سبتمبر 23, 2021 - 23:21
السودان بين فكَّي انقلاب وانتفاضة !!
عرب جورنال

في هذه المرَّة استدعت عودتنا محاولة انقلابية فاشلة. تناقلت أخبارها وكالات أنباء عالمية ووسائل إعلام مشهورة، منذ صباح الباكر ليوم الثلاثاء الماضي الـ 21 من سبتمبر الجاري، منوهة إلى بيان رسمي سيصدر بعد ساعات.

وبعد ترقب قلق ظهر علينا السيد/ حمزة بلول ـ وزير الإعلام في حكومة السيد/ عبدالله حمدوك الانتقالية ليؤكد خبر

حدوث محاولة انقلابة، بالفعل، ولكن تم إفشالها. وقال بأن الأوضاع تحت السيطرة وأنه تم القبض على قادة الانقلاب مع أربعين ضابطًا وأن قوات الجيش تلاحق بقية العناصر من العسكريين والمدنيين ( وجميعهم من بقايا النظام البائد)!

توالت الأخبار من الخرطوم وفيها من التناقضات والغموض مايعزز وجهات نظر متداولة في الشارع السوداني، تقول بأن الانقلاب المعلن ليس إلا تهويمات دعائية مصدرها العسكريون في مجلس السيادة أنفسهم، الذين يهدفون من ورائها التمهيد للانفراد بالسلطة والتشبث بها، ردًّا منهم على أطروحات لسياسيين في الحكومة طالبوهم فيها بالتوقف عن قيادتهم الفاشلة والعودة إلى ثكناتهم، التي جاءوا منها وتسليم قيادة ما تبقى من زمن الفترة الانتقالية للمدنيين .

ما كان لقادة العمل السياسي في السودان أن يطلبوا ذلك من العسكريين لولا أنهم وجدوا صعوبة في التعاون والتفاهم معهم حول إجراءات تتطلبها الإصلاحات السياسية والاقتصادية، التي تهم الشعب السوداني.

فالمعروف عن العسكريين، في أي دولة في العالم، ميلهم، بل وإصرارهم على تعزيز القدرات العسكرية ولو على حساب اقتصادات الدولة ومعايش مواطنيهم.

أثبت هذا التوجه، عمليًّا، رئيس مجلس السيادة الفريق/ عبدالفتاح البرهان و نائبه حميدتي من خلال زياراتهما لروسيا وتركيا واهتمامها بمتطلبات التسليح وتحديثه، من أجل خوض مواجهات عسكرية حاسمة مع إثيوبيا. وهو مالا يحبذه المدنيون والسياسيون ولايرونه ضروريًّا، سيما في الظروف الاقتصادية الصعبة الراهنة للبلاد.

عدم تصديق الشارع السوداني لحدوث المحاولة الانقلابية يعكس حالة من عدم الثقة بالقادة العسكريين المهيمنين على القرار في مجلس السيادة. وهو مايعني تأثير الشركاء المدنيين في المجلس وفي الحكومة على الشارع، حتي بات يقف، بوضوح، إلى جانبهم في معركتهم ضد العسكريين في مجلس السيادة، الذين هم، في الأصل، من بقايا عسكريي النظام البائد، المتهمة بالمحاولة الانقلابية الأخيرة، الفاشلة.

توالت، إذن، الأخبار من الخرطوم لتؤكد صحة وجود محاولة انقلابية، تم إفشالها في الوقت المناسب، لكن عدد الضباط المقبوض عليهم لم يتجاوز الواحد والعشرين وليس كما جاء في بيان وزير الإعلام، سابقًا. كما أفادت الأخبار بأن عددًا من الواحدات الضالعة في المحاولة الانقلابية لاتزال خارج سيطرة القيادة العسكرية وأنه يجري الحوار معها للتخلي عن موقفها.

القصة التي رواها الموظف المناوب في الفضائية السودانية حول ماحدث في المبنى، خلال الساعات الأولى من يوم الثلاثاء تثير الاستغراب والشك، أيضًا.

فقد قال إن ضابطًا معه أفراد قليلون دخلوا الاستديو وطلبوا منه إيقاف بث البرامج المعتادة والبدء ببث مارشات عسكرية استعدادًا لقراءة البيان في حال وصول البلاغ بنجاح الانقلاب. الموظف يضيف قوله: رفضت طلب الضابط الذي

غادر، هو ومن كان معه المبنى !

متى عهدنا ضباط الانقلابات يطلبوان، لمجرد الطلب من موظفي التلفزيونات، تغيير البرامج؟ ومتى كانوا يتساهلون مع الموظف حتى يقبل أو يرفض الأوامر ؟! ثم كيف يكلف قادة الانقلاب ضابطًا وبضعة أفراد للقيام بمهمة كهذه ؟!

فلمبنى أي تلفزيون قوة عسكرية كافية لحمايته!

يبدو أن طبخة الانقلاب لم تأخذ وقتها الكافي للنضوج، حتى تبدو حقيقية.

أمًّا إذا كانت الطبخة حقيقية وتمت داخل سجن (كوبر)، فقد اضطر القائمون عليها لسلقها في عجالة، استباقًا لتنفيذ الحكومة وعدها بتسليم الرئيس المخلوع عمر البشير واثنين من كبار مساعديه للمحكمة الدولية في لاهاي، لمحاكمتهم بتهم جرائم ضد الإنسانية على خلفية النزاع المسلح في دارفور، منذ 2003 وقتل خلاله 300 ألف مواطن.

لقد سمعنا وقرأنا الكثير من عجائب وغرائب الحرية الواسعة التي يتمتع بها عمر البشير ورفاقه في سجن كوبر، المعروف بقسوته !؟

فقد قدم السَّجانون للبشير تسهيلات لا يمكن تصورها، حتى قيل إن البشير مايزال يقود السودان من معتقله !؟ فهو يتواصل هاتفيًّا مع من يريد من بقايا نظامه؛ العسكريين والأمنيين والمدنيين.

وربما لم يبالغ البعض حينما لم يستبعدوا إمكانية أن يقود البشير انقلابًا عسكريًّا مضادًّا للثورة عليه، من داخل سجنه !

يذكر أن ملف الانقلابات في السودان قديم وحافل باحد عشر محاولة انقلابية،

منذ ما بعد الاستقلال، حدثت أولاها في عام 1957..ثلاث محاولات منها ناجحة وثمان فشلت. وأنه ترتب عليها الكثير من عقوبات الإعدام والعديد من المواجهات العسكرية الدامية!؟

بالعودة إلى محاولة الانقلاب الفاشلة فقد صدر عن رئيس مجلس السيادة ـ الفريق البرهان العديد من التصريحات، كان آخرها كلمته المهمة، التي ألقاها يوم أمس الأربعاء في معسكر ( الشجرة) إلى الشمال من العاصمة الخرطوم، بمناسبة تخريج دفعة متدربة، وقال فيها:

إن القوات المسلحة هي الوصي على وحدة وأمن السودان وهي حامية ثورته، ولولاها لما تم إجهاض المحاولة الانقلابية. مؤكدًا على أن لا أحد يستطيع إبعاد القوات المسلحة عن المشهد السياسي.

هذه النقاط التي أوردها الرئيس البرهان حملت العديد من قناعات القيادات العسكرية. وقد قوبلت بردود أفعال رافضة من قبل القيادات السياسية.

فقد قال عدد من السياسيين : إن تصريحات البرهان مرفوضة وإن الشعب السوداني هو الوصي على نفسه وأنه لا أحد وصيٌّ عليه، كما أن البرهان لايمكنه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء !

وهو ما يعني وجود اختلافات عميقة بين العسكريين وبين المدنيين، قد تقود الطرفين إلى صراعات قادمة خطيرة!

نائب رئيس مجلس السيادة ـ محمد حمدان حميدتي.. كانت له رسائله، أيضًا، إذ قال: إن السياسيين هم المسؤولون عن تفاقم الأوضاع الاقتصادية والأمنية، التي أدت إلى تذمر شعبي شجع بقايا النظام البائد على القيام بالمحاولات الانقلابية وأنهم يحاولون الذهاب بأهداف الثورة إلى مآلات غير مآلاتها. وقال، أيضًا : إن إشغال السياسيين أنفسهم بتقاسم المناصب قد أبعدهم عن احتياجات الشعب ومتطلباته المعاشية.

ما لم يصرح به، حتى اللحظة، طرفا الصراع السياسي المتفاقم من العسكريين و المدنيين ( السياسيين) عن أهم وأبرز نقاط الخلافات بينهم هو رضوخ الفريق البرهان ونائبة لإملاءات القاهرة، التي قد تصل حد التهديد !

فقد أرغمهم المصريون على افتعال مواجهات عسكرية حدودية مع الإثيوبيين وتقديم الدعم والمساعدة لجيش تحرير تيغراي الإثيوبي.

كل ذلك على حساب معيشة الشعب السوداني المسكين.

السياسيون ظلوا يرفضون، بشدة، رضوخ العسكريين في مجلس السيادة للسياسة المصرية الهادفة لإثارة الحزازات بين السودان وجارتها إثيوبيا. لكن البرهان وحميدتي باتوا أسرى ولائهم للمصريين، حتى أنهم لم يعودوا قادرين على رفض أوامر القاهرة، التي نجحت في جعل مشكلة سد النهضة سودانية ـ أثيوبية، بعد أن كان السودان قد اتخذ موقفًا محايدًا من هذه المشكلة.

في آخر تصريح للرئيس السيسي حول قصية السد يقول: نسعى لتوقيع اتفاق قانوني ملزم مع إثيوبيا من أجل المحافظة على حقوق الشعب السوداني !؟

يشار إلى أن العسكريين في مجلس السيادة السوداني يفرضون إرادتهم، التي هي إرادة مصرية، على المدنيين أو السياسيين في الحكومة، من خلال سيطرتهم على الجيس. فيما يهددهم خصومهم ، بالمقابل، بالاستعانة بالشارع، الخاضع لتأتيراتهم السياسية!

في ظل هذا الانقسام الحاصل في قيادة السلطة الانتقالية، تحاول بقايا نظام البشير استغلال الظروف المعاشية الصعبة للانقلاب على الجميع والعودة بالبشير إلى كرسي السلطة، قبل الذهاب به إلى المحكمة الدولية.