أجندة نُشر

مذكرة الجنائية الدولية بتوقيف بوتين .. الأهداف والغايات السياسية ..!

عرب جورنال / توفيق سلاَّم -

إصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرة اعتقال الرئيس الروسي بوتين ورئيسة مفوضية حقوق الأطفال ماريا بيلوفا بشأن مزاعم جرائم حرب متعلقة بترحيل أطفال بصورة غير قانونية من أوكرانيا إلى روسيا. يكشف عن حقيقة أن نظام القطب الواحد فشل في تحقيق أهدافه الاستراتيجية في أوكرانيا  باستخدام أساليبه الاستعمارية الجديدة في الهيمنة، وبسط السيطرة والنفوذ.

مذكرة الجنائية الدولية بتوقيف بوتين .. الأهداف والغايات السياسية ..!

فقد خابت مخططات الغرب في العقوبات على روسيا التي أرتدت إلى نحره لتصيبه بأوضاع اقتصادية صعبة جعلته يعيش أزمات اقتصادية حادة، ويحتضر في أيامه الأخيرة، ومع ذلك يصر على التشبث بالهيمنة، وعلى استمرار الحرب، وإغلاق نوافذ المبادرات السياسية أمام حل مشكلة الحرب في أوكرانيا، بل مازال يستخدم الأوراق التي يعتقد بأنها ستنجيه مما هو غارق فيه بسيل من الأزمات تقوده إلى الجمود الاقتصادي والشلل الكلي.

 

قرار الجنائية الدولية

  قرار محكمة الجنايات الدولية، غير قانوني في نظر الكثير من المشرعين الدوليين، وخبراء القانون الدولي، ليس فقط لأنه يرتكز على أهداف وغايات سياسية للولايات المتحدة الأمريكية التي تريد توظيفه في محاصرة وعزل روسيا، بل لأنه لا يستند إلى الواقع وحقائق الانتهاكات التي ترتكبها القوات النازية بحق القوميات الروسية والتنكيل بها من أراضيها ومواطن أقامتها، وشن الحرب عليها تحت دواعي انتماءها العرقي، فضلاً عن جرائم تعذيب الأسرى الروس وبتر أعضائهم، والتمثيل بجثثهم، ولعل حادثة بوشا واحدة من هذه الجرائم النازية البشعة التي كان الإعلام الغربي يريد أن يسوقها على القوات الروسية، وانكشف أمرهم بشهادات السكان.

 

المحكمة أحد الأذرع الناعمة 

 لم تكن روسيا ضمن الدول الموقعة على محكمة الجنايات الدولية، وأن مثل هذا القرار ذات مغزى سياسي، وبهذا تكون محكمة الجنايات الدولية قد عرت نفسها بأنها طرفاً تابعا للإدارة الأمريكية في تنفيذ قراراتها ووصاياها عليها، وأنها أحد الأذرع الناعمة لحلف الناتو. ولأن قرار محكمة الجنايات الدولية مستحيل التحقيق، فإن ذلك يفتح المجال لرد روسي يمكن أن يكون في وضع قائمة المطلوبين للمثول أمام القضاء الروسي قيادات أوكرانية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الأقليات الروسية في أوكرانيا، وربما يصبح القرار الروسي قابلاً للتنفيذ. وهذا يعني أن الباب أصبح مفتوحاً على مصراعيه أمام حرب عالمية ثالثة لا رجعة عنها.

 ليست هذه المرّة الأولى التي تُصدر فيها المحكمة مذكرة اعتقال بحقّ رئيس دولة، وهو في الحكم، لكنها أول مرّة تجرؤ فيها المحكمة على القيام بذلك ضد رئيس دولة نووية تتمتع بمقعد دائم في مجلس الأمن، ما يجعل هذه الخطوة استثنائية في تاريخ المحكمة، وتحمل في طياتها تداعيات سياسية كثيرة وخطيرة على المستوى الدولي تكون محكمة الجنايات شريكة في هذا التصعيد. ذلك أن التهمة التي يوجّهها مكتب المدعي العام لبوتين ولفوفا - بيلوفا، لا تخلو من الجدل، بحسب تعريف القانون الدولي الإنساني، وتنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، يُحظر إجبار الأفراد، أو المجموعات على النزوح أو ترحيل أشخاص محميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال، أو أي دولة أخرى، ويُستثنى من هذه القاعدة ما يُعرف بـ "إجلاء" المدنيين بدافع "المبرّر العسكري الضروري"، أي لعدم وجود بديلٍ عسكري لعملية الإجلاء التي يُسمح بها إذا اقتضى ذلك أمن السكان. وفي هذه الحالة، يشترط القانون الإنساني الدولي إعادة السكان الذين جرى إجلاؤهم إلى منازلهم فور توقف الأعمال العدائية". وبموجب هذا التعريف يبدو أن من السّابق لأوانه توجيه أي تهمة بشأن ترحيل المدنيين، نظراً لأن ترحيل المدنيين من هذه  المناطق كان نتيجة الاشتباكات العسكرية، وأن هذه المناطق مازالت الأعمال المسلحة جارية فيها بين روسيا وأوكرانيا وتحديدا في منطقة الدنباس التي رُحّل منها المدنيون، بمن فيهم الأطفال.

 

تأجيج النزاع 

لقد ساهم قرار ملاحقة بوتين شخصياً في تأجيج النزاع وتصعيده باسم العدالة، بما يخدم حرب واشنطن وحلفائها الدعائية في حرب الغرب بالوكالة في أوكرانيا. ولأن مكتب كريم خان لا يرى في هذا الترحيل إجلاءً، فإنه يقول في نص البيان الذي صدر عن مكتبه بمناسبة مذكرة التوقيف: "مكتبي يزعم أن هذه الأفعال "ترحيل الأطفال" من بين أمور أخرى، تثبت وجود نية لإخراج هؤلاء الأطفال بشكل دائم من بلادهم". ويستند حسب زعمه في تهمة النيات الإجرامية إلى المراسيم التي أصدرها بوتين لتعديل القانون في روسيا لمنح الجنسية الروسية للأوكرانيين الراغبين بالحصول على الجنسية الروسية. وتفسر المحكمة أن ذلك يسهل عملية تبنّي عائلات روسية الأطفال المُرحّلين، إلا أن هذه التهمة الاستباقية قد تنهار من تلقاء ذاتها بمجرّد إعادة المدنيين إلى موطنهم، وهو ما يستلزم بالضرورة توقّف الحرب في أوكرانيا.

ولذلك يشدّد تقرير اللجنة الأممية المعنية بالتحقيق بشأن أوكرانيا، الذي صدر في 16 مارس/ آذار 2023، على أن "التأخير" في إعادة الأوكرانيين المُرَحَّلين إلى منازلهم قد يرقى إلى جريمة حرب، ولا يتهم بوتين أو غيره بنية ترحيل دائم للأطفال وباقي المدنيين، إدراكاً من اللجنة بأن "إدانة النية"، أو "العقل المذنب" يظل من أصعب ما يمكن إثباته جنائياً.. وهنا أيضاً يُطرح السؤال: هل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية تتمتّعان بالحد الأدنى من الشفافية والواقعية والمسؤولية الإنسانية، وهما يطلبان من روسيا إعادة المدنيين إلى منازل تفحّمت ومناطق خربتها القوات الأوكرانية عن آخرها، وتكاد تنعدم فيها متطلبات الحياة، وما زالت معرّضة لخطر الحرب، بالنظر إلى التصعيد المستمر في القتل والدمار المتبادل؟ وهل من مصلحة المدنيين العودة إلى ساحة حرب في وقتٍ تشتد فيه ضراوتها ويصعّد الغرب المواجهة مع روسيا ويسود خطر نووي حقيقي؟ تستند اتهامات خان واللجنة الأممية إلى أكذوبة "حماية المدنيين" في سياق النزاع المسلّح، التي تتجاهل تجاهلاً تاماً حقيقة أنّ جلّ حروب العالم "المتحضر" تدور في المدن، فسواء تعلق الأمر بقصف العراق، أو سورية، أو اليمن، أو ليبيا، أو أفغانستان، أو الشيشان أو أوكرانيا، لم يعد للمدنيين مكانٌ يحتمون فيه جرّاء طبيعة هذه الحروب الحضرية الهمجية. ولهذا السبب بالذات، تجري الإشادة بعملية Pied Piper البريطانية (1938-1940) التي جرى خلالها إجلاء ملايين المدنيين، خصوصاً الأطفال، داخل بريطانيا وخارجها، خلال الحرب العالمية الثانية، لحمايتهم من القصف الجوي للمدن. ولا يتوقف الجدل عند ضبابية تهمة جريمة الحرب التي يوجّهها كريم خان واللجنة الأممية إلى بوتين ولفوفا- بيلوفا، وهي تفتقد إلى أساس قانوني رصين، وتتعدّاه إلى نطاق الجريمة ذاتها، فبينما لا يتعدّى عدد حالات "نقل الأطفال من أوكرانيا إلى روسيا" التي وثقتها لجنة التحقيق الأممية 164 حالة، فإنّ مكتب خان يتحدّث عن "ترحيل مئات الأطفال"، بينما تزعم الجهات الأوكرانية، المعروفة بمبالغاتها ومغالطاتها، أنّ الترحيل قد طاول 16 ألف طفل، ما يطرح أسئلة إضافية بشأن الغرض من توجيه تهمة "جريمة حرب" يشوبها تضاربٌ في الحقائق والأرقام، وتدخُل في نطاق القضايا التي لا تتحقّق فيها شروط المحاكمة العادلة التي كان خان بالأمس يحثّ عليها. هذا يعني أن المحكمة تعتبر ترحيل المدنيين ومنهم الأطفال الواقعون في مناطق الصراع لإنقاذ حياتهم من قصف القوات النازية التي تستهدف حياتهم وازهاق أرواحهم، ذلك في نظر المحكمة "جريمة"، وهم في الأساس مدنيون ومن القوميات الروسية.

بهذا تكون المحكمة، قد صبّت الزيت على نار الحرب في أوكرانيا، تساهم في تأخير موعد عودة الأطفال إلى ديارهم بتأخيرها فرص السلام. ويدرك كريم خان وقضاة المحكمة أن روسيا غير مُلزمة بالتعاون مع التحقيق، لأنها ليست دولة عضواً في محكمة الجنايات الدولية، فقد وقعت على نظام روما سنة 2000، وسحبت توقيعها في عام 2016 من دون أن تصدّق عليه. ويدركون أيضاً أن بوتين لن يضع نفسه في قفص محكمة لاهاي.

هذا فضلاً أن محقّقي المحكمة لم تطأ أقدامهم الأراضي الروسية لرصد وضع الأطفال المشتبه في نقلهم بشكل دائم، وإلتماس شهادتهم.

 

 تنفيذ أجندات سياسية 

سيناريو قرار محكمة الجنايات الدولية من الأصل مكشوف، ولن ينقذ أمريكا من تدعيات الضربات التي تقصم ظهرها بالانهيارات المتتالية جراء التضخم، ولن تُحل طباعة الدولار لانقاذ البنوك التي تعاني من الانهيارات، وللأسف لا يوجد علاج لذلك. ومهما تشبثت الإدارة الأمريكية بآخر الأوراق، لكنها لن تنجو من الانهيار.

أما حظوظ توقيف بوتين وتقديمه لمحاكمة دولية تلك غايات سياسية فاشلة، تفسح المجال أمام دوافع سياسية تؤكد مرّة أخرى أن محكمة الجنايات الدولية، كباقي المنظمات الحكومية الدولية، تعمل حسب أجندات سياسية تُبلورها كبرى الدول الأعضاء في المحكمة، حلفاء أمريكا تحديداً: فرنسا وألمانيا وكندا وبريطانيا التي رشحت حكوماتُها خان لمنصب المدّعي العام بالمحكمة، وأشادت بأنّه يجمع بين مهارات الادّعاء، والإدارة، والحسّ السياسي. اليوم بالنيابة عن واشنطن وحلفائها، يخوض المدعي البريطاني "معركة سياسية" تحت غطاء قانوني، لا تهدف إلى إحقاق العدالة التي لا يكترث لوضعها في فلسطين أو سورية، أو اليمن أو ليبيا أو غيرها.

فالهدف الرئيس من وراء هذا القرار تنفيذ أجندات أمريكية جديدة، بعد أن فشلت خطط أمريكا وحلفاءها بتدمير روسيا، وترى بأن استهداف بوتين شخصياً ذلك لأنه يتمتع بكاريزما قيادية كبيرة، ويحظى بتقدير وحب واحترام شعبه، ودول وشعوب العالم. لذلك فإن اضعافه أو التقليل من شأنه لا معنى له.

عمل بوتين بموجب ما يقتضيه الضمير الإنساني لإنقاذ المدنيين من آلة الحرب الأوكرانية التي تستهدف سفك دمائهم، وبوتين محق في ذلك كون هؤلاء الأطفال وسواهم من المدنيين من  من القومية الروسية، وهذا ما أغضب الولايات المتحدة التي فوت المخطط النازي في ذبحهم أو اختطافهم كرهائن لاضعاف السكان بالاستسلام لحكومة كييف. مازال الرئيس زيلينسكي في رقبته  13 ألف نسمة من المدنيين  في دنباس ممن تعرضوا للابادة، ومعظمهم من الأطفال، والنساء تلك الإبادات والمجازر الجماعية، لم تتحدث عنها محكمة الجنايات، ولا يخصها من أمرهم بشيء، لأن ذلك يدين القوات الأوكرانية وما ارتكبته من أعمال وحشية بحق المدنيين من القوميات الروسية في إقليم دنباس.

قرار محكمة الجنايات الدولية ذات بعد سياسي يحاول العودة إلى المربع الأول لعزل روسيا سياسيا، ودبلوماسيا، واقتصاديا بالضغط على الدول 123 المنظمة لمحكمة الجنايات، ففي نظر واشنطن أصبحت هذه الدول مطالبة بتوقيف بوتين، بل وقطع العلاقات مع روسيا، وفي حالة عدم الاستجابة قد تفرض عليها عقوبات، إنها واقع الهيمنة من طراز أن تكون معنا أو ضدنا.

لقد سبق للمحكمة فرض عقوبات على الرئيس السوداني عمر البشير

وقد استقبلته 14 دولة عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، بما فيها الأردن، ورفضت كلّها تسليمه للمحكمة بدعوى أنه يتمتع بحصانة باعتباره رئيس دولة يباشر الحكم في بلاده.  لذلك فإن قرار مذكرة الجنائية الدولية تستهدف تعطيل أي مبادرات للسلام والتقارب والتعاون والتعايش السلمي. فأمريكا بلد تنتج الأزمات الدولية لأنها تعتاش عليها، في استمرار هيمنتها. وهذه الصيغة تريد تطبيقها على الصين  بالضغط عليها، وإنهاء الشراكة مع روسيا، رغم أن الصين ليست عضوا في المحكمة، التي زار رئيسها، شي جين بينغ، نظيره الروسي بعد صدور المذكرة.

 

عرقلة فرص السلام 

من أشد المفارقات سخرية أنّ المحكمة، وقد صبّت الزيت على نار الحرب في أوكرانيا، فإنّها تساهم في عرقلة تحقيق  السلام في تأخير موعد عودة الأطفال إلى ديارهم، وقد سبق للولايات المتحدة رفض المبادرة الصينية للسلام، وتسعى إلى تأجيج النزاع وتصعيده باسم العدالة، بما يخدم الحرب الدعائية الامبريالية الأمريكية  التي تخوضها واشنطن وحلفاؤها في حرب الغرب بالوكالة في أوكرانيا، والتي تدور حول "اغتيال شخصية" بوتين، فاغتيال الشخصية السياسية، كما وثقها الخبير الاستراتيجي جايسون جاي سمارت، هي بالأساس استراتيجية سياسية في العلاقات الدولية، تهدف إلى تدمير مصداقية خصم سياسي رفيع المستوى في الساحة الدولية.. وتكون محكمة الجنايات الدولية بهذا شريكة في الحرب، من خلال هذا التصعيد الذي يخدم أطراف العدوان الغربي على روسيا. ونتذكّر كيف اغتال ساسة الغرب وإعلامه شخصية الرئيس العراقي صدّام حسين قبل اقتياده إلى حبل المشنقة، بمجرّد أن حوّلوه إلى هتلر العرب، تحت ذرائع السلاح الكيماوي الذي اتضح كذبته، كي يتسنّى لهم غزو العراق وتدميره وزعزعة استقرار المنطقة.

هذا القرار هو وسيلة أخرى من وسائل التصعيد يستهدف تعطيل مبادرات السلام، التي تقدمت بها الصين لوقف الحرب في أوكرانيا ومحاصرة تداعيات قيام حرب عالمية ثالثة. فإذا كان الأصل في الإتهام أنه لا أحد فوق القانون عندما يتعلق الأمر بجرائم الحرب، والجرائم ضد الانتهاكات الإنسانية، فإن في استهداف الرئيس الروسي دون غيره من الزعماء الذين تورطوا في مثل هذه الجرائم، وغيرها ما يعزز القناعة بأن أعين الجنائية الدولية مصابة بالحول، وأنها لا ترى إلا ما تراه واشنطن في توظيف ميزان العدالة العرجاء للجنائية الدولية  على المقاس حسب الطلب والرغبات والشهوات. لكن ما يرتكبه حلف الناتو بقيادة أمريكا ودفع زيلينسكي إلى هذه الحرب التي لا يمكن التكهن بما ستؤول إليه من سيناريوهات، ولا حتى بموعد توقفها.. وهنا بيت القصيد لأن ما اقترفه هذا النازي بدعم الغرب من جرائم في حق الأطفال، وفي حق الشعب الأوكراني يرقى إلى محاكمته، وأيضا الأطراف الدولية التي تستهدف إبادة الشعب الروسي. ولو أننا عدنا الى ما اقترفه الغرب من جرائم منذ الحرب العالمية الثانية لغرقنا في أنهار من دماء الأبرياء من النكبة إلى فيتنام وإلى كل جرائم الاستعمار العسكري الفرنسي والبريطاني والبلجيكي والايطالي في الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ناهيك عن جرائم أمريكا الأكثر وحشية.. ولو توقفنا أيضا فيما حدث من جرائم حرب تحت أنظار العالم على مدى العقدين الماضيين فقط  لغرقنا دون شك في أنهار من الدماء والاستبداد والقهر والظلم والاستخفاف بمصير الشعب الفلسطيني بدءاً من الاعتداءات المتكررة ضد الفلسطينيين من الضفة إلى القطاع، ولا يمكن بأي حال من الأحوال استثناء فلسطين لأنها الجريمة الأطول والأبشع والأخطر منذ نحو قرن مروراً بما حدث في أفغانستان، وصولا بما حدث في العراق.

ونحن نعيش على وقع الذكرى العشرين للتدخل الأمريكي في العراق واللعنة التي لحقت بهذا البلد فيما تؤكد أغلب التقارير أن نحو مليون ومائتي ألف عراقي لقوا حتفهم طوال العقدين الماضيين إلى جانب ما رافق ذلك من جرائم في أبوغريب، وما يحدث في اليمن من تدمير للبنية التحتية ومصادرة للثروات، وإرزهاق أرواح الأبرياء ومعظمهم من النساء والأطفال. نحن نتحدث عن إبادة قرابة خمسة آلاف طفل طفل في اليمنيين ومثلهم جرحى ومقعدين.

 ولعل ما صرح به الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عندما قال " إن قرار رجل واحد بشن غزو وحشي غير مبرر تمامًا على العراق".. هذا اعتراف، وليست زلة لسان، لكنه عاد بالقول  قبل أن يستدرك ضاحكاً  “أعني، أوكرانيا” ما جعله ينطق بوعي منه بما يعتقده فعلاً، وهو أن الحرب التي أعلنها على العراق بدعم حليفه توني بلير بدعوى خطر سلاح الدمار الشامل العراقي وعلى عكس إرادة الأمم المتحدة كانت حرباً ظالمة، وكانت جريمة بحق أكثر من جيل في العراق، وجريمة بحق شعوب المنطقة …والأكيد أن الجنائية الدولية التي أعلنت ملاحقة بوتين تتغاضى عن جرائم أمريكا، بل ما يهمها نقل أطفال من شرق أوكرانيا إلى المناطق الروسية، وهي مناطق تابعة لروسيا أعلنت انضمامها ديمقراطياً إلى الاتحاد الروسي، ومن هنا كان لزاماً على روسيا تحرير هذه المناطق وحماية السكان، وانقاذهم وأسرهم من المجازر التي ترتكبها القوات الأوكرانية بحق المدنيين في إقليم دنباس. كثير من القضايا الإنسانية في العالم، وخاصة في الشرق الأوسط وفي إفريقيا التي ترتكبها القوات الغربية، أو وكلاءها، لا تهم الجنائية الدولية، فقد سكتت عن المجازر التي لحقت بأطفال سوريا على مدى عقد كامل وأطفال اليمن و السودان وأطفال ليبيا، وأطفال فلسطين الذين يعدمون  بالرصاص يومياً في حوارة وجنين ونابلس والخليل .. فأين محكمة الجنايات الدولية من كل هذه الجرائم ؟

عندما تكون الجنائية الدولية تابعا سياسياً، لا أحد يثق بقراراتها، رغم حاجة العالم لمحكمة مستقلة، وعدا ذلك تبقى الجنائية الدولية، وبرغم اعترافها قبل عام بأن ما يحدث في فلسطين المحتلة من انتهاكات يقوم بها الكيان الصهيوني بحق أبناء فلسطين، لكنها لم تحرك ساكناً. ومع ذلك يبقى هناك حاجة للعالم لمحكمة جنائية مستقلة، بعيدا عن تدخل أمريكا والغرب في شؤونها، ووفق عدالة لا تقبل العمل لغايات سياسية لطرف ضد آخر، أو  المحاباة أو الانتصار لضحية دون أخرى...!

 

 

 

 

 

 

 

تابعونا الآن على :


 

مواضيع ذات صلة :

حليب الهناء