أبريل 20, 2024 - 14:17
لماذا يصر الغرب على عسكرة بحر الصين الجنوبي ..؟ 



عرب جورنال / أنس القباطي - 
تتصاعد الخلافات والتباينات بين الصين والولايات المتحدة الامريكية بشكل غير مسبوق،  ما ينذر بتازم الوضع بين البلدين إلى مستوى حرج، وتتضح حالة التأزم المتصاعدة من عسكرة بحر الصين الجنوبي، الذي باتت مياهه ساحة لقوات متعددة الجنسيات. 

تهديد باكستان

وأدى الصراع المتصاعد بين بكين وواشنطن الى ظهور حالة استقطاب في منطقة جنوب وشرق آسيا من كلا الطرفين،  بل ان الامر تعدى ذلك نحو استخدام التهديد ضد بعض الدول من قبل الولايات المتحدة، وكانت أخر التهديدات الامريكية ضد باكستان، وذلك بفرض عقوبات عليها في حال نفذت مشروع خط أنابيب غاز مع إيران،  كون ذلك المشروع سيؤدي إلى تدفق الغاز إلى الصين باريحية. فواشنطن ترى ان تدفق الغاز الإيراني إلى باكستان سيسهل وصوله إلى الصين،  في حال نشبت حرب بين الصين والغرب في بحر الصين الجنوبي، ما يعني ان الصين ستؤمن الحصول على جزء كبير من الطاقة بعيدا عن البحر الذي سيتحول إلى مسرح عمليات عسكرية. 

صراع مختلف

ويرى مراقبون ان نشوب حرب في بحر الصين الجنوبي لم يعد مستبعدا في حال استمر التازم بين بكين وواشنطن في حالة تصاعد، معتبرين ان الوضع في المنطقة مرشح للتصعيد،  ما يعني توسع الصراع القائم في البحر الأحمر نحو الشرق، منوهين إلى ان وقوع صدام في بحر الصين الجنوبي بين الصين والغرب لا يمكن تطويقه بسهولة، كونه مرتبط بمصالح تجارية متعددة ومعقدة لا يمكن عقد صفقة سياسية حولها في وقت قياسي. 

سفن الوقود

وفي حال نشب الصراع بين الصين والغرب في بحر الصين الجنوبي ستكون سفن الوقود اهداف عسكرية،  وابرزها سفن الغاز، كون ذلك سيؤدي إلى حصار الصين من الوقود،  وهو ما يفسر التهديد الامريكي لباكستان في حال التعاون مع إيران لانشاء انبوب لنقل الغاز بين البلدين،  كون هذا المشروع سيسهل حصول الصين على حاجتها من الغاز. ومن هناك فإن نشوب حرب في بحر الصين الجنوبي سيؤدي إلى خفض إمدادات الغاز المسال، إن لم تتوقف. 

مخاوف امريكية

تبدو مخاوف الولايات المتحدة كبيرة من نمو الصناعات المختلفة في الصين،  وهو ما تحدثت عنه وكالة بلومبرج الأمريكية، حيث أشارت إلى ان ازدهار التصنيع في الصين يؤدي إلى ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، ويمنع بنك الاحتياطي الفيدرالي من خفض أسعار الفائدة.  وهو ما يعني ان واشنطن بدأت ترى ان الصين باتت باب تأتي منه المشاكل للاقتصاد الأول في العالم. ومن هنا يمكن القول إن تصاعد الخلافات والتباينات بين واشنطن وبكين مرتبط بمدى حل المشاكل التي يعيشها الاقتصاد الأمريكي،  وبالتالي فإن العلاقة عسكية بين ازدهار الصناعات الصينية وظهور مشاكل اقتصادية في الولايات المتحدة.

ازمات الحرب الاوكرانية

ومنذ اندلاع الحرب الاوكرانية قبل أكثر من عامين زاد التضخم في الولايات المتحدة، حتى صار هذا الامر يقض مضاجع راسمي السياسة الامريكية، وبات البيت الابيض متخبط في وضع المعالجات، وبدلا من وضع حلول لجأ إلى توجيه التهم نحو الخارج، لكنه لم يتهم روسيا التي تخوض حربا مفتوحة في اوكرانيا، وإنما وجهت التهمة نحو الصين. وانطلاقا من ذلك بدأت واشنطن وحلفاؤها الغربيين بتوجيه اساطيلهم الحربية نحو بحر الصين الجنوبي للضغط على الصين، اعتقادا منهم ان التلويح باستخدام القوة سيجبر الصين على وقف توسع صناعاتها،  التي باتت منتجاتها تغزو الاسواق الغربية، خاصة بعد توالي الأزمات التي خلفتها الحرب الاوكرانية، حيث تجد المنتجات الصينية اقبالا من المواطن في الغرب بسبب رخصها قياسا بانخفاض مستوى دخل المواطن الذي تراجع بسبب الأزمات التي خلفتها الحرب الاوكرانية.

رضوخ طرف

قد لا يذهب تصاعد الخلافات بين الصين والغرب نحو المواجهة العسكرية المباشرة،  وإنما قد يكتفي الغرب بالعقوبات المشددة،  والتي ستقابلها عقوبات صينية مضادة،  لكن ذلك لن يوقف عسكرة بحر الصين الجنوبي، وبالتالي فإن استمرار البوارج الحربية وحاملات الطائرات وغيرها سيجعل التوتر مستمرا ومتصاعدا،  ولن يتوقف الا برضوخ أحد الطرفين.

لماذا بحر الصين الجنوبي..؟

يتجه الغرب لعسكرة بحر الصين الجنوبي كونه أهم الطرق البحرية في العالم للتبادل التجاري، فعن طريقه يعبر 18 مليون برميل من النفط يوميًا، ما يمثل 43% من تجارة النفط العالمية المنقولة بحرًا،  وأكثر من نصف هذا النفط يتجه إلى الصين، وربع آخر إلى اليابان وكوريا الجنوبية، وفضلا عن ذلك تمر عبره 30٪ من التجارة العالمية في المنتجات البترولية، وكل ذلك جعل الغرب يستخدمون هذا البحر للضغط على الصين، وبالتالي فإن ذلك يجعل الصراع العسكري محتملا بين الولايات المتحدة والصين. 

حجم استهلاك الكهرباء
تشعر الولايات المتحدة ان التراخي مع الصين لم يعد مجديا،  فالمصانع الصينية تتوسع كل عام اكثر من ذي قبل،  واستهلالها للوقود يتصاعد، وعدم تحجيم هذا التوسع سيجعل المنتجات الصينية تطغى على المنتجات الامريكية، بل والغربية بشكل عام. واذا ما قارنا فقط بين حجم إنتاج الكهرباء بين الصين والولايات المتحدة، حسب البيانات المتداولة، سنجد ان الحجم لم يتغير في الولايات المتحدة على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية على الإطلاق، وظل عند مستوى 4000 تيراواط/ساعة،  اما في الصين، فقد ارتفع إنتاج الكهرباء من 1000 تيراواط/ساعة إلى 10000 تيراواط/ساعة خلال نفس الفترة، ولما كان المستهلك الرئيسي للكهرباء هو الصناعة، فإن ذلك يضع أمام المتتبع مؤشر واضح لمدى توسع الصناعات الصينية، ونسبة الإمكانات الصناعية للبلدين.

سيارات الكهرباء

ومن جانب اخر سنجد أن مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة انخفضت بنسبة 7% في العام 2023 على الرغم من الدعم الحكومي، لأن المستهلك الامريكي بدا يشعر ان هذا النوع من السيارات تحتاج بطاريات تدوم لفترة أطول، وشبكات شحن أكثر موثوقية، ما يعد مؤشرا على حجم الازمة في الطاقة التي تشهدها الولايات المتحدة، كون استخدام حجم أكبر من الطاقة يحتاج لمال اكثر، وبالمقابل تطورت صناعة السيارات الكهربائية في الصين،  بسبب تطور الابتكار التكنولوجي المستمر ونظام سلسلة التوريد الراسخ والمنافسة الهادفة في السوق بدلاً من الإعانات، وادى ذلك التطوير إلى مساهمات ملموسة في الاستجابة العالمية لتغير المناخ، والتحول الأخضر لصناعة النقل. 

خيارات اخرى

ومع استمرار الغرب بقيادة الولايات المتحدة عسكرة بحر الصين الجنوبي، والدفع باتجاه تصعيد الازمة في تايوان، لا تبدي الصين استعدادا لتقديم حتى تنازلات بسيطة، ما يعني أن الغرب قد يتجهون نحو تصعيد العقوبات الاقتصادية ضد الصين،  حيث تبدو واشنطن متحمسة لذلك، وكذلك السعي نحو استقطاب الدول المجاورة للصين لتشكيل طوق حصار يحيط بالصين، لتشكيل مزيد من الضغوط عليها، واجبارها على الرضوخ، قبل ان تلجأ لاخر الخيارات والمتمثل باستخدام الخيار العسكري.

الصين خيار مفضل

ومع استمرار حالة الاستقطاب التي تشهدها دول جنوب شرق اسيا من قبل طرفي الصراع، أجرى مركز أبحاث آسيان، مقره سنغافورة، استطلاعًا حول الجانب الذي ستختاره دول جنوب شرق آسيا إذا كان هناك صراع بين الولايات المتحدة والصين وكان لا بد من الاختيار، وشارك في الاستطلاع أعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا، مع ما يقرب من 2000 مشارك من الأوساط الأكاديمية وقطاع الأعمال والحكومة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، وجاءت الأعداد الأكبر من سنغافورة وإندونيسيا، وخلص الاستطلاع إلى أن الصين، وليس الولايات المتحدة، هي الخيار المفضل إذا اضطرت دول جنوب شرق آسيا إلى الانضمام إلى صراع محتمل. ويرى مراقبون ان تفضيل تلك الدول للصين قد يدفع الغرب للخيار العسكري، خاصة الولايات المتحدة التي ترى الصين بوابة لمشاكلها الاقتصادية. يذكر أن هذا النوع من استطلاعات الرأي ظهرت لأول مرة في العام 2020، وهذه هي المرة الأولى التي ينخفض ​​فيها تصنيف الولايات المتحدة كخيار مفضل إلى 49.5% من 61.1% في العام الماضي، ما يعني ان الصين أصبحت الشريك الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية بأكثر من 50% لدى دول جنوب شرق اسيا.

الخلاصة

ومما سبق يمكن القول ان نشوب حرب في بحر الصين الجنوبي بين الغرب والصين اصبح امرا واردا في ظل تصاعد التأزم بين الطرفين، فالصين لم يعد في اجنداتها خيار التنازلات، في حين ان الغرب وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة باتت ترى أن استمرار وتيرة ازدهار الاقتصاد الصيني سيزيد من ازماتها الاقتصادية التي صارت تتوالد يوما عن آخر،  غير ان ذلك لا يعني ان باب الحلول الاخرى اغلق،  لكنه بحاجة للتخلي عن خيار الهيمنة الذي تنتهجه الولايات المتحدة.