اوزباكستان هو اللقاء الذي جمع الرئيسين الروسي والصيني في أول ايام القمة، كونه اول لقاء للرئيسين منذ الحرب الأوكرانية. وفي كلمتي "بوتين" و"شي" بشرا بشكل واضح بنظام دولي متعدد الأقطاب، حيث اشاد "بوتين" بازدياد نفوذ الدول غير المحسوبة على الغرب، منددا بما وصفها بأدوات الحمائية والعقوبات غير القانونية والأنانية الاقتصادية. ولفت إلى ان دور مراكز القوى الجديدة التي تتعاون مع بعضها البعض يزداد وضوحا. من جانبه أكد "شي" إن الوقت حان لإعادة تشكيل النظام الدولي و"التخلي عن المعادلات الصفرية والسياسات القائمة على تشكيل كتل". لافتا إلى أنه يجب على قادة العالم "العمل معا لدعم تنمية النظام الدولي في اتجاه أكثر إنصافا وعقلانية".
وفيما كانت قمة سمرقند 2022 رسالة واضحة ان منظمة شانغاهاي ستكون رافعة القوى الدولية المناهضة لنظام القطب الواحد الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، كانت قمة استانا التي انعقدت في 8 و 9 يونيو/حزيران 2017 هي القمة التاريخية للمنظمة، حيث دشنت تلك القمة مرحلة جديدة في تطوير المنظمة. وكان من أهم نتائجها منح العضوية الكاملة في المنظمة لكل من الهند وباكستان، باعتبارهما دولتين نوويتين وقويتين ومؤثرتين في جنوب قارة آسيا. وبانضمام الهند وباكستان قبل 5 سنوات إلى المنظمة اصبحت منظمة شانغاهاي تتمدد في منطقة شاسعة من القطب الشمالي إلى المحيط الهندي، ومن ليانيونجانج في الصين شرقا إلى كالينينجراد في الاتحاد الروسي غربا، وهذه المنطقة يعيش فيها ما يقرب من 44% من سكان العالم، ما سيجعلها تضطلع بالمهمة الأساسية الخاصة بالحفاظ بشكل جماعي على الاستقرار والتصدي بفعالية للتهديدات الأمنية، وبذلك تصبح منظمة شانغاهاي من أكبر التكتلات الدولية على الأرض، وتحت لوائها توحدت 4 قوى نووية، وهي نصف عدد القوى النووية في العالم، ما يجعل منها رادعاً إضافياً في إطار النظام الذي تم إنشاؤه للحفاظ على التوازن الاستراتيجي للقوة والاستقرار السياسي في العالم.
وتعمل منظمة شانغاهاي على 4 أجندة كخطوط عريضة لأهدافها المستقبلية، وهي: مكافحة الارهاب ومحاربة الاتجار بالمخدرات والتنمية الاقتصادية والحوار الثقافي، وهذه الاجندة تميز هذا التكتل الدولي الواسع عن غيره من التكتلات الدولية، وهو ما سيساهم في انفتاح المنظمة على دول اخرى، على اعتبار ان الاجندة الاربعة تقدمها بصورة مقبولة بعيدا عن هيمنة الكبار التي تقوم عليها التكتلات الاخرى التي تدور في الفلك الغربي.
وتعتزم منظمة شنغهاي للتعاون إجراء مزيد من التطوير في هيئتها الدائمة، وهي الهيكل الإقليمي لمكافحة الإرهاب. وفي هذا الجانب تمكنت دول المنظمة خلال الفترة ما بين عامي 2011 و2015، من الحيلولة دون وقوع 20 هجوماً إرهابياً كانت لا تزال في مراحل التخطيط، وتفادي 650 جريمة ذات طابع إرهابي ومتطرف، وإزالة 440 معسكراً لتدريب الإرهابيين وتحييد 1700 من المنظمات المصنفة كإرهاب دولي، وفقا لبيانات رسمية صادرة عن المنظمة. وفي مجال مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات، الذي يعد من أولويات المنظمة، وهو ما يتضح من خلال اتفاقية عام 2004 بشأن التعاون بين الدول الأعضاء في المنظمة في مجال مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف، وبيان رؤساء الدول الأعضاء في المنظمة بشأن تهديدات المخدرات لعام 2015، وهي التي تنسجم مع أحكام اتفاقيات الأمم المتحدة وقراراتها، بما في ذلك نتائج الدورة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن مشكلة المخدرات في العالم، التي عقدت في ابريل/نيسان 2016 في نيويورك.
اما في مجال التنمية الاقتصادية، التي تعتبره المنظمة وسيلة للحيلولة دون ظهور مصادر جديدة للتحديات والتهديدات الأمنية، نجد أن الخطوات العملية الهامة في هذا الاتجاه تسعى لتنفيذ اتفاقية حكومات الدول الأعضاء بشأن تهيئة الظروف المواتية للنقل البري الدولي، والتي تم توقيعها في دوشانبي بطاجيكستان، في سبتمبر/أيلول 2014. ولا تقتصر هذه الاتفاقية على إرساء شروط عادلة لإدارة التدفق التجاري ذي المنفعة المتبادلة من أوروبا الشرقية إلى الساحل الشرقي الروسي والصين، بل أصبح أيضا الأساس القائم على معاهدة للتنمية الشاملة متعددة الأطراف للبنية التحتية الإقليمية، إلى جانب نظام متكامل للنقل البري.
وبخصوص الحوار الثقافي، الذي تعده منظمة شانغاهاي إجراء وقائي ضد التهديدات الأمنية، تسعى المنظمة لتجسيد التراث التاريخي والثقافي الغني لشعوب بلدان المنظمة في المواقع الثقافية التي تشكل حاليا 20% من قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وتعد المنظمة ان الاطلاع على هذه المعالم فرصة فريدة للتعرف على التاريخ النابض بالحياة للمنطقة الأوراسية، والتمتع بمجموعة متنوعة من الصفات الوطنية والثقافية الفريدة، وفهم أفضل للعقلية ونظرة عامة من الناس المقيمين هناك.
ومن هناك يتضح ان منظمة شانغاهاي رسمت لنفسها خطوط واضحة ومختلفة عن غيرها، تراعي مصالح الدول الأعضاء بعيدا عن التبعية للدول الأعضاء الاقوى عسكريا واقتصاديا، وهو ما سيعطيها مرونة للتوسع في البر الأسيوي والشرق الأوروبي، والتوجه نخو افريقيا وأمريكا الجنوبية، كأهداف مستقبلية لتكوين تكتل دولي اوسع وفاعل وقوي ومعتبر في مختلف القضايا والملفات الدولية الساخنة.
التعاون الصيني الروسي بعد قمة سمرقند؛ بدا اكثر تنسيقا، حيث تسعى بكين وموسكو من خلال المنظمة كاطار عمل مشترك للدفع قدما بخطوات التعاون الاقتصادي بين البلدين. يتضح ذلك من اعلان وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، يوم 17 سبتمبر/ايلول 2022 (بعد يوم من انتهاء القمة) أن بلاده بصدد توقيع اتفاق مع الصين لتصدير 50 مليار متر مكعب من الغاز، عبر أنبوب "قوة سيبيريا 2" الذي يربط البلدين. وهو ما يعني ان الغاز سيكون مرتكز لتقارب اكثر بين الصين وروسيا.
وفي هذا الجانب قال التلفزيون الرسمي الروسي نقلا عن الوزير ألكسندر نوفاك، أن روسيا والصين ستوقعان قريباً صفقة لتسليم "50 مليار متر مكعب من الغاز" سنوياً، عبر خط أنابيب "قوة سيبيريا 2" الرابط بين البلدين عبر منطقة ألتاي في منغوليا. مشيرا إلى أن صادرات الغاز الروسي في العام 2022 ستنخفض بمقدار 50 مليار متر مكعب، وهي نفس الكمية التي تنوي البلاد تصديرها شرقاً نحو الاقتصاد الصيني المتعطش للطاقة.
وهذه النقلة تعد مؤشرا على ان روسيا تسعى لفتح أسواق جديدة في الشرق، لمواجهة العقوبات الاقتصادية الغربية، فيما تسعى الصين لتأمين مصدر دائم للطاقة بأسعار تفاضلية لتنمية صناعاتها وجعلها الأكثر منافسة في الأسواق الدولية. ومن خلال البيانات الاقتصادية الروسية، يتضح انه حتى يونيو/حزيران 2022، لم تؤثر الحرب في أوكرانيا وما لحقها من توجه غربي على فك الارتباط مع الغاز الروسي، على عائدات شركة "غازبروم" الروسية. إذ ظلت هذه العائدات عند مستوياتها ما قبل الحرب، بما يعادل 100 مليون يورو في اليوم من الصادرات نحو أوروبا، على الرغم من خفض تلك الصادرات بما يقارب 25%. ويرجع ذلك إلى استقرار العائدات وارتفاع أسعار الغاز في السوق الدولية. واستباقا لأي انهيار لأسعار الطاقة تحركت موسكو للبحث عن اسواق جديدة، ولهذا السبب عملت مع الصين التي باتت مهددة بتصاعد ازمة تايوان إلى تفعيل منظمة شانغاهاي، والدفع بها إلى الواجهة كتكتل دولي في مواجهة التكتلات الدولية الغربية.
ومن خلال البيانات الرسمية الصينية للعام 2021، بلغ استهلاك الصين من الغاز الطبيعي ما يزيد بقليل عن مليار متر مكعب يومياً، أي نحو 367 مليار متر مكعب في السنة. وبلغت الواردات الصينية من الغاز الروسي، برسم نفس العام، مقدار 16.5 مليار متر مكعب. وبالتالي فإنه بموجب الاتفاق المرتقب ستقفز هذه الواردات إلى عتبة 56.5 مليار متر مكعب في العام. وهو ما يكشف حجم التعاون المتنامي بين بكين وموسكو، وذلك يشير إلى أن الصين اصبحت أحد الرابحين الكبار من الحرب في أوكرانيا، إذ حافظت على موقف متوازن مما يحدث هناك، وبالمقابل لم تغلق الباب في وجه روسيا، ما جعلها تستفيد اقتصادياً وسياسياً من هذه الوضعية، وهو ما يعني ان الصين ستتحمس لتفعيل منظمة شانغاهاي وتوسيعها. وطبقا لتقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" الامريكية، اشترت الصين شحنات غاز مسال روسي بنصف ثمنها، في حين زادت الصادرات الصينية نحو روسيا بـ 50% خلال الأشهر الثمانية الأخيرة من العام 2022.
ومع تنامي التعاون الصيني الروسي عبر منظمة شانغاهاي، سيعوض خط أنابيب الغاز "قوة سيبيريا 2" ما ستفقده روسيا من خط أنابيب "نورد ستريم 2"، الموقوف عن العمل منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. وهذا سيخلق تكتل اقتصادي دولي مواجه للتكتل الاقتصادي الغربي.
ومن خلال المقارنة بين الخطين، سنجد ان خط قوة سيبيريا2 الذي بني في العام 2011، بعد زيارة بوتين لبكين، تبلغ قدرته الاستيعابية 80 مليار متر مكعب من الغاز في العام، بميزانية إجمالية تتراوح بين 10 و13 مليار دولار أمريكي، ويخطط للانتهاء من أعماله بحلول العام 2024. وهو ما يعني انه يكافئ الخط المتجه نحو أوروبا "نورد ستريم 2"، الذي تبلغ قدراته الاستيعابية 55 مليار متر مكعب من الغاز في العام.
وفي حال أصبح الاتفاق الصيني- الروسي المرتقب حول الغاز والذي اعلن عنه مؤخرا وزير الطاقة الروسي؛ واقعا على الأرض، فإن الكميات التي ستورد من الغاز الروسي إلى الصين ستعادل ثلث واردات أوروبا من الغاز الروسي، والتي بلغت في العام 2021 حوالي 155 مليار متر مكعب.
ومما سبق سيدفع التعاون المتنامي بين بكين وموسكو في مجال الطاقة إلى تنشيط منظمة شانغاهاي وتوسيعها كمرحلة اولى في القارة الأسيوية ذات الثقل السكاني الاكبر في العالم، بما يجعل الطاقة الروسية المحرك الأول لمصانع دول القارة الأسيوية، وهو ما سيتيح لروسيا والصين بدرجة أساسية التحرر من الضغوط الغربية، وفتح المجال امام التنمية في البلدان الأسيوية، وتطلعها لان تكون منتجاتها منافسة في الاسواق الدولية، خصوصا الهند وباكستان وايران واندونيسيا.