يونيو 5, 2024 - 16:32
مقترح بايدن.. هل يضع خاتمة لوقف الحرب على غزة ؟      


 
أروى حنيش 

الآن يجد بنيامين نتنياهو نفسه واقعاً في فخ نصبه لنفسه، في محاولته استخدام القوة الساحقة من الأسلحة النارية الفتاكة للقضاء على حماس. من الواضح أن هذا النهج أثبت عدم فعاليته، فالحرب غير المتكافئة، كما يُطلق عليها، قد أحبطت جميع القوى العظمى في العالم.
ولو حققت استراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي فعلاً أهدافها، فإن "المحكمة الجنائية الدولية" لما كانت بصدد إعداد أوامر اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه جالانت اللذين ما زالا طلقاء حتى الآن، رغم الأدلة الدامغة والموثقة لارتكاب إسرائيل جرائم حرب إبادة جماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية.
الإصرار الإسرائيلي على تدمير مدينة رفح هي وسيلة بدائية، وغير فاعلة لمحاولة القضاء على المقاومة الوطنية الفلسطينية، ربما هي أمنيات، بعيدة عن الحقائق الميدانية، التي انهكت الجيش الإسرائيلي، وأفقدته قدراته، رغم فارق ميزان القوة العسكرية، إلا أن الجيش الاسرائيلي يواجه أساليب مختلفة في القتال في حروب المدن، وتكتيكات حروب العصابات أفقدته توازنه، وتكبده خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات. وحتى لو تم تدمير رفح وتسويتها بالأرض، فالمقاومة متحولة ومتنقلة، وهي في كل مكان في قطاع غزة.
كل ما يمكن قوله عن المستقبل القريب هو أن هذا الصراع، لن ينتهي في المدى المنظور، حتى لو تمت التسوية من دون استحقاق الشعب الفلسطيني لدولته المفقودة. ففي غزة لم يتبق شيء يمكن قصفه، ولا يوجد مكان يأوي إليه سكان غزة، فإن هذه الحرب لن تحط أوزارها، بل ستكون فقط قد أكملت مرحلتها الأولى.
من الناحية الواقعية، لا يمكن للأمم المتحدة، أو المحاكم الدولية، أو أوروبا، وقف الحرب، لكنها في محصلتها ضغوطات تحمل الإدارة الأمريكية مسؤوليتها، وهي في نفس الوقت مساندة داعمة لوقف جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني التي أصبحت شاهدة على خلل في المؤسسات الدولية، التي لا تقيم لها إسرائيل وزنًا وتضرب بقرارتها عرض الحائط. وحدها راعية الحرب الولايات المتحدة  من تستطيع لجم إسرائيل، وأن تفعل شيئاً لكبح جماح بنيامين نتنياهو في كل هذا الجنون. وهو يرى العالم يقف ضده، ويرى  التظاهرات في الجامعات الأمريكية والأوروبية، وفي شوارع العواصم الأوروبية لها ثقلها الموازي إلى جانب صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في مقاومة العدوان الصهيوني، إلى جانب المحاكم الدولية، ومواقف بعض الدول الأوروبية بالاعتراف رسميًا بدولة فلسطين وإقامة علاقات دبلوماسية معها  كل ذلك شكل كتلة مواجهة لوقف الحرب، وهذا يذكرنا بما قاله أحد الرؤساء الأمريكيين عن الحرب القاسية التي كانت تخوضها بلاده في جنوب شرقي آسيا، "فيتنام الشمالية لا تستطيع هزيمة الولايات المتحدة، فالأمريكيون وحدهم هم الذين يستطيعون القيام بذلك". وقد كان محقاً إلى حد ما، لأنه في نهاية المطاف، كانت الضغوط السياسية الشعبية التي مارسها الشعب الأمريكي هي التي أنهت حرب فيتنام قبل نحو خمسين عامًا، الأمر الذي أدى إلى عودة القوات وغالبية أسرى الحرب الأمريكيين إلى وطنهم. الأمر نفسه ينطبق على إسرائيل، التي تواجه العالم ببشاعة مجازرها على قطاع غزة سيتعين على الولايات المتحدة، وقف شلال الدماء، ومنع بنيامين نتنياهو من جر بلاده إلى ما تسميه إحدى منظمات حقوق الإنسان التابعة لهم "الهاوية الأخلاقية"، ما يجعلها بلاداً غير آمنة أكثر من أي وقتٍ مضى في تاريخها، وذات صداقات أقل بشكل متزايد، ومعزولة في منطقة معادية وغير مستقرة، وهذا ما استدعى الإدارة الأمريكية إلى إنقاذ إسرائيل من ورطتها، بعد فشلها في تحقيق أهدافها، بإعلان بايدن خطة إنهاء الحرب.

مقترح بايدن  

خطاب الرئيس الأمريكي  جو بايدن الجمعة الماضية تضمن مقترحًا لإنهاء الحرب مزمنًا بثلاث مراحل لوضع حلول وسطية، فهو يحاول أن يرضي كافة الأطراف في المنطقة. لأن واشنطن معنية بشكل مباشر بأمن إسرائيل واستقرار إسرائيل والحفاظ على كل ما يمس إسرائيل بخطر. وبالتالي فهي مقتنعة تمامًا بالبحث عن آليات تعطي أمدًا طويلا ببقاء الحياة لهذا الكيان الصهيوني في فلسطين. الإشكالية في أمريكا هي أن نتنياهو حتى اللحظة مستمر في  الحرب، بالرغم من الضغوطات التي بدت واضحة من قبل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية، وإعلان بعض الدول الأوروبية بالاعتراف بدولة فلسطين والتظاهرات المنددة بجرائم الابادة الجماعية والمطالبة بوقف الحرب. ومشاهد الجرائم أمام العالم لا تستطيع حكومة بايدن أن تتجاهلها، وبالإضافة إلى الضغوطات السياسية، بايدن أمام انتخابات رئاسية، وهو لا يريد أن يخسر معركته الانتخابية لكسب أصوات الناخبين.
ويبدو هناك إلتفافا سياسيًا ما حصل في الأيام الأخيرة، ما بين أعضاء في الحكومة الإسرائيلية أو في مراكز القرار الإسرائيلي، وما بين إدارة بايدن، وهو  
 ما طرح الكثير من التساؤلات حوله، لاسيما في ظل بقاء نتنياهو واستمراره في الحكومة الإسرائيلية، فبايدن غير مقتنع ببقاء نتنياهو في السلطة، نتيجة مواقف نتنياهو لدعم الحزب الجمهوري، وهناك دفع في هذا الاتجاه من قبل اليهود الصهاينة. فنتنياهو يدرك أن الحزب الديمقراطي بحاجة لأصوات الجاليات العربية والمسلمة، والمتعاطفين مع الفلسطينيين، بالإضافة إلى اللوبي الصهيوني ( اليهودي)، وهذا اللوبي اليهودي قادر على أن يعطي ورقة الأفضلية في النجاح أو الفوز، وقادر أن يخفض الأصوات، وبالتالي يمكن أن يودي بالإدارة الأمريكية الحالية إلى الهاوية، ويصبح ترامب أو أي رئيس قادم، لكن من دون بايدن. ونتنياهو يدرك أنه يخدم المشروع الصهيوني ككل، فلا خلاف على مسألة اجتثاث المقاومة مع الإدارة الأمريكية، وحتى مع اللوبي اليهودي، ومع الصهيونية العالمية، ولا خلاف على القضاء على المقاومة الفلسطينية، والانتقام من الفلسطيني. الخلاف حول إيجاد مخارج سياسية، وأيضًا مخارج إعلامية دون أن يكون هناك حرج للإدارة الأمريكية الحالية. في الوقت الذي  يضرب نتنياهو بعرض الحائط كل ماله علاقة بأية مخارج أو أية قرارات دولية من مجلس الأمن، أو محكمة العدل والجنائية الدوليتين، فهو غير مكترث بكل ما يجري، وهذا تمرد بالمناسبة علني..  السؤال الأهم هل يعقل أن العالم بأكمله غير قادر على لجم هذا المجنون ومجرم حرب الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني ؟
مازال الأمريكي حتى اللحظة يمسك بزمام الأمور، ومازال قوة الخصم الأمريكي هائلة وكبيرة، لابد من الاعتراف بذلك وإن كنا نختلف معه وندينه، لكن من شروط الانتصار إدراك ما لدى الخصم من قوة..فالأمريكي مازال قويًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وتقنيًا وصناعيًا وإعلاميًا، ومازال قويًا حتى في تمرير الشعارات التي يبحث عنها أو يريد تسويقها للعالم، حتى في الجزئية المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذه هي التي بدأت تمس بهيبته. 
فما يجري من حراك في جامعات النخبة الأمريكية والجامعات الأوروبية، وعلى مستوى الشارع، حرك المياه الراكدة تجاه القضية الفلسطينية. فالأوروبيون، كحكومات أو تابعيات مقتنعون بأداء الإدارة  الأمريكية والمصالح الأمريكية في العالم، لذلك حتى الآن لم يتغير شيء في المشهد الدولي وإن كان هناك صعود لدول مثل الصين وروسيا ودورهما الدولي، ومع ذلك هناك متغيرات، لابد أن تحدث تبدلات في موازين القوى العالمية. يبدو حراكهما أصبح فاعلاً ومؤثرًا، مهما حاولت الإدارة الأمريكية تصعيد الحروب وافتعال التوترات، ومنها دعم أوكرانيا بالأسلحة الاستراتيجية، وهذا ما يعقد الصراع، ويجعل مسألة الحرب  الكونية وشيكة.. وقد لا تخلو من استخدام أسلحة نووية في حال تدخل الناتو في أوكرانيا، أو تهديد روسيا بأي هجمات ومن أي دولة.
يبدو أن الإدارة الأمريكية، قد اقتنعت بما وصلت إليه حرب غزة، وتريد أن تتفرغ للحرب الأوكرانية، لذلك    
فهي تضغط على نتنياهو بالتسوية والوصول إلى إنهاء الحرب. أي أن على نتنياهو أن يقبل بالخطة الأمريكية، وفق هذا السيناريو المرسوم، بخصوص التسوية السياسية في المنطقة وتحديدًا في المفاوضات للوصول إلى قرار وقف إطلاق النار بشكل كلي، مع العلم أن التصريحات الإسرائيلية أكدت أن المعركة قد تستمر لسبعة أشهر قادمة. تلك التصريحات غدت جوفاء عن الحقائق الميدانية، وهي لمجرد التسويق الاعلامي، بينما إسرائيل لا تحتمل المزيد قبل سقوطها في الهاوية، ومهما حاول المعترضون على مبادرة بايدن، وتحميل نتنياهو المسؤولية في حالة قبوله المبادرة، فإن وزير المالية سموتريتش قد هدد بالاستقالة، فيما هدد بن غفير بالانسحاب من هذه الحكومة، وقال بأنه" لا يعلم شيئًا عن هذه المبادرة، ولم يطلع عليها، ولم تعرض على مجلس الحرب". في حين وصف سموتريتش القبول بمقترح بايدن "استسلام وهزيمة إسرائيل" 
أما بالنسبة لحماس، فقد تعاطت معها بايجابية، ولم تعارضها، بل قالت بأن لديها تعديلات على المقترح، لكنها لم تعلن عنها، وارسلت وفدها إلى القاهرة للتفاوض على المبادرة الجديدة. وإلى أن يحدث مسار جديد في التحول لإنهاء الحرب، سنبقى نحن في حال انتظار، فيما يستمر الفلسطينيون في معاناتهم التي ستحتاج عشرات السنين، فيما لم يعد أحباءهم، ذلك ثمن باهض يدفعه الشعب الفلسطيني على درب الحرية والكرامة، فهل سينال بعد كل هذه التضحيات استقلاله، هذا هي المسألة الرئيسة في الصراع.