مارس 31, 2024 - 20:53
تفاهمات تركية - عراقية لحظر أنشطة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.


أروى حنيش

حزب العمال الكردستاني اختصارًا "بي كي كي " جماعة مسلحة كردية يسارية نشأت في سبعينات القرن الماضي في منطقة كردستان تركيا، كحركة انفصالية بمزيج فكري بين القومية الكردية والثورية الاشتراكية تسعى لإقامة دولة مستقلة في كردستان.
تعود الثورات الكردية ضد الدولة العثمانية إلى قرنين من الزمان، لكن تاريخ الصراع الحديث يعود إلى الوقت الذي ألغيت فيه الخلافة. كان الأكراد في عهد عبد الحميد الثاني، الخليفة وكذلك السلطان رعايا مخلصين للخليفة، وأصبح إنشاء جمهورية علمانية بعد إلغاء الخلافة الإسلامية في عام 1924 مصدر استياء واسع النطاق.
أدى إنشاء الدولة القومية التركية والمواطنة التركية إلى إنهاء نظام الملل الذي دام قرونًا، والذي وحد الجماعات العرقية المسلمة في الإمبراطورية العثمانية تحت هوية إسلامية موحدة. اعتبرت الدولة التركية العلمانية المُشكلة حديثًا، الجماعات العرقية المسلمة المتنوعة في الإمبراطورية التركية السابقة، ولم تعترف بالهوية القومية الكردية أو الإسلامية المستقلة. كانت إحدى نتائج هذه التغييرات الزلزالية، سلسلة من الانتفاضات في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية المأهولة بالسكان الأكراد في تركيا، بما في ذلك ثورة الشيخ سعيد التي قمعت 
بوحشية في عام 1925.

تأسيس الحزب

تأسس حزب العمال الكردستاني في عام 1974 على يد عبد الله أوجلان. في البداية كانت منظمة ماركسية لينينية، تخلت عن الشيوعية الأرثوذكسية، وتبنت برنامجًا لمزيد من الحقوق السياسية والاستقلال الثقافي للأكراد. وبين عامي 1978 و 1980، انخرط حزب العمال الكردستاني في حرب حضرية محدودة مع الدولة التركية لتحقيق هذه الأهداف. أعاد التنظيم هيكلة نفسه ونقل الهيكل التنظيمي إلى سوريا بين عامي 1980 و 1984، مباشرة بعد الانقلاب التركي عام 1980، وبعد أحداث ثورات الربيع العربي، 2011 ظلت تركيا تضغط بعدم انتشار حزب العمال على حدودها مع سوريا، وعدم الاعتراف باقليم مستقل للأكراد. 

حظر حزب العمال الكردستاني 

ومؤخرًا قطعت تركيا والعراق خطوة طال انتظارها من جانب أنقرة بشأن عدم الاعتراف بـ"حزب العمال الكردستاني"، والتعاون في وقف أنشطته في شمال العراق.
وكانت الحكومة العراقية قد حظرت حزب العمال الكردستاني قبيل الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر المقبل. يأتي ذلك في الوقت الذي من المتوقع أن تشن فيه تركيا هجومًا كبيرًا آخر ضد خصمها الكردي داخل العراق هذا الصيف. وعلى الرغم من أن الحظر العراقي لا يصل على ما يبدو إلى حد تصنيف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، إلا أنه يمثل تنازلًا كبيرًا ربما على أمل أن ترد أنقرة بالمثل في القضايا الرئيسة مثل التجارة وإدارة الموارد المائية.
واتفق الجانبان خلال اجتماع رفيع المستوى بمشاركة وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات إلى جانب مسؤولين آخرين منهم رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح فياض، عُقد في بغداد، على إنشاء لجان دائمة مشتركة، تعمل في مجالات مكافحة الإرهاب والتجارة والزراعة والطاقة والمياه والصحة والنقل، في سلة واحدة.
وناقش الطرفان المواقف المشتركة التي سيجري تبنيها، في مواجهة التطورات الإقليمية، ومختلف التحديات في المجالات الثنائية.
ورحبت تركيا بقرار مجلس الأمن القومي العراقي، بشأن تصنيف "حزب العمال الكردستاني" "تنظيماً محظوراً" في العراق.
وقالت مصادر عراقية وتركية، في وقت سابق، إن البلدين قريبان من الاتفاق على "منطقة عازلة" خلال عملية عسكرية تهدف للقضاء على "حزب العمال الكردستاني"، وتحدثت عن "صفقة مياه وطاقة" بوصفها جزءًا من المشاورات الجارية.
ومن خلال حظر حزب العمال الكردستاني، يصبح العراق في وضع أفضل لإحراز تقدم بشأن قضايا أخرى مع تركيا.
على الرغم من أن الحظر المفروض على حزب العمال الكردستاني قد لا يحقق المكاسب المتوقعة، إلا أن مراقبين عراقيين يقولون إن هناك مصلحة مشتركة قوية في دفع مشروع طريق التنمية إلى الأمام. وفي هذا السياق، هناك توقعات بإجراء محادثات رفيعة المستوى "لوضع صيغة نهائية لإيجاد حل نهائي لوجود حزب العمال الكردستاني في العراق".
ومن غير المرجح أن يكون الهجوم الصيفي التركي المتوقع حاسمًا. فحزب العمال الكردستاني لديه تحصينات عالية في جبال كردستان العراق، حيث يتمتع بوجود قوي.
وإدراكًا لعدد القتلى المدنيين في الغارات الجوية التركية الماضية، قد تؤدي العمليات العسكرية المقبلة لأنقرة إلى زيادة الضغط السياسي على الحزب الديمقراطي الكردستاني.

مقاربة تركية عراقية

المقاربة التركية الشاملة لتطوير العلاقات مع العراق، وزيارة الرئيس التركي المرتقبة لبغداد، تزيد التوقعات أيضاً بقرب استئناف شحن النفط العراقي عبر تركيا (بتدفقات 450 ألف برميل يومياً)، والذي توقف منذ 25 مارس 2023 إثر صدور حكم من غرفة التجارة الدولية، يطالب أنقرة بدفع تعويضات لبغداد تبلغ 1.5 مليار دولار عن الصادرات غير المصرح بها من قبل حكومة إقليم كردستان بين عامي 2014 و2018.

تفاهمات أمنية

 لا تزال تتطلب وقتاً لاختبار مصداقيتها وفاعليتها التنفيذية، خاصة وأن تعاون بغداد الأمني مع أنقرة ضد حزب العمال الكردستاني من المرجح أن يكون محل انقسام بين القوى الكردية العراقية، في ظل التحالف بين الحزب وبين الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية.
بالإضافة لذلك؛ فإن التفاهمات العراقية التركية تتطلب ممارسة الجيش العراقي دوراً أوسع في تأمين الحدود وهو الأمر الذي سيؤدي لزيادة نفوذ بغداد الأمني في إقليم كردستان، حيث لا تتمتع قوات البيشمركة الكردية بالموارد والقدرات الكافية لتأمين الحدود مع تركيا، وسيكون دور الجيش أساسياً في هذا الصدد، ما يهدد بإثارة جدل السيادة مجدداً بين أربيل وبغداد.

 عملت تركيا جاهدة لإعادة تنظيم العلاقات مع العراق، لسببين رئيسين هما :

1- تحول بنية حزب العمال الكردستاني في العراق من الجبال إلى المدن، وزيادة هجماته على تركيا.
2- مشروع طريق التنمية الذي توليه تركيا أهمية كبيرة، والذي سيغير مسار التجارة البحرية العالمية.

خطوات تحذيرية

 حذر الرئيس أردوغان ووزير الدفاع ووزير الخارجية ورئيس جهاز الاستخبارات الوطني مؤخرًا قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني بجدية حول علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. وزار رئيس وكالة الاستخبارات الوطنية، إبراهيم كالين السليمانية للتعبير عن انزعاج تركيا من تعاونها الوثيق مع حزب العمال الكردستاني. ليس ذلك فحسب، فقد أخبر الرئيس عبداللطيف الرشيد خلال زيارته إلى بغداد أن إدارة الاتحاد الوطني الكردستاني، فتحت مجالًا لحزب العمال الكردستاني للمناورة، مما أدى إلى زيادة الهجمات على القواعد التركية من شمال العراق.

ونتيجة للعمليات العسكرية التركية المسماة: "مخلب، قفل" منذ فترة، والعمليات التي نفذتها المخابرات ضد قادة حزب العمال الكردستاني بطائرات بدون طيار، تحول حزب العمال الكردستاني من المناطق الجبلية إلى الجنوب، نحو الموصل وكركوك ومدن أخرى، وزادت قواعده.
ولمنع ذلك، تهدف تركيا، بالتعاون مع الحكومة العراقية، إلى توسيع عملياتها العسكرية خلال أشهر الصيف. وتريد منع هجمات حزب العمال الكردستاني من خلال إنشاء خط بعمق 30 كيلومترًا من الحدود التركية، ووصف الرئيس أردوغان ذلك بأنه "إغلاق القفل".

صفحة جديدة 

خلال المباحثات مع بغداد، تم اقتراح استعراض العلاقات بين البلدين في العديد من المجالات وفتح صفحة جديدة لمشروع طريق التنمية. وفيما يلي بعض التوصيات:
1- استعراض وضع وإدارة كركوك، حيث يعيش التركمان أيضًا.
2- طرد حزب العمال الكردستاني من المدن والأراضي العراقية.
3- القيام بعملية عسكرية كبيرة في شمال العراق في فصل الصيف، مما يجعل المنطقة آمنة تمامًا. وتحقيقًا لهذه الغاية، يجري التعاون مع بغداد.
4- تأمين طريق السكة الحديدية المتوقع إنشائه من البصرة إلى الحدود التركية.

مشروع طريق التنمية 

لا شك أن إدارة بغداد متحمسة جدًّا لمشروع طريق التنمية، لكنها تحتاج إلى حل مشكلتين مهمتين: يجب أن تتوصل إلى اتفاق مع الإدارتين الأمريكية والإيرانية، اللتين لديهما قواعد مهمة في البلاد حول هذه القضية، لأنه، وإن لم تصرحا بذلك، فإن كلا البلدين يعارضان مشروع طريق التنمية والتحييد الكامل لحزب العمال الكردستاني داخل العراق. وتنتظر تركيا الآن الخطوات التي ستتخذها إدارة بغداد. ومع ذلك، فإن تركيا مصممة على تنفيذ عملية عسكرية لإنشاء خط أمني بعمق 30 كيلومترًا على الحدود العراقية خلال الصيف القادم. 
تشير تقارير إعلامية إلى أن الهجوم التركي القادم سيركز على الأرجح على جبال متينا وغارا، وهي مناطق يعتقد أن بها وجود كبير لحزب العمال الكردستاني. واستهدفت تركيا سابقًا قواعد حزب العمال الكردستاني في جبل "غارا" خلال عملية "مخلب النسر 2" في فبراير 2022. وعلى الصعيد السياسي، تضغط تركيا على الأحزاب في كردستان العراق لتقييد أنشطة حزب العمال الكردستاني المزعومة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
تتمتع أنقرة والحزب الديمقراطي الكردستاني بعلاقات سياسية واقتصادية وأمنية عميقة، على الرغم من العلاقة المثيرة للجدل بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني.
في المقابل، تتهم تركيا الاتحاد الوطني الكردستاني بتسهيل عمليات حزب العمال الكردستاني. وفي هذا السياق، استهدفت غارات جوية تركية وهي قوات تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني، في حين قامت أنقرة بتقييد الرحلات الجوية من وإلى السليمانية.