مارس 23, 2024 - 00:11
فشل المساعي الصهيونية الهادفة إلى القضاء على إدارة حماس المدنية في غزة الفلسطينية


عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي - 
منذ اليوم الأول لإمطار «قطاع غزة» -صبيحة الـ8 من نوفمبر/تشرين الأول- بما لا يحتمل من الصواريخ والقذائف والقنابل التي يستخدم أكثرها لأول مرة في العدوان المتواصل على القطاع منذ 6 شهور أو أقلّ ورئيس وزراء الكيان الصهيوني المحتل والرئيس الأمريكي المختل يراهنان على انفضاض الناس من حول حركة «حماس» التي لن تلبث أن تصاب -إذ ذاك- بالانتكاس، فيسهل عليهما -في حال منيت الحركة المقاومة بما كانا يحلمان من انهزامٍ قاس- وضع «القطاع» تحت سلطة البيدق «عباس» أو غيره من بيادق السلطة الشديدة الإفلاس، ولمَّا أسقط في أيديهما، ولم يتحقق لهما شيءٌ ممَّا كان معشعشًا في ذهنيهما، صارا يخططان لسحب البساط من تحت أقدام حركة «حماس» -في وقتٍ متأخر- بإغراء العشائر المعروفة بعدم ولائها للحركة بلعب دورٍ إداريٍّ في «القطاع» المحاصر، لما من شأنه عزل حركة «حماس» عزلًا شبه مباشر، بيد أنَّ بعض تلك العشائر رفض التجاوب مع تلك المطالب من منطلق إيمانه بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة في سبيل التحرر، بينما تهيَّب بعضها الآخر مجازفة التعاون مع المستعمر التي ستعرضه -دون شك- للكثير من المخاطر.

إسفاف عدم واقعية ووضوح الأهداف

لقد بات من المسلم لدى السواد الأعظم من الشعوب والأمم -بما في ذلك شعب الدولة العبرية المستجلب من معظم أنحاء العالم- أنَّ استهداف المدعو «نتياهو» سكانَ «قطاع غزة» -في ردِّ فعله على عملية «طوفان الأقصى» الرائدة- بما لا يتناسب مع الهجمة الفلسطينية المحدودة من القوة النيرانية المفرطة، وكذا ربطه أمد الحرب الوحشية ذات العدوانية المتزايدة بأهداف غير واقعية وغير قابلة للتحقق يهدفان إلى إطالة أمد بقائه في السلطة، بل إنَّ تأكيده -في كل مرةٍ يقف فيها أمام الميكرفون- على استمرار الحرب حتى تحقق ما رسم لها من أهداف نوعٌ من الإسفاف الذي بات يقابل -حتى في أوساط أنصاره المتطرفين الأجلاف- بالكثير من السخرية والاستخفاف، لا سيما وأنَّ الحضور العسكري للقسام وإدارة «حماس» المدنية للقطاع مستمرة حتى في المناطق التي تعتبرها قوات الكيان تحت السيطرة، وذلك ما يمكن أن يُفهم من احتواء الخبر الصحفي المعنون [مسؤولان إسرائيليان: حماس بدأت استعادة قدرتها المدنية شمالي ووسط غزة] الذي نشره «سعيد عموري» في «وكالة أنباء الأناضول» في الـ27 من يناير الماضي على ما يلي: (نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين لم تسمهما، أنَّّ "حماس بدأت باستعادة قدراتها في المناطق التي خفف الجيش الإسرائيلي من تواجده فيها".
وأشار المسؤولان إلى أنَّ "عدم اتخاذ قرارات بشأن قضية اليوم التالي للحرب في غزة، يُسهم في عودة سيطرة حماس المدنية على أجزاء كبيرة من قطاع غزة".
ووفقًا للمعلومات التي قدمها الجيش الإسرائيلي للمستوى السياسي -بحسب هيئة البثّ- فإنَّ "البلديات التي كانت تعمل في السابق تحت حكم حماس بدأت مؤخرًا في تقديم الخدمات لسكان غزة الذين بقوا في منطقتي وسط وشمال القطاع").

ثلاثي «الكابينت» الإسرائيلي في واقع خيالي

الحقيقة أنَّ عملية «طوفان الأقصى» قد تسببت للنخب الصهيونية لا سيما العسكرية والسياسية بصدمةٍ نفسيةٍ قياسية أثَّرت سلبا على قراراتها -سلمًا أو حربا-، وحين تسرع أعضاء «الكابينت» باتخاذ قرارات متعجلة باستهداف «قطاع غزة» بحربٍ شاملة اقتضت الزج -في أتون تلك الحرب- بوحدات النخبة المخصصة لتنفيذ المهام الصعبة وبمعظم وحدات الجيش الصهيوني فضلًا عن استدعاء معظم قوات الاحتياط الذي تطلَّب سحب عدد كبير ممَّا كان منخرطًا في سوق العمل من القوى العاملة.
ولأنَّ النتائج في شتى ميادين القتال كانت -ولا تزال- نتائج مخيبه لما كان يؤمله أعضاء «الكابينت» من آمال، فقد عمدوا -في معظم الأوقات- إلى التباهي بتحقق انتصارات من نسج الخيال تُعرضهم لسخرية واستهجان المطلعين على حقيقة ما تتكبده قوات الكيان من هزائم في الميدان، وقد أشير إلى هذا المعنى في مستهل الخبر الصحفي المطول المعنون [معاريف: حماس ما زالت الحاكم الفعلي بغزة، ومجلس الحرب يعيش في الخيال] الذي نشره موقع «الجزيرة» في الـ9 من فبراير الفائت على النحو التالي: (قالت صحيفة معاريف الإسرائيلية إنَّ مجلس الحرب -بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت والوزير بيني غانتس- بتعليقه آمالٍ على استطاعته أن يجد بسهولةٍ بديلًا مدنيًّا لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» في قطاع غزة، كمن يعيش في عالم الخيال. 
وفي مقال بعنوان «بديل مدني لحماس؟ نتنياهو وغالانت وغانتس يعيشون في عالم الخيال»، أكد «خاييم رامون» أنَّ مجلس الحرب -رغم الخسائر التي تكبدها الجيش الإسرائيلي- يتلكأ في المهمة الضرورية وهي إعطاء الأوامر بتفكيك حكم «حماس» المدني في «غزة».
 وحسب الكاتب «رامون»، فإنَّ حماس ستبقى الحاكم الفعلي في غزة ما لم يقم حكم مدني آخر، وبالتالي فليس هناك "في العالم الحقيقي" أصلًا فراغ في الحكم حتى الآن).

إفشال القوى الوطنية المكائد الصهيونية 

لأنَّ العصمة مقصورةٌ على الأنبياء، فلا يمكن أن نزعم أنَّ حركة «حماس» التي تتصدر النضال وتُضربُ بوطنيتها أروع الأمثال خاليةٌ خلوًّا تامَّا من الأخطاء إلى الحدِّ الذي يجعلها في منأى تامٍ عن الخصوم أو المعارضين، فالاختلاف في الآراء من سنن الحياة في الأحياء، إلى أنَّ الخصومة -في هذا المقام- محكومة بضوابط وطنية وحقوق مواطنة، بحيث لا تصل بالسلطة الحاكمة إلى حرمان المواطن من حقه في الحصول على الخدمة العامة والعيش في أجواءٍ مستقرةٍ آمنة، ولا تصل -بالمقابل- بالمواطن إلى استمراء الخيانة والتآمر على سيادة وطنه. 
ومن هذا المنطلق عاش فلسطينيو القطاع على اختلاف مشاربهم السياسية في ظل السلطة الحماسية وحدةً شبه قياسية يجمعهم التطلُّع إلى تحرير الوطن من البحر إلى النهر والتخلص من واقع الاحتلال والحصار والقهر، وذلك ما قد يُستشفُّ من إيراد الكاتب «هشام يونس» -في سياق مقاله التحليلي المعنون [نتنياهو.. مزيد من الاحتلال في “اليوم التالي”] الذي نشر في موقع «الجزيرة مباشر» في الـ24 من فبراير- ما يلي: (وفي محاولة لعزل حماس عن أي دور مستقبلي في قطاع غزة اقترح زعيم حزب الليكود اليميني أن تدار الشؤون المدنية في غزة بواسطة مسؤولين محليين ذوي خبرات إدارية وليسوا على اتصال بدول أو كيانات تدعم ما يصفه بـ”الإرهاب”، ويبدو أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي نسي أو تناسى أن حركة حماس تسيطر على القطاع وتديره منذ عام 2007 وأنَّ أية خبرات إدارية -إن وجدت بعد هذا الدمار والتشريد- ستكون على ارتباط ما -بدرجة أو بأخرى- بحركة حماس، وأنَّ أية قوى وطنية حقيقية لن ترضى أن تكون بديلًا تفرضه دبابات الاحتلال على سكان القطاع الذي تعرض معظمه للتدمير والتخريب).

عجز سلاح التجويع الجائر عن صهينة العشائر

لقد اضطر أبناءَ الشعب الفلسطيني ما توالى عليهم من نكبات -حرصًا منهم على سلامة هويتهم من الذوبان- إلى إنشاء كيانٍ شعبيٍّ تحت مسمى «تجمع القبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية» الذي يضم ممثلين عن غالبية القبائل والعشائر والعائلات في الأراضي الفلسطينية وفي الشتات.
وقد حاولت سلطات الاحتلال تحقق اختراقٍ في هذه الهيئة القائمة لعلها تتمكن بواسطة بعض العشائر المنظوية تحتها من نسف الالتفاف الحاصل حول المقاومة، وقد تجسد هذا المعنى في اشتمال التقرير الإخباري التحليلي المعنون [حصري: تفاصيل تحركات الاحتلال للتنسيق مع عشائر لإدارة قطاع غزة] الذي نشر في «عربي21» في الـ10 من مارس الحالي على ما يلي: (قال مفوض عام العشائر الفلسطينية في قطاع غزة«عاكف المصري» إنَّ "جيش الاحتلال حاول التواصل مع العشائر في غزة حول توزيع المساعدات وإدارة شؤون القطاع، ولكن العائلات ‎رفضت التعاطي مع هذا الطلب".
وشدد المصري على أنَّ "قوات الاحتلال تحاول -عبر حصار العائلات- إرغامها على التعامل معها مستخدمةً في ذلك سلاح التجويع بجانب القصف والقتل وقنص المواطنين على طوابير استلام المساعدات").
لكن لأنَّ أبعاد إنشاء هذا التجمع وطنية، فقد استعصى على محاولات الاختراق المتكررة من قِبل السلطات الصهيونية، وفي هذا المعنى جاء في مستهل التقرير الإخباري التحليلي المعنون [عشائر وعائلات غزة: نرفض أن نكون بديلًا عن أيِّ نظامٍ سياسي] الذي نشر في «الجزيرة نت» يوم الأحد الـ10 من الشهر الجاري ما يلي: (رفضَ تجمعُ عائلات وعشائر غزة أن تكون بديلًا عن أيِّ نظام سياسي في قطاع غزة، جاء ذلك في أعقاب محاولات من سلطات الاحتلال الإسرائيلي لخلق كيان قابلٍ للانصياع يكون بديلًا عن سلطة حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في القطاع.
فقد قال تجمع القبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية -في بيان أصدره اليوم الأحد- "إنَّ القبائل ليست بديلًا عن أيِّ نظام سياسي فلسطيني، بل إنها مكوّن من المكوّنات الوطنية وداعمة للمقاومة ولحماية الجبهة الداخلية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي").