يونيو 4, 2024 - 15:54
بايدن يعلن خطة الاستسلام الإسرائيلية لوقف الحرب على غزة 

توفيق سلاّم

إطلالة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الجمعة 30 مايو الماضي، كانت ضرورة حتمية لابد منها، لإنقاذ إسرائيل من مستنقع غزة، في خطابه الذي تضمن مقترح وقف الحرب. يبدو بأن هناك قناعة أمريكية لإنهاء الحرب في غزّة، وأهمية أن يعرض بايدن بنفسه من البيت الأبيض في كلمة له عن مقترح المبادرة على العرب، وعلى الإسرائيليين على حد سواء، مشتملة على لمساته وتفسيراته.
ويتضمن مقترح بايدن ثلاث مراحل: 
 المرحلة الأولى: تستمر 6 أسابيع تشمل وقف إطلاق النار بشكل كامل، وانسحاب إسرائيلي من غزة بشكل كلي، وعودة النازحين إلى منازلهم، وادخال 600 شاحنة من المساعدات الغذائية.
المرحلة الثانية: تبادل جميع الأسرى الذين على قيد الحياة 
المرحلة الثالثة: بدء خطة اعمار غزة، وإعادة جثامين القتلى.
هذا العرض يعد الأول من نوعه منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر الماضي وتوقيته يشير إلى قرار الاحتلال الاستسلام مع فشله تحقيق أهدافه المعلنة ومنها استعادة الأسرى وتدمير المقاومة.
 وقبل ذلك كانت هناك مبادرة الوسطاء مصر وقطر، لم تقبل بها إسرائيل، وهناك مبادرة إسرائيلية، حركة حماس لن تتعاطى معها، لأنها رأت أن نتنياهو نفسه يطرح الأفكار ثم يتنصل منها خلال المفاوضات لكسب الوقت واستمرار الحرب، وهذا النهج امتد طوال الأشهر الماضية وكل أفكار المفاوضات كانت على هذا النحو، يرسل فريقاً أمنياً ليفاوض، ثم يتنصّل من الاتفاق الذي يصل إليه الفريق أو يضع عليه ملاحظات وهكذا. لكن نتنياهو، هذه المرّة، وبعد إلقاء بايدن خطاب الجمعة، لا يستطيع أن يتنصّل من الأفكار المطروحة، بالرغم من وصف رئاسة الوزراء الإسرائيلي لمقترح بايدن "بالضعيف، وغير الدقيق،  وأنها لا تحتوي على بند يلزم إسرائيل بوقف الحرب"، بالرغم من أن البند الأول يشمل وقف إطلاق النار.

فكرة المبادرة

  بايدن استغل أنه من يطرح الفكرة/ المبادرة الإسرائيلية، لكي يضفي عليها تفسيرات أمريكية، قد لا تعجب نتنياهو. فالمراحل الانتقالية الثلاث التي جاء عليها بايدن باعتبارها محطات في الورقة الإسرائيلية شبه حتمية، ولن تكون خاضعة للتفسيرات الإسرائيلية بنجاح مرحلة أو أخرى، فالانتقال عملياً شبه فوري، وإذا لم يكن فورياً، يحدُث اتفاق ليكون كذلك، وليبقى وقف إطلاق النار مستمراً.  ويبدو أن بايدن أخذ المبادرة الإٍسرائيلية وأضفى عليها لمساته في طريقة عرضها، من ضمنها الانتقال من مرحلة إلى مرحلة يكون بوقف إطلاق نار شامل، ومن ضمنها أيضاً إذا نجحت المرحلة الثانية والتزمت حماس بالتزاماتها، يتم الانتقال إلى وقف إطلاق شامل.
فهذه المبادئ لم تتوفر في الخطاب أو المبادرة الإسرائيلية، لكن المختلف هذه المرّة، أن بايدن قال إنه هكذا يفهم المبادرة الإسرائيلية: إنها تقود إلى وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وانسحاب إسرائيلي وبداية الإعمار.

ردود أفعال المقاومة 

 المقاومة الفلسطينية تعاملت مع هذا المقترح بإيجابية، ولم ترفضه، وأعلنت أن هناك تعديلات عليها، أي أنها أكدت تعاطيها بإيجابية مع مسودة المقترح، وارسلت وفدها المفاوض إلى القاهرة. إلا أن الإسرائيليين أبدوا امتعاضهم، وهناك رفض مطلق للمقترح من طرف المسؤولين المتطرفين اليهود الصهاينة في مجلس الحرب، سموتريتش يهدد بأن هذه خطة استسلام، وسيستقيل في حال القبول بها، وبن غفير يهدد بالانسحاب من الحكومة.
بايدن استغل أنه هو الذي يعرض المبادرة الإسرائيلية، وهذه خدمة كبيرة لإسرائيل، يبدو الهدف منها، تأمين إلتفاف الشارع الإسرائيلي حولها. 

فالإدارة الأمريكية اغتنمت وجود مبادرة إسرائيلية جاءت بضغط منها، على قاعدة أن هناك فرصة ذهبية لا تريد الإدارة الأمريكية تفويتها لتحصل على ما تريد، خصوصاً ما يتعلق ببدء محادثات تطبيع سعودي إسرائيلي علني قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية تشكل إنجازًا لإدارة بايدن من دون أن تنجز مقاصدها بالكامل بالضرورة.
ويرى محللون سياسيون بأن بايدن يعتقد أنه ربما إذا حدث وقف إطلاق النار فقد يخفف هذا ضغط التظاهرات المناوئة للحرب في غزة خلال فترة الانتخابات، وأن ظهور بايدن العلني يكبّل نتنياهو لجهة عدم قدرته على الخروج والانسحاب مما وافق عليه، وإضافة تفسيرات تقود هذا الاتفاق إلى وقف النار إذا التزم به الجميع.. الأهم هنا كيف ستتعامل الحكومة الإسرائيلية مع تفسيرات بايدن، قد يحاول  المسؤولون الإسرائيليون  أن يخرجوا للرأي العام بمقولات تهدئ روع اليمين على وجه الخصوص، ولذلك من المبكّر الحديث عن اتفاق، فنتنياهو لا يزال مصراً على الاستمرار في الحرب، وهو ما دفع مستشاره للأمن القومي للحديث عن الحاجة إلى 7 أشهر للحرب. وهو لا يملك أي تصور لليوم التالي للحرب، وهذا أمر كارثي بالنسبة له، لأنه إذا انسحبت إسرائيل الآن أو خلال 90 يوماً، فلا توجد قوة منظمة تسيطر على غزّة الآن غير حركة حماس، وهو يعتقد أنه إذا انسحب من دون ترتيب قوى عربية أو دولية أو حتى السلطة الفلسطينية لتستلم غزة، فسيبقى هناك حكم عسكري في غزّة، وبالتالي يفقد الانسحاب معناه، ومن سيدير حياة السكان في القطاع في ما يتعلق بالخدمات الضرورية، والاضطرار لحكم غزة عسكرياً، هو ما يخشاه الجيش الإسرائيلي لأنه ليس جاهزاً لذلك، ولا يريدها..!
ولأول مرة يقف وزير الخارجية أنتوني بلينكن بما يحمله من أفكار صهيونية، للحديث عن ضرورة تقديم إسرائيل تصوراً لليوم التالي للحرب،  فالإدارة الأمريكية تريد أن تفرض على نتنياهو القبول بتصورها. وأعرب عن اعتقاده أن الأمريكيين يريدون تغيير الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لأنهم يريدون سلطة فلسطينية متجددة لتدير الضفة الغربية وقطاع غزة مرتكزة بشكل أساسي على أجهزة الأمن الفلسطينية، وهذا الأمر لن يمر، خصوصاً أن "حماس" لن تقبل به، في غياب حكومة وفاق وطني.
وإذا كان هم بايدن، أن تبدأ مراحل الاتفاق للتفرغ للانتخابات الرئاسية، خصوصاً في ظل المقاطعة الواسعة من أوساط عربية وإسلامية وتقدمية للتصويت له، فإنه تبقى المعضلة في غياب أي ضمانات لتحقيق ذلك، بسبب عناد رئيس الحكومة الإسرائيلية وائتلاف نتنياهو الذي يمكن أن ينحل. وربما خطاب بايدن يدعم المعارضة المحتملة الإسرائيلية، في إشارة إلى الوزيرين في مجلس الحرب غادي أيزنكوت وبني غانتس. وبالرغم من انخفاض شعبية نتنياهو،
لا تزال هناك شعبية لنتنياهو، لأن نتنياهو يقود الحرب في هستيريا شعبية، ويلتف اليمين في حزب الليكود حوله، لكن ذلك لا يكفي لتشكيل حكومة. وبحسب استطلاعات الرأي، وهو ما يظهر في تأييد أكثر من 60% من المجتمع الإسرائيلي وقف الحرب مقابل صفقة تبادل الأسرى.

مضامين المبادرة 

 واشنطن معنية بشكل مباشر بأمن إسرائيل واستقرار إسرائيل والحفاظ على كل ما يمس إسرائيل بخطر. وبالتالي فهي مقتنعة تمامًا بالبحث عن آليات تعطي أمدًا طويلا ببقاء الحياة لهذا للكيان الصهيوني. الإشكالية في أمريكا هي أن نتنياهو حتى اللحظة مستمر في  الحرب، وأن مسودة صفقة التبادل لم تشمل أي بند يلزم إسرائيل بوقف الحرب، كما يقول نتنياهو بالرغم من الضغوطات التي بدت واضحة، من الإدارة الأمريكية، على نتنياهو بالتسوية والوصول إلى انهاء الحرب. أي أن على نتنياهو أن يقبل بالخطة الأمريكية. تأتي هذه المبادرة تزامنًا مع الضغوط من قبل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية، وإعلان بعض الدول الأوروبية رسميًا الاعتراف بدولة فلسطين بالإضافة إلى تأييد 140دولة لقيام دولة فلسطين، فضلاً عن   ضغوطات تظاهرات "ربيع الإنسانية" في جامعات النخبة الأمريكية وفي أوروبا المنددة بجرائم الإبادة الجماعية، بحق أبناء الشعب الفلسطيني ومطالبتها بايقاف الحرب.
لذلك فإن مبادرة بايدن هي السيناريو المرسوم، بخصوص التسوية السياسية لحرب غزة، للوصول إلى قرار وقف إطلاق النار بشكل كلي، وهذا ما تطرقت إليه مسودة المقترح لإنهاء الحرب، مع العلم أن التصريحات الإسرائيلية تؤكد أن المعركة ستستمر لسبعة أشهر قادمة، وهذا مجرد ايحاء، بأن إسرائيل مازالت تمتلك من عوامل القوة، وفي الحقيقة إسرائيل منهارة، وهذا المقترح ينقذها، ويلملم ربما شتاتها بالرغم من الخلافات الداخلية العاصفة.  

تأزم العلاقة

 العلاقة المتأزمة بين نتنياهو والحزب الديمقراطي الأمريكي ظهرت الآن للعلن بشكل مرير، وتتخذ صورة نقاشات ساخنة تغلف المشهد السياسي الأمريكي في موسم انتخابي مشتعل بالتوترات والخلافات، في طبيعة علاقة رئيس وزراء إسرائيل مع الإدارة الأمريكية الحالية. فرئيس الحكومة الإسرائيلية اليميني تخلى بصورة حادة عن العلاقة الاستراتيجية مع الحليف الأكبر، وهي سياسة كانت تتخطى الحدود الحزبية، ليلقي بنفسه في المعسكر الجمهوري. هذه الاستراتيجية التي انتهجها نتنياهو منذ العام 1915 ساهمت في تحطيم الإجماع الأمريكي على الوقوف خلف إسرائيل ودعمها بشكل مطلق، حسب ما تقول واشنطن بوست.
ويبدو أن هذه الخلافات المخفية، كانت ضمن تأثيرها، بأنها  سرعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من وتيرة هذا التحول الكبير، حيث يتفتت الإجماع الأمريكي حول دعم إسرائيل على الخطوط الحزبية من جهة، وعلى الفئات العمرية من جهة أخرى. ويمثل هذا الانقسام في الاحتجاجات الغاضبة، بصفة خاصة في في جامعات النخبة الأمريكية، وفي النقاشات الساخنة بين الديمقراطيين، وهو ما يمثل تحولاً جوهرياً في السياسات الأمريكية. 
يقول السيناتور كريس ميرفي (وهو ديمقراطي)،
"لا اعتقدأن هناك أي طريقة أخرى للتعبير عن الموقف: نتنياهو كارثة مطلقة بالنسبة لدعم إسرائيل حول العالم"،  موضحاً: "هنا في الولايات المتحدة اتخذ نتنياهو قراراً متهوراً بأن يدمج نفسه مع الحزب الجمهوري واتخذ مواقف واضحة جداً في السياسة الأمريكية، وكان لهذا الموقف تداعيات خطيرة للغاية". لكن نتنياهو ليس مسؤولاً وحده عن هذا التحول. فقد اتجهت إسرائيل بشكل ثابت خلال العقدين الأخيرين تجاه اليمين المتطرف، بينما اتجه الحزب الديمقراطي أكثر جهة اليسار. في الوقت نفسه، تآكلت ذكريات المحرقة التي لطالما أُستغلت لتغذية التعاطف الشعبي الأمريكي مع إسرائيل، وهذه العوامل معاً لا تنفي حقيقة واضحة وضوح الشمس، وهي أن نتنياهو هو من قاد استراتيجية الإصطفاف مع اليمين الأمريكي، بحسب مساعدين سابقين له تحدثوا لواشنطن بوست، وهو قرار تسبب في تغذية الصدام مع الرئيس بايدن، رغم أن الأخير يجسد التعاطف الديمقراطي التقليدي مع إسرائيل.
فما هي مخاطر ذلك على إسرائيل؟
من الصعوبة بمكان المبالغة في تقدير حجم المخاطر بالنسبة لإسرائيل جراء ما فعله نتنياهو، فالجميع في تل أبيب وواشنطن متفقون على أمر واحد، الدعم الأمريكي الدبلوماسي والعسكري أمر جوهري بالنسبة لإسرائيل المحاطة بجيران أقوياء، وتواجه الآن قضايا وعزلة دولية غير مسبوقة. وفي هذا السياق، قال السيناتور ميرفي، وهو عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إنه حذر نتنياهو مرات عديدة على مدى السنوات العشر الأخيرة من مخاطر الاصطفاف بهذا الشكل الفج مع الجمهوريين، لكن نتنياهو "لم يرغب أبداً في الاستماع للنصيحة"، فهو
يدرك أن الحزب الديمقراطي بحاجة لأصوات اللوبي الصهيوني ( اليهودي)، وهذا اللوبي اليهودي قادر على أن يعطي ورقة الأفضلية في النجاح أو الفوز، وقادر أن يخفض الأصوات، وبالتالي يمكن أن يودي بالإدارة الأمريكية الحالية إلى الهاوية، ليصبح ترامب أو أي رئيس قادم، لكن من دون بايدن. 
في العام 2015، ألقى نتنياهو خطاباً أمام الكونغرس، كانت حينها الأغلبية للجمهوريين، دون أن يخطر الرئيس الأسبق أوباما. جاء خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها بمثابة انتقاد حاد وعنيف للاتفاق النووي مع إيران، وهو ما اعتبره كثير من الديمقراطيين "تدخلاً في الشؤون الداخلية لواشنطن"، بينما جاء ذلك على هوى الجمهوريين.
نتنياهو لم يتوقف عند هذا الحد، بل أعلن مباشرة دعمه لمرشحي الحزب الجمهوري للرئاسة. كان وقتها دونالد ترامب وينافسه ميت رومني، وهو أيضاً ما اعتبره الديمقراطيون تدخلاً في الشؤون الداخلية.
اليوم نتنياهو يستعد لتكرار ما فعله عام 2015، أي التوجه لواشنطن لإلقاء خطاب أمام الكونغرس بدعوة من رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون، في ذروة الخلافات العلنية مع إدارة بايدن الديمقراطية.
لهذه الأسباب وغيرها تبدو الخلافات بين حكومة إسرائيل اليمينية برئاسة نتنياهو وبين إدارة بايدن الديمقراطية للعلن على خلفية خطط جيش الاحتلال اجتياح رفح واستمرار ارتكاب المجازر بحق النازحين فيها، وتفاقم الأزمة الإنسانية بصورة صارخة. ومن المهم هنا استكمال الصورة من ناحية طبيعة الخلاف. فإدارة بايدن تختلف مع نتنياهو في الأساليب، وليس في الأهداف، فكلاهما متفقان للقضاء على المقاومة الفلسطينية بشكل نهائي، لكن إدارة بايدن ترى الفشل المتكرر للحليف الاستراتيجي وجيشه يوقعها في حرج أمام المجتمع الدولي، وتسعى جاهدة لإنقاذها. أما نتنياهو فلا يريد سوى استمرار الحرب مهما كانت التكلفة على المدنيين الفلسطينيين، وعلى جيش الاحتلال ومستقبل دولته، إذ أن توقفها يعني نهايته سياسياً والزج به خلف القضبان على الأرجح، وهذا ما حذر منه بن غفير لحكومة نتنياهو، بأن الحكومة تعد منتهية في حالة قبوله بالصفقة الأمريكية.
الجمهوريون متحمسون للغاية ليأتي نتنياهو إلى واشنطن ويلقي خطاباً أمام جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ، فهم واثقون من أن نتنياهو سيفتح النار على بايدن والديمقراطيين ويتهمهم بالتخلي عن إسرائيل في وقت المحنة، بينما سيوجه التحايا والدعم للجمهوريين وموقفهم الصلب من دعم تل أبيب. على الجانب الآخر، يرفض الديمقراطيون مزاعم نتنياهو، بل حضوره إلى واشنطن وإلقاء خطاب في الكونجرس. 
صحيفة هآرتس نشرت تحليلاً عنوانه "السيناتور تشاك شومر: لا تدعُ نتنياهو، ليس حليفكم وليس صديقكم ولم يكن يوماً كذلك". كاتب تحليل هآرتس، آلون بنحاس، وصف شومر بأنه "داعم قوي لإسرائيل"، ونصحه بأن لا يدعو نتنياهو إلى الكونجرس، لأن رئيس الوزراء هدفه الوحيد الآن هو أن يضر بفرص جو بايدن في الانتخابات المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني لصالح منافسه الجمهوري المحتمل دونالد ترامب.

زيارة بايدن

زيارة بايدن لإسرائيل لتقديم الدعم المطلق وأرسل حاملات الطائرات وغواصة نووية إلى المنطقة لتزويد إسرائيل بالأسلحة والعتاد، كل ذلك  لم يغير من مواقف نتنياهو. على الرغم أن بايدن ظل يرفض بشكل قاطع أي حديث عن وقف إطلاق النار، متبنياً الموقف الإسرائيلي بشكل متطابق.
لكن الغضب الشعبي العارم حول العالم وفي الداخل الأمريكي نفسه بدأ يدق ناقوس الخطر بالنسبة للرئيس الأمريكي، وتعالت الأصوات داخل أروقة الإدارة الأمريكية نفسها مطالبة بموقف أمريكي "أكثر توازناً"، واستقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية وقدم موظفون في الوزارة اعتراضات علنية على الانحياز الأعمى لإسرائيل والتغاضي عما ترتكبه من جرائم "حرب إبادة جماعية" واستهداف متعمد ومتكرر للمدنيين في قطاع غزة.

النقطة الأخطر 

النقطة الأخطر في هذا السياق بالنسبة لإسرائيل تتمثل في تداعيات اصطفاف نتنياهو مع الجمهوريين، وقطع الصلة مع الديمقراطيين بشكل عام. وعبر بعض الزعماء الإسرائيليين عن القلق من تصرفات نتنياهو قد تدمر بشكل مستدام الدعم الأمريكي الموحد لإسرائيل.
إيهود أولمرت، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق وأحد قادة الليكود السابقين، قال لواشنطن بوست إن "الاستراتيجية الحزبية لنتنياهو تسببت في تآكل الدعم الأمريكي الشعبي لدولة إسرائيل"، وقال "أعتقد أن هذا تهديدًا حادًا للاحتياجات الأساسية لدولة إسرائيل، إذ أن تهديد هذا الإجماع على أهمية الحزبين بالنسبة لنا قد يكون تهديداً خطيراً للغاية لشعور النظام الأمريكي الرسمي والشعبي بحتمية الدعم المطلق لإسرائيل".
لكن على الرغم من الدور الكبير الذي لعبه نتنياهو في الوصول إلى هذه النقطة غير المسبوقة في علاقة إسرائيل مع الحزب الديمقراطي، إلا أن هناك عوامل وتغيرات أخرى في المشهد العام، داخل إسرائيل نفسها وداخل أمريكا وعلى مستوى العالم، لعبت معاً أدواراً مركبة في هذا الشأن.
فإسرائيل أصبحت أكثر ميلاً نحو اليمين، بينما في الولايات المتحدة تزايد الاهتمام بين قطاعات عريضة من الديمقراطيين بشكل خاص وبين الأجيال الأصغر بشكل عام بقضية فلسطين عموماً. وجاءت الحرب على غزة لتجسد هذا الاهتمام والوعي بصورة غير مسبوقة.
نشطاء كثيرون في حركة "حياة السود مهمة"، التي تشكلت بعد مقتل جورج فلويد المواطن الأمريكي من أصول أفريقية على يد رجال بيض من الشرطة الأمريكية عام 2020، تفاعلوا مع القضية الفلسطينية وشكلوا تياراً منتقداً لإسرائيل كقوة احتلال، في الوقت نفسه أصبحت هذه الحركة ومنتسبوها يمثلون جزءاً مهماً من الحزب الديمقراطي. وهناك حركة "المقاطعة ووقف الاستثمار والعقوبات" هي أيضاً تشكلت في أمريكا قبل سنوات للاحتجاج على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. لكن لا شيء تسبب في تهشيم تعاطف التيار التقدمي بين الديمقراطيين مع إسرائيل أكثر من أفعال نتنياهو وتصريحاته الاستفزازية، حسب ما يرى الديمقراطيون.
وما من شك في أن الجرائم والمجازر التي ارتكبها ولا يزال جيش الاحتلال بحق المدنيين في قطاع غزة على مدى ثمانية أشهر ايقضت الضمير العالمي، وأشعلت  نيران الغضب الشعبي العام حول العالم وفي الداخل الأمريكي نفسه.

الخلاصة مبادرة بايدن، يسعى من خلالها إلى كسب أوراق سياسية، تمكنه من كسب أصوات الناخبين، فهناك عدد الجاليات العربية ومن بلدان إسلامية حوالى 12 مليون نسمه، وهذا رقم مؤثر في التصويت، بالإضافة إلى كسب المعارضة الإسرائيلية، واليهود، لكسر اصطفاف نتنياهو مع الجمهوريين وعداءه المعلن للحزب الديمقراطي وسياسييه، وآخرهم الرئيس الحالي بايدن، تسبب في تقويض أهم نقاط قوة إسرائيل وهي الإجماع الأمريكي على دعمها مهما فعلت.