مايو 24, 2024 - 22:02
مايو 25, 2024 - 08:37
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يوسف أحمد لـ(عرب جورنال): جبهة اليمن أسقطت "إسرائيل" من حسابات "الدولة الأقوى" بالمنطقة وفرضت على الدول الغربية إعادة حساباتها ومواقفها تجاه غزة

في حوار خاص تستضيف "عرب جورنال" عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، يوسف أحمد، للحديث عن تداعيات العملية العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح، والتي تأتي في سياق استمرار مجازر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، في ظل صمود أسطوري للمقاومة الفلسطينية الثابتة في ميدان المواجهة رغم كل التحديات. ويناقش الحوار تصاعد الإعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وسط صمت وخذلان السلطة الفلسطينية. كما يناقش الحوار المواقف الباهتة للأنظمة والحكومات العربية خلال القمة العربية الأخيرة، بالإضافة إلى مناقشة الأهمية الإستراتيجية التي شكلتها جبهة اليمن المساندة لغزة، وانعكاساتها على المشهد الإقليمي والدولي.

عرب جورنال/ حوار/ حلمي الكمالي _

المقاومة ومعها الشعب الفلسطيني قادرون على مواجهة العدوان الإسرائيلي في رفح، والخسائر التي تكبدها الاحتلال خلال الأيام الماضية تشير إلى امتلاك المقاومة مخزوناً عسكرياً كبيراً لإلحاق الهزيمة الكبيرة بالعدو 

لن نهاجر من الضفة والقطاع إلا إلى أرضنا المحتلة في عام 1948 والتي هُجّرنا منها قسراً ولن نتنازل عن حقنا في العودة إليها 

آن الأوان لإصلاح أوضاع السلطة الفلسطينية ومؤسساتها وتصويب سياساتها، وإعادة بناء النظام السياسي على أسس ديمقراطية بعيداً عن سقف أوسلو ومساره المتتالي

ننظر بكل فخر واعتزاز لما يقوم به اليمن وجيشه ومقاومته البطلة من دور هام ومحوري في استنزاف العدو ومحاصرته عسكريا واقتصاديا من خلال إغلاق البحر الاحمر أمام خطوط إمداد الكيان الصهيوني في حربه ضد شعبنا

جبهة اليمن المساندة لغزة لم تترك تأثيراتها على الكيان الصهيوني وحسب، بل خلطت كل المعادلات والحسابات على صعيد الإقليم والمنطقة نظراً للتأثيرات الإستراتيجية لهذه الجبهة، وشكلت منعطفاً تاريخياً في الموازين الإقليمية 

جبهة اليمن أسقطت "إسرائيل" من حسابات "الدولة الأقوى" في المنطقة، وفرضت على الدول الغربية أن تعيد حساباتها ومواقفها تجاه غزة، إذ أكدت بأن الشعب الفلسطيني ليس وحيداً، بل يستند إلى قاعدة كبرى من التحالفات مع قوى المقاومة، وبأن فلسطين واليمن في ذات الخندق

النظام الرسمي العربي ما زال مترهلاً وغارقاً في حالة الاستسلام للسياسة الأمريكية ويرهن نفسه كما مصالح شعوب المنطقة للإملاءات الأمريكية التي عملت خلال السنوات الماضية على تكبيل هذه الأنظمة وجعلها أسيرة الضغوط الأمريكية

بيان "قمة البحرين" جاء مخيباً لآمال الشعوب العربية، حيث فشل النظام الرسمي العربي مجدداً في الخروج من قفص الهيمنة الأمريكية وتسجيل ولو أدنى مستوى من المواقف تجاه القضية الفلسطينية 

لم يعد مفهوماً لشعبنا الفلسطيني ولشعوبنا العربية وأحرار العالم، أن تقدم الدول الصديقة_غير العربية_ على مقاطعة العدو الإسرائيلي، عقاباً له على جرائمه، في وقت تواصل بعض الدول العربية علاقاتها التطبيعية مع الكيان

زلزال 7 أكتوبر استحضر «القلق الوجودي» الكامن والمتجذر في وعي الإسرائيليين اليهود على مصيرهم، حاضراً ومستقبلاً، لاستشعارهم واقع أو حقيقة العيش بكنف كيان سياسي غير مستقر، ضمن بنية هجينة تعصف الريح من تحتها

معركة طوفان الأقصى هي محطة تاريخية ومفصلية هامة ستترك آثاراً كبرى على مجرى النضال الوطني الفلسطيني، كما أن تداعياتها في الداخل الإسرائيلي وتأثيراتها الإقليمية والدولية ستشق الطريق لتحقيق الانتصار الكبير على الاحتلال

_ في ظل إصرار الكيان الصهيوني على اقتحام رفح مع تكثيف مجازره فيها.. برأيكم أي تداعيات خطيرة لهذه الخطوة؟ وهل ما زال العدو يدفع نحو تمرير مخطط تهجير أبناء غزة؟ وهل تعتقدون أن قوات الاحتلال قادرة على خوض معركة واسعة في رفح خاصة بعد ما شاهدنا من عمليات نوعية وفتاكة للمقاومة الفلسطينية خلال الأيام الماضية والتي فاجأت العدو في عمق تمركزه شمال ووسط غزة التي كان يزعم إحكام سيطرته عليها ؟ أي مشهد ينتظرنا في رفح ؟ 

منذ بدء العدوان الاسرائيلي، وضع رئيس حكومة العدوان والفاشية الصهيونية مجموعة من الأهداف أهمها، القضاء على المقاومة وسحقها واستعادة الأسرى، وخاض كل مجازره ونفذ كل أشكال العدوان خلال الشهور الثمانية الماضية، لكن النتيجة كانت فشل كبير بتحقيق أي من هذه الأهداف، فلا هو تمكن من سحق المقاومة والقضاء عليها ولا تمكن من استعادة أسراه، وهذا ما جعله يعيش مأزقاً كبيراً بعدما بات عاجزاً عن تحقيق أي خطوة يمكن أن يقدمها لجمهوره باعتبارها انتصاراً على المقاومة، واقتحام رفح هو حلقة جديدة من مسلسل الإجرام والإبادة يحاول من خلالها العدو أن يسجل انتصاراً وهمياً كاذباً، لكنه حتما سيفشل بتحقيق ذلك، فقد فعل ذلك في الشمال والوسط وقصف المستشفيات والمجمعات السكنية بأكملها إلا أن المقاومة بقيت حاضرة بقوة في كل مناطق القطاع من الشمال إلى الجنوب، وأجبرته على الإنسحاب من العديد من المناطق التي دخلها لأنه لم يتحمل الخسائر التي يتلقاها جنوده يوميا على يد أبطال المقاومة.

وعليه نقول أن العدوان البري على رفح لن تكون نتيجته سوى ارتكاب المزيد من الإبادة والمجازر بحق الأطفال والنساء والمدنيين، وهذا الأمر برسم العالم والمجتمع الدولي والنظام الرسمي العربي، والولايات المتحدة خصوصا هي من يتحمل مسؤولية هذا الجنون الإجرامي الصهيوني، لأنها تمسك دون غيرها بمفتاح إخماد هذه الحرب الهمجية الإسرائيلية عبر وقف المساعدات والإمدادات العسكرية، التي بدونها يعجز جيش الاحتلال عن إدامة جرائمه ضد أهلنا وارتكاب المزيد من المجازر والمذابح.

لكننا على ثقة بأن المقاومة ومعها الشعب الفلسطيني الذي صمد خلال كل الشهور الماضية قادرون على مواجهة هذا العدوان، والخسائر التي تكبدها الاحتلال خلال الأيام الماضية بحي التنور في شرق رفح وحي الزيتون كما في مدينة جباليا ومخيمها وغيرها من المحاور، تشير إلى المخزون الذي ما زالت تمتلكه المقاومة الفلسطينية بكافة أجنحتها العسكرية واستعداديتها للمواجهة.

وبالتالي اقتحام رفح لن يكون نزهة للاحتلال وسيدفع ثمن ذلك كثيراً، والجيش الاسرائيلي يعلم ذلك جيداً ويدرك ما ينتظره من مقاومة، ولهذا هناك انقسام كبير داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية حول اقتحام رفح، وقد تم التعبير عن ذلك بالاستقالات العديدة التي شهدناها من كبار قادة الأجهزة الأمنية، وأيضاً نسمع أصوات عائلات الجنود وحتى الجنود أنفسهم الذين يعترضون على هذه الخطوة نتيجة الخوف من المستنقع الذي ينتظرهم.

ولهذا نقول رغم الإبادة والمجازر والحصار والتجويع لكن شعبنا ومقاومته أخذ خياره بالصمود والتباث واستمرار المقاومة ومواجهة العدوان وإفشال أهدافه في التهجير والترحيل الذي سوف نقاومه بكل الأساليب والسبل لنبقى فوق أرضنا، نعيش ونتنفس ونتزايد وننمو فى ربوعها، ونناضل لبناء مستقبل شعبنا أياً كانت التضحيات.

ولن نهاجر من الضفة والقطاع إلا إلى أرضنا المحتلة في عام 1948 والتى هجرنا منها قسراً ولن نتنازل عن حقنا في العودة إليها. 

_ يواصل الاحتلال اعتداءاته على الضفة الغربية خلال الآونة الأخيرة.. هل يخشى الاحتلال من طوفان جديد في الضفة الغربية؟ وهل تساهم السلطة الفلسطينية في استباحة العدو للضفة مع صمتها تجاه هذه الاعتداءات كما صمتها عمّا يحدث من جرائم إبادة في غزة ؟ وكيف يمكن إصلاح الخلل القائم في السلطة السياسية في رام الله بشكل عام ؟ 

الإعتداءات الإسرائيلية على المدن والمخيمات في الضفة الفلسطينية والقدس شهدت تصاعداً كبيراً بعد السابع من أكتوبر، ويشير إلى ذلك الارتفاع الكبير بأعداد الشهداء والجرحى والاعتقالات الواسعة والمداهمات والاقتحامات اليومية للمدن والمخيمات على يد قوات الاحتلال وميسلشيات المستوطنين الارهابية، حيث لا يمر يوم دون مداهمات واعتداءات وليس آخرها ما شهدناه في طولكرم ومدينة جنين ومخيمها.

ويستغل الاحتلال تركيز الإعلام على غزة، مصعداً من اعتداءاته في كافة مناطق ومدن ومخيمات الضفة الفلسطينية بدوافع واهداف متعددة، منها انتقامية نتيجة الهزيمة والضربة التي سددتها المقاومة له في 7 أكتوبر ، ومنها السعي لتسريع مشاريعه الإستيطانية والإستعمارية التهويدية في الضفة والقدس وهذا هو الأساسي، إلى جانب سعية لفصل الضفة عن القطاع ومنع تصاعد المقاومة والتحامها مع غزة لتجنب وقوعه في جبهة جديدة تربك جيشه وقواته المنهكة والتي تتعرض لضربات قاسية في قطاع غزة، ولهذا يعمل على فرض الحصار الكامل على الضفة ومناطقها وتصعيد اعتداءاته بشكل وحشي وهمجي.

ولا شك أن الاحتلال يدرك جيداً بأن هذه السياسات الهمجية من قبل الجسش وقطعان المستوطنين والتي يتم مجابهتها بأشكال مختلفة من قبل المقاومين والشباب في كافة مناطق الضفة سوف تتدحرج وتصل الى انتفاضة شاملة وتنفجر الامور عليه .

وهنا يمكن القول إن عدم وصول الضفة إلى الانفجار الشامل بوجه الاحتلال يعود لعدة اسباب، منها ما له علاقة بالحصار ووحشية الاعتداءات والاعتقالات، ومنها أيضاً مرتبط بإستمرار الانقسام الداخلي الفلسطيني، وغياب الإرادة لدى السلطة الفلسطينية وتهربها من المواجهة مع الاحتلال وسياساته، واصرارها على المراوحة في المكان واستمرار الرهان على الوعود المخادعة للإدارة الأمريكية الامريكية، وبقائها في دائرة "أوسلو" والتزاماته الأمنية واملاءاته وتلبية استحقاقاته التي تحاصر وتحد من تطور دور الحركة الجماهيرية والشعبية في مواجهة سياسات الاحتلال ومستوطنيه.

وبالتالي وضعت السلطة الفلسطينية نفسها في موقع المتفرج وفشلت في تحمل مسؤولياتها التاريخية سواء بما يتعلق بالتقدم بخطوات عملية لإنهاء الانقسام أو لجهة توفير الحاضنة السياسية للنهوض بالحالة الشعبية والجماهيرية للوصول إلى انتفاضة شاملة تشكل التحاما واسنادا فاعلا للمقاومة في غزة وتضع حداً لاعتداءات الجيش والمستوطنين في الضفة.

وعلية نقول آن الأوان لإصلاح أوضاع السلطة الفلسطينية ومؤسساتها وتصويب سياساتها، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية بعيداً عن سقف أوسلو ومساره المتتالي، نحو إصلاح يعيد بناء الوضع الفلسطيني، باعتباره حركة تحرر لشعب تحت الاحتلال، يعتمد معايير الائتلاف الوطني والمشاركة والقواسم المشتركة ووقف الهيمنة والتفرد، وهذا طريقه الحوار الوطني الشامل لإعادة إصلاح كل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا ببرنامجها الوطني الجامع بأهدافه التي تكفل لشعبنا حقوقه الوطنية المشروعة في تقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وحل قضية اللاجئين بتطبيق القرار 194 الذي يكفل عودتهم إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها عام 1948.

وضرورة اعتماد استراتيجية كفاحية موحدة في مقاومة الاحتلال في الميدان عبر كل اشكال المقاومة وتوفير الحماية لشعبنا في مواجهة الاحتلال والاستيطان بما يضمن تعزيز صموده وثباته حتى الظفر بالحقوق الوطنية الكاملة. 

_ بعد وصول عملياته ضد الملاحة الإسرائيلية إلى البحر المتوسط.. أي دور إستراتيجي حاسم يسجله اليمن في تدعيم موقف المقاومة الفلسطينية في غزة ومحور المقاومة بشكل عام، في سياق معركة طوفان الأقصى؟ وأي واقع جديد يفرضه اليمن على مساحات الهيمنة الأمريكية الغربية في الساحة الدولية والإقليمية على وجه الخصوص، بعدما أثبت قدرته في فرض سيطرة عسكرية على أهم المنافذ البحرية في العالم؟ 

لقد جسد الشعب اليمني الشقيق ومقاومته البطلة القول بالفعل في دعمه وإسناده للقضية الفلسطينية، وخلال كل العقود الماضية كان الشعب اليمني في مقدمة الشعوب المدافعة والحاضنة للقضية والمقاومة الفلسطينية، وبعد معركة طوفان الأقصى، تجسد هذا الإنتماء لفلسطين بالفعل البطولي للشعب اليمني ومقاومته التي لم تقف على الحياد ، بل اختارت طريق المشاركة الفاعلة والمباشرة في دعم وإسناد المقاومة الفلسطينية برغم الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن الشقيق، لكنها وضعت القضية الفلسطينية كأولوية رئيسية، وكان الفعل المقاوم والمؤثر للمقاومة اليمنية بإطار الجهد المشترك مع كل قوى ومحور المقاومة، وقد شكلت جبهة البحر الأحمر عنصراً هاماً واستراتيجياً في المواجهة مع العدو الصهيوني كما هي جبهة الجنوب اللبناني وجبهة المقاومة العراقية.

وعليه فنحن ننظر بكل فخر واعتزاز لما يقوم به اليمن وجيشه ومقاومته البطلة من دور هام ومحوري في استنزاف العدو ومحاصرته عسكريا واقتصاديا من خلال إغلاق البحر الاحمر أمام خطوط إمداد الكيان الصهيوني في حربه ضد شعبنا، وهذا الفعل البطولي يعبر عن أصالة الشعب اليمني وتحديه لكل التهديدات وتحمله المسؤولية القومية في مناصرة الشعب والمقاومة الفلسطينية، وقد ترجم هذا الفعل البطولي صدق المواقف من القضية الفلسطينية، ونموذجاً للالتزام تجاه فلسطين والإستعداد للتضحية في سبيلها ومن أجل تحريرها وحماية شعبها.

كما هو نموذجاً ساطعاً لما يتوجب على الموقف العربي أن يتخذه في دعم شعبنا ومقاومته وإسناده في المواجهة البطولية للعدو الإسرائيلي.

ولا شك بأن جبهة اليمن المساندة لم تترك تأثيراتها على الكيان الصهيوني فقط، بل خلطت كل المعادلات والحسابات على صعيد الإقليم والمنطقة نظراً للتأثيرات الإستراتيجية لهذه الجبهة، وشكلت منعطفا تاريخيا في الموازين الإقليمية، وأسقط من الحسابات ما كانت تدعيه دولة الاحتلال انها الدولة الأقوى في المنطقة التي لا يجرأ أحد على ضربها واستهدافها، كما فرض هذا الفعل البطولي اليمني على العديد من الدول الغربية أن تعيد حساباتها ومواقفها وسياساتها، وأكدت بأن الشعب الفلسطيني ليس وحيداً، بل يستند إلى قاعدة كبرى من التحالفات مع قوى المقاومة، وبأن فلسطين واليمن في ذات الخندق ، ويواجهان ذات العدو، ومقاومتهما تسير بذات الاتجاه الهادف إلى كسر الهمجية الامريكية الصهيونية وإنقاذ الأمة العربية من المشاريع الاستعمارية التوسعية العدوانية. 

_ القمة العربية الأخيرة في البحرين.. ما تعليقكم على بيانها الختامي بشأن غزة؟ ولماذا لم نرى أي مواقف عربية حقيقية للضغط على الاحتلال أو على القوى الداعمة له ؟ وما سبب كل هذا الترهل في الموقف العربي تجاه الإبادة الجماعية في غزة وتجاه القضية المركزية للأمة؟ وكيف تؤثر أنظمة التطبيع في استمرار وتوسع هذا الترهل؟ 

للأسف النظام الرسمي العربي ما زال مترهلاً وغارقاً في حالة الاستسلام للسياسة الأمريكية ويرهن نفسه كما مصالح شعوب المنطقة للإملاءات الأمريكية التي عملت خلال السنوات الماضية على تكبيل هذه الأنظمة وجعلها أسيرة الضغوط الأمريكية، ولو كان هذا النظام الرسمي العربي يمتلك الجرأة على استخدام عناصر القوة والضغط المتوفرة لديه لما إستمر العدوان الاسرائيلي كل هذه الفترة.

وبالتالي فإن ما خرجت به القمة العربية في البحرين جاء مخيباً لآمال الشعوب العربية بأكملها، حيث سقط هذا النظام الرسمي بالامتحان من جديد ، رغم أن الفرصة مؤاتية له للخروج من قفص الهيمنة الأمريكية، لكنه فشل من جديد في الإرتقاء إلى المستوى المطلوب، ولو بحده الأدنى من المسؤولية نحو قضية شعبنا الفلسطيني، وهو يتعرض لأبشع حرب إبادة جماعية على يد دولة الاحتلال الفاشي، في القطاع والضفة وفي القلب منها القدس، كما فشل الإعلان في الاستجابة للواجب الملقى على عاتق القمة إزاء قضايا الشعوب العربية، واكتفى بالمواقف اللفظية الخاوية، المكرورة، والتي اعتادت شعوبنا على سماعها بازدراء، لأنها تعني أنها حالة العجز التي بات يعيشها النظام العربي بعد ما اخترقته التحالفات مع السياستين الأمريكية والإسرائيلية، وانحرفت بوصلته بعيداً عن مصالح الشعوب لصالح الطبقات الحاكمة، التي لم تعد ترى مصالحها  سوى في الإرتماء في أحضان سياسة التبعية والتطبيع، والإلتحاق بتحالف "إبراهام" عن طريق تعميم التطبيع مع دولة الاحتلال، والانخراط في تحالف إقليمي سياسي عسكري، يعيد صياغة العلاقات والمقاربات، ولتعزز سيطرة التحالف الأمريكي-الإسرائيلي على المنطقة وثرواتها، بذرائع واهية، ومزيفة، كالحديث عن السلام والأمن والازدهار، في  تجاهل صارخ للدور الذي تمارسه "إسرائيل" في إشعال الحروب في المنطقة، والدور الذي تمارسه الولايات المتحدة وتحالفها الأطلسي في  تحشيد الأساطيل في المنطقة ووضعها على حافة الإنفجار الإقليمي.

كما خلا البيان من أية صيغة لمتابعة تنفيذ ما قررته القمة العربية، أو متابعة دعواتها إلى المجتمع الدولي، أو توصياتها ،أو ما يتعلق بمعالجة القضايا العربية المذكور في الإعلان، وفضلاً عن ذلك شكل الإعلان قفزات كبرى إلى الوراء مقارنة مع مقررات القمة العربية، الإسلامية في 11/11 الماضي ، ( رغم انها بقيت حبراً على ورق ) سواء بما يتعلق بوقف الحرب الهمجية على شعبنا، وكسر الحصار، وتدفق المساعدات الإنسانية، أو غيرها من الخطوات التي تخدم شعبنا في مواجهته للعدوان الهمجي في القطاع ، ما يؤكد غياب الإرادة لدى النظام العربي للوقوف إلى جانب شعبنا، والاكتفاء بدور المراقب أو الوسيط، الأمر الذي يخدم خطط التحالف الأمريكي الإسرائيلي على حساب المصالح العربية.

وعليه نقول، لم يعد مفهوماً لشعبنا الفلسطيني ولشعوبنا العربية وأحرار العالم، أن تقدم الدول الصديقة - غير العربية- على مقاطعة العدو الاسرائيلي، عقابا له على جرائمه وبإطار الضغط عليه لوقف عدوانه ومجازره، في الوقت الذي تواصل بعض الدول العربية علاقاتها التطبيعية مع الكيان في كافة المجالات والمستويات، دون أي خجل أو اعتبار للدم الفلسطيني المهدور في الأراضي المحتلة وآلام الاطفال والنساء الذين يقتلون بدم بارد يوميا في غزة والضفة والقدس، بل أن بعض هذه الانظمة وبكل أسف يقدم على محاصرة التحركات التضامنية مع الشعب الفلسطيني ويقوم باعتقال العديد من الناشطين فيها بسياق سياسة الترهيب للشعوب لمنعها من القيام بواجبها ودورها تجاه القضية الفلسطينية. 

_ على ضوء مكتسبات معركة طوفان الأقصى..  هل تعتقدون أن هذه المكتسبات قد عبّدت الطريق لمعركة التحرير الكامل للأراضي الفلسطينية المحتلة؟ وكيف يمكن التعاطي مع كل المتغيرات السياسية والعسكرية لاستعادة حق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها انقلاب المشهد العالمي ضد الرواية الإسرائيلية الأمريكية من وجهة نظركم؟ 

معركة طوفان الأقصى هي محطة من محطات النضال والمقاومة الفلسطينية، لكنها من حيث تداعياتها الكبرى ، شكلت محطة تاريخية ومفصلية هامة ستترك آثاراً كبرى على مجرى النضال الوطني الفلسطيني، ما وقع فجر يوم «طوفان الأقصى»، هو منعطف تاريخي استراتيجي في المسار الوطني الفلسطيني، كان له ما قبله، وصار له ما بعده، فاضت تداعياته على الوضعين الفلسطيني والإسرائيلي، وامتدت إلى جوانب المسار الإقليمي، وطرقت أبواب الحالة الدولية، فهي ليست تداعيات محلية محدودة الأثر والفعل، كما كانت عليه المعارك السابقة التي خاضها القطاع ضد الأعمال العدوانية الإسرائيلية، بل إن «طوفان الأقصى» والحدث التاريخي في «7 أكتوبر 2023»، أحدث زلزالاً، دون أية مبالغة، كانت له إرتداداته الكبرى.

كمان أن هذا الزلزال الكبير الذي أصاب الكيان الصهيوني استحضر «القلق الوجودي» – الكامن أصلاً والمتجذر في وعي الإسرائيليين اليهود على مصيرهم، حاضراً ومستقبلاً، لاستشعارهم واقع أو حقيقة العيش بكنف كيان سياسي غير مستقر، ضمن بنية هجينة تعصف الريح من تحتها، في دولة قامت على العدوان والإجرام واغتصاب حق الشعب الفلسطيني في أرضه.

وينتاب الاسرائيليين شعور عميق بعدم القدرة على إدامة اغتصاب الأرض لمجرد وجود الآخر الذي يتصف بأصلانيته المتجذرة في التراب الوطني.

لقد وجَّه السابع من أكتوبر– 7/10 – ضربة مميتة إلى السردية التأسيسية التي قامت عليهما سمعة دولة إسرائيل وكرَّست صيتها بين اليهود وفي العالم في آن معاً، أن المشروع الصهيوني انطلق من مقولة أن لا أمن لليهود في العالم، إلا بإنشاء دولة خاصة بهم على أرض فلسطين، تكون هي الملاذ لمن يأتيها، وتوفر مظلة حامية ومعبر نجاة احتياطي لمن يبقى خارجها.

وبهذا الإطار فقد كشفت معركة طوفان الأقصى حقيقة الأزمة الوجودية لدولة الاحتلال الاسرائيلية، وهذا ظهر جلياً في الضربة الكبرى التي تعرض لها الجيش الذي كان يروج لنفسه بأنه الجيش الذي لا يقهر، وتهاوي قدرة الردع لديه، وتفسخ المجتمع وغياب الاستقرار والهجرة المعاكسة لليهود من فلسطين إلى بلدان الغرب، إلى جانب العديد من الانكسارات التي مني بها الكيان، وكلها تؤشر إلى تراكم النضال وتقدمه بخطوات ملموسة سوف تؤدي حتما الى انتزاع الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية.

كما أن هذا الإحساس بالرعب سوف يتعمق يوماً بعد يوم في "إسرائيل"، في ظل الفشل الذي تعيشه العمليات العسكرية لجيش الاحتلال في قطاع غزة، وتتصاعد بطولات المقاومة، وصمود الشعب في الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة.

وبعيداً عن الإنجازات التي سطرتها المقاومة بجميع فصائلها في تلاحمها مع الشعب الفلسطيني، فإن هناك تداعيات أخرى لا تقل أهمية عن إنجازات الميدان، وسوف تبدأ بالظهور مع توقف العدوان، ومن أهمها: الأرقام المرتفعة للهجرة المعاكسة الناجمة عن تردي الحالة الأمنية، وانحسار الثقة بالمؤسستين الأمنية والعسكرية في اسرائيل، وفقدان الثقة بهما نتيجة عجزهما عن توفير الأمن للإسرائيليين.

يضاف إلى كل ذلك، الهزيمة الكبرى والإستراتيجية التي لحقت بالكيان على المستوى العالمي، حيث أسهمت معركة الطوفان بهزيمة الرواية الصهيونية وانتصار الرواية الفلسطينية لدى الرأي العام العالمي، وهذا تم التعبير عنه في الحركات الطلابية في الجامعات الأمريكية والأوروبية والتظاهرات المتواصلة واليومية في تلك البلدان، حيث فشلت كل محاولات التشويه وقلب الحقائق التي مارسها الكيان والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية، وانقلب الرأي العام عليهم منتصراً للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني ، بالتزامن مع الانتصارات الأخرى التي تحققت على صعيد المحافل الدولية ومنها قرارات محكمة العدول الدولية في لاهاي وشكوى جنوب أفريقيا، وتصويت 143 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة على أحقية دولة فلسطين بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ومبادرة العديدة من الدول الأوروبية لإعلان اعترافها بدولة فلسطين وأخرها النرويج واسبانيا وايرلندا، وإعلان بعضها قطع وتجميد العلاقة مع الاحتلال والقرار الأخير لمحكمة الجنيات الدولية وما مثله من إقرار إضافي بمسؤولية حكومة الاحتلال عن جرائم الحرب والابادة في غزة.

ما وقع فجر يوم «طوفان الأقصى»، هو في حد ذاته منعطف تاريخي استراتيجي في المسار الوطني الفلسطيني، كان له ما قبله، وصار له ما بعده، فاضت تداعياته على الوضعين الفلسطيني والإسرائيلي، وامتدت إلى جوانب المسار الإقليمي، وطرقت أبواب الحالة الدولية، فهي ليست تداعيات محلية محدودة الأثر والفعل، كما كانت عليه المعارك السابقة التي خاضها القطاع ضد الأعمال العدوانية الإسرائيلية، بل إن «طوفان الأقصى» والحدث التاريخي في «7 أكتوبر 2023»، أحدث زلزالاً، دون أية مبالغة، كانت له إرتداداته الكبرى.

كل ذلك يشق الطريق لتحقيق الانتصار الكبير على الاحتلال، وهذا يفترض المراكمة بعناصر القوة ، وتوفير الشروط المطلوبة التي تمكننا من تحقيق الاهداف التي نتطلع اليها، وأهمها استمرار المقاومة بكل أشكالها وتعزيز صمود شعبنا وتعزيز تماسكه وتعبئته، وتأطير مؤسساته الجماهيرية، باعتباره هو الخندق الكبير للنضال، وهو مصدر المقاومة، وهو الحصن المنيع الذي من شأنه أن يصون المقاومة ويحميها، ويوفر لها طريق الأمان للوصول إلى تحقيق تطلعات شعبنا.

وايضاً العمل السريع لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الداخلية والمؤسسية بين القوى الفلسطينية، للتوحد في إطار برنامج وطني كفاحي، تترجمه م. ت. ف وبرنامجها الوطني، بديلاً لكل المشاريع والسيناريوهات البديلة.

والثالث هو إستثمار هذا الحراك الشعبي العالمي المساند لقضيتنا وتوسيع دائرته، ونسج المزيد من التحالفات مع القوى والأطر التي تقف إلى جانب شعبنا وتساند نضاله ومقاومته وكفاحه ضد الاحتلال الصهيوني، وتقدم الشهداء والتضحيات الكبرى، وتوسيع جبهة قوى المقاومة المساندة لشعبنا في المنطقة والاقليم والممثلة بحزب الله في لبنان، وسوريا، واليمن، والعراق، والجمهورية الإسلامية في إيران من أجل محاصرة الكيان واضعافه وتحقيق الانتصار على المشروع الصهيوني الأمريكي الذي يستهدف كل شعوبنا ودولنا، والانتصار عليه هو انتصار للشعوب العربية ولكل الأحرار في العالم.