مارس 26, 2024 - 20:50
مشروع قناة بن غوريون مخطط صهيوني- أمريكي يمنح إسرائيل السيطرة على حركة الملاحة التجارية في الشرق الأوسط   


أروى حنيش

في قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في العاصمة الهندية نيودلهي في 10 سبتمبر 2023، قبل نحو شهر من عملية طوفان الأقصى على مستوطنات غلاف غزة، تم الإعلان عن الممر الهندي – الشرق الأوسطي - الأوروبي، يبدأ من الهند إلى دبي مرورًا بالسعودية والأردن وإسرائيل. وبالفعل فقد تم تدشين هذا الممر البري بين الإمارات وإسرائيل بعد أن فرضت اليمن حصارًا في البحر الأحمر وبحر العرب على السفن المتجهة إلى إسرائيل، وأوقفت الشركة الملاحية حركة التجارة البحرية من وإلى إسرائيل، واتخذت طريق الرجاء الصالح بديلا لذلك، إلا تطور تصعيد الصراع من الجانب الأمريكي، وحشد ما يسمى بتحالف "حارس الازدهار" في البحر الأحمر، وشن هجمات أمريكية- بريطانية على اليمن، صعدت اليمن من جانبها هجماتها على السفن الأمريكية والبريطانية ليتحول البحر الأحمر إلى صراع مفتوح، وفي مرحلة لاحقة انتقل الصراع إلى المحيط الهندي، وهددت اليمن باستخدام صواريخ فرط صوتية، وهو الأمر الذي فرض معادلة حصار اقتصادي على إسرائيل وتكبيدها خسائر كبيرة.


شق قناة بن غوريون

 ومع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وسياسة التطهير العرقي والتهجير القسري لسكان قطاع غزة، فإنه ليس مستبعدًا أن تقدم إسرائيل على تنفيذ مشروع شق "قناة بن غوريون". هذا المشروع في حالة تنفيذه لن تكون إسرائيل بحاجة، لاستخدام قناة السويس، ولا هي بحاجة  لدول عربية مطبعة معها، فقد تتأثر العلاقات معها سلبًا باحتجاجات في الشارع العربي على سياسات الابادة والتطهير العرقي للفلسطينيين، أو قد تنصاع هذه الدول في المستقبل لشعوبها فتنأى بنفسها عن التطبيع. وقناة بن غوريون هو مخطط إسرائيلي – أمريكي يعود لسنة 1963، طرحت فكرته ليكون بديلاً لقناة السويس بعد أن أغلقتها مصر في عهد الرئيس عبد الناصر بوجه الملاحة الإسرائيلية، إلا أن هذا المشروع لم ينفذ آنذاك، للصعوبات التي اعترضت مساره الجغرافي، في ظل بقاء قطاع غزة خارج السيطرة الإسرائيلية، لكن في حال احتلال إسرائيل للقطاع، سيتم اختصار 100 كيلومتر من الطول المخطط لهذه القناة، التي تربط إيلات على البحر الأحمر مع قطاع غزة على البحر المتوسط، حسب صحيفة "الغارديان".

لذا فإن من ضمن أهداف الحرب على قطاع غزّة  ترجمة مشروع أمريكي/إسرائيلي لربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط.
فهذه المشاريع في الشرق الأوسط  ليست جديدة، بل هي متزامنة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ تسعينات القرن الماضي، لكن تأخر تنفيذها  لأسباب عديدة. وفي الحقيقة بدت فكرة شق القناة مسألة ملحة لضرب الاقتصاد المصري من جهة، ومن جهة أخرى تفكر إسرائيل بايجاد لها منافذ بحرية تقيها من احتمالات أي حصار بحري. أضف إلى ذلك فإن مشروع الممر الهندي، أعطى تصورًا وزخمًا كبيرًا وفسح لإسرائيل المجال كي تجسّد المشروع في واقع خرائطها الميدانية، في تقاطع المشاريع الأمريكية الصهيونية الغربية في المنطقة.
وقد أدركت الولايات المتحدة أن التصريف مع المشروع الإسرائيلي، ورُحى الحرب الدائرة، سيمكنها من محاصرة مجموعة " بريكس"، بالإضافة إلى مواجهة المشروع الصيني الضخم، مبادرة "الحزام والطريق" أو ما يسمى طريق الحرير القديم، الذي باشرت الصين في إقامته، لمنافستها وتضييق الخناق عليها، وعدم إتاحة المجال الواسع لها لتتصدر الواجهة التجارية في الاقتصاد العالمي، وأن تكون اللاعب الأول تجاريًا بالمنطقة وخارجها.  هذا هو فحوى الصراع الاقتصادي بين القوى الكبرى، مع استمرار الهيمنة الأمريكية على عالم ضاق بمنطق الأحادية القطبية، ومشاريع الليبرالية الاستعمارية الاحتكارية، لنهب ثروات البلدان.
لذلك، فإن دعم الولايات المتحدة المطلق لإسرائيل وتزويدها المستمر بالسلاح والعتاد والمال، وحثها لتستمر في إحراق غزّة، لا يجد تفسيره فقط في التماهي العقائدي أو السياسي بين الحليفين وإنما متشعب لمصالح اقتصادية واسعة وجعل المنطقة حصريًا للنفوذ الأمريكي الغربي. إنّه الباب السالك لتصريف المشاريع الأمريكية القائمة على الوقوف في وجه مشاريع الصين العابرة للقارات، والتي تصل نقطها التجارية إلى مختلف بلدان العالم. 
بالتالي، فإن الغرض من الحرب على غزّة ليس تدمير سلطة "حماس" والقضاء عليها، وتحرير الأسرى، فحسب إنما هناك مشاريع كبرى ومن ضمنها إعادة احتلال قطاع غزّة، أو إعادة تشكيله وفق سياسات صهيونية، في إدارة الحكم وفق ترجمة مشروع أمريكي إسرائيلي.  

اسباب تنفيذ المشروع

سعي إسرائيل إلى تنفيذ مشروع "قناة بن غوريون" لربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، عبر ميناء إيلات.
ورغم وجود قناة السويس إلا أن هناك عدة أسباب لشق القناة الجديدة، يقول خبراء اقتصاد، من المتوقع أن تدر لها القناة البديلة ما لا يقل عن 6 مليارات دولار سنوياً قابلة للزيادة، وبالمقابل ستنخفض إيرادات قناة السويس إلى نحو 4 مليارات دولار سنوياً، أما استراتيجياً فتلك القناة ستضمن لإسرائيل السيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالمياً، وستصبح موانئها حلقة الوصل بين آسيا وأوروبا، وتصبح مصالح الدول المستوردة للنفط والغاز مرتبطة بالحفاظ على مصالح إسرائيل.

مخطط القناة

هو مشروع ضخم، بتكلفة قد تصل إلى نحو 55 مليار دولار، وصُمِّم كي يكون باتجاهين متزامنين: من البحر الأحمر إلى المتوسط، ثم من المتوسط إلى البحر الأحمر، وبحسب مخطط القناة، فإنها أعرض وأعمق من قناة السويس بطول يصل إلى نحو 260 كيلومترًا، وبعمق لنحو 50 مترًا، وهذا ما يجعلها قادرة على مرور واستقبال السفن العملاقة. وهي ذات مسارين منفصلين، إلا أنهما متوازيان، ما يجعلها مناسبة لعبور أضخم السفن والفنادق والمدن والموانئ العائمة، ونمو منتجعات سياحية، وشركات عابرة للقارات، ومناطق اقتصادية حرة، كما سيوفر هذا المشروع الاستعماري بدائل مريحة للمتهربين من الضرائب والباحثين عن الثروات، وذلك على أنقاض أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم وأرواحهم.. ومن شأن قناة بن غوريون أن تمنح إسرائيل السيطرة على واحدة من أهم نقاط الشحن في العالم، فخلال سنة 2022 مثلاً، عبرت قناة السويس حوالى 22 ألف سفينة، وهو ما يمثل 12 في المئة من التجارة العالمية، وبعائد مالي على الخزينة المصرية يصل لنحو 10 مليارات دولار سنويًا، كما أنها شريان حيوي لشحنات السلع المصنعة والحبوب والوقود الأحفوري. وتشير تقارير وكالة الطاقة الدولية إلى أن "حوالى 5 في المئة من النفط الخام في العالم، و10 في المئة من المنتجات النفطية، و8 في المئة من تدفقات الغاز الطبيعي المسال المنقولة بحراً تمر عبر قناة السويس". وكانت حادثة جنوح سفينة الحاويات الضخمة «يفرجيفن» في قناة السويس عام 2021 وتوقف حركة المرور بسبب ذلك، قد أثارت مخاوف أوروبا والولايات المتحدة، من احتمال أن يصبح هذا الشريان الحيوي للشحن العالمي نقطة اختناق، لأن القناة هي نقطة عبور حيوية لتجارتها ولمرور أساطيلها الحربية. 
يضاف إلى ذلك أن تقارب مصر مع روسيا والصين بعد انضمامها لعضوية مجموعة (بريكس)، يوفر الدافع للولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، لدعم فكرة شق قناة بن غوريون بديلاً عن قناة السويس.
وأعلنت تل أبيب عن الاستعدادات للبدء بتنفيذ قناة بن غوريون، بعد توقيع مصرعلى اتفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، التي تعمل على إنشاء مدينة نيـوم.