فبراير 8, 2024 - 17:05
إسرائيل تنتهك القوانين الدولية.. فهل هناك من رادع لوقف جرائم التطهير العرقي في غزة ؟!

أروى حنيش

لم تخجل الولايات المتحدة الأمريكية من القوانين التى أقرتها وشرعتها، ضمن دستورها الذي يضع الحرية الفردية، والحرص على سلامة البشر وحياتهم ورفاهيتهم في مقدمة اهتماماتها وأولوياتها وترفع العصا لمن يخالف ذلك داخل الولايات المتحدة، وأما خارجها، فالمنطق  الإنساني مختلف تمامًا، حيث تتمتع الحضارة الغربية بكثير من المزايا والفضائل، لكن الإنسان الغربي لا يحمل في الغالب فضائله خارج بلدانه، ولا يتعامل مع الآخرين وفق الشعارات الإنسانية التي يتشدق بها، لأن بنيانه الفكري يقوم على ثقافة براجماتية، وخلفيتها الفلسفية الإغريقية واللاتينية تزدري من ليس من جنسهم ولا تعتبرهم من بني الإنسان أو تصمهم بالغجرية والبربرية، وتزداد هذه الآفة ظهورًا حينما يتعلق الأمر بالمسلمين، لا سيما العرب والأتراك، لأنهم فتحوا أنحاء واسعة من أوروبا وظلوا يستوطنونها طيلة قرون. 
وقانون "ليهي" هو قانون أمريكي أقره الكونغرس من أجل معاقبة الوحدات العسكرية التابعة للبلدان التي تتلقى دعماً أمريكياً، لكن هذا القانون ركلته الولايات المتحدة، ولم تعد تحترم لا قوانين ولا اتفاقات، ولا اعراف ولا تشريعات دولية، وقد وضعت نفسها فوق كل القوانين.. إذن نحن أمام سقوط تاريخي في القيم الليبرالية التي تؤكدها اليوم أفعال الإجرام في استباحة دماء سكان غزة بتلك الوحشية الفجة، التي لا تقيم وزنًا للإنسانية والحياة الآدمية، بل تفعل ذلك وفقًا لتعبئة الكراهية في الثقافة الدينية اليهودية، التي ترى تطهير الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين، وهذا هو السقوط الغربي الداعم لهذا الثقافة السيكوباتية النازية الجديدة. 
لقد اتجه الغرب وعلى رأس ذلك الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة نحو التخلي عن جذورها التاريخية، فحلت القيم المستحدثة محل نظيرتها التقليدية، ما أدى إلى تدهور حال أوروبا في هذا الصدد بشكل سريع وإضعاف القدرة على الابداع.
فالغرب اليوم يتجاوز كل قيمه، حيث يتهافت على كل ما هو مادي، ولا توجد حضارة قادرة على الازدهار والاستمرار في وجود تلك المبادئ المتناقضة التي يقوم عليها المجتمع الغربي في أيامنا هذه..  ولماذا تتجه أوروبا اليوم إلى القيم غير التقليدية وتلك النزعة المتطرفة الأكثر عنصرية؟ من المهم هنا أن نفهم أنه لا يحدث أي تحول في التاريخ بشكل عفوي، ففي النرويج مثلاً بدأت قوى ذات نفوذ  لتدمير القيم التقليدية في الغرب منذ الخمسينات والستينات، وهناك أهداف كثيرة لذلك، من بينها طمس هوية الإنسان، وتجريده من كل القيم المتينة، من الأسرة والدين والعلاقات الاجتماعية، كل ذلك أدى إلى ما يعرف بـ"المستهلك المثالي"، وهو الإنسان الذي يعيش من أجل الشراء فقط. من ناحية أخرى أدت النزعة الفردية وغياب التعاليم الثقافية والروحية إلى إضعاف ثقافة المواطن الغربي وجعلها هشة أمام تأثير الأيديولوجيات الأخرى، حتى أصبح كورقة شجر في مهب الريح.
وبدأت هذه التغييرات خلال العقود الأخيرة، في الدول الغربية من خلال ثورات ثقافية موجهة للشعوب، أدخلت إدمان المخدرات في الستينات والسبعينات وفي الآونة الأخيرة، الثورة الجنسية، وإدخال ثقافة الاستمتاع باللحظة.
على مدى العقود الماضية، بدأت الثقافة ووسائل الإعلام في مهاجمة فكرة "الذكورة" في الغرب، وهذا حدث بسبب تيار الدفاع عن حقوق المرأة الذي ظهر في السبعينات، وحرم فكرة الذكورية واعتبرتها مظهرًا للعنف، ومصدرًا لما يعرف بالنظام الأبوي القمعي، ومن هنا جاءت الدعوة إلى أن يتخلى الرجل عن طبيعته وسماته الشخصية المميزة له، وأخذ المجتمع يتجه بلا وعي نحو النزعة الأنثوية، حيث تعدى الأمر مجرد التخلي عن السمات الشكلية للذكور، بل أصبح الرجل الغربي ضعيف نفسيًا، مهووسًا بمظهره، وبالتالي لا يمكنه أن يؤدي واجباته التقليدية مثل دور الزوج والأب والمدافع عن وطنه، كل هذا يحدث بالاندماج مع عوامل أخرى أدت إلى انهيار الأسري والسكاني.
 اليوم الغرب ميت إكلينيكيا بالفعل، بعد أن فقد هويته الروحية والثقافية، تحت تأثير أزمة غير مسبوقة، أدخلته في نفق لا يمكن العودة منه، إذا لم يغير الغرب مفاهيمه قريبًا، فإنه سيستعمر من قبل الشباب، الغرباء الأكثر حيوية، والوافدين الجدد والمهاجرين.

انتهاك قانون ليهي

 وإذا ما نظرنا إلى ما يحدث من جرائم إنسانية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، فإن ذلك يشكَّل  صدمةً للدول الغربية وبالخصوص الولايات المتحدة الأمريكية التي وجدت نفسها محرجةً أمام العالم بسبب ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين 
ووسط قلق وضغطٍ كبيرين عبَّر عنه عددٌ من المشرعين الديمقراطيين من انتهاك إدارة الرئيس جو بايدن لـ"قانون ليهي"، الذي ينص على حظر توريد الأسلحة للجهات الأمنية، التي تخالف المعايير الأمريكية للحفاظ على حقوق الإنسان، طالبت الحكومة الأمريكية السلطات الإسرائيلية بتقديم توضيحات عاجلة، حول انتهاكات ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. 
لكن عند الاطلاع على حجم الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي سابقاً وحالياً، ندرك أن هذه القوانين، ومنها قانون "ليهي" الذي يمنع نظرياً تقديم المساعدة العسكرية للدول التي تنتهك حقوق الإنسان، تختفي أو يتم القفز فوقها وحتى تجاهلها عندما يتعلق الأمر بـ"إسرائيل"، بهدف ضمان أمنها، فضلاً عن خدمة حروبها الدموية.

قانون ليهي

وافق الكونغرس على قانون ليهي لأول مرة عام 1997. أما الهدف منه، فهو منع الولايات المتحدة من التورط في جرائم خطيرة ترتكبها قوات الأمن الأجنبية التي تدعمها، وذلك عن طريق قطع المساعدات عن وحدة عسكرية معينة في دولة ما، في حال توفرت لدى واشنطن معلومات موثوقة بأن هذه الوحدة ارتكبت جريمة جسيمة، كانتهاك حقوق الإنسان.
وبحسب نص القانون، "لا تتمتع أي قوات أمنية، ولا حتى القوات الأمريكية، بالحصانة الكاملة في ارتكاب مثل هذه الانتهاكات". وتعقيباً على ذلك، قال متحدث باسم وزارة الخارجية إن "قانون ليهي ينطبق على جميع البلدان، بما في ذلك إسرائيل".
فكيف يعمل قانون "ليهي"؟
بموجب القانون، تقوم الولايات المتحدة بفحص الوحدة العسكرية الأجنبية (في كل بلد تقريباً) التي وقع عليها الاختيار، لتلقي المساعدة الأمريكية، وتقود السفارة الأمريكية في ذلك البلد تحقيقاً.. بعدها، تتم مراجعة المعلومات التي تصدرها السفارة إلى جانب مواد مصادر أخرى من قبل المحللين في وزارة الخارجية.
يبحث هؤلاء المحللون عن أدلة "موثوقة" عما إذا كانت الوحدة قد ارتكبت انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، والذي يتم تعريفه بالمناسبة عادةً على أنه: تعذيب، أو قتل خارج نطاق القضاء، أو اختفاء قسري أو اغتصاب، ويمكن تفسيره أيضاً على نطاق أوسع.
أكثر من ذلك، يمكن أن تأتي هذه المعلومات من مجموعة متنوعة من المصادر الموثوقة، بما في ذلك تقارير وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية. ووفقاً للقانون، من الأفضل أن يتم تأكيدها من خلال مصادر متعددة.
وبناء عليه، إذا ثبت هذا الدليل، فيجب على الولايات المتحدة قطع المساعدات عن تلك الوحدة بحسب قانون ليهي، لكن من الممكن إعادتها لاحقاً إذا قررت وزارة الخارجية أن تتخذ البلاد خطوات فعالة لتقديم الأعضاء المسؤولين إلى العدالة.
وتبعاً لذلك، قال تيم ريزر، أحد كبار مستشاري السيناتور السابق باتريك (ديمقراطي من ولاية فرجينيا)، والذي يعتبر مهندساً رئيساً للقانون: "إن القانون مصمم لمعالجة مشكلة الإفلات من العقاب وبناء قوات أمنية أكثر عرضة للمساءلة".

أهميه قانون ليهي

في حالة إسرائيل، فإن أي مزاعم بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تطال الوحدات الإسرائيلية تعرض أمام منتدى تدقيق يضم ممثلين من مختلف مكاتب وزارة الخارجية الأمريكية التي تتعامل مع حقوق الإنسان والمصالح الأمنية والقضايا القانونية، إضافة إلى متخصصين إقليميين في مكتب شؤون الشرق الأدنى التابع للوكالة والسفارة الأمريكية في القدس.
الغريب أن هذا المنتدى لا يمكنه الفصل في حدوث انتهاك جسيم لحقوق الإنسان إلا إذا توصل إلى توافق في الآراء، وهو ما لا يحدث في الغالب، لذلك تتوقف أي عمليات تحقيق ضد الوحدات الإسرائيلية.
لذا فإن فعالية القانون مع تل أبيب غير مجدية، حتى مع الوضع الحالي الذي تتضح فيه انتهاكات الاحتلال ومستوطنيه باعتراف الحكومة الأمريكية نفسها، على الرغم من محاولة عدد من النواب الديمقراطيين التقدميين وفي مقدمتهم النائبة رشيدة طليب، تفعيله في أعقاب العدوان على غزة لعرقلة المساعدات العسكرية لـ"إسرائيل". 

إسرائيل في حالة استثناء

مما سبق ذكره، فإن إسرائيل استثناء حتى اللحظة من القوانين الأمريكية، فلم يسبق أن طبّق عليها "قانون ليهي" رغم الانتهاكات الواسعة التي يقوم بها جيشها وأفراد شرطتها العسكرية ضد المدنيين الفلسطينيين، مع ذلك ينظر إلى "قانون ليهي" على أنه ذو أهمية كبيرة في الحرب الحالية الدائرة في غزة والضفة الغربية.
ووفقاً للقانون، إذا تلقت وحدة من قوات الأمن الأجنبية الدعم الأمريكي ثم ارتكبت فظائع مثل الإبادة الجماعية والتهجير والقتل العمدي، فسوف يُنظر إلى حكومة الولايات المتحدة على أنها متواطئة في الجريمة، مما يقوض سلطتها وقيمها الأخلاقية.

أكثر من ذلك، ثمة قناعة راسخة لدى الكثير من القيادات والمشرعين الأمريكيين بأن الإسرائيليين يتصرفون في كثير من الأحيان، كما لو أن القانون الدولي لا ينطبق عليهم. ولهذا، قال تيم ريزر: "تتعامل حكومتنا كما لو أن قانون "ليهي" لا ينطبق على الإسرائيليين. ونتيجة لذلك، هناك نوع من ثقافة الإفلات من العقاب، إذ يمكنهم فعل أي شيء تقريباً بحق الفلسطينيين من دون أن يخضعوا للمساءلة".
في السياق ذاته، يوضح جوش بول، الذي أصبح منتقداً بارزاً لسياسة إدارة بايدن تجاه "إسرائيل" منذ استقالته من منصبه كمدير لشؤون الكونغرس والشؤون العامة احتجاجاً على الدعم العسكري المفتوح لتل أبيب: "بالنسبة إلى إسرائيل وعدد قليل من الدول الأخرى التي تتلقى مستويات عالية من المساعدات العسكرية الأمريكية (بما في ذلك مصر وأوكرانيا)، من المستحيل تتبع أين تذهب المساعدات"، ويضيف: "بدلاً من التدقيق ثم تقديم المساعدة، نقدم المساعدة ثم نستمع إلى الانتهاكات المحتملة".
الأكثر أهمية أن جوش بول وتيم ريزر وسارة هاريسون (التي نسقت مع وزارة الخارجية بشأن قضايا ليهي المتعلقة بإسرائيل من 2018 إلى 2021 كوكيلة سابقة لوزارة الدفاع) لم يكونوا جميعاً على علم بأن الولايات المتحدة وجدت في أي مرة أن وحدة إسرائيلية ارتكبت أي انتهاك من هذا القبيل. ولهذا، قال ريزر: "نادراً ما يحاسبون جنودهم". أما بول، فأشار إلى أنه "كان يثير المخاوف منذ مدة طويلة من أن نظام المحاكم العسكرية الإسرائيلية متحيز عندما يتصل الأمر بالانتهاكات التي يرتكبها المسؤولون الإسرائيليون".
ولهذه الغاية، قدم السيناتور بيرني ساندرز مؤخراً قراراً يطلب من وزارة الخارجية التصديق أو الإبلاغ عن أي انتهاكات مرتكبة وسط الحرب الحالية في غزة. ومع ذلك، لم توضح وزارة الخارجية ما إذا كان قد تم التوصل إلى أي نتيجة من هذا القبيل، عندما طلبت منها الصحافة الأمريكية التعليق على خطوة ساندرز.

تطبيق قانون ليهي

وفقاً لـopen society foundations، أظهرت برقيات ويكيليكس أن وزارة الخارجية الأمريكية طبقت القانون في جميع أنحاء العالم إلا مع تل أبيب، إذ علقت الولايات المتحدة بموجب القانون مساعداتها لوحدات أمنية في كولومبيا، وإندونيسيا، وباكستان، وبنجلادش، وعدد من الدول الأخرى على الرغم من ربط واشنطن ذلك بأسباب دبلوماسية وأسباب أخرى، لكون وزارة الخارجية الأمريكية لا تنشر بشكل عام قراراتها بتعليق المساعدات المقدمة إلى أي وحدة أجنبية معينة.
 وقد تشمل هذه التدابير إجراء تحقيقات محايدة وشاملة، أحكام قضائية أو إدارية ذات مصداقية؛ والعقوبات المناسبة والمتناسبة.

الإداره الامريكية 

في الواقع، لم تثبت الإدارات الجمهورية ولا الديمقراطية اهتمامها بالتعامل مع الاتهامات الموجهة إلى "إسرائيل" بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، و لا تزال واشنطن حتى يومنا هذا تمنح "إسرائيل" نحو 3.8 مليار دولار سنوياً. وقدمت لها 14 مليار دولار، وهناك يتم في الكونجرس مناقشة منح إسرائيل وأوكرانيا 70 مليار دولار وهو ما يحاول بايدن تمريره. وهو ما يعترض عليه بعض النواب على أن يذهب الدعم لإسرائيل،    ليس هذا فحسب، فلم يكتفِ بايدن مؤخراً بالتحايل على الكونغرس لبيع ذخيرة دبابات لتل أبيب بقيمة 106 ملايين دولار، بل يريد من الكونغرس أيضاً الموافقة على مساعدة إضافية بقيمة 14.3 مليار دولار كجزء من حزمة أوسع جرى تعليقها بسبب مفاوضات حول سياسة الهجرة. 
في المحصلة، إنّ عدم عثور الأمريكيين على "جرائم مؤكدة" لـ"إسرائيل" لا يعود إلى أن لديها سجلاً نظيفاً فريداً من نوعه، بل لأن تطبيق قانون "ليهي" كان منحازاً دائماً لمصلحة الاحتلال، ولأن قوانين واشنطن، مهما علا شأنها، لا تنطبق على الكيان الصهيوني الغاصب أو تسري عليه بالأصل...!