فبراير 12, 2024 - 15:52
اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال.. بؤرة صراع جديد في القرن الأفريقي 


أروى حنيش


 الاتفاق الذي أبرمته إثيوبيا مع جمهورية أرض الصومال، (صوماليلاند)" الانفصالية، الذي وقع بين الحكومتين في 9 يناير 2024. والذي يمنح بموجبه إثيوبيا بإمكانية الوصول التجاري والعسكري إلى ميناء بربرة على البحر الأحمر والواقع تحت إقليم جمهورية أرض الصومال غير المعترف به دوليًا. لكن مثل هذا الاتفاق يحمل مآلات جيوستراتيجية خطيرة في توسع النفوذ الإثيوبي نحو مناطق جديدة، سيؤدي إلى تداعيات خطيرة تؤثر سلبًا في تشكيل سياسات القرن الأفريقي، ويزيد من تصاعد التوتر بين إثيوبيا والصومال المجاورة، وقد يفتح، بابًا جديدًا في توتير العلاقات بين الدولتين، قد يفضي إلى خلق بؤرة جديدة في الصراع الإقليمي، والتدخلات الدولية والاقليمية في منطقة القرن الأفريقي توشك على الانفجار، باعتبار هذا الاتفاق يمنح إثيوبيا منفذاً على البحر الأحمر من خلال مرفأ في الجمهورية المعلنة من طرف واحد، تريد من خلاله اثيوبيا إنشاء
قاعدة عسكرية في أرض الصومال، بالإضافة إلى منطقة بحرية تجارية.
 وهو ما تعتبره الصومال تهديدًا على وحدة الصومال وسلامة أراضيه، وسيادته، وعلى أمنها القومي.

تعاون عسكري

وفي أعقاب الأتفاق اجتمع قادة الجيش الإثيوبي ونظراؤهم من أرض الصومال، في الوقت نفسه قام الرئيس الصومالي بزيارة إريتريا المجاورة، للحصول على الدعم ضد إثيوبيا، وذلك بعد لقاء مع وفد مصري رفيع المستوى في مقديشو. وقالت إثيوبيا "إنها أجرت محادثات بشأن التعاون العسكري مع أرض الصومال"، ورغم المخاوف الإقليمية والدولية بشأن الاتفاق، ناقش قائد الجيش الإثيوبي برهانو جولا "التعاون العسكري" مع نظيره في أرض الصومال نوح إسماعيل. وجرت مناقشات في أديس أبابا في اليوم نفسه الذي بدأ فيه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود زيارة إلى إريتريا المجاورة، بعدما تلقّى تأكيدات من وفد مصري على دعم القاهرة "الثابت" لسيادة الصومال ووحدته وسلامة أراضيه. حيث تسعى الصومال للحصول على دعم دولي بشأن ما يشكله هذا الاتفاق من تداعيات على أمن واستقرار المنطقة.

أن عدم إدانة هيئة (إيغاد) التجارية الأفريقية للاتفاق صراحة يسلط الضوء على النفوذ الدبلوماسي لإثيوبيا في المنطقة وربما تكون أول دولة تعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة، وذلك بعدما أصبح الإقليم مستقلا بحكم الأمر الواقع منذ إعلان استقلاله عن الصومال في عام 1991.
توضح التحركات المتسارعة بشأن الملفّ عمق المخاوف الدولية والإقليمية، خصوصاً أن مضيق باب المندب -حيث موقع الميناء- يشكّل نقطة اختناق عالمية للملاحة، تؤدي إلى البحر الأحمر وقناة السويس، وقد نشرت العديد من الدول قوات بحرية هناك لحماية مصالحها التجارية. ويمر ما يقرب من 12% من التجارة العالمية عبر المضيق، وقد يضطرب توازن القوى الحالي إذا تمكنت إثيوبيا من الوصول إلى هذا المرفأ، وفقاً لما يراه رشيد عبدي، كبير محللي القرن الأفريقي والشرق الأوسط في شركة ساهان للأبحاث في صحيفة (بلومبيرغ، 4 يناير 2024).

مآلات الإتفاق

من شأن مضي أديس أبابا قدماً في تنفيذ الصفقة أن يهدد بالإضرار بالعلاقات الدبلوماسية بين إثيوبيا والصومال، وهما دولتان لهما تاريخ طويل من الصراع العسكري والعداء. فبعد استقلال الصومال عام 1960 وحتى نهاية الحرب الباردة، كان وضع المنطقة الصومالية في إثيوبيا (المعروفة أيضاً باسم أوغادين)، وهي ثاني أكبر منطقة في إثيوبيا من حيث المساحة، محل نزاع حاد بين البلدين. وقد شهدت هذه المنطقة صراعات عديدة، كان أحدها حرب أوغادين 1977-1978، والتي أودت بحياة عشرات آلاف الأشخاص قبل أن تتمكن إثيوبيا، بمساعدة المستشارين العسكريين السوفييت والقوات الكوبية، من إعادة تأكيد هيمنتها على الأرض. وفي ظل حكومتي منجستو هيلي ماريام في إثيوبيا والرئيس الصومالي سياد بري، دعمت كل من الدولتين الفصائل المتمردة في البلد الآخر، الأمر الذي أدى إلى إضعافهما وفي النهاية الإطاحة بالزعيمين بحلول عام 1991.
ومن شأن تمزق العلاقات الصومالية الإثيوبية أن يضعف التعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب. ومن شبه المؤكد أن قطع الصومال العلاقات الدبلوماسية مع إثيوبيا سيؤثر في استمرار الوجود القانوني للجنود الإثيوبيين في الصومال، الذين يقاتلون حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة. ولدى إثيوبيا حالياً ما لا يقل عن 4000 جندي منتشرين في الصومال كجزء من بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال ATMIS الذي يبلغ قوامها 14 ألف جندي، ولديها أيضاً 1000 جندي منتشرين كجزء من الاتفاقيات الثنائية مع الصومال. وإذا ما انسحبت القوات الإثيوبية من الصومال، فسيؤدي هذا إلى تعقيد خطط الحكومة الصومالية لتطهير الملاذات الرئيسة لحركة الشباب في جنوب البلاد بحلول نهاية عام 2024. ناهيك عن ضرر حصل بالفعل، عندما تحدث الناطق باسم حركة الشباب ضد الاتفاق ووصفه بأنه "باطل"، وهدد بالانتقام. إذ عملت الحركة الإرهابية على تعزيز شرعيتها السياسية وتنمية قواعدها التجنيدية من خلال الانحياز سريعاً ضد أديس أبابا، ومنافسة حكومة الصومال المركزية في تبني هذا الموقف. 

ردود الأفعال

تسبب الاتفاق في موجة من ردود الأفعال الإقليمية والدولية؛ إذ أكد المتحدث باسم جامعة الدول العربية، جمال رشدي "رفض وإدانة أي مذكرات تفاهم تنتهك سيادة الدولة الصومالية، أو تحاول الاستفادة من هشاشة الأوضاع الداخلية الصومالية، أو من تعثر المفاوضات الصومالية".
وأكدت مصر، في بيان أصدرته وزارة الخارجية،  "ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية على كامل أراضيها"، مشددة على معارضتها لأي إجراءات من شأنها تهديد السيادة الصومالية، كما حذرت من خطورة تزايد التحركات والإجراءات والتصريحات الرسمية الصادرة عن دول في المنطقة وخارجها التي تقوض عوامل الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، وتزيد من حدة التوترات بين دولها. وشددت الولايات المتحدة، على وجوب احترام سيادة الصومال ووحدة أراضيه. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، للصحافيين: "نحن ننضم إلى الشركاء الآخرين في التعبير عن قلقنا العميق إزاء تفاقم التوترات في القرن الأفريقي".
وكان الاتحاد الأوروبي أصدر، بيانًا مماثلاً شدد فيه على أن احترام سيادة الصومال "مفتاح السلام في القرن الأفريقي". وانضم الاتحاد الأفريقي،  لدعوات التهدئة في القرن الأفريقي. وأصدر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، بياناً دعا فيه إلى "الهدوء والاحترام المتبادل لخفض منسوب التوتر المتصاعد" بين إثيوبيا والصومال. كما دعا البلدين للانخراط في عملية تفاوض "من دون تأخير» لتسوية خلافاتهما.


دور إماراتي خفي

يشار إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعد من بين الدول القليلة للغاية التي تتعامل مع أرض الصومال كدولة مستقلة، كما أنها هي من تدير ميناءها الهام على البحر الأحمر من خلال شركة DP World الإماراتية، المتخصصة في مجال الخدمات اللوجستية وإدارة الموانئ، من خلال عقد تم توقيعه في عام 2016 ويسري لمدة 30 عاماً باستثمارات تقدر بنحو 442 مليون دولار لتعزيز البنية التحتية اللوجستية للميناء، بحسب ما ذكر إدريس آيات الباحث بقسم العلوم السياسية بجامعة الكويت.
ويشير خبراء إلى أن هذا الأمر قد يعمق بشدة من الخلاف بين المصريين والإماراتيين، كما قد يؤثر سلباً على الدور المصري القيادي في البحر الأحمر فيما يخشى آخرون من تأثير الميناء الجديد تحت الإدارة الإثيوبية على قناة السويس والاستثمارات الهائلة التي تضعها مصر فيها، خاصة وأن أديس أبابا ستدخل بهذا الشكل ضمن الدول المستفيدة من حركة التجارة الدولية في البحر الأحمر وقد تقتطع حصة لا بأس بها.

الفوائد بالنسبة لأثيوبيا وهرجيسا

وسط الأصداء الإقليمية والدولية المتخوفة من تداعيات الاتفاق، كان المسؤولون في أديس أبابا أكثر حرصاً في الحديث عن الفوائد التي تتضمنها هذه الاتفاقية، مع التأكيد أنها "لن تؤثر على أي طرف أو دولة" وأنها "لم تنتهك الثقة والقوانين"، وفقاً لبيان صادر عن الحكومة الإثيوبية. (مودرن ديبلوماسي، 9 يناير 2024).
وقال رضوان حسين، مستشار الأمن القومي لآبي أحمد، خلال الحدث الذي أعلن فيه عن الاتفاق: "إن الاتفاقية مفيدة للطرفين، وستتبادل إثيوبيا الخبرة العسكرية والاستخبارية مع أرض الصومال، حتى تتمكن الدولتان من التعاون لحماية المصالح المشتركة". ولتسهيل ذلك، ستنشئ إثيوبيا قاعدة عسكرية في أرض الصومال، بالإضافة إلى منطقة بحرية تجارية.
ويأمل آبي أحمد أن يساعد الاتفاق في إنعاش إثيوبيا بعد عام من المشكلات الاقتصادية المتفاقمة والصراعات الداخلية وانهيار العلاقات مع إريتريا. حيث تعد القضايا الاقتصادية محركاً مهمًا لتحرك آبي لتأمين الصفقة. ويعاني الاقتصاد الإثيوبي منذ جائحة كوفيد-19 والحرب الأهلية التي استمرت عامين وانتهت عام 2022 والعقوبات المرتبطة بها. وقد دفع ذلك إثيوبيا إلى تقديم طلبات متعددة لتخفيف عبء الديون منذ عام 2021 والتخلف عن سداد سنداتها في ديسمبر 2023. وتدفع إثيوبيا أيضاً ما لا يقل عن مليار دولار أمريكي كرسوم ميناء سنوياً لجيبوتي. وطلب آبي أحمد من جيبوتي تخفيض الرسوم في عام 2022، لكنها رفضت لأن اقتصادها يعتمد على الإيجارات والخدمات المضمونة من رسوم الشحن الإثيوبية، حيث يتعامل ميناء جيبوتي مع 95% من التجارة الواردة والصادرة من إثيوبيا، وتدفع الخدماتُ اللوجستية المحيطة بهذه التجارة قطاعَ الخدمات الذي يمثل ما يقرب من 76% من الناتج المحلي الإجمالي لجيبوتي. (موقع كريتكال ثيريت، 4 يناير 2024).


ما يمثله الاتفاق لأرض الصومال 

يمثل هذا الاتفاق بالنسبة لقادة أرض الصومال،  انفراجة في سعيهم المستمر منذ ثلاثة عقود للحصول على الاعتراف الدولي باقليمهم الذي أعلن استقلاله، بعد انشاقه عن الصومال في العام 1991. يقول محمد فرح من أكاديمية السلام والتنمية، وهي مؤسسة فكرية في هرجيسا: "الصومال يستخدم تكتيكات المماطلة منذ بدء المحادثات في عام 2012، لا يمكننا الانتظار إلى الأبد". ويأمُل قادة أرض الصومال أن تحذو بقية دول أفريقيا حذو إثيوبيا؛ حيث يقع مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، (إيكونوميست، 2 يناير 2024). 
هناك أيضاً مشكلات داخلية في أرض الصومال، التي عرفت استقراراً نسبياً لعقود من الزمن، حيث يواجه الجيب انتفاضة من جانب المليشيات العشائرية المحلية التي طردت قواتها من بلدة لاس عانود المتنازع عليها في أغسطس الماضي. كما تجاوز الرئيس عبدي، الذي وصل إلى السلطة في أواخر عام 2017، فترة ولايته ويعمل في ظل هيكل موسع لا تعترف به المعارضة السياسية في البلاد. وتقول سميرة جيد، من شركة "بلقيس إنسايتس"، إنه بالنظر إلى كل هذه التحديات، فإن "هذه الصفقة هي شريان الحياة" للرئيس عبدي. (نيويورك تايمز، 2 يناير 2024).