أغسطس 24, 2023 - 01:06
نوفمبر 18, 2023 - 08:07

الناس أصناف في عقولهم فصنفٌ عقولهم مغمورة بشهواتهم، فهم لا يبصرون بها إلا حظوظَهم المعجَّلة، فلذلك يكدُّون في طلبها ونيلها، ويستعينون بكل وُسْع وطاقة على الظَّفَر. وصنف عقولُهم منتبهة، لكنها مخلوطة بسبات الجهل، فهم يحرضون على الخير واكتسابه ويخطئون كثيرًا، وذلك أنهم لم يَكمُلوا في جِبِلَّتِهم الأولى، وهذا نعتٌ موجود في العبَّاد الجَهَلة والعلماء الفَجَرة، كما أن النَّعْت الأول موجودٌ في طالبي الدنيا بكل حيلة ومَحالة. وصنفٌ عقولهم ذكيةٌ ملتهِبة، لكنها عَمِيَة عن الآجلة، فهي تدأَب في نيل الحظوظ بالعلم والمعرفة والوصايا اللطيفة والسُّمْعة الربانية، وهذا نعت موجود في العلماء الذين لم تثلج صدورهم بالعلم، ولا حَقَّ عندهم الحقُّ اليقين، وقصَّروا عن حال أبناء الدنيا الذين يَشهَرون في طلبها السيوف الحداد، ويطيلون إلى نَيْلها السواعدَ الشِّداد فهم بالكيد والحيلة يسعَون في طلب اللذة وفي طلب الراحة. وصنف عقولهم مضيئة بما فاء عليها من عند الله تعالى باللطف الخفيِّ، والاصطفاء السنيِّ، والاجتباء الزكي، فهم يحلمون بالدنيا ويستيقظون بالآخرة، فتراهم حضورًا وهم غَيَب، وأشياعًا وهم متباينون. وكل صنف من هؤلاء مراتبهم مختلفة، وإن كان الوصف قد جمعهم باللفظ.

"الإمتاع والمؤانسة"