سبتمبر 13, 2021 - 23:45
للأمريكيين مطالبُ غيرُ هذه !!
عرب جورنال

فالموضوع ممكن التحقيق إذا صدقت النيات ولايوجد ما يعيق تحقيقه سوى عشقة الماضي؛ قريبه وبعيده !

نعتقد أنه الصمت الذي يؤكد، بما لايدع مجالًا للشك، أن للأمريكيين مطالب أخرى خفية ،غير هذه المعلنة، وتعرفها طالبان، حق المعرفة !


لا نظننا باتهاماتنا للأمريكيين قد انطلقنا من شطحات خيال في سماء نظرية المؤامرة أو أننا اعتمدنا على سوء الظن مسبقة بهم ولكن الأمريكيين أنفسهم من يكيل الشكوك إلى وعائه، حينما يقابلون تنكر أفعال طالبان لتعهداتها، بتكرار عبارتهم المملة التي تقول بأنهم لن يحكموا على طالبان من خلال الأقوال وإنما من خلال الأفعال..ولا ندري أي أفعال أكثر من هذه يريدون !؟


فتفضيل حركة طالبان لخيار الحرب على خيار الحوار السلمي ضد معارضيها في إقليم بانجشير، هو تنصُّل واضح عن التزاماتها في حوارات الدوحة. وكان أوضح دليل على عدوانية الحركة رفضها لوساطة رجال الدين ،الذين دعوها إلى وقف الحرب ضد مواطني الوادي !؟


كل هذه الأفعال المعادية لأبسط حقوق المواطنة لم يعدَّها الأمريكيون ولا القطريون ولا المجتمع الدولي خرقًا لاتفاق الدوحة !؟

وحتى عندما فرضت قوات طالبان على سكان وادي بانجشير حصارًا خانقًا لعدة أسابيع، حال دون استيرادهم المواد الغذائية الضرورية..كل هذه الأفعال المخالفة للاتفاق، المنافية للأخلاق ولحقوق الإنسانية، لم تحرّك ضمير العالم ولم تستفز نخوة المنظمات الإنسانية الأممية، قيد أنملة !؟

ولكم كنا ساذجين، حد البلاهة، حينما اعتقدنا أن زيارة الوفد العسكري الباكستاني لكابل برئاسة مدير المخابرات العسكرية في الجيش الباكستاني، خلال الهجوم المسلح على مقاطعة بانجشير، تقتصر على فرض شخصيات موالية لإسلام آباد في تشكيلة الحكومة البشتونية الطابع.. ، حتى أفادت الأخبار الواردة من هناك، عقب السيطرة الوادي وجباله العصية التضاربس بأن قواتٍ باكستانية (متخصصة) شاركت بالهجوم وبفضلها انتصرت طالبان. وهو الخبر الذي صمتت عن تأكيده أو نفية حركة طالبان ليتولى الجيش الباكستاني إنكاره مؤخرًا !

ومرّة أخرى تتخلى طالبان عن تعهداتها بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كافة المكونات الإثنية والعرقية ومجمل الطيف السياسي والنسوي الأفغاني، جاعلة منها حكومة مناطقية قبائلية (بشتونية) صِرفة عدا استثناءات قليلة مشروطة بعضوية الحركة أو بموالاتها، على الأقل، دون اعتبار للكفاءات القادرة على معالجة الإشكالات، التي يعاني منها الشعب الأفغاني وكانت طالبان ضالعة فيها، أصلًا !؟

فأين المسؤولين الأمريكيين، بالذات، من هذه التجاوزات غير المسؤولة، التي عمدت إليها حركة طالبان، ضاربة، عرض الحائط ، بتعهداتها للأمريكيين وبتفويضها لضمانات القطريين، تحت نظر ورقابة المجتمع الدولي كله ؟!


تقول الأخبار من مطار كابل إن اثنتي عشرة موظفة أفغانية، فقط، من أصل ثمانين موظفة ، سمحت لهن سلطات طالبان بالعودة لمزاولة أعمالهن في المطار. فماذا عن بقية النسوة الموظفات في بقية المؤسسات !؟


القطريون، من جانبهم، تجاهلوا تصرفات وممارسات حركة طالبان، لكأن لسان حالهم يقول: ومن نحن في ظل تجاهل الكبار؟ ثم اتخذوا من أكذوبة المساعدات الفنية والإنسانية شغلهم الشاغل. وكأن الشعب الأفغاني يعاني حالة مجاعة، مع أن الوجود الأمريكي مابرح يتحمل كامل مسؤولياته والتزاماته تجاه أفغانستان كقوات احتلال لم تتخل، يومًا، عن حكومة أشرف غني المنصرفة للتو !؟


نعتقد أن المطالب الحقيقية، المخفية، التي يريد الأمريكيون من قادة الحركة تحقيقها تقتصر على احتواء تنظيم الدولة في بلاد خراسان المتواجد، بكثافة، في أفغانستان وفي دول آسيا الوسطى، بحيث يتلاشى زخمه وينتهي مشروعه الجهادي ضد الأمريكيين، فيصبح عديم الخطورة، مثله مثل تنظيم القاعدة، وبحيث تصبح حركة طالبان مسؤولة مسؤولية كاملة عن أي تواجد إرهابي على أراضيها.

عدا ذلك لاشيء من أمر الشعب الأفغاني يعني الأمريكيين ولا حتى القيم الأمريكية، التي يتفاخرون بها ويعملون على تعميمها في أرجاء المعمورة !

ولقد أوجزها الرئيس باديدن، ذات يوم، وبصراحة نادرة، حينما قال إن قوات بلاده لم تكن معنية ببناء دولة في أفغانستان !؟


تحدي حركة طالبان للأمريكيين وللمجتمع الدولي كافة لم تقتصرعلى تصرفاتها المنافية لاتفاق الدوحة وإنما تجاوزتها إلى العودة التدريجية لممارساتها الاستبدادية السابقة الجائرة، بحق الحريات الشخصية الطبيعية للشعب الأفغاني.
16:57

لكن استخفاف طالبان بالعالم كله يتجلى في إعلان رئيس وزرائها الملا محمد حسن، عن تمسُّك الحركة بالـ (القوانين والاتفاقات والمعاهدات والأعراف) الدولية، التي لاتتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية !؟


ولَعمري أن معالي المُلَّا حسن يعلم، علم اليقين، أن ما نسبته قد تتجاوز الثمانين في المئة من هذه القيم الحضارية الدولية تتعارض، صراحة، مع أحكام الشريعة الإسلامية المتطرفة، التي يعنيها إعلانه وتؤمن بها الحركة وتزمع تطبيقها !؟


بالمناسبة.. لايختلف المسلمون المعتدلون عن المسلمين المتطرفين حول مجمل مضامين الشريعة الإسلامية. والفرق بين الجانبين، فقط، في تصميم المتطرفين على تطبيق أحكام الشريعة وتنفيذ عقوباتها على المخالفين والمقصرين، دون اعتبار للفوارق الزمنية والحضارية.


ولقد سبق للناطق باسم الحركة أن كرر وأعاد

الحديث عن وجهة نظر حركته القاصرة أو فهمها الخاطئ لبعض مفاهيم العلاقات الدولية. فهو يرى في مفهوم (عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول) عدم السماح لأيٍّ كان بانتقاد الممارسات المتطرفة القاسية، التي تنوي طالبان تنفيذها بحق الشعب الأفغاني، مُعبِّرًا عن التزام الحركة للتعامل بالمثل !؟


فالحركة، بهذا، ترفض أي اعتراضات دولية على ممارساتها الدكتاتورية. فهي تعتبر نفسها الممثل الشرعي للشعب الأفغاني. وتعتبر فلسفتها المتطرفة في الحكم هي مطلب الشعب وغاية مطلبه وأسمى أمنياته !؟


في المؤتمر الصحفي لوزيري خارجة فرنسا وقطر اليوم أكد الوزير الفرنسي إصرار طالبان على التمسك بنهجها السابق.

وهو ما كان على الوزير القطري قوله، كونه هو العائد من أفغانستان، بعد أن سمع من قادة طالبان مالا يسرُّه .


فهل يحق لهذه الجماعة المتطرفة، المتنكرة لأبسط حقوق المواطنة وحقوق الإنسان أن تفرض آيديلوجيتها المتخلفة على شعب أُكره على الرضوخ لسلطانها بالحديد والنار؟

وهل سيرضى العالم بهيمنة كهنوت جماعة طالبان تحت مبرر عدم التدخل في الشؤون الداخلية ؟


إن مفهوم عبارة ( عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى) لاتعني، أبدًا، المفهوم الاستغلالي، الذي تفهمه طالبان وفهمته الأنظمة الدكتاتورية وقادتها المستبدين من قبل. وإنما يعني عدم التدخلات التخريبية المثيرة للانقسامات والفوضى، المضرة بوحدة وأمن وسلام الشعوب. وهذا ما يجب على طالبان فهمه واستيعابه، حتى تتجنب عمليات استغفال العالم !

لقد عبَّر الشعب الأفغاني عن رفضه لعودة نظام حركة طالبان ابظلامي من خلال محاولاته المستميتة للهرب من البلاد عبر طائرات الإجلاء للقوات الأمريكية. ولقد شهد العالم بنفسه تلك المأساة ..وكيف أن المقتدرين، فقط، من المواطنين الأفغان تجمعوا داخل وخارج مطار كابل، معرضين أنفسهم لمخاطر جمَّة، رغبة في مغادرة أرضهم ووطنهم هربًا من قهر وتنكيل حركة طالبان !؟


الجدير بالذكر أن معظم من تمكنوا من المغادرة وكذا من لايزالون يحلمون بالمغادرة ، هم من الشباب والشابات، الذين لم يعيشوا تحت بطش الحركة وإنما هم ممن سمع عن مظالمها وجهلها!


أكثر من مئة وعشرين ألف أفغاني تمكنوا من مغادرة وطنهم مكرهين مفضلين اللجوء للخارج على البقاء عرضة لمظالم طالبان.

حتى أن بعضهم فضل التعلق بأطراف الطائرات المغادرة غير مبالٍ بالسقوط من عنان السماء، راضيًا بالموت بأية طريقة، مهما كانت بشاعاتها.


ونعتقد، جازمين، بأنه لو أتيحت الفرصة لأكثر من نصف الشعب الأفغاني للهروب من بطش طالبان لفعلوا ولفضلوا اللجوء على البقاء. حتى وإن بررنا ذلك بالرغبة في البحث عن ظروف معيشية أفضل، فإن جماعة طالبان تتحمل القسط الأوفر من معاناة الشعب الإفغاني الذي جوعته منذ سيطرتها على الحكم بالقوة في عام 1995 م ، ثم تسببت له بالمزيد من المعاناة بعد رفضها تسليم قادة تنظيم القاعدة الإرهابي.