يونيو 7, 2024 - 17:55
في الذكرى الـ 57 للنكسة.. طوفان الأقصى فرض معادلة مختلفة


عرب جورنال/هلال جزيلان - 
يصادف 5 يونيوالذكرى السنوية الـ57 لـ”النكسة” أو حرب عام 1967، التي انتهت بانتصار العدو الصهيوني على الجيوش العربية، واحتلاله مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية والمصرية والسورية.


ظروف مختلفة
لكن هذه الذكرى تحل اليوم في ظروف مختلفة، إذ أصبحت دولة الاحتلال تتحسس رأسها وتخشى على وجودها. فمنذ انطلاق طوفان الأقصى المبارك في السابع من أكتوبر الماضي، تغيرت المعادلات رغم كل الشهداء والأثمان الكبيرة، ولم تعد جرائم العدو وانتهاكاته "تمر دون محاسب" كما أعلن القائد محمد الضيف.


طوفان الأقصى خطوة في طريق التحرير
لعل الأمة تركب موج الطوفان المبارك الذي انبعث ليكون الخطوة المتقدمة الحقيقية هذه المرة لتحرير الأرض والإنسان. وشدد على أنه "لا نكسة بعد اليوم ولا نكبة، والأمة تقف على بعد فراسخ قليلة من النصر والتحرير بإذن الله.
لقد شكل هذا اليوم قبل سبع وخمسين سنة هزائم حاول صانعوها أن يخففوا من وطأتها فسموها نكسة بعد تسع عشرة سنة من نكبتنا بضياع الساحل الفلسطيني سنة ثمان وأربعين،
لقد هزمنا في العقيدة في الوقت الذي نقدس أصنامًا بشرية هي التي هندست الهزيمة، وهزيمتنا العقدية تكرست في تربيتنا ومرجعياتنا الثقافية، فقد كانت القومية خبزنا الذي نأكل حتى استحالت إلى سرطان تضخمت خلاياه لتقتل فينا روح الانتصار لأخوّة الدين ولقداسة الأرض، القومية التي رفعوا لواءها آنذاك أذهبت قدرتنا على الوقوف في وجه أي تيار أفقدَنَا توازننا في الدفاع عن وجودنا أحرارًا في وسط كان يميزه جهد محموم في صناعة العبيد بعيدًا عن الدين الذي علّم أتباعه كيف يحاربون العبودية لغير ربهم سبحانه.


عُرِيّ أخلاقي مبين 
إن الهزيمة التي أسموها 'نكسة' أخذت منا إلى جانب الضياع العقدي ضياعًا في الهوية، فقد بتنا ممزقين شرقا وغربا، ونُسّينا أننا شرفا، نُسّينا أن دمشق كانت حاضرة الخلافة يوما، وأن فلسطين كانت درة الشام التي يأوي إليها المنكسرون فتجبرهم، ويقدّس الناس في ربوعها حجّهم، وأن الأمة تكبر بمجموعها وتضمحل بتفرد كل حارة من حاراتها بما تحسبه مكسبا، وما هو إلا عُرِيّ أخلاقي مبين.


ما لم يره المعاصرون للنكبة
ولعل من عاش إلى يومنا قد رأى ما لم يره المعاصرون للنكبة والنكسة والركسة والوكسة، فما صنع تلك الجرائم والعاديات سوى الباعث الذي جلاه القرآن وفضح فرعونَ على أساسه وبيّن سذاجة من اتبع ظلمه، 'فاستخف قومه فأطاعوه'. من حسن حظنا أن طبيعة عصرنا بما فيه من ثورة اتصالات واتساع دراسات وتمكّن من الخروج إلى عوالم لم تتح لآبائنا، ذلك كله أرانا القزم بحجمه وسلبه مكبرات الوهم التي كان يلصقها على أعين الناس، وبهذا اختفت شعارات عديدة مقيتة.
لقد بات الناس اليوم يعرفون حجم كل زعيم من زعمائهم، ولا يسكتون عن تقصيره لجهل بحقيقته بل بعوامل ما تزال تقهرهم على التبعية له لأسباب أمنية وجودية، ما عاد يخفى على الطفل كذب الكاذبين على طريق "تحرير الأرض والإنسان" وشعارات أخرى من أخواتها التي تغذي مزيدا من الضحك على الذقون.


اجتثاث الظروف الموضوعية
إن الشعوب باتت تسمع تصريحات فيها نصرة للمظلوم فوق الطاولة، وحركات تخنقه من تحت الطاولة تتمثل حال ذاك الرجل الذي يعلم أن أحد جلسائه يشبعه كذبا بأحاديثه لكنه تعوّد عليها وهو يدعوه إلى المزيد بق ولهذا يقول له: "اكذب يا صاحبي، إني أعرف أنك تكذب لكن كذبك يونسني!.
وعلى رغم بؤس حال الساسة المكشوفين في تخاذلهم في ساحة الشرف اليوم، إلا أن الأمة باتت على بُعد فراسخ قليلة من اجتثاث الظروف الموضوعية التي مكنتهم من رقابها، فبعد قرن من زمان التسليم بعظمة بريطانيا وضآلة من مكّنوها من رقبة المقدسات، ها هي الأمة تركب موج الطوفان المبارك الذي انبعث ليكون الخطوة المتقدمة الحقيقية هذه المرة لتحرير الأرض والإنسان بشكل حقيقي وواقعي وليس مجرد شعارات كتلك.


تهاوت كذبة الجيش الذي لا يقهر
في الخامس من يونيو هذا العام يقف أبطال الضفة مؤازرين لجهد إخوانهم الغزيين في طوفانهم، ويعلم الصهيوني أن أوان تغوله قد مضى، بل ويقرّ بأنه كان أسداً من كرتون، وما صنعه إلا ضعفنا الذي بعث في العيون سراب القوة التي لا تقهر ولقد عشنا بفضل الله لنرى صبر الطفل الفلسطيني يقهر يهود، ولنرى خنساوات يجُدْن بفلذات أكبادهن ويعلِنّ للدنيا بأنهن أمهات الأبطال الميامين، ويقفن خطيبات بليغات في ساحة النزال يُحمّسن الرجال.


أمل جديد
أنّنا اليوم في زمن جديد وأمل جديد، في زمن الهزيمة كان الناس عمياناً واليوم زال العمى إلى حدّ بعيد، وعرف العالم بأسرة الحقيقة، في زمن الهزيمة كان الناس يرفعون شعارات التخاذل، واليوم يختال أبطالنا في عرض الطريق ليطهّروه من أرجاس في ميدان الوغى.
لقد أصبحنا بعد قرن من زمان القهر وتدنيس كل مقدس تقف الأمة اليوم على بُعد أمتار من استرداد ذاتها المضيعة، ولن يسعفها في غذّ الخُطا نحو هذا الهدف إلا مزيد من الوعي الذي يميز صديقنا من عدونا ويزيح من طريقنا حواجز إسمنتية من قبيل الخوف من القادم والتحسب لما هو كائن فيه. لقد تغير الجيل، والأمل معقود على الجيل الجديد ليُتم كسر الأصنام وليجذّر للعزة في تربية الإيمان.


كذبة الذي لا يقهر
في ذكرى النكسة نستذكر هزيمة الأنظمة العربية في مواجهة كذبة الجيش الذي لا يقهر، هزيمة في حرب مسرحية شكلية لم تسمن ولا أغنت من جوع، وقد كشف زيف تلك الحرب التي أفضت إلى النكسة ثبات مجاهدينا ومقاومتنا الباسلة لما يقارب التسعة أشهر، مقاومة قليلة التسليح محاصرة لأكثر من سبعة عشر عاماً، لكنها مسلحة بالإيمان ومتمترسة بحفاظ القرآن، غايتها مرضاة الله وتحرير الأقصى وفلسطين، وحرية شعبنا وكرامتهم.