أبريل 17, 2024 - 14:52
توسع أنشطة البحرية الهندية وسط تصاعد التوتر مع الصين


عرب جورنال / توفيق سلاّم - 
الهند هي أحدى الدول الصاعدة في منطقة جنوب آسيا، ووجودها الجيوسياسي في هذه المنطقة، يمنحها الكثير من الامتيازات الجيو استراتيجية القادرة على أن تكون قوة توازن، خاصة مع تزايد المواجهة الأمريكية مع الصين في المحيطين الهندي والهادئ.

فالهند لعقود من الزمن، ركزت سياستها الدفاعية على حدودها البرية مع منافسيها، وبالأخص باكستان والصين، والآن مع توسع طموحاتها العالمية، لأن تصبح ضمن الدول المتنافسه على ريادة العالم. ومؤخرًا بدأت باستعراض قوتها البحرية في المياه الدولية، بما في ذلك دوريات مكافحة القرصنة والانتشار على نطاق واسع بالقرب من البحر الأحمر وبحر العرب.

توسع البحرية الهندية

تولي الهند اهتمامًا خاصًا بتطوير سلاحها البحري،  لاسيما مع اشتداد التوتر، بينها وبين الصين على مناطق النفوذ في المحيطين الهندي والهادئ.  وأطلقت الهند سفينتها "ساندهاياك" في فبراير 2024، وهي أول سفينة استطلاع كبيرة، في حوض بناء السفن في مدينة "فيساخاباتنام" الواقعة على الساحل الشرقي للهند. السفينة مخصصة بإجراء مسوحات بحرية واسعة النطاق على الموانئ والمرافئ والطرق الملاحية والمناطق الساحلية والبحار العميقة، لتعزيز الملاحة البحرية الآمنة. كما ستكون هذه السفينة قادرة على القيام بمجموعة من العمليات البحرية، وفق موقع "إنديا ستراتيجيك" الهندي المتخصص بالدراسات الاستراتيجية.
ووصف وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ، في خطابه خلال عملية تدشين سفينة "ساندهاياك" بأن هذا التطور التقني لهذه السفينة "سيعزز دور الهند كقوة عظمى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تساعد البحرية الهندية في الحفاظ على السلام والأمن". وأعرب عن أمله بأن تقطع سفينة الاستطلاع الجديدة مساراً طويلاً في الحصول على معلومات حول المحيطات وتحقيق الهدف المزدوج المتمثل في حماية الهند وغيرها من الدول الصديقة، مشدداً على أهمية حماية التجارة الدولية في المحيط الهندي من القراصنة.
وأكد وزير الدفاع بأن موقف الهند متمثل في الحفاظ على حرية الملاحة والتجارة بين مختلف البلدان، وقال: "الغرض من قوتنا المتنامية هو ضمان نظام عالمي قائم على القواعد، ووقف الصيد غير القانوني وغير المنظم في المحيط الهندي ومنطقة المحيط الهادئ، وتقوم البحرية بإيقاف الاتجار بالمخدرات والاتجار بالبشر في هذه المنطقة، وهي ليست ملتزمة بوقف القرصنة فحسب، بل أنها ملتزمة أيضاً بجعل هذه المنطقة بأكملها سلمية ومزدهرة". ورأى بأن سفينة «ساندهاياك» ستؤدي دوراً حاسماً في تحقيق السلام العالمي.
وفي السياق ذاته صرح  رئيس أركان البحرية الهندية الأدميرال هاري كومار، أن مشروع إطلاق سفينة الاستطلاع الكبيرة يسلط الضوء على الأهمية المتصاعدة التي توليها الحكومة والبحرية للشرط الأساسي للنشاط البحري. وأكد الأدميرال كومار أنه يجري بناء 64 سفينة وغواصة من أصل 66 تحت الطلب في أحواض بناء السفن الهندية.
وتأتي هذه الخطوات في إطار مساعي نيودلهي لتعزيز حضورها على الساحة الدولية، وتحقيق توازن مع البحرية الصينية.
وكانت الهند قد نشرت ما لا يقل عن 12 سفينة حربية قرب البحر الأحمر.  يقول مسؤولون هنود:"إن لدى الهند حالياً سفينتين حربيتين في خليج عدن، وما لا يقل عن عشر سفن حربية في شمال وغرب بحر العرب، إلى جانب طائرات استطلاع. وأضافوا أن هذا هو أكبر انتشار للهند في المنطقة، حسب زعمهم.

منافسة البحرية الصينية

تحرص الهند على تعزيز نفوذها البحري في المحيطين الهندي والهادئ، ضمن استراتيجية طموحاتها البحرية المتنامية تجاه منافستها الإقليمية الصين.
وقال "تشاولا" نائب الأدميرال أنيل كومار، الذي تقاعد في عام 2021 من منصبه رئيساً للقيادة البحرية الجنوبية للهند، "إن انتشار القطع البحرية الهندية -بما في ذلك في خليج عدن- يسلط الضوء على الهند بوصفها "مساهماً استباقياً" في الصراع البحري الدولي، وأضاف: "ما لم تكن الهند قوة بحرية، فلن تتمكن أبداً من أن تطمح إلى أن تصبح قوة عالمية". ويرى بأن الهند، أصبحت قوة إقليمية كبيرة، وتضع نفسها لاعباً عالمياً اليوم، وهي قوة عالمية قادمة".
وأشار تشاولا إلى أن توسيع البحرية الهندية "هو رسالة للصين مفادها، أنه يمكننا نشر مثل هذه القوة الكبيرة في المحيط الهندي، هذا هو الفناء الخلفي لدينا".

النفوذ الصيني

كانت الصين قد عززت وجودها على مر السنين في المحيط الهندي، وهي طريق رئيسة لإمداداتها من الطاقة، ولديها أكبر قوة بحرية في العالم من حيث عدد السفن، أي أكثر من ثلاثة أضعاف حجم البحرية الهندية، لكنها تبقى القوة البحرية الثانية في العالم من حيث تصنيف القوة بعد البحرية الأمريكية، حسب موقع "الدليل العالمي للسفن الحربية العسكرية الحديثة" المتخصص في تصنيف القوى البحرية العالمية. 

ميزانية الجيش الهندي
عمقت بكين مشاركتها في المحيط الهندي بشكل رئيس من خلال صفقات البنية التحتية مع جيران الهند، بنجلاديش وسريلانكا ومؤخراً جزر المالديف. وقال اللفتنانت جنرال دي إس هودا، وهو ضابط هندي سابق وخبير استراتيجي الآن: "يتطلع الصينيون إلى مزيد ومزيد من القواعد البحرية في المحيط الهندي الممتد". وأضاف: "وبالنظر إلى ذلك، ليس لدى الهند أي خيار آخر سوى الاستمرار في بناء قواعدها الخاصة".
ويقول خبراء إن المنافسة المتنامية مع الصين تحفز الهند على اقتناء مزيد من السفن والغواصات والطائرات المتقدمة والاستثمار بشكل أكبر في التكنولوجيا والبنية التحتية. وارتفعت حصة البحرية في ميزانية الدفاع الهندية، ووصلت إلى 72.6 مليار دولار العام الماضي، إلى 19 في المائة بعد أن كانت نحو 14 في المائة. ويحصل الجيش الهندي تقليدياً على نصيب الأسد من الميزانية العسكرية، وفق وكالة "أسوشييتد برس".

 شراكات استراتيجية
 
خلال تدريبات للحلف الرباعي (كواد) في المحيط الهادئ في 27 أغسطس 2021 
تنخرط الهند والولايات المتحدة وأستراليا واليابان في تحالف استراتيجي في المحيطين الهندي والهادئ، وهو حلف "كواد" الرباعي، الذي يتهم الصين باستعراض عضلاتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي والدفع بقوة لمطالباتها الإقليمية البحرية بالتخلي عن أنشطتها في هذه المنطقة، وهو مطلب الدول المشاطئة لبحر الصين الجنوبي. حيث تُجري هناك أساطيل الدول الأربع في حلف "كواد" بانتظام تدريبات يُنظر إليها على أنها جزء من مبادرة مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد في المحيط الهادئ.

نقل التقنية إلى الهند

وبناء على ما سبق فإن الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف الناتو، يسعون إلى احتواء الهند، لذا  يتوجهون بشكل كبير بالإغراءات العسكرية والطائرات لنقل التكنولوجيا إلى الهند، بهدف جذبها إلى المعسكر الغربي، بعيدًا عن حليفها الاستراتيجي روسيا، وكذلك لمضاهاة الصين، وتزويدها بأحدث الأسلحة وآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال حافظت فرنسا على علاقات متينة مع الهند على مدى العقود الماضية، وكانت السباقة بإنشاء مفاعلات نووية فيها وتزويدها بالأسلحة التي تحتاجها، وتسعى فرنسا التي تفقد نفوذها في القارة الأفريقية أن تجد في الهند شريكًا لها، ومشتريًا مغريًا لأسلحتها.
ومن هنا نلاحظ أن التحركات السياسية الدولية التي تقوم بها الهند، تعطي انطباعًا، بأن هناك سباقًا من أجل التموقع في باب الزعامة على العالم بين الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وتركيا.
وشهدت العلاقات الهندية – الغربية انفراجة واسعة وتقدمًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، تزامنت مع مجيء إدارة بايدن إلى البيت الأبيض، وبدء هذه الإدارة في إنشاء ما يسمى حلف الأطلسي الآسيوي. ونتذكر أن أول قمة افتراضية عقدها الرئيس بايدن كانت في مارس/ آذار 2021، وهي القمة التي ضمت رئيس الولايات المتحدة جو بايدن ورؤساء وزراء كل من الهند واليابان وأستراليا، الأعضاء في مجموعة (إكواس). وتكررت هذه القمم لهذه المجموعة وهي من ضمن استراتيجية أمريكية تحولت فيها نقطة التركيز على آسيا، كانت ضمن هذه الخطوات الاتفاق على مشروع "الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي" وعندما نقول إن المحور الأساسي في الاستراتيجية الأمريكية في آسيا، هذا يعني بصورة ضمنية أن الولايات المتحدة الأمريكية تنتهج استراتيجية احتواء النفوذ الصيني، والهند في المفهوم والمنظور الاستراتيجي الأمريكي تلعب دورًا في هذه الاستراتيجية، لذلك كان الاستقبال حافلاً لرئيس الوزراء الهندي "مودي" في واشنطن، منتصف العام الماضي، وما رافق الزيارة من تركيز على الشراكة الاستراتيجية الهندية الأمريكية، في إطار ما يُعرف (الأندوباسفيك) أو استراتيجية المحيطين الهادئ والهندي، بالإضافة إلى البعد الاستراتيجي الذي يدور أساسا حول احتواء الدور الصيني في المحيطين وفي العالم، فهناك أيضا أبعاد اقتصادية، فمن المعلوم أن الهند مرشحة بحلول عام 2030 لتصبح ثالث اقتصاد في العالم، وبذلك ستحل محل ألمانيا.  
والهند متقدمة في مجال تكنولوجيا المعلومات وصناعات المستقبل. ولا غرابة أن نجد رؤساء مجالس غالبية إدارات شركات التكنولوجيا المتقدمة في الولايات المتحدة من أصول هندية، حتى إن رئيس البنك الدولي هو أمريكي من أصل هندي، ورئيس وزراء بريطانيا من أصل هندي هذه الاعتبارات السياسية  والاقتصادية والتكنولوجية والاستراتيجية هي الإطار العام الذي تتحرك فيه السياسات الغربية تجاه الهند.
إن ما يؤشر إلى الهند أنها عرفت بصورة جيدة كيف يمكن أن تلعب دورًا في الانقسام الدولي العمودي الحاصل اليوم، فالمشهد الدولي يقول إن هناك مجتمعًا غربيًا يتمثل في الولايات المتحدة وشركائها، ومجتمعًا آخر يتمثل بروسيا والصين وحلفائهما. وهنا اتخذت الهند ممارسة الازدواجية في السياسة الدولية.
فهي عضو أساسي في مجموعة "بريكس"، ومعنى ذلك أنها حليف للصين وروسيا، في الوقت نفسه هي من ألد أعداء الصين الاستراتيجيين في تحالف "كواد" العسكري الذي يهدف إلى احتواء النفوذ الصيني، على الجانب الآخر نجد الهند تستفيد من أزمة العقوبات الغربية على روسيا، فهي تستغل هذه الأزمة بشرى كميات كبيرة من النفط الروسي بأسعار مُخفضة، وتبيعه بالسعر العالمي، وبهذا فهي تريد توطيد علاقاتها بالغرب لكي تستفز الصين، وهناك مازلت مشكلة الحدود بين الدولتين عالقة رغم تجدد أحداثها بالاشتباكات من وقت لآخر، بالإضافة التوسع البحري في القواعد العسكرية، لكلا الدولتين في المحيطين الهندي والهادئ. وعلى الجانب الآخر  تريد الهند أن تبقى إلى جانب روسيا والصين في مكان ما لضمان مصالحها الاقتصادية، ولأن ترسانة الجيش الهندي هي بالأصل روسية إلا أن الهند في السنوات الأخيرة تنوع ترسانتها من دول عديدة. وفي هاتين الحالتين تكون قد استفادت من الغرب ومن الشرق في الوقت نفسه، وهذه السياسة البراجماتية ربما تخدم الهند في الحسابات السياسية الدولية، إذا ما وقعت في شباك المؤامرات الغربية لاحتوائها، وزجها في الصراع مع الصين، أو الجيران.. فالغرب يركز جهوده على احتوائها، بطرق عديدة، كونها تمثل  رقمًا موازيًا بالقياس للكثافة السكانية للصين، واستغلال الملف الحدودي لتصعيد الخلاف، بالإضافة لذلك فإن الهند سوق كبيرة لتقنية الصناعات الغربية، وطرحها المنافسة كون العمالة ستكون رخيصة، وقربها نحو دول وسط وجنوب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط، وهي المناطق الأكثر كثافة سكانية في العالم.
 فالمخطط الغربي ترمي إلى كبح نمو الصين بالمنافسة، للحد من التوسع في النفوذ الصيني، والخيار الآخر زعزعة استقرار الصين، كون الهند تطمح أن تكون ضمن المستوى الأول في منافسة القوى العظمى، إذا لم تنهج سياسة الإتزان والحكمة، فإن القوتين الهندية والصينية ستغرق في حروب طاحنة، ستكون المستفيد منها أمريكا، لبقاء نفوذها على العالم. سياسة اللعب على الحبلين التي تنتهجها الهند، قد تنجح وقتيًا، لكن لعبة الغرب ستكون أعلى بكثير.

 الواقع يقول إن الهند حليفًا استراتيجيا لروسيا، التي وفرت لها الأسلحة خلال العقود الماضية، خاصة خلال الحرب الباردة، لكن الهند ومنذ التسعينيات بدأت بالانفتاح الاقتصادي وتنويع مصادر تسلحيها، بالتالي احتلت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل جانب توريد الأسلحة لها، بالإضافة إلى روسيا. فالموقع الاستراتيجي والقرارات الاستراتيجية من قبل الحكومة الهندية جعلتها قادرة على أن تجد توازنًا داخل الغرب. فقامت بعقد صفقات مع الغرب الذي غض النظر عن الكثير من القضايا، خاصة حقوق الإنسان في الهند. فالولايات المتحدة وحلف الناتو لا ينظران إلى العلاقات الروسية الهندية على أنها علاقات قد تؤثر في المستقبل على ماهية الصراع الروسي الأوكراني، لأن الهدف المناط بالهند هو في الأساس المحيطين الهندي والهادئ، إذ تعتبر الولايات المتحدة أن من أولوياتها مواجهة الصين، وبالتالي هي تريد للهند أن تضاهيها في ذلك. وهي الآن تستفيد من النفط والغاز الروسي، لكن علينا أن نتذكر أن التواصل بين الشمال والجنوب، وهذا الخط الذي أنشأته روسيا عبر إيران إلى الهند سيخفف من تكاليف البضائع. بالتالي الهند تبحث عن أسواق داخل آسيا الوسطى، لذلك سياستها حتى الآن ما زالت متوازنة، ولا تريد أن تتخلى عن حليفها الاستراتيجي روسيا، مقابل شريك استراتيجي هو الولايات المتحدة والغرب. وهي تملك المال وتستطيع أن تشتري ماتريد، والغرب بحاجة لبيع السلاح والتكنولوجيا والهند جاهزة للشراء، كما أنها لم تعد تتعامل مع الدول الغربية والولايات المتحدة كالبائع والمشتري، فالهند تريد نقل التكنولوجيا لتعزيز قدراتها العسكرية المستقبلية.
ومن كل ما سبق فإن الوضع الجيوسياسي في العالم  تغير، والتحركات السياسية الدولية التي تقوم بها الهند، تعطي انطباعًا بأن هناك سباقًا من أجل التموضع في باب الزعامة للعالم بين الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وتركيا، وبدأت هذه الدول تتنافس على الزعامة والاستغلال الأساسي كان من خلال الحرب في أوكرانيا، التي هي أحد ملامح التحول الدولي، بعد انتهاء الحرب الباردة، أو ما يطلق عليه نظام التعدد القطبي الذي بدأت افرازاته بظهور أقطاب دولية، تحاول الولايات المتحدة إعاقة هذا التحول، إلا أن العالم قد سئم من سياستها..  فالهند مثلاً وإن كانت لم تندد بالحرب في أوكرانيا، ودخول القوات الروسية إلى الأراضي الأوكرانية، فإنها انتهجت نهجًا محايدًا بين المعسكرين، ولم تنحز لا للغرب ولا للشرق، لأن سياستها الخارجية ما زال فيها أثر من آثار حركة عدم الانحياز، وهي تعلم أنها في الطريق لتكون إحدى القوى الكبرى في النظام الدولي، لتلعب دورًا في التوازن الدولي بين الشرق والغرب، وهي بذلك تُحصن مصالحها وتدافع عن حقوقها، وتوظف التنافس بين المعسكرين بطريقة ذكية وبُعد نظر كبير للحفاظ على استقلالها.