يونيو 6, 2024 - 19:58
ما هي دلالات اعتراف دول غربية بدولة فلسطين ..؟ 



عرب جورنال / انس القباطي - 
اعترفت عدد من الدول الغربية بدولة فلسطين، في وقت ما يزال فيه الجيش الصهيوني وللشهر الثامن على التوالي يشن حرب ابادة في قطاع غزة، وجاءت هذه الاعترافات بعد استخدام الولايات المتحدة الامريكية الفيتو ضد مشروع قرار جزائري يوصي الجمعية العامة للامم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين.
انتصار بدلا من التصفية
اعتراف 4 دول اوروبية بدولة فلسطين مؤخرا يعد انتصار للقضية الفلسطينية كونه جاء في وقت يسعى فيه الكيان الصهيوني وداعميه لفرض واقع مختلف على الارض في قطاع غزة، باستخدام القوة المفرطة، وبما يؤدي لتهجير سكان القطاع، تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية.
اربع دول
في الثلث الاخير من مايو/آيار 2024 اعترفت كل من النرويج واسبانيا وايرلندا بدولة فلسطين. وفي 4 يونيو/حزيران 2024 اعترفت دولة سلوفينيا بدولة فلسطين. والدول الثلاث الاخيرة اعضاء في الاتحاد الاوروبي، وهو ما يعزز حضور فلسطين داخل دول الاتحاد الاوروبي، ما سيتيح للدولة الفلسطينية ممارسة نشاط رسمي في دول الاتحاد، وتقديم القضية الفلسطينية بشكل رسمي لدى الاتحاد الاوروبي انطلاقا من الدول الثلاث الذي سيساهم اعترافها في طرح القضية داخل اروقة الاتحاد الاوروبي.
توجس صهيوني
الكيان الصهيوني بدا متوجسا من الاعتراف بدولة بفلسطين، وسعى وزير خارجيته، يسرائيل كاتس، ليس للتقليل من الاعتراف، وانما لتخويف المعترفين، ليس لاقناعهم لسحب الاعتراف وانما لتخويف دول اخرى من الاعتراف بدولة فلسطين. وقال كاتس ان الاعتراف بدولة فلسطين تعد خطوة تعزز "الإرهاب".
دعوة لدول اوروبا
دعت حكومات النرويج وايرلندا واسبانيا بعد اعترافها بفلسطين باقي الدول الاوروبية للاعتراف بفلسطين كدولة، ما جعل وزير الخارجية الفرنسي يؤكد ان هذه الخطوة "ليست محظورة على بلاده، لكن الوقت ليس مناسباً الآن"، وفي ذلك اشارة إلى ان فرنسا لا تمانع من الاعتراف بدولة فلسطين، لكنها ترى ان الوضع على الارض غير مناسب لهذا الاعتراف. ويعد الموقف الفرنسي مهما نظرا لثقله داخل الاتحاد الاوروبي، عوضا عن ان فرنسا تؤيد تسوية سياسية شاملة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على أساس صيغة الدولتين، غير ان البعض يرى ان تصريح وزير الخارجية الفرنسي قد يكون له تاثير سلبي على دول في الاتحاد  الاوروبي تسعى للاعتراف بفلسطين.
ذعر صهيوني
الموقف الصهيوني الذي بدا محذرا في البداية من الاعتراف بدولة فلسطين، ظهر في، اليوم مذعورا، يتضح ذلك من استدعاء وزير الخارجية الصهيوني، سفراء الكيان في أيرلندا والنرويج فوراً إلى تل ابيب للتشاور، ردا على قرار الدولتين اعترافها بالدولة الفلسطينية، وصرح بانه يبعث اليوم رسالة واضحة ومباشرة. مؤكدا ان تل ابيب لن تتهاون مع من يعملون ضد سيادتها ويهددون أمنها.
مخاوف من مسلسل اعترافات
ومع هذا الذعر الصهيوني يبدو ان قادة الكيان يتخوفون من مسلسل اعترافات كثير من الدول بدولة فلسطين، تحت تاثير الضغوط الشعبية على الحكومات على خلفية حرب الابادة الصهيونية في قطاع غزة، فالراي العام الغربي لم يعد يحتمل صمت الحكومات تجاه ما يحصل من وحشية في قطاع غزة.
إحصائية الاعترافات
وبحسب احصائية لوزارة الخارجية في السلطة الفلسطينية بلغت الدول التي تعترف بدولة فلسطين 144 دولة، وباعتراف الدول الاربع الاخيرة تصل عدد الدول المعترفة إلى 148 دولة،ما يشكل حوالي 75٪ من اجمالي عدد الدول الاعضاء في الأمم المتحدة البالغة 193 دولة، منها 12 دولة اوروبية. بدأت الاعترافات بدولة فلسطين في العام 1988 عندما اعلنت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس، ياسر عرفات، الاستقلال الفلسطيني في 15 نوفمبر/تشرين ثان 1988، في الجزائر، خلال جلسة استثنائيّة في المنفى للمجلس الوطنيّ الفلسطينيّ. وكانت الجزائر اول المعترفة بدولة فلسطين، تبعتها عدد من الدول، وبحلولِ نهاية العام اُعترف بالدولة الفلسطينية أكثر من 80 دولة.
مشروعية قيام الدولة
وينظر للاعترافات الاخيرة بدولة فلسطين بأنها ستمهد لاعتراف دول اخرى في ظل الغضب الشعبي الذي يسود اغلب دول العالم على خلفية الوحشية الصهيونية التي تمارس في قطاع غزة، وان كانت خطوة الاعتراف تعد اخلاقية من قبل الدول المعترفة اكثر من كونها قانونية، إلا خطوة كهذه تؤكد مشروعية قيام الدولة الفلسطينية، كون الاعتراف يعني وجود العناصر التي تقوم عليها الدول في دولة فلسطين، وهو ما بات معترف به من قبل ثلاثة ارباع الدول المنضوية في منظمة الامم المتحدة، ما يساعد على تشكيل رأي عام دولي يضغط باتجاه تسوية القضية الفلسطينية وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بإقامة دولتين.


رفض للهيمنة الامريكية
كما تعد اعترافات الدول الاربع الاخيرة بدولة فلسطين رفضا للهيمنة الامريكية التي تسعى لاعاقة اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطين، والتي استخدمت في إبريل/نيسان 2024 (الفيتو) ضد مشروع قرار جزائري يوصي الجمعية العامة بقبول فلسطين عضوا في الأمم المتحدة، بعدما كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد صوتت بالأغلبية "لصالح عضوية فلسطين الكاملة"، في قرار يحمل طابعاً "رمزياً". ومن شان تزايد الدول المعترفة بدولة فلسطين المساعدة في تشكيل ضغوط دولية على الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين، خاصة وان السلطة الفلسطينية  قد اصبحت مراقباً في الأمم المتحدة، مثلها مثل الفاتيكان. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد وافقت على الاعتراف بحكم الأمر الواقع بدولة فلسطين ذات السيادة في نوفمبر/تشرين ثان 2012، وذلك بتحديث وضعها من "كيان" إلى "دولة مراقب غير عضو في المنظمة".
دلالات الاعترافات
وفي سياق دلالات الاعترافات المستمرة بدولة فلسطين؛ يرى مراقبون إن هذه الخطوة مع مرور الايام ستشكّل إجماعا دوليا يساعد على نيل فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وبما يؤدي في المستقبل إلى إلزام مجلس الأمن الدولي بإصدار قرارات متعلقة بمفاوضات السلام، تلزم الكيان الصهيوني بإنهاء الاحتلال للمناطق التي احتلها عام 1967 والعمل على الانسحاب منها. وفي هذا السياق تعد اعترافات الدول الاربع الاخيرة، فإن ما تحمله من وزن دبلوماسي سيساعد في زيادة تمثيل الموقف الفلسطيني في أوروبا، حيث سيزداد وجود السفراء والهيئات الدبلوماسية الفلسطينية وبصلاحيات من الممكن أن تساعد على إحداث مساحات لاختراق السياسيات الأوروبية الداعمة في أغلبها للموقف الصهيوني.
ثبيت الشخصية الفلسطينية
ويرى محللون ان استمرار الاعترافات سيثبت الشخصية القانونية للشعب الفلسطيني ويعزز علاقاته الدولية وفقا للقواعد القانونية مع المجتمع الدولي، على طريق تقرير مصير الشعب الفلسطيني، وذلك عبر السياسة الناعمة، وسيرا في طريق الضغط على الدول دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي الرافضة للاعتراف بدولة فلسطين، وعلى الاخص الولايات المتحدة الامريكية.
اعترافات مشروطة
ولكن ينبغي الاشارة إلى ان اعترافات الدول الغربية بدولة فلسطين تأتي في سياق صيغة الدولتين، ما يعني ان هذه الدول لن تكون مع النضال الفلسطيني اذا تجاوز حدود العام 1967، وربما تكون هذه الاعترافات قد جاءت في اطار ما تلمسه الحكومات المعترفة بما يعتمل في العالم من تغيرات ستاتي على شكل النظام الدولي أحادي القطب، وهو ما سيكون سببا في حصول انقسامات في الداخل الفلسطيني بين القوى التي ستقبل بصيغة الدولتين، والقوى التي سترفض هذه الصيغة وستتمسك بقيام دولة فلسطينية على كامل التراب الفلسطيني.
الصراعات الصغرى في ضوء الصراعات الكبرى
ومما سبق يمكن القول ان الصراع الذي يشهده العالم اليوم سيلقي بضلاله على القضية الفلسطينية، على اعتبار ان التناقضات التي لا يمكن التوفيق بينها والتي كانت موجودة سابقًا لم يعد من الممكن أن تتواجد معًا؛ لان اي ازمة تعد إنشاء لنقطة توازن جديدة، وهي في الاراضي الفلسطينية، اما ان ينتصر الكيان الصهيوني وداعميه، وابرزهم الولايات المتحدة، وهو ما يعني ألا تكون هناك دولة فلسطين، او انتصار المعسكر المناهض للقطبية الاحادية، وهو ما يعني ان يتضرر الكيان الصهيوني بشكل كبير وسيره في طريق الزوال، وبروز القضية الفلسطينية بشكل كبير ما يجعل حلم قيام الدولة الفلسطينية امرا واقعا، لكنه سيظل مرهونا بموقف القوى الدولية الصاعدة. لكن لابد من الاخذ في الاعتبار القاعدة السياسية التي تتلخص في ان حل الصراعات الصغيرة لا يتم بمعزل عن الصراع الرئيسي حول الهيمنة العالمية، لان نتائج الصراع الرئيسي ينتج عنها إنشاء الوضع الراهن الجديد في الصراعات الأصغر. ولذلك يمكن القول ان مصير فلسطين لن يكون بالضرورة في غزة، بل انه سيتعداه نحو الصراعات الدولية الاكبر، ومن ابرزها الصراع الغربي الروسي في أوكرانيا، وتاثير ذلك على المنطقة المحيطة بفلسطين والممتدة من بحر الصين الجنوبي إلى الخليج العربي وغرب افريقيا، لكن الاعترافات الجديدة بدولة فلسطين تاتي اهميتها من ان حرب الابادة في غزة هدفت لتصفية القضية الفلسطينية، غير انه ظهر العكس، وهو توسع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وان كان على أساس، صيغة الدولتين.