مارس 26, 2024 - 21:51
التوسع الهندي في القواعد العسكرية في المحيطين الهندي والهادئ.. هل الهند شريكة لأمريكا في مواجهة الصين ؟


توفيق سلاّم

يتزايد قلق الولايات المتحدة من تنامي قوة روسيا والصين، اقتصادياً وعسكرياً وتقنيًا، على نحو يجعلهما قادرتين على مواجهة الهيمنة الأمريكية والأوروبية، وخصوصاً مع تنمية موسكو وبكين تحالفاتهما السياسية والاقتصادية عبر منظمتي شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس، اللتان تشكلان منصتين لإقامة نسق علاقات دولية بديلة لسياسة الهيمنة الإمبريالية على العلاقات الدولية، التي ترسخت عقب الحرب العالمية الثانية، وزاد استفحالها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وسيادة سياسة القطب الواحد التي فجرت الحروب والصراعات، ونشرت الفوضى والاضطرابات والأزمات الاقتصادية ما جعل العالم مهدد بعدم الاستقرار في ظل هذا الاهتراء، وتوسع حلف الأطلسي لضم مناطق جديدة للحلف في شرق أوروبا، كانت سابقًا تتبع الاتحاد السوفيتي، ثم ذهبت أمريكا، لإعادة عسكرة البلدان والمحيطات والبحار، وأوجدت حالة من الهوة والفراغ بعدم التوازن الاستراتيجي في ميزان القوة العسكرية التي طغت فيها القوة الغربية للهيمنة على الدول والتحكم في مصيرها، ليصبح العالم رهينة هذا الطغيان، وجبروت التوحش الاستعماري في استبداد وقهر الشعوب وامتهانها وتحقيرها، ونهب ثرواتها وتخريب قيمها الدينية والأخلاقية والثقافية، لتبقى المصالح الأمريكية- الغربية فوق كل اعتبار. 


توسع هندي في القواعد العسكرية 

كانت البحرية الهندية قد افتتحت في6 آذار/مارس الجاري قاعدة بحرية جديدة في جزيرة "مينيكوي" جنوب غربي البلاد كبديل لوجودها العسكري الذي استمر سنوات في جزر المالديف التي دعت قيادتها المنتخبة حديثاً نيودلهي إلى سحب كل عناصرها من هناك. حقيقة الأمر أن هذه الخطوة -وإن لم تكن مفاجئة بالنظر إلى سياقات الصراع المكتوم بين الهند والصين على النفوذ في جزر المالديف- ألقت بظلالها بشكل أكبر على استراتيجية هندية تسعى منذ سنوات إلى إنشاء قواعد بحرية خارج حدودها.
هذه الاستراتيجية تمثل رداً هندياً على النشاط المتصاعد للبحرية الصينية، وخصوصاً الغواصات، في مياه المحيط الهندي، وهو النشاط الذي يمثل قلقاً مستمراً لنيودلهي، لا سيما وأن البحرية الصينية باتت  أكثر تطورًا، وتمتلك -حالياً- أكبر أسطول غواصات في منطقة جنوب آسيا. ومع ذلك فإن التركيز الصيني-حتى الآن- مازال منصباً على بحر الصين الجنوبي، وقد أثارت زيارات الغواصات الصينية للموانئ الباكستانية والسريلانكية خلال السنوات الأخيرة حفيظة نيودلهي ومخاوفها. فدخول الغواصات الصينية إلى المحيط الهندي عبر مضيق "ملقا"، وإن كان معلناً وواضحاً للعيان، لكنه لا ينفي إمتلاك الغواصات الصينية إمكانية دخول هذا المحيط من خلال ممرات بحرية بعيدة عن المراقبة الهندية، مثل مضيق "سوندا" الذي يقع غرب العاصمة الإندونيسية جاكرتا، أو مضيق "لومبوك" قرب جزيرة بالي الإندونيسية.
هذا بالإضافة إلى الإمكانات اللوجستية لدى الصين، وتستطيع الاستفادة منها في حالة عبور قطعها البحرية إلى المحيط الهندي، ولديها القدرة على إعادة تسليح وتموين قطعها البحرية باستخدام الموانئ والمرتكزات البحرية التابعة لها في نطاق المحيط الهندي وبحر العرب، وهو ما تسبب في إثارة مخاوف أمنية واقتصادية للهند خلال السنوات الأخيرة.
ومازالت الولايات المتحدة تتشبث بسياسة التحالفات العسكرية، حيث سمحت للبلدان ( ألمانيا، كوريا الجنوبية، اليابان) برصد ميزانيات باهضة لبناء قدراتها العسكرية الصاروخية والنووية، وإبرام الاتفاقيات معها، ونشر القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها، لكسر معادلة تفوق خصومها، من خلال إشعال الحروب، كما حدث في أوكرانيا ضد روسيا، والحال نفسه يتكرر في تايوان التي يتم ضخ الأسلحة الهجومية إليها، وإعداد مسرحها لمواجهة الصين الشعبية.

خطط تطويق الصين 

خطط واشنطن لتطويق الصين من جهة الشرق تبدو قائمة، لمنعها أو حتى عرقلتها من الوصول إلى طرق الملاحة البحرية في شرق آسيا، وهو الأمر الذي يفسر علاقات التحالف القوي الذي تنسجه واشنطن مع طوكيو وسيؤول وتايبة وجاكرتا وكوالالمبور.
في تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية، تقول فيه إن :"القوة العسكرية الصينية هي القوة المنافسة الوحيدة، للولايات المتحدة، والتي لديها النية والقدرة على تغيير النظام العالمي الذي تهيمن عليه واشنطن حالياً. لذلك  فإن مساعي أمريكا هو إشغال خصميها على جبهتين متوازيتين  الأولى، تطويق روسيا من اتجاهات متعددة، ومحاولة استنزافها في الحرب مع أوكرانيا الساخنة، وفي سوريا، اللتين تُعَدّان ساحتين مهمتين بالنسبة للأمن القومي الروسي.
وثانيًا، وبالتوازي مع ذلك، تعمل على محاولة تطويق الصين من جهة الشرق، لمنعها من الوصول إلى طرق الملاحة البحرية في شرق آسيا، ومنع أو تقليص حجم العلاقات التجارية مع دول شرق آسيا، وتشكيل منطقة عازلة بين بكين وطرق الملاحة في المحيط الهادئ. كما يفسر إصرار واشنطن على تأكيد حضورها العسكري في منطقة جنوب بحر الصين للسيطرة على مضيق "ملقا" الواصل بين المحيط الهندي من جهة والمحيط الهادئ من جهة أخرى، في مسعى لتقطيع أوصال مبادرة "الحزام والطريق"  الصيني الذي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ للتواصل التجاري مع غرب أوراسيا قبل عقد من الزمن. 

إنشاء تحالف أوكوس

لتعزيز مساعيها لمحاصرة الصين بحرياً، انشأت الولايات المتحدة تحالف "أوكوس"، الذي يشكل شراكة أمنية ثلاثية الأطراف لمنطقتي المحيطين الهندي والهادئ بين أستراليا وبريطانيا وأمريكا. وتضمنت هذه الشراكة، التي تم الإعلان عنها في 15 أيلول/سبتمبر 2021، لمساعدة أمريكا وبريطانيا لأستراليا على الحصول على غواصات نووية تعمل بالطاقة النووية. وتشمل الشراكة أيضاً التعاون في الآليات السيبرانية المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والتقنيات الكمية، والقدرات تحت سطح البحر، والحرب الإلكترونية، والابتكار، وتبادل المعلومات. وفي المجمل يرتكز التحالف على تعزيز القدرات العسكرية للحلف، بالإضافة إلى تبادل المعلومات المسمى العيون الخمسة، "فايف آيز"، وضم أيضاً نيوزيلندا وكندا مؤخرًا، بهدف احتواء الصين استخبارياً. ووصف المركز الدولي للدفاع والأمن بأن تحالف "أوكوس"، "يشكل رداً قوياً مرتبطاً بتفعيل المبادرة العسكرية الغربية في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ، لأن المجموعات المؤسسية الأكبر لا تعمل بهدف مشترك، وبالسرعة التي تتمتع بها البيئة الاستراتيجية والتكنولوجية الحالية". 
ووصفت سفيرة الولايات المتحدة لدى أستراليا، كارولين كينيدي، الشراكة بأنها "شراكة أكبر وأعمق" بين البلدين، وقالت إنها ستوفر "كثيراً من الردع" في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ. بينما تقول  الصين إن الشراكة تهدد بـ"الإضرار بشدة بالسلام الإقليمي". وعلى الرغم من ذلك، فإنه يبدو أن الولايات المتحدة لا تشعر بأنها قادرة عبر هذه التحالفات على الوقوف أمام صعود الصين في منطقتي الهادئ والهندي. كذلك، فإن الحضور العسكري الأمريكي في قاعدة "ديغو غارسيا" في المحيط الهندي وجزيرة "غوام"، بالإضافة إلى عدد كبير من القواعد العسكرية الرديفة، لا يبدو أنها قادرة على مواجهة استراتيجية عقد اللؤلؤ التي تعتمدها الصين لإقامة قواعد عسكرية لها في جنوب بحر الصين والمحيط الهندي. فالتقارير العسكرية تفيد بتنامي القوتين الصينية والروسية من الناحيتين الكمية والنوعية على نحو يهدد التفوق الأمريكي والتفوق الغربي في المحيطين الهندي والهادئ. 


تكثيف الاستعدادات

أعلن مسؤول عسكري أسترالي رفيع المستوى أنه يتعين على الولايات المتحدة وأستراليا تعزيز شراكتهما الصناعية وتكثيف الاستعدادات العسكرية في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة ما عده سلوك الصين العدواني المتزايد في بحر الصين الجنوبي.
وأطلق نائب وزير الاستراتيجية والسياسة والصناعة الأسترالي هيو جيفري هذا التحذير في خطاب له في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن. وأشاد جيفري بالمسؤولين العسكريين الأمريكيين بسبب اعترافهم بأن البنية التحتية العسكرية الأمريكية، التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة، غير قادرة على مواجهة التحديات الجيوسياسية الراهنة، مؤكداً ضرورة العمل على تحديثها. 
وأشار جيفري إلى أن روسيا والصين تتفوقان على الولايات المتحدة وحلفائها عسكرياً، مشجعاً إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على العمل مع أستراليا لمواجهة ما عده المخاطر الإقليمية في شرق آسيا وتفعيل تحالف "أوكوس".

تقارب أمريكي هندي 

بناءً على ما تقدَّم، فإن الولايات المتحدة بدأت تسعى لتوسيع نطاق تحالفاتها العالمية خارج نطاق الدول الغربية،  وتحديداً مع الهند لمواجهة الصين. وتراهن واشنطن على الحساسية الهندية تجاه الصين بنتيجة سعي حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي المتعصب لتأكيد حضور الهند في منطقة "التيبت" ذات الإرث الديني المهم للهندوس، وهو ما من شأنه زعزعة الاستقرار في إقليم التيبت الصيني.
كذلك، فإن الهند تتنافس في النفوذ مع الصين في جنوب آسيا. هذا جعل  نيودلهي تدخل في شراكة أمنية مع الولايات المتحدة و"إسرائيل" والإمارات العربية المتحدة، كما جعلها تدخل في شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة وأوروبا و"إسرائيل" عبر إقامة الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي.
ومن شأن الممر ان يشكل بديلاً ومعرقلاً لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية. وهو ممر بري ينطلق من شرق الصين عبر وسط آسيا، ومن ثم إلى إيران ومنها إلى المشرق فأوروبا. 
أما الخط البحري فينطلق من جنوب شرق الصين عبر جنوب بحر الصين إلى الهند، وسلطنة عمان واليمن وإلى مصر، قبل أن يصب في شرق المتوسط.  
لذلك تعتبر الولايات المتحدة الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي، أيضًا بديلاً للطريق الشمالي الجنوبي الروسي الذي ينطلق من روسيا ويعبر عبر أذربيجان وإيران في اتجاه المحيط الهندي. ويهدف الممر، من وجهة نظر واشنطن، إلى عرقلة العلاقات الخليجية مع الصين وروسيا وعزل مصر وإيران وتركيا التي تتقارب مع روسيا.
وعلى الرغم من أن الهند عضو في منظمتي شنغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس، فإن هنالك أسباباً تدعو الهند إلى عقد تحالفات مع الولايات المتحدة ومع أوروبا لموازنة النفوذ الصيني داخل المنظمتين شنغهاي وبريكس. 
ووفقاً للبنك الدولي، فإن الناتج المحلي القائم للهند هو 3.4 تريليونات دولار أمريكي، في مقابل 18 تريليون دولار للصين. وتُعَد الهند منطقة جنوب آسيا مجال نفوذ لها. لذا، فهي تنظر إلى الشراكات الصينية مع دول غرب حوض المتوسط على أنها تهديد لمصالحها.
الجدير ذكره أن طريق الحرير البحري الصيني يتكون من سلسلة من منشآت الموانئ التي بنتها الصين وتمتد غرباً إلى جنوب شرق آسيا.
ومع وجود موانئ تدعمها الصين في ميانمار وبنغلاديش على الجانب الشرقي للهند، وفي سريلانكا على الجانب الجنوبي للهند، وفي باكستان على الجانب الغربي، فهذا يجعل بعض القادة في نيودلهي ينظرون إلى طريق الحرير البحري الصيني مشروعاً يؤدي إلى التطويق البحري للهند. 

أخذ مسافة من روسيا 

في هذا الإطار، بدأت نيودلهي تبتعد بالتدريج عن حليفتها التقليدية موسكو، وانعكس ذلك على عقود النفط بينهما في محاولة من الهند لإرضاء الحليفة الجديدة واشنطن. فبعد أربعة أشهر من رفض الحكومة الهندية مطالب شركات النفط الروسية بدفع ثمن صادرات النفط الخام الروسية باليوان الصيني، يبدو أن الهند تأمل الآن التوصل إلى ترتيب مماثل مع مصدري النفط الخام في الخليج. وأفادت "بلومبرغ" بأن بنك الاحتياطي الهندي طلب من شركات التكرير الكبرى المملوكة للدولة في البلاد الضغط على الموردين في الخليج العربي لقبول ما لا يقل عن 10% من مدفوعات النفط بالروبية في السنة المالية المقبلة، بحسب ما قال ثلاثة مديرين تنفيذيين في شركات المعالجة.
ويشعر بنك الاحتياطي الهندي بالقلق من أن الطلب المتزايد على الطاقة في البلاد سوف يضعف الروبية، وهو الأمر الذي كان اتجاهاً عاماً على مدى العامين الماضيين. وهناك نخب هندية ترى بأنه" يجب على مصافي التكرير الهندية بيع الروبية لشراء الدولار الأمريكي لتسوية مدفوعات الطلب الكبير المتزايد على النفط الخام". 
ويشير مسؤولون تنفيذيون، استعانت بهم "بلومبرغ"، إلى أن الهند تريد الاستفادة من نمو الاستهلاك لمصلحتها، من خلال ترويج العملة الهندية في التجارة الدولية وخفض الاعتماد على الدولار. 
ويرى هؤلاء التنفيذيون أن شركات التكرير الثلاث - شركة النفط الهندية، وشركة بهارات بتروليوم، وشركة هندوستان بتروليوم - اتصلت بالفعل بمصدري النفط بشأن هذه المسألة، لكن الموردين يتراجعون بسبب مخاطر العملة ورسوم التحويل. وسبق أن دفعت شركة النفط الهندية جزئياً إلى شركة بترول أبو ظبي الوطنية في مقابل شحنة مليون برميل من النفط الخام بالروبية في آب/أغسطس الماضي. كما استخدمت شركات التكرير في البلاد عملات أخرى، بما في ذلك الدرهم الإماراتي، لدفع ثمن الخام الروسي. 
وأتى القرار الهندي بعد صدور تقرير روسي يفيد بأن مجموعة بريكس ستعمل على إنشاء نظام دفع يعتمد على "بلوكتشين" والتقنيات الرقمية، الأمر الذي يلقي ظلالاً من الشك بشأن القرار الهندي. وكان مساعد الرئيس الروسي يوري اوتشاكوف أعلن أن إنشاء نظام دفع مستقل لدول بريكس هو هدف مهم للمستقبل، سيعتمد على أحدث الأدوات مثل التقنيات الرقمية. 
وبحسب التقرير، فإن هذا الجهد هو جزء من مهمة محددة لهذا العام لزيادة دور بريكس في النظام النقدي الدولي. وتبذل مجموعة بريكس جهوداً لتقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي.