أبريل 16, 2024 - 22:21
هل إدارة بايدن تتبنى مسارًا تصعيديًا، بدعم إسرائيل برد انتقامي آخر؟ 

 
أروى حنيش

بعد طول انتظار جاء الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف القنصلية الإيرانية بدمشق مطلع أبريل/نيسان الحاليّ، وراح ضحيته سبعة أشخاص من ضمنهم  اللواء محمد رضاء زاهدي، ورغم تمسك إيران بحقها في الرد، إلا أنها لم توضح حجمه وطبيعته، لكنها شنت خلال الأيام القليلة الماضية حربًا نفسية واسعة النطاق، وأكدت عبر تفاهمات غير مباشرة مع الجانب الأمريكي، أنها لا تريد التصعيد، وأن ردها سيأتي في سياق يراعي عدم التصعيد بحرب إقليمية بالمنطقة.
استخدمت إيران في عملية الرد على الهجوم الإسرائيلي أعدادًا كبيرة من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية في  استهداف العمق الإسرائيلي. ورغم غياب البيانات الدقيقة عن حجم الدمار الذي خلفه الرد الإيراني، وهو ما تتستر عليه إسرائيل، فإن الخطوة الإيرانية مثلت تحولًا مهمًا في قواعد الاشتباك مع "إسرائيل"، إذ إنها المرة الأولى التي تهاجم فيها إيران "إسرائيل" مباشرة، عبر ما أسماه بيان الحرس الثوري "الرد المركب"، لهجمات المقاومة في المنطقة على إسرائيل. 

 الرد الإيراني

ركز الرد الإيراني على استهداف المنشآت العسكرية الإسرائيلية في الجولان وصحراء النقب وإيلات، دون التركيز على إيقاع إصابات مدنية، وهو توجه يعكس حرص إيران على حرمان "إسرائيل" فرصة الحديث عن الجانب الإنساني لهذا الهجوم، والأكثر من ذلك أن إيران وعبر تأكيدها على انتهاء الهجوم في بيان أصدرته البعثة الإيرانية بالأمم المتحدة، حاولت قطع الطريق على الولايات المتحدة وبريطانيا لاستثمار هذا الوضع لتوسيع الضغط عليها، خصوصًا أنهما انخرطا بشكل مبكر في عملية إسقاط العديد من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة عبر قواتهما الجوية قبل أن تصل إلى الأراضي المحتلة.

دعم ممزوج بعدم التصعيد


مع تبلور مؤشرات الانتقام الإيراني للرد على إسرائيل، سارعت الولايات المتحدة إلى تقديم تأكيدات متكررة بشأن دعم إسرائيل وحماية أمنها، لكن يظل الملمح البارز في هذه التصريحات هو الإشارة إلى عدم الرغبة في الدخول في صراع مع إيران أو اتجاه المشهد نحو المزيد من التصعيد.
أدان الرئيس الأمريكي  "جو بايدن" في بيانه المنشور على موقع البيت الأبيض الهجوم الإيراني غير المسبوق، موضحًا أنه أصدر توجيهات بقيام الجيش الأمريكي بنقل طائرات ومدمرات للدفاع الصاروخي الباليستي إلى المنطقة على مدار الأيام الماضية، مضيفًا أنه بفضل عمليات الانتشار هذه تم مساعدة إسرائيل في إسقاط جميع الطائرات بدون طيار والصواريخ تقريبًا". وأشار إلى أنه تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، مؤكدًا التزام واشنطن الصارم بأمن إسرائيل، ومشيدًا بالقدرات الدفاعية الإسرائيلية التي حملت رسالة واضحة مفادها عدم قدرة الخصوم على تهديد أمن إسرائيل. ولفت أيضًا إلى اجتماعه مع زعماء مجموعة السبع من أجل تنسيق "رد دبلوماسي موحد"، وكذا استمرار فريق إدارته في التفاعل مع نظرائهم بالمنطقة".
من جانبه، أكد وزير الخارجية "أنتوني بلينكن" إدانة واشنطن للهجوم الإيراني على إسرائيل، موضحًا أنه على الرغم من عدم دعم الولايات المتحدة لمزيد من التصعيد، إلا أنها ستواصل دعم الدفاع الإسرائيلي.
كما تحدث وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مع نظيره الإسرائيلي جالانت وتأكيده الدعم الأمريكي القوي للدفاع عن إسرائيل، مشيدًا بالإجراءات الدفاعية غير العادية والتعاون القوي بين البلدين، وأدان في بيان  الهجمات التي وصفها "بالمتهورة وغير المسبوقة" التي تشنها إيران، داعيًا إيران إلى الوقف الفوري لأي هجمات أخرى، بما في ذلك تلك التي تشنها قواتها بالوكالة، وتهدئة التوترات. لافتًا إلى أن واشنطن لا تسعى إلى الدخول في صراع مع طهران، لكنها لن تتردد في العمل لحماية قواتها ودعم الدفاع عن إسرائيل"
 مواقف الولايات المتحدة تكاد تكون متناقضة، بين تصريحات الساسة وما يقوله المشرعون في الكونجرس، ويبدو أن واشنطن لها حسابات أخرى، ترى بأن استثمار هذا التصعيد، يحقق لها مكاسب سياسية، وإعادة ثقتها بالمنطقة والعالم، بعد نكوصها في مواقفها الدعمة لإسرائيل في ارتكاب جرائم إنسانية مريعة بحق الشعب الفلسطيني بقطاع غزة.

دعم الكونجرس الأمريكي 

يقوم مجلس النواب الأمريكي بتغيير جدول أعماله للأسبوع المقبل للنظر في تشريع يدعم إسرائيل في أعقاب شن إيران هجماتها على القواعد الإسرائيلية. زعيم الأغلبية بمجلس النواب"ستيف سكاليز" يقول في بيان إن مجلس النواب "سينتقل من جدوله التشريعي المعلن عنه مسبقًا الأسبوع المقبل، لينظر بدلًا من أوكرانيا في تشريع يدعم حليفتنا إسرائيل ويحاسب إيران ووكلاءها الإرهابيين". مضيفًا أن مجلس النواب "يقف بقوة إلى جانب إسرائيل، ويجب أن تكون هناك عواقب لهذا الهجوم غير المبرر". ومن جهته، يقول رئيس مجلس النواب "مايك جونسون" في بيان إنه "سيواصل التواصل مع البيت الأبيض للإصرار على الرد المناسب" على الهجوم. كما دعا النائب الجمهوري "مايك لولر" رئيس مجلس النواب إلى "تقديم حزمة تكميلية من المساعدات لإسرائيل من أجل دعمها في وقت حاجتها". ووصف النائب الديمقراطي "ريتشي توريس" إيران بأنها "القوة المنفردة الأكثر زعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط". بينما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك، حيث دعت السيناتور الجمهورية "مارشا بلاكبيرن" الرئيس بايدن إلى "شن ضربات انتقامية عدوانية على إيران".

توظيف الجانب الديني 

يحاول الساسة الأمريكيون توظيف الغلاف الديني بالدعم الأمريكي لإسرائيل، إذ لم يتوقف التعامل مع مشهد التصعيد الجاري في منطقة الشرق الأوسط عند حدود الحديث بشأن المصالح السياسية والاقتصادية، وإنما يكمن الخطر الحقيقي في الغلاف الديني الذي يتم اقحامه على المشهد بطريقة تفرض صعوبات ومعضلات يصعب التعامل معها وتفكيكها، بل وتدفع الأطراف صوب مزيد من التصعيد بالاستناد إلى الرؤى الدينية المتعلقة بنبوءات نهاية الزمان.
وفي مقابلة مع الاخبار "نيوز الاسرائيلية"، قالت ميشيل باخمان، العضوة السابقة بالكونجرس والتي ترأست عددًا من الوفود الإيفانجيليكية للمنطقة – إن الهجوم الإيراني المباشر على إسرائيل من شأنه أن يؤدي إلى عواقب كارثية على الجمهورية الإسلامية. موضحة أن "أغلبية الأمريكيين يؤمنون بإله الكتاب المقدس"، "صلواتنا تدعم استمرار الدولة اليهودية وسلامة وأمن جميع الإسرائيليين والعودة الفورية للرهائن". مشيرة إلى أن "أي هجوم إيراني ضد إسرائيل سيؤدي على الفور إلى قيام العملاق الأمريكي بالرد لمساعدة حليفنا الإسرائيلي". مضيفة أن إيران تحتاج إلى إدراك أن غالبية أعضاء الكونجرس الأمريكي والشعب الأمريكي يدعمون إسرائيل، وأي هجوم ضد إسرائيل سيقابل برد شامل ستندم عليه إيران".
وفي ذات السياق، قال القسيسين "داني هويل" وابنه "ستيفن هويل" إنه "لا يمكنك أن تكون مسيحيًا وتشاهد أمة إسرائيل تمر بما تمر به، ثم تجلس ولا تفعل أي شيء على الإطلاق". أكد "ستيفين" أن الوقوف مع إسرائيل ينبع من كونها "قضية كتابية"، فيما شدد والده "داني" قائلًا "نحن على حافة المجيء".  وبناء على ذلك يخطط المئات من القساوسة وقادة المجتمع المسيحي المرتبطين بمنظمة المسيحيين المتحدين من أجل إسرائيل لرحلة جوية طارئة إلى واشنطن للضغط على رئيس مجلس النواب "مايك جونسون" لمزيد من الدعم المقدم لإسرائيل، وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست". 

مأزق إدارة بايدن


في ضوء مشهد التصعيد الجاري في المنطقة يتضح أن الإدارة الأمريكية تشهد مأزقًا حقيقيًا في عام الانتخابات الرئاسية. وتعود أسباب هذا المأزق إلى أن إدارة بايدن سعت منذ يومها الأول في الحكم إلى الانقضاض على إرث الرئيس السابق دونالد ترامب فيما يتعلق بالتعامل مع إيران، وانتهجت في سبيل ذلك سياسة أكثر مهادنة ارتكزت بشكل أساسي على إعادة تحفيز المسار الدبلوماسي والتوصل لاتفاق مع طهران. وهو الأمر الذي نجم عنه في النهاية اتهام بعض الرموز الجمهورية لإدارة بايدن بأنها كانت السبب في وقوع هجمات "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي.
ويأتي في مقدمتهم الرئيس السابق والمرشح الجمهوري ترامب الذي قال في حديثه، بتجمع حاشد بولاية بنسلفانيا، إن هجوم حماس في 7 أكتوبر والهجمات الجوية الإيرانية على إسرائيل "لم تكن لتحدث لو كنت في المنصب"، وانتقد ما قال إنه "ضعف" الرئيس بايدن في الخارج. كما تفاخر بسجله في هذا الملف، مؤكدًا أنه حارب من أجل إسرائيل، كما لم يفعل أي رئيس من قبل، واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى تل أبيب، كما دعم مسار اتفاقيات إبراهام التاريخية، التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين.
واستنادًا إلى ذلك، يتضح أن إدارة بايدن تواجه مجموعة من الضغوط التي تدفعها صوب تبني مسارًا تصعيديًا، يأتي في مقدمتها محاولة أن تنفي عن نفسها التهمة الخاصة بكون سياستها هي السبب الرئيس بزعزعة أمن استقرار منطقة الشرق الأوسط. فضلًا عن تعالي بعض الدعوات الداخلية التي تطالب برد أمريكي انتقامي داخل إيران، أو مساعدة إسرائيل على القيام بمثل هذه الضربة الانتقامية.
إلا أنه على النقيض من ذلك، تدرك الإدارة الأمريكية خطورة التصعيد وعدم الاستقرار بالمنطقة، كونه سيؤدي إلى عواقب وتداعيات مركبة لن تقف عند حدود المنطقة فقط، وإنما ستصل إلى الساحة الدولية، وهو ما سيفرض مزيد من التكاليف على واشنطن.
كشف تقرير لشبكة “ان بي سي "عن مخاوف لدى كبار المسؤولين الأمريكيين من أن إسرائيل قد تتصرف بشكل متهور في أعقاب الهجوم الإيراني دون النظر إلى التداعيات. وأضاف التقرير أن مخاوف البيت الأبيض تنبع من الطريقة التي أدارت بها إسرائيل عدوانها على غزة.
وأفاد موقع "أكسيوس"، بأن الرئيس بايدن، أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي، خلال مكالمة هاتفية، أن واشنطن لن تدعم أي هجوم مضاد إسرائيلي ضد إيران، حسبما صرح مسؤول بالبيت الأبيض للموقع. وأضاف الموقع موضحًا أن بايدن وكبار مستشاريه يشعرون "بقلق بالغ" من أن الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني سيؤدي إلى حرب إقليمية "ذات عواقب كارثية".
إلا أن إسرائيل لن تنفذ أي هجوم دون أن تكون واشنطن على علم بذلك، بل وعلى التخطيط والإشراف لأي عملية عسكري تقوم بها إسرائيل للرد على الهجوم الإيراني. وهناك إدراك أمريكي قوي لخطورة التصعيد في المنطقة، وبالتالي فمن المرجح أن تتجه واشنطن لتقديم أقصى دعم ممكن لإسرائيل مع العمل على الحصول على تعهدات إسرائيلية من شأنها تجنب المجازفات والتحركات الخطرة. وبالتوازي مع ذلك، ستسعى واشنطن لتحقيق رؤيتها لأقصى تضييق على طهران، فيما يخص برنامجها النووي، وتحجيم نشاطها النووي وقدراتها التسليحية والصاروخية، وستقوم في سبيل ذلك بقيادة حملة عزلة دبلوماسية قوية من شأنها تضييق الخناق على إيران. لكن يظل التعامل الأمريكي مع المشهد مرتهن بتحركات طرفي المشهد الرئيسين، ورغبتهما في الاتجاه نحو التهدئة أو القيام بمزيد من التصعيد.

 عنصر المفاجأة

عنصر المفاجأة يمثل العنصر الحاسم في المعارك إلا أن إيران لم تستخدم هذا العنصر فقد كانت عملياتها معلنة، واستخدمت مسيرات تقطع مسافات طويلة كي تصل إلى الأهداف المحددة، يمثل علامة استفهام كبيرة تقف حول الغاية من رد عسكري غير مجدٍ أو مؤثر في مسرح العمليات، فرغم امتلاكها ترسانة متطورة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، فضلت استخدام تقنيات عسكرية من الجيل الثاني التي تحتاج إلى فترة طويلة كي تصل إلى حدود الأراضي المحتلة.
كما أن القوة التفجيرية للأسلحة التي استخدمتها إيران، تأتي في سياق حرصها على تحقيق أهداف سياسية، دون التأكيد على إصابات عسكرية واسعة النطاق، وهو توجه يبدو واضحًا من خلال الإعلان المبكر عن الهجوم، وإبلاغ دول المنطقة به، عبر اتصالات أجراها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مع نظرائه في المنطقة، من أجل قطع الطريق على أي أخطاء قد تحدث، كما حصل في أثناء عملية الرد على اغتيال قائد قوة القدس السابق قاسم سليماني.
تدرك إيران أهمية عدم السماح لـ"إسرائيل" بتوظيف عملية الرد في سياق حربها على غزة، أو حتى في إمكانية أن يستغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الرد، في إعادة الثقه به في الداخل الإسرائيلي، خصوصًا أنه يواجه ضغوطًا كبيرةً، وبالأخص من اليسار الإسرائيلي الذي يطالب بوقف الحرب في غزة، والبدء بمسار سياسي ينتهي بإطلاق سراح الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، مع ضرورة التأكيد بأن نتنياهو سبق وأن هدد إيران برد قاسٍ في حالة الهجوم على إسرائيل.

وخلاصة القول إن الرد الانتقامي الإيراني على الهجوم الإسرائيلي في استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، ومقتل عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني، جاء الرد المعلن من داخل ايران، وكانت القيادة العسكرية الإيرانية واضحة في تبنيه، ولو أنها اعتبرته محدودًا. وهذا تطور لافت جدًا في عملية المواجهة بين إيران وإسرائيل، وهذا ويعني أن سياسة إيران لم تعتمد على حلفائها في المنطقة فقد وضعوا جانبًا، لأن الأمر يخص استهداف قنصليتها، وهو ما يعني استهداف الأراضي الإيرانية. الأمر الثاني هو اعتراف إسرائيل بالتنسيق الجيد الذي اتسمت به تلك الضربة وكثافتها، بعض التقديرات الإسرائيلية قالت إن عدد الصواريخ والمسيرات قد تجاوز الثلاثمائة. ويبدو أن القيادة العسكرية الإيرانية قد استخدمت مسيرات وصواريخ من أنواع مختلفة بعضها بسيط والبعض الآخر متطور نسبيًا. فالهدف الرئيس في الرد ضرب القاعدة الجوية في النقب، وقاعدة نيفاتيم وموقع استخباري في الجولان، وانها نجحت بذلك باعتراف الإعلام الصهيوني. الأمر الثالث هو أن ايران أبقت الباب مفتوحا أمام تكرار مثل هذه العملية عندما أعلنت بأن أي رد من إسرائيل أو الولايات المتحدة سيقابل برد فعل إيراني أكبر. الأمر الواضح هو أن إسرائيل ظهرت بالدولة الهزيلة، وجيشها الضعيف، وترسانتها التي تبجحت بها كثيرًا، بينما لم تستطع صد صواريخ المقاومة الفلسطينية، وصواريخ حزب الله، لذلك  احتاجت لدعم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا للتصدي لهذا الهجوم، الأمر الذي يكشف مرة أخرى ضعف القدرات العسكرية الإسرائيلية. لكن في المقابل قد يضع التصعيد الإسرائيلي الغربي   المنطقة على حرب إقليمية متوقعة، وذلك لعدة أسباب، أهمها أن من يعرف طبيعة نتنياهو وأعضاء حكومة الحرب المصغرة، وطبيعة الوزراء المتطرفين في الحكومة يدرك جيدًا أن إسرائيل سترد على هذه الهجمة بهجمة مقابلة، وسوف ترد إيران بهجمة أوسع كما أعلنت ذلك، أي ضربة بضربة وقد يتطور الأمر إلى حرب شاملة. طلبات الرئيس الامريكي وإدارته من إسرائيل أن لا يرد، لا يعول عليها، ولا يجب أن تنخدع بها إيران  بدعوى أن الضربة الإيرانية قد فشلت في تحقيق أية نجاحات. الموقف الأمريكي محكوم بأمرين الأول الخشية من اتساع رقعة الصراع في الوقت الحاضر خشية دخول أطراف أخرى في المنطقة مما قد يؤدي استهداف مصالحها في حالة اشتراكها في الحرب. والجانب الآخر هو أن من له علم بسياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية يدرك جيدًا أنها تعتبر الانتقام هو أساس سلوكها، وهي تعتبر السكوت هو حالة ضعف، لذلك فهي تعتزم الرد بقوة مفرطة ليبقي صورتها كقوة مؤثرة، وهي تتناسى أن الضربة التي وجهتها لها المقاومة في غزة يوم 7 اكتوبر، وصمودها الأسطوري لحد هذا اليوم أثبت فشل كل استراتيجيات (الغطرسة) الإسرائيلية التي اعتمدتها حكومات الاحتلال منذ بداية الاحتلال في عام 1948 ولحد اليوم، وأن أي رد فعل سيُصعِّد من احتمالية توسع المواجهة وحدتها.
من ناحية أخرى أن ما يزيد من خطر التصعيد هو العودة إلى رغبة حكومة الاحتلال في استهداف البرنامج النووي الإيراني،
وواشنطن ولندن وباريس يشتركون في هذا الهدف.
لكن المشكلة الأكبر في تفكير قادة الاحتلال الاسرائيلي تبقى هي أنهم وحتى اللحظة لم يستطيعوا إدراك أن جيشهم وسياستهم قد هزمت في غزة، وفي فلسطين وفي المنطقة، وأن سمعة كيانهم قد وصلت إلى الحضيض حول العالم، وأن كل جرائم الابادة التي يقومون بها لن تغير من واقع الأمر شيئًا، وأن الحل الوحيد أمامهم هو الاعتراف بهذه الهزيمة والإنسحاب من غزة والعمل على الإقرار بالحقوق الفلسطينية.