مارس 12, 2024 - 20:53
الاتفاق الدفاعي بين تركيا والصومال.. هل يمنح تركيا أن تكون لاعبا في توازنات القرن الأفريقي ؟


أروى حنيش


 التطورات الإقليمية والدولية الساخنة والمتسارعة، فاجأت تركيا والصومال العالم بتوقيع "اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي"، الأمر الذي أثار تساؤلات حول الغرض والتوقيت، لاسيما وأنه يأتي تزامنا مع التصعيد العسكري المكثف الذي يشهده البحر الأحمر منذ الحرب على غزة في السابع من أكتوبر الماضي،  واستهداف الجيش اليمني السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية، لا سيما بعد قرار صنعاء مساعدة ودعم أهلنا في فلسطين، وتقول صنعاء أن الهجمات ضد السفن التي تحاول العبور إلى إسرائيل لن تتوقف، طالما بقي العدوان والحصار على غزة.
في تقرير  نشرته صحيفة "ديريليش" التركية، قال الكاتب حيدر عروج إنه في خضم كل هذه الضبابية، جاءت أقوى معارضة لإسرائيل من اليمن، الذين طالبوا بوقف هجمات إسرائيل على غزة مهدّدين بعدم السماح للسفن المرتبطة بإسرائيل بالمرور عبر البحر الأحمر إذا لم يتم ذلك.
ومنذ أن نفذت القوات اليمنية تهديدها، وشنت هجماتها على السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر، أدّى ذلك إلى تحويل أنظار العالم إلى هذه المنطقة، وأهميتها الاستراتيجية في قلب الصراع مع الكيان الصهيوني، فمعظم وارداته التجارية تمر عبر البحر الأحمر وتشكل النسبة الأعلى ب 34 في المئة، وهنا تأتي حجم الكارثة التي تواجهها إسرائيل في حصارها الاقتصادي الذي تفرضه اليمن، بضرب السفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة.
وبالتزامن مع تطورات هذه الأحداث والمناخات غير المستقرة التي تشهدها المنطقة جراء التصعيد الأمريكي في منطقة البحر الأحمر، وهو ما انعكس سلبا على مزيد من التوترات الأمنية في الجوار الاقليمي، لاسيما مع تشكيل الولايات المتحدة تحالف "حارس الازدهار" وهو ما ينذر بارتفاع وتيرة التصعيد، واحتمال اتساع رقعته خصوصا مع إصرار الولايات المتحدة حماية أمن إسرائيل، وتوفير لها المناخات الآمنة لاستمرار جرائمها الوحشية في الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. هذه الأوضاع المهترئة وفي ظل هذه المناخات المضطربة، تحاول تركيا، إيجاد لها قاعدة عسكرية في المنطقة لتوسيع نفوذها في القرن الأفريقي، من خلال إبرام اتفاقية دفاعية مع الصومال لتبرير وجودها في المنطقة.

اتفاق عسكري مشترك 

 وقعت تركيا والصومال اتفاقاً في مجال التعاون الدفاعي تقول ديباجتها أنه لمدة عشرة أعوام، يسمح للجيش التركي بحماية السواحل البحرية للصومال، ويمنح أنقرة حق استغلال 30 في المئة من ثروات الساحل الصومالي، الأطول في القارة الأفريقية، وتضمّن توقيع اتفاقية للتعاون، دفاعياً واقتصادياً، ومكافحة جرائم القرصنة، ومنع التدخلات الأجنبية، والصيد غير القانوني، وتهريب السلاح، وتدريب القوات البحرية الصومالية وبناءها وإمدادها بالمعدات.
ورأت الحكومة الصومالية، على لسان وزير الإعلام داوود أويس جامع، في الاتفاقية حمايةً لسيادتها، فيما اعتبر رئيس الوزراء حمزة عبدي بري أنها "تنهي مخاوف الصومال من الإرهاب والقرصنة، وتمنع التهديدات والانتهاكات الخارجية".
ورغم أن رئيس الصومال حسن شيخ محمود أكّد أن "الاتفاقية لا تستهدف أي طرف ثالث"، فإن من بين عدة دلالات هامة لتوقيعها توقيتها وأبعادها، فقد جاءت بعد شهر تقريباً على الاتفاق بين إثيوبيا وحكومة "أرض الصومال" يقضي بتأجير أديس أبابا ميناء "بربرة" من أرض الصومال لإيجاد منفذ لها على البحر الأحمر، وهو ما رفضته مقديشو وأنقرة، بوصفه "اعتداءً مباشراً على سيادة الصومال، باعتباره يهدد بتأجيج الأوضاع وعدم الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي".
وقال بيرقدار إن البلدين سينفذان أنشطة مشتركة في المياه الداخلية للبلاد والمناطق البحرية للسماح للشعب الصومالي بالوصول إلى الموارد الهيدروكربونية.
وأضاف: "نهدف إلى تعزيز حضور تركيا في القرن الأفريقي من خلال تعزيز تعاوننا بشكل أكبر في مجال الطاقة".
ولم يصل الوزراء إلى حد توضيح تفاصيل الصفقة، التي من المحتمل أن تتضمن أنشطة التنقيب عن الهيدروكربونات والحفر.

العلاقه التركية الصومالية

تعود علاقة تركيا بالصومال إلى زمن تأسيس قاعدة عسكرية تركية هناك عام 2011، وتبلغ قيمة المساعدات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية التي قدمتها أنقرة إلى مقديشو نحو مليار دولار، وقامت ببناء مطارات وطرق ومستشفيات ومبانٍ حكومية، ومنحت آلاف الطلاب الصوماليين إمكان الدراسة في جامعاتها ودرّبت الجيش الصومالي، تحت عنوان مكافحة الإرهاب. ومن خلال سياستها في الصومال حاولت الانتشار في أفريقيا.
لم يتم توقيع الاتفاقية فقط بسبب التعاون بين إثيوبيا وأرض الصومال، التي اعلنت انشقاقها عن الصومال عام 1990، والتي لم يتم الاعتراف بها من معظم دول العالم، بل أيضاً لأن منطقة القرن الأفريقي تُعَدّ أهم ممر لتجارة السفن في العالم، وجميع الدول مهتمة بها، فهل سيكون للاتفاقية بين الصومال وتركيا تأثيرات في المنطقة على جانبي خليج عدن، اليمن وجيبوتي والصومال، حيث توجد بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة و"إسرائيل"، ولديها تأثير في منطقة القرن الأفريقي، وقواعد عسكرية
ولا بدّ من التنبه من أن الخيار الصومالي لعقد اتفاقية مع أنقرة نابع من كونها عضواً في حلف شمال الأطلسي، أي الناتو. ويهدف الاتفاق، بالنسبة إليها، إلى ردع جهود إثيوبيا من أجل الوصول إلى البحر عبر أرض الصومال الانفصالية.
وفي إشارة إلى مذكرة تفاهم وقعتها إثيوبيا مع "أرض الصومال غير المعترف بها دولياً  تم منح أديس أبابا ميناءً بحرياً ومنفذاً على البحر الأحمر، الأمر الذي رفضته مقديشو. إلا أن الاتفاقية تأتي في ظل ما يجري حالياً في البحر الأحمر، ودور اليمن في منع مرور السفن الإسرائيلية دعماً للمقاومة الفلسطينية، وقيادة أمريكا تحالفاً دولياً لمواجهة اليمن.

ويُعتقد أن هذه الخطوة ستجعل إثيوبيا تعيد النظر في قرارها، بل قد تدفعها إلى إبرام اتفاق مباشر مع الصومال للوصول إلى البحر الذي تحتاجه، ربما بوساطة تركية. ويمكن القول -أيضا- إن تركيا طرف في هذه الاتفاقية للحفاظ على مصالحها في المنطقة وحماية نفسها من أي أحداث مفاجئة؛ بسبب التطورات في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.

اتفاقية إطارية

وكما هو واضح من اسمها ومحتواها، فهذه الاتفاقية هي "اتفاقية إطارية"، ولتحقيق استكمال تفاصيلها، يتطلب أن يصدّق عليها البرلمان التركي لتدخل حيز التنفيذ، ثم تحديد ما سيتم القيام به وكيف سيتم من خلال اتفاقيات مختلفة.
وجاءت الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي  وسط توترات مستمرة بين إثيوبيا والصومال بشأن اتفاق مثير للجدل وقعته أديس أبابا مع منطقة أرض الصومال الانفصالية. ورفضت الصومال بشدة الاتفاق الذي ورد أن إثيوبيا، وهي دولة غير ساحلية، تعهدت بموجبه بالاعتراف باستقلال أرض الصومال مقابل الوصول إلى البحر الأحمر عبر ميناء في المنطقة الانفصالية. ودفع الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال حكومة مقديشو إلى إعلان إثيوبيا "عدواً"، مما أثار المخاوف من نشوب صراع مسلح بين البلدين الإقليميين.
قدمت أنقرة ومقديشو تفسيرات مختلفة إلى حد ما لاتفاقية التعاون الدفاعي في فبراير. وأكد الرئيس حسن شيخ محمود أن تركيا ستدافع عن بحار بلاده لمدة 10 سنوات بموجب الاتفاق، في حين أكد مسؤولون أتراك أن الاتفاق لا يهدف إلى التأثير على دولة ثالثة، في إشارة واضحة إلى إثيوبيا.
وبينما امتنع المسؤولون الأتراك عن الكشف عن التفاصيل الكاملة للاتفاق، الذي لا يزال في انتظار التصديق التركي، قال المسؤولون الأتراك إنه يهدف إلى تطوير " قدرات الصومال وإمكاناته على مكافحة الأنشطة غير القانونية وغير النظامية في مياهه الإقليمية".
وشدد مسؤول بوزارة الدفاع التركية  على أن صفقة الدفاع كانت بمثابة اتفاق “إطاري” وأن وفداً من تركيا قام مؤخراً بزيارة إلى الصومال لمناقشة “أنسب الإجراءات المطلوبة لدعم الصومال”.


أبعاد الاتفاق

تستهدف أبعاد الاتفاق توسعة التعاون العسكري والأمني الثنائي بين تركيا والصومال، لا سيما أنه يستهدف أيضاً التدريبات العسكرية المشتركة، كتدريب "كتائب جرجور" التي تعد نواة الجيش الصومالي، وتقديم المعدات اللازمة للقوات الصومالية، بما في ذلك الطائرات المسيرة التركية "بيرقدار"، إضافة إلى تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون ضد الإرهاب، الأمر الذي يعزز الدور التركي دولياً وعالمياً في أفريقيا، خاصة عقب تراجع الحضور الأوروبي عموماً، والفرنسي على وجه الخصوص، في القارة الأفريقية. ومن بين أبعاد توقيت الاتفاق المشار إليه أنه يأتي قبيل مغادرة قوات حفظ السلام الأفريقية "أتميس" الصومال في ديسمبر 2024.

سيساهم الاتفاق الدفاعي بين تركيا والصومال في تعزيز الدور التركي لتصبح فاعلاً إقليمياً مهماً في القارة الأفريقية، ويجعلها ضمن سياسة "الحزام الآمن" التركية التي أعلنها إردوغان عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة في مايو 2023، والتي تقضي بمدّ النفوذ التركي إلى الأقاليم المهمة المحيطة بتركيا كافة.

الاتفاق الدفاعي بين تركيا والصومال يعني أن تركيا ستكون حاضرة في جغرافيا واحدة من أهم الدول الأفريقية التي لم تكن محلّ اهتمام دولي طوال العقود الثلاثة الأخيرة، على الرغم من أهميتها الاستراتيجية وموقعها اللوجستي في القارة الأفريقية. يُذكر أنّ تركيا تدير عدداً من الموانئ البحرية والجوية الرئيسة في مقديشو، إذ بنت وأدارت مطار مقديشو، وهذا يوفر 80% من عائدات الحكومة الصومالية. وبالتالي، فإن الاتفاق يعني أن تركيا ستكون موجودة في البحر الأحمر ومتمددة فيه، ولن تكتفي بسواحل الصومال التي تمتد من المحيط الهندي وخليج عدن وباب المندب، مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات تمسّ الأمن القومي العربي والأفريقي والعالمي أيضاً، وهو ما تنبّهت له الولايات المتحدة الأمريكية، فذهبت بعد أسبوع واحد فقط من الاتفاق الدفاعي بين تركيا والصومال إلى توقيع اتفاق أمني مع الصومال في 15 شباط/فبراير الجاري، تعهَّدت بموجبه واشنطن بتوفير تدريب وتأهيل عالي المستوى للجيش الوطني الصومالي، وتطوير قدرات لواء دنب المعروف محلياً باسم "قوات البرق"، لتمكينه من مواجهة التحديات الأمنية للبلاد؛ وذلك إلى جانب بناء 4 مراكز تدريب عسكرية في مقديشو وبيدوا وجوهر وطوسمريب وكيسمايو.

الاتفاق الدفاعي بين تركيا والصومال سيعزز حضور الصومال في المشهد الدولي والأفريقي وقدرته على مواجهة التحديات الداخلية والتصدي لأطماع إثيوبيا في سواحل الصومال، وخصوصاً أن هناك اتفاقاً أمنياً آخر جديداً بين الصومال وواشنطن، وبالتالي سيصبح الصومال الذي تجاهله العالم طوال العقود الماضية بوابة لتحديد ملامح خارطة التفاعلات الإقليمية والدولية في القارة الأفريقية والبحر الأحمر.