فبراير 16, 2024 - 20:58
ثبات الحاضنة المجتمعية وتماهيها مع المقاومة الفلسطينية نسفا كل المخططات العدوانية وأسقط كافة الرهانات الصهيونية

عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي - 
لأنَّ الحاجة أمّ الاختراع، فقد حمل تخلي الحاضنة العربية عن القضية الفلسطينية الشعبَ الفلسطيني على خوض الصراع مع الكيان الاحتلالي الصهيوني الغاصب الذي يستهدف أبناء فلسطين -منذ 76 عامًا- بكافة وسائل القتل والتشريد والاقتلاع، حتى لقد دفعته غريزة «الصراع من أجل البقاء» إلى ابتكار وسائل مقاوماتية متسمة بالعشوائية والبدائية، بدءًا بمواجهة الماكينة الصهيونية بالمقلاع والحجر، ثم ما لبثت تلك الأساليب المقاوماتية أن تتطور تنظيمًا وتسليحًا مسفرةً عن تشكُّل فصائل المقاومة التي تواجه في «قطاع غزة» -لأكثر من أربعة أشهر- «قوات الكيان الصهيوني» ومن ورائها إمكانات حلف «الناتو» الذي يشهد -بكل تحسُّر- ما يتكبده «الجيش الذي لا يقهر» -بأيدي رجال المقاومة الفلسطينية- من خسائر وما يتخلل أداءه -بالرغم من كثافة القصف المدمر- من تعثر.
وما كان للفصائل الفلسطينية -ممثلة بأجنحتها المقاتلة- أن تحقق ما حققته من نتائج ميدانية مذهلة، لولا توافر الحاضنة المجتمعية الباسلة التي لا تتوانى عن تقديم التضحيات بصورةٍ متواصلة في سبيل قضيتها الوطنية العادلة.

دور المقاومة في تهيئة حاضنة متضامنة

ممَّا لا يُختلف حوله أنَّ فصائل المقاومة الفلسطينية لم تتشكل في ظرف يومٍ وليلة، بل تشكلت نتيجة إعدادٍ جاد استغرق عقود، ولأنَّها تأسست بجهود شخصيات مناضلة على أسس تربوية جهادية وقيم فاضلة، فقد حرصت تلك الشخصيات على تعبئة الحاضنة المجتمعية بقيم مماثلة، وقد أشار إلى اهتمام المؤسسين الأوائل بهذه المسائل الأستاذ «ممدوح الولي» نقيب الصحفيين المصريين السابق بقوله -في سياق مقاله التحليلي المعنون [الحاضنة الشعبية الغزاوية ودورها في استمرار الصمود] الذي نشر في «الجزيرة مباشر» في الـ2 من نوفمبر- ما يلي: (درس المؤسس «أحمد ياسين» بجامعة «الأزهر»، ليعمل بعد تخرجه مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية بمدارس وكالة «غوث» اللاجئين في «غزة»، وكان يجمع التلاميذ المتميزين ويوجههم إلى المساجد لإكمال دروسهم، ويقيم لهم أنشطة ثقافية ورياضية واجتماعية، مع الاهتمام بالحفاظ على الصلاة والقرآن وصيام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، مهيئًا الحاضنة لصراع طويل الأمد مع الصهاينة). 
وقد أشير إلى دور فصائل المقاومة في إعداد الحاضنة للاضطلاع بالأدوار المساندة التي اقتضتها اللحظة الراهنة في سياق التقرير الإخباري التحليلي المعنون [بعد سيف القدس.. حماس تلتصق أكثر بحاضنتها الشعبية] الذي نشره «المركز الفلسطيني للإعلام» يوم السبت الموافق 19 يونيو 2021 على النحو التالي: (منذ نشأتها عملت حركة “حماس” على تعزيز حاضنتها الشعبية، وتسعى “حماس” عبر لجانها المختلفة إلى تعزيز التواصل مع المخاتير والوجهاء وكبار العوائل للاستماع إلى وجهات نظرهم في القضايا المختلفة، والاستماع إلى مطالبهم وشكاواهم، وهو ما يمنحها انتشارًا شعبيًّا واسعًا، عدا عن اهتمامها بقضايا المواطنين عبر الحاضنة الشعبية بعيدًا عن المكاتب الرسمية.
ولم تنقطع حركة “حماس” عبر دوائرها ولجانها المختلفة عن التواصل مع الناس في قطاع غزة على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، وقد عزّزت الحركة من هذا التواصل بعد معركة سيف القدس، لما رأته من احتضان واحتواء جماهيري غير مسبوق لخيار المقاومة الفلسطينية.
وإنّ الزيارات الميدانية التي تنظمها قيادة حركة حماس لدواوين العوائل تأتي من باب شكر الناس لاحتضانها المقاومة ومساندتها في مواجهة الكيان الصهيوني، وصبرهم وثباتهم على ما يعانونه من أزمات بسبب الاحتلال، 
وقد أطلقت حركة «حماس» قبل نحو ثلاثة أعوام -في عام 2019- “دائرة الحاضنة الشعبية”، وتهدف -بالدرجة الأولى- إلى التخفيف من معاناة المواطنين ومعالجة مشاكلهم عبر الدوائر المختلفة).

تسامي الحاضنة الفلسطينية فوق الأنانية

لعل إيمان الأمة الفلسطينية بضرورة رصِّ الصفوف وتوحيد الجهود لمواجهة المخططات الإجرامية الصهيونية قد وضعها أمام مسؤولية وطنية جماعية تقتضي من كل فردٍ من أفراد هذه الأمة المتحلي جُل أبنائها بأروع الصفات الإنسانية التسامي فوق النزعات الأنانية، وهذا ما يعكسه واقع الحاضنة الفلسطينية في تثبيت المقاومة في معركتها الراهنة مع الصهاينة، وقد تجسد هذا المعنى في احتواء الرصد الإخباري الاستقصائي المعنون [معنى الثبات أكبر من مجرد مصطلح.. غزة تلقّن العالم عقيدة الصمود] الذي أعدّه كل من:«منير بن دادي»، و«سهام سعدية سوماتي» ونشراه في موقع «الأيام نيوز» الجزائري في الـ5 من ديسمبر الماضي على ما يلي: (هجوم “طوفان الأقصى” الذي دام ساعات معدودات تسبب في معاناة نفسية عميقة بالداخل الصهيوني، جسد -بالمقابل- الصمود النفسي الفلسطيني في أقوى معانيه بشكل مثير للدهشة، رغم الدمار الذي يلف الفلسطينيين حيثما ولّوا وجوههم، ما جعل الرأي العام يدرك أن “الصمود عقيدة فلسطينية”.
وقد اتسمت قوة الصمود المذهل الذي يظهره الفلسطينيون المحاصرون في قطاع غزة بميزات استثنائية، إذ يخرج المدنيون الفلسطينيون من تحت الأنقاض مرددين -بثبات أسطوري-: “سنظل صامدين ولن ننكسر”، ثمَّ لا ينسون أن يبعثوا برسائل إلى رجال المقاومة مفادها: “إننا ندعمكم مهما أمعن العدوان في وحشيته”، مع التأكيد على بقائهم في أرضهم على الرغم من كثرة الخسائر وكثرة عدد الشهداء والجرحى).
وقد ساهمت في إبراز واحدة من صور إيثار عناصر المقاومة ودعمهم بكل ما تستطيع الحاضنة أن تقدمه في اللحظات الحاسمة الكاتبة الأردنية «إحسان الفقيه» من خلال سرد موقف مثالي في طيات مقالها التحليلي المعنون [لهذا لم تفقد المقاومة الفلسطينية حاضنتها الشعبية] الذي نشرته صحيفة «القدس العربي» في الـ4 من فبراير الحالي على النحو التالي: (يمكننا أن نستوعب معنى الحاضنة الشعبية المتقدم، من خلال واقعة حدثت في مخيم «جنين» قبل بضعة أشهر، عندما تحصّن مقاومون فلسطينيون يخوضون معركة الدفاع عن جنين، بأحد منازل المخيم التي تركها أهلها.
وجد المقاومون قصاصة ورقية كتب عليها صاحب المنزل رسالة للمقاومين: «الأكل والمونة موجودات في الدار، وفي البراد، وهناك باب خلفي يوصل إلى حوش الجيران إذا أردتم أن تنسحبوا، والدار فداكم طوبةً طوبة، المهم تضلون بخير، كما يوجد مبلغ «700 شيكل» في الفريزر إذا احتجتم نقودًا، والله يحميكم ويأخد بأيديكم»).

تفاني الحاضنة أفقد العدو توازنه

منذ أن بدأ السفاح «نتنياهو» ومجلس حربه -مساء الـ7 من «أكتوبر الأغر»- قصفه الجوي والبحري والصاروخي الكثيف على كل مظاهر الحياة في «قطاع غزة» الذي عزز -بعد أيام- بهجومٍ بريٍّ كثيف، وضع لحربه -بضوءٍ أخضر أمريكيٍّ مسبق- أهدافًا مستحيلة التحقق، والحقيقة أنَّ السلطات الصهيونية ومن ورائها الغرب الصهيوصليبي ومعظم أنظمته كانوا يهدفون -من وراء وضع أهدافهم التعجيزية- إلى كسب الوقت الكافي الذي يمكنهم من تجريد المقاومة من حاضنتها المجتمعية الغزية، ظنًّا منهم أنَّ قصف المخيمات والبلدات والمدن لأطول وقتٍ ممكن سيدفع الشعب بأكمله أو -على الأقل معظمه- إلى الانفضاض عن المقاومة والخروج بمظاهرات عارمة مطالبةً بتقديم قادة «حماس» المسؤولين عن «طوفان الأقصى» للمحاكمة، من منطلق تحميل هذه العملية المباركة التي أعادت للحق الفلسطيني اعتباره ومعناه تبعات من لحق بأبناء الشعب من معاناة، بيد أنَّ رياح «غزة» العاتية أتت بما لا تشتهي سفن «نتنياهو» و«بايدن» و«سوناك» و«ماكرون» و«ترودو» و«ملوني» و«أولاف شولتس» وغيرهم من رموز الإمبريالية، فقد ضاعف عنف القصف ووحشيته وطول مدته من التفاف المجتمع «الغزي» حول مقاومته التي هي -في الأساس- جزءٌ لا يتجزأ منه، فضلًا عن إيمانه الراسخ أنها -في ضوء تبنيها فكرة «تحرير الأرض وصيانة المقدسات وإعادة فلسطينيي الشتات- خير من يدافع عنه، وحسبي دعمًا لهذا الطرح الذي قد يعتبره البعض انعكاسًا لتفكيري المثالي الإشارة إلى احتواء التقرير التحليلي المعنون [الحاضنة الشعبية للمقاومة تلاحمٌ عجز العدو فكّ رموز وحدته] الذي نشرته صحیفة إیران الدولیة «الوفاق» في أواخر العام الحديث الانصرام على ما يلي: (بقدر ما أبهرتنا المقاومة أبهرنا أكثر فاكثر صمود الناس حولها وتفانيهم معها على الرغم من الثمن الباهظ الذي يدفعونه جراء مساندتها، فقد كان العدو الصهيوني يراهن على استسلام المقاومة، لأنّ تقديره أنّ الناس لن يتحملوا هذه التضحيات، علاوة على انَّ الراوية الصهيونية التي يراد تثبيتها أنّ سبب الدمار وقتل الأطفال الأبرياء هو المقاومة، بيد أنَّ الأحاديث التي نسمعها من الناس وهم يحلفون بحياة المقاومة ويبدون استعداداتهم التامة لافتدائها بأموالهم وأولادهم أفقدت العدو توازنه وأفشلت رهاناته وأسقطت مزاعمه).