
عرب جورنال / توفيق سلاّم -
في خطابه أمام الكونجرس الأمريكي أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المسؤول الأجنبي الأكثر حديثًا أمام الكونجرس، حيث تحدث للمرة الرابعة في أعوام مختلفة، متخطيًا ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الراحل الذي تحدث ثلاث مرات أمام الكونجرس إبان الحرب العالمية الثانية. كان حديثه فرصة كبيرة لدعم موقفه داخل إسرائيل في وجه الاحتجاجات المتصاعدة المطالبة باستقالته. غابت كامالا هاريس نائبة الرئيس جو بايدن والمرشحة الأبرز على بطاقة الحزب الديمقراطي لانتخابات 2024، ولم تحضر هذه الجلسة بصفتها رئيسة مجلس الشيوخ لارتباطات مسبقة، كما ذكر البيت الأبيض. لكن من الملاحظ أيضًا تعدد المقاطعات الديمقراطية في الكونجرس عن جلسة نتنياهو، نتحدث عن مقاطعة 50 نائبًا في الكونجرس. وعلى أي حال تتجه الأنظار إلى اجتماع نتنياهو المزمع مع كامالا هاريس، والذي ستتوضح فيه وجهة نظر حملتها والموقف من إسرائيل. وسيلتقي مع ترامب خلال الأيام القادمة، بحسب ما أعلن الرئيس السابق ترامب، وهو أول لقاء بينهما منذ مغادرة ترامب البيت الأبيض.
دعم البيت الأبيض
في تحليل على موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى يرى خبراء أن نتنياهو سيحاول نيل دعم إدارة بايدن في الإبقاء على وجود عسكري إسرائيلي، غير محدد زمنيًا في مجالين رئيسين: الأول نحو "صلاح الدين" على طول الحدود بين مصر وغزة لمنع حركة حماس من إعادة تسليح نفسها من خلال شبكة أنفاقها في رفح التي زارها نتنياهو قبل أسبوع. والثاني ممر "نتساريم"، الذي يقسم قطاع غزة مباشرة، ولمنع ما تعتبره إسرائيل عودة مقاتلي حماس إلى شمال غزة. يرجح أن لا تحل الزيارة الاختلافات في مواقف الطرفين الهامشية، والتي لا تدفع إلى موقف أمريكي صارم تجاه إسرائيل، ولا تزال هناك خلافات قائمة في أربع قضايا رئيسة ولو بدرجات متفاوتة وهي : مفاوضات الإفراج عن الأسرى، تقديم ودخول المساعدات الإنسانية إلى داخل قطاع غزة، وسرعة تسليم بعض الأسلحة الأمريكية، وافتقار إسرائيل إلى خطة لليوم التالي لقطاع غزة على الرغم من الهدف المشترك للطرفين المتمثل بالقضاء على حركة حماس ومنعها من العودة لحكم القطاع.
دغدغة مشاعر الكونجرس
خطاب نتنياهو، تميز بدغدغة مشاعر الأمريكيين من خلال الشعارات الفضفاضة:
● أعداءنا هم أعداؤكم.
● نحن لا نحمي أنفسنا فقط، نحن نحميكم.
●معركتنا هي معركتكم.
● انتصارنا سيكون انتصاركم".
● إسرائيل على مفترق تاريخي، وفي صراع بين الوحشية والتحضر".
غزة منزوعة السلاح
وتناول نتنياهو باسهاب عن أمن إسرائيل، وأن حماس تشكل خطرًا وجوديًا، وتهديدًا على الأمن الإسرائيلي، داعيًا أن تكون غزة "منزوعة السلاح، وخالية من المتطرفين بعد انتهاء الحرب". وقال:" انتصارنا بمساعدة شركائنا الإقليميين، يمكن أن يفضي إلى مستقبل من الأمن والازدهار والسلام.. وقال "تلك هي رؤيتي حيال غزة".
● طالب الولايات المتحدة إلى تسريع وتيرة دعمها العسكري لإسرائيل للمساعدة، للاستمرار في الحرب، حتى النصر"، بعدما كان قد إتهم واشنطن بتعليق المساعدات، وأبدى نتنياهو ثقته بأن الجهود تبذل من أجل الإفراج عن المحتجزين لدى حركة حماس. وفي سياق حديثه خص بشكره العميق للولايات المتحدة والرئيس بايدن، وقال :" أود أن أشكر الرئيس جو بايدن على جهوده الدؤوبة نيابة عن الرهائن". وأضاف :" أقدر بشدة دعم الولايات المتحدة، في هذه الحرب الحالية"، وأردف "لكن هذه لحظة استثنائية، لتسريع المساعدات العسكرية الأمريكية، يمكن أن تسرع بشكل كبير في غزة، وأن تساعد في منع اندلاع حرب أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط". كما شكر ترامب على صفقة التطبيع، أثناء فترة حكمه، وقال بأنه من الممكن إقامة تحالف مع هذه الأطراف، وهو يشير ضمنيًا إلى إنشاء تحالف عسكري.
الصدام مع حزب الله
وتطرق إلى مسألة الصدام مع حزب الله، وقال بأن:" إسرائيل ستقوم بما ينبغي للقيام به"، لضمان أمن حدودها الشمالية. وأشار إلى ما وصفه ب " محور الإرهاب " بقيادة إيران، بأن ذلك يهدد إسرائيل والولايات المتحدة والعالم العربي، على حد قوله.
ووصف المحتجين على الحرب المدمرة في غزة بأنهم " أغبياء تستفيد منهم إيران" معتبرًا أن طهران تمول التظاهرات على حد زعمه، واشترط انتهاء هذه الحرب باستسلام حماس.
أكاذيب نتنياهو
بخلاف المزاعم والأكاذيب التي حاول نتنياهو الترويج لها، بخصوص استهداف المدنيين بقطاع غزة وعرقلة توصيل المساعدات، أكدت تقارير حقوقية وأممية مرارًا مقتل مدنيين، بينهم نساء وأطفال، خلال عمليات الجيش الإسرائيلي وتدمير منازل وأحياء سكنية كاملة، ووفاة عشرات المدنيين جوعًا في غزة نتيجة منع إدخال المساعدات.
ومع محاولته تغييب حقائق الخسائر البشرية والمادية التي أكدتها تقارير دولية وأممية بشأن حرب غزة، إدعى نتنياهو في كلمته أمام الكونجرس أن الفلسطينيين يعانون الجوع "، لأن حماس تسرق المساعدات"، على حد زعمه. وزعم أن عدد القتلى في غزة جراء الحرب التي تشنها إسرائيل "هو الأقل في تاريخ حروب المدن"، مدعيًا أن حماس "تنشر الأكاذيب للضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب".
المعطيات على الأرض تقول أن الحرب الوحشية على غزة أسفرت عن قتل نحو 129 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، حتى مساء الأربعاء، بحسب وزارة الصحة بغزة.
مهاجمة المتظاهرين
جاء خطاب نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي، وسط احتجاجات ضخمة لآلاف المؤيدين لفلسطين في شوارع واشنطن مطالبين بوقف الحرب ووقف تزويد إسرائيل بالسلاح. وهاجم نتنياهو المتظاهرين ضد إسرائيل، واتهمهم بأنهم يريدون تدمير الولايات المتحدة.
وزعم أن "كثيرًا من المتظاهرين ضد إسرائيل اختاروا أن يقفوا مع الشر ومع حماس، ويجب أن يشعروا بالعار". كما زعم أن "المتظاهرين أمام الكونغرس أصبحوا لعبة في أيدي إيران"، وإدعى أن طهران تمول الاحتجاج ضد إسرائيل، دون تقديم أدلة على مزاعمه.
مهاجمة الجنائية الدولية
كما هاجم نتنياهو المحكمة الجنائية الدولية التي سبق أن أكدت أن إسرائيل تجوع الفلسطينيين بغزة متهما إياها بـ"الهراء والتلفيق". وزعم أن "أكاذيب محكمة الجنايات الدولية تحاول تقييد يد إسرائيل ومنعنا من الدفاع عن أنفسنا". وسبق أن طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعها يوآف غالانت، لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" في غزة.
تلك تقريبًا أبرز النقاط الهامة التي وردت في خطاب نتنياهو.. وهنا يأتي السؤال: تحت أي بند، وتحت أي معطى إسرائيلي أمني أو سياسي هذا السقف من الحديث؟
هذا الطرح في مجمله، كما يراه كثير من المحللين والسياسيين والخبراء بخطاب الكذب والافتراء والتدليس، والتضليل، فهو ينكر أن يكون قد ارتكب مجازر في رفح، فيقول " ليس هناك في رفح قتيل واحد مدني، بل وأرجع ذلك لعبوات حماس" فنتنياهو في متن خطابه منذ البداية حتى النهاية سعى إلى استعطاف الكونجرس، ومن خلفه الشعب الأمريكي، الذي يخرج من فمه رذاذ دم أطفال فلسطين وأمهات الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو يدرك في حقيقة نفسه، بأن فشله يضع أكثر من علامة سؤال، وهذا ما كان يقلقه على ما يبدو عندما كرر أنه مازال لإسرائيل وظيفة في هذه المنطقة، وأنها "حامية للمصالح الأمريكية". وإذا كانت هناك من استخلاصات جوهرية لهذه الحرب، فإسرائيل فقدت قدرتها على حماية نفسها، وليس فقط أن تحمي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، بدليل أنه منذ اليوم الأول وحتى هذه اللحظة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وقفت إلى جانب إسرائيل لتحميها عسكريًا وسياسيًا وأمنيًا وماليًا وقانونيًا، وفي كل المحافل.
لهجة استعلاء
نتنياهو يشعر بقلق كبير بأن إسرائيل باتت عبئًا على ذاتها، وعبئًا على الولايات المتحدة بفعل سياستها. ومثل هذا الخطاب الذي يتحدث فيه نتنياهو بلغة استعلائية، وكأنه يملك الأرض وما عليها، عندما يربط مسألة وقف الحرب باستسلام حماس. فقال :"بأنه يحارب إيران عبر محاربة حماس والحوثيين وحزب الله"، وغير ذلك، وهذا شأنه بما يتحدث به. فمثل هذا الخطاب الاستعراضي هو موجه للإسرائيليين في كل ما قيل فيه، عندما يقول :" أنه هو الذي يحمي أمريكا"، وليست أمريكا التي تحميه عمليًا، فهذه اللهجة المرتفعة، يفهم منها أن نتنياهو مازال يفقد البوصلة، في حديثه الاستعلائي، وهو بذلك يعود لنفس المواقف التي خرج بها من إسرائيل في التعاطي مع الصفقة. إذ كان من المفترض أن يسافر وفد إسرائيل المفاوض إلى الدوحة، لكي يستأنف المفاوضات باعتبار أن هنالك أفق جديد، لكن نتنياهو ألغى ذلك، واجتمع بالوفد قبل سفره، وجعل سفره للقاهرة. ويتحدث الآن بلهجة جديدة على هذه الشاكلة من الاستخفاف حتى بعقول من يصفقون له. ويريد أن يضحك على العالم بالكذب، لتغطية جرائمه البشعة ومجازره بحق الشعب الفلسطيني. فأي حديث كهذا يستعطف به الدول، لكي تسانده في جرائمه في قطاع غزة، لارتكاب المزيد من الإبادة الجماعية بحق المدنيين من أبناء الشعب الفلسطيني؟
نتنياهو بهذا الموقف عمليًا استفز إلى أبعد الحدود كل القوى العقلانية في الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة حينما يتحدث أن "المعركة هي معركة بين التحضر، وبين الهمجية والبربرية". هذا الحديث هو حديث استعماري من الطراز الأول، خطاب قديم وعتيق، ولم يعد له مجال لصرفه، وهو يعيدنا إلى التذكر للخطاب الغربي في المستعمرات التي اعتقدوا أنهم جاؤوا لينشروا الحضارات فيها، ولم ينشروا إلا الدمار والخراب، وقتل ملايين البشر، في معاركهم الاجرامية لقهر واستبداد الشعوب وسلب ثرواتهم وخيراتهم بالقوة.
جر أمريكا لحرب إقليمية
نتنياهو يتحدث عن حماية الولايات المتحدة، هو أصلا غير قادر على حماية نفسه، ولا حماية ميناء "إيلات" التي تطالها المسيرات والصواريخ اليمنية، وقد أخرجتها عن الخدمة تمامًا.
فإذا كان نتنياهو لديه الرغبة لحل أفق لأزمته والبئر التي سقط فيها، سوى أن يجر قدم الولايات المتحدة الأمريكية لحرب إقليمية ضد إيران. وهذا يؤكد أن ليس لديه أفق استراتيجي على الإطلاق فيما يتعلق برؤيته لأمن إسرائيل ذاتها. فنجده يتناول بالطرح عن إدارة مدنية في قطاع غزة، كيف يمكن تفسير هذه المعادلة؟ إن كانت هناك إدارة مدنية اسمها السلطة الفلسطينية، ضُيِّق عليها من قبل الحكومة الإسرائيلية ونتنياهو على وجه التحديد، بل ذهب أكثر من ذلك إلى محاربتها، وفق أي منطق يتحدث نتنياهو؟
حركة حماس جزء من النسيج المجتمعي الفلسطيني هذا أولاً، وثانيًا هناك تباينات في الحالة الفلسطينية، لكن من الواضح تمامًا أن استخلاصات هذه الحرب تشير إلى عرقلة عملية التفاوض، كما هي استخلاصات حرب اليمين ضد السلطة الفلسطينية ذاتها، رغم كل ما تقدمه من حسن نوايا، لمطالب هذه القيادة المتربعة على السلطة. إلا أنه وكما رأينا بأن نتنياهو عمليًا، لم يذكر الفلسطينيين، ولا مستقبل السلام مع الفلسطينيين، وكأن الشعب الفلسطيني غير موجود في ذاكرته، وهو بذلك ينسجم تمامًا مع ما قاله سموتريتش سابقًا، بأنه " لا وجود للشعب الفلسطيني"، وهذا القول يتقاطع مع خريطة نتنياهو التي أبرزها في الأمم المتحدة، والآن هو أيضًا يطرح تحديًا مع الفلسطينيين، الذين ينادون اليوم بالوحدة، وهذه الوحدة انطلقت من بوادر أولية تمثلت بالتوافق على نقطتين جوهريتين واللتان تعكسان مدى الشعور بالمسؤولية لدى القوى السياسية الفلسطينية من خلال ما يعرف ببيان بكين، وهو أن يكون النظام السياسي الفلسطيني بداية تحرك نحو تمثيل الشعب الفلسطيني مرة أخرى في إطار المنظمة الجامعة للجميع، وحكومة توافق فلسطيني غير فصائلية تتولى مسؤولية التصدي لمثل هذه الأكاذيب التي يتحدث عنها نتنياهو. فالمسؤولية تقتضي الآن انطلاقًا مما تم التوافق عليه في بكين بالدعوة إلى لقاء فوري للقيادات الفلسطينية والأمناء العامين، أو الإطار القيادي المشترك، كما تحدث بيان بكين من أجل وضع كل ما ورد قيد التنفيذ بالبحث عن تشكيل حكومة وفاق وطني فورية تتحمل مسؤولية سياسية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. إلا أن نتنياهو ضد ذلك تمامًا، ولا يرى، لا سلطة فلسطينية، ولا قيادة فلسطينية، هو يريد مجموعة من الدمى تحكم غزة موالية لإسرائيل.
ردود الأفعال
بيان من "حماس" للرد على خطاب نتنياهو أمام الكونغرس أدانت فيه الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي، ووصفته بأنه "أكاذيب". وعلى الوجه الآخر فإن هذا الخطاب في إسرائيل يقاس على أن هنالك 76 مرة تم التصفيق لنتنياهو بالكونجرس، وهذه أكثر مرة يصفقوا له منذ أن بدأ يخطب أمام الكونجرس لرابع مرة. هذا هو الأمر الأساسي الذي يريده نتنياهو من هذا التصفيق. ومع ذلك لن يحقق مكسبًا، من وراء هذا الخطاب، وسنرى رد الإعلام الأمريكي كيف سيعلق عليه. وبالمناسبة في إسرائيل بدؤوا يتخوفون من أن هذا الخطاب الذي وصفوه بالعنجهي والمغرور، تحدث فيه باستفزاز للأمريكيين وبتعالٍ عليهم. فهو يحاول إنقاذ نفسه من حبل مشنقة القضاء الإسرائيلي، ويعرف أن الجمهور الإسرائيلي لا يريده، ومع ذلك هو يحاول يكسب الجمهور، وقد يؤثر هذا الخطاب لوقت ما، فالجمهور الإسرائيلي عندما يشاهد مثل هذا الخطاب بهذه المفردات وتلك الشعارات، وتلك الحرارة التي ظهر بها الكونجرس يقفون ويجلسون، ثم يقفون ويجلسون بصورة تجعل من المتابع والمهتم يرى أن هؤلاء المشرعون، يتأثرون بالأقوال، ولا ينظرون إلى أفعاله الإجرامية، وهو ما يترك حالة من الدهشة والاستغراب والتساؤل، هل هؤلاء متعاطفون مع جرائمه إلى هذا المستوى من السقوط السياسي، أو أنهم لا يعرفون شيئًا، أم هي النشوة في التحالف، والكراهية معًا تأخذهم إلى هذه الحالة من القيام والقعود، والتصفيق الحار عند كل جملة فاقدة للمصداقية والموضوعية في سرد الحقائق، ليقفوا له.. هذا بطبيعة الأمر، قد يؤثر على بعض الإسرائيليين، لأسبوع ولأسبوعين، لتحسين صورته، لكن أفعاله ستبعده عن الجمهور، ولو كانت المعارضة ذات شأن لكان نتنياهو قد غادر السلطة.
نتنياهو غرق في مستنقع حرب غزة، ولا ينصاع لنصائح الولايات المتحدة من وقع الهزيمة، وهذا هو التناقض الرئيس بين ما يقوله بأنه "حليفها الرئيس"، في حين أنه عمليًا يعارض ذلك.
الصحف الأمريكية
الأهم من ذلك أن نقرأ كيف استقبلت الصحف الأمريكية زيارة نتنياهو، هناك عناوين كثيرة، من ضمنها أن نتنياهو جاء ليسحب تركيز الأضواء عن كامالا هاريس، وطبعًا هذا يستفز الديمقراطيين، وهنالك حديث في الصحف حتى القريبة من الحزب الجمهوري تتحدث عن برود واشنطن في استقبال نتنياهو، وعن زعزعة وضعه بالذات داخل بلاده، والخطر الذي يشكله على الديمقراطية
داخل إسرائيل. وهناك اعتراضات من الداخل الإسرائيلي، ومن مسؤولين، فهذا لبيد يقول" من العار أن يتحدث نتنياهو خلال ساعة كاملة، ولا يأتي على صفقة الرهائن". واضح أن نتنياهو لا يريد وقف إطلاق النار، وهو جزء من مهمته يريد أن يحصل على موافقة على ذلك. ويبدو أن هناك رأي في الإدارة الأمريكية حول ضرورة دفع الأمور بغزة نحو المفاوضات بعد أن تأكد للإدارة الأمريكية فشل إسرائيل وتخبطها، مع استمرار التصعيد، وخصوصًا مع حزب الله يمكن أن يجر المنطقة إلى حرب إقليمية، وهنا تكمن مخاوف أمريكا على مصالحها التي ستكون تحت النيران. وفي اعتقاد الكثير من المحللين إذا كان نتنياهو يحاول إقناع الإدارة الأمريكية على عدم وقف إطلاق النار، فهو لن يكون مفاوضًا مقبولاً إذا كان سيفرض منطقه وقف الحرب مرهون باستسلام حماس، هذا يعني استمرار الحرب، وتعريض المنطقة لخطر حرب شاملة هذا منطق غير واقعي. فالقضية ليست قضية حماس، بل قضية شعب أكبر بكثير من هذا الابتسار، محدود الأفق، وإسرائيل لا تحارب حماس، وإنما تحارب الشعب الفلسطيني كله.
وأخيرا فإن نتنياهو أساء للولايات المتحدة في خطابه، فالذين صفقوا له عندما يقرؤون الخطاب وتحليلات ما ستكتب الصحف الأمريكية، سيدركون أن شيئًا ما أوقعهم فيه نتنياهو، وقد تناولت مواقع بالتحليل للخطاب من واقع النقد، وهناك الصحافة الإسرائيلية التي تبدي استغرابًا كيف يتصرف هذا الشخص بحق الأمريكيين، فالمقاربة بين 11 سبتمبر وبين 7 أكتوبر هذا استفزاز للامريكيين، وقد ذكرها مرتين، فهو يتحدث بشيء من الانزلاق حتى عن الأمريكيين الذين يتقن سياستهم، ويتقن لغتهم ويعرف كيف يخاطبهم.
كما يستفز العالم بأسره عندما يتحدث عن الهمجية والبربرية، فالعالم يعرف حقيقة ما يحدث بغزة، ويعرف تمامًا من هو البربري ..!