خالد الأشموري
ليست المراهقة مجرد تغير كمي في حجم الجسم ووظائفه، بل هي ميلاد المنظومة إدراك، وحلم واتصالات كلها مختلفة عن منظومة الطفل الذي كان.. وهي منظومة ينبغي أن نفهمها، لنحسن التفاعل معها.. لجعل هذا الميلاد الجديد آمنا.
وإذا كانت الطفولة تمثل مرحلة دفق الحب وإضفاء هالة الإعجاب على الأشياء المحببة والأبوين، فإن المراهقة تمثل مرحلة اكتشاف الأشياء في ضوء جديد" والاستقلال عن الآباء ومواجهة الحياة، فالمراهقة فترة انتقالية بين الطفولة والرشد يرافقها انتقال في أسلوب العلاقات، إلى جانب التغيرات الجسدية ومن الجوانب النفسية في هذه المرحلة بناء الفردية المستقلة، وتعزيز الإحساس الثابت بالهوية، والاهتمام بالأفكار المثالية والتجريدية.
أما الخصائص الاجتماعية فتتمثل في رقة المشاعر وسرعة الانفعال، والتمركز حول الذات والقابلية للإيحاء، ونقد آراء الآخرين، وحب الاطلاع والمعرفة، والميل إلى التضحية، والبحث عن المثل الأعلى.
إدراك مختلف،وأحلام يقظة
ليست المراهقة ظاهرة فردية وحسب، وإنما هي ظاهرة
اجتماعية أيضا، فالمراهق يدخل في نسيج المجتمع ويتأثر بثقافته، والمراهقة مرحلة نمائية والنمو محكوم بالانتقال من اللاتمايز إلى التخصص، ويبدأ التفكير الإجرائي بالظهور في هذه المرحلة، ويمتاز باستخدام رموز الأشياء وإدارة هذه الرموز في الذهن وفق تركيبات مختلفة تؤدي إلى تفتح آفاق الفكر على وقائع جديدة.
وفيما يتعلق بالقدرة التذكرية يلاحظ أن ذاكرة الفهم تنمو بدلا من ذاكرة الحفظ التي تسود في الطفولة، كما يظهر الميل إلى ترميز المدركات.
ولا يمكن عزل النمو الأخلاقي في هذه المرحلة عن نشوء التفكير الرمزي، فالمراهق لا يمارس الفعل الأخلاقي فحسب، بل يتأمله أيضا على المستوى النظري، ويفرق بين الواقع والمثال، وعن طريق هذا التأمل ينشئ المراهق منظومته الأخلاقية التي تشكل حالة مبدئية لموقفه من الحياة، ولا تبقى العادة وحدها مفرزة لما يجب فعله في موقف محدد، بل فهم هذا الموقف وقياسه على منظومته القيمية. وتشهد هذه المرحلة تحوّلا نوعياً في عقل المراهق، حيث يبدأ بإدراك الأبعاد المتعددة للقضية الواحدة في وقت واحد، كالوصول إلى مكان ما من عدة طرق دون سابق خبرة كذلك يستطيع استيعاب الرموز للتعبير عن الأفكار والآراء، وتتجلى الفروق الفردية في الأداء العقلي بين المراهقين، من هنا ينبغي الاهتمام بتدريس المفاهيم والنظريات أكثر من الجزئيات، وإتاحة الفرصة أمام المراهق لاكتشاف ذلك بنفسه، فالمراهق يمكنه تطبيق المفهوم الواحد في مواقف عدة دون الحاجة إلى تعلم مفهوم جديد، كما ينبغي تنويع المادة المدرسية وطرائقها بحيث تتناسب والفروق الفردية بين المراهقين ومن الضروري إتاحة الفرصة أمام المراهق لممارسة الملاحظة والاستنتاج، وتشجيع التجريب الذاتي، والإصغاء الجيد لحديثه، فالاستهتار بآرائه أو استبعاده من نقاشات الكبار يؤدي إلى إيجاد حال من اليأس والعزلة، ويمكن أن يؤثر على الثقة بإمكاناته وقدرته على المشاركة في تحمل أعباء الأسرة في مرحلة حرجة من مراحل حياته، ويثنيه عن المشاركة النشطة في اتخاذ القرار المناسب ويعيش المراهق في مرحلة المراهقة أحلام اليقظة فيرى فيها هروباً من الواقع الذي يحياه إلى عالم جميل بما يحمله من أفكار خيالية وأمنيات سعيدة، بيد أن هذه الأحلام سرعان ما تتحول إلى عقبة عندما تصطدم بصخرة الواقع فتحول دون تكيفه مع محيطه، لأن أحلام اليقظة التي تسيطر عليه في وقت غير مناسب تقلل من مقدرته على التركيز، فتصبح هذه الأحلام بمنزلة حاجز في طريق أداء عمله وتحصيله الدراسي، وهي في الوقت نفسه تحدد دائرة الاختلاط مع زملائه، مما يؤدي إلى حال من الانطواء لدى المراهق الذي يرى أن " المثالية هي التي يعيشها في أحلامه، وهي التي تحقق الأمل المنشود، وأن ما يعيشه في الواقع هو أمر متعب.
ومن المعروف عن المراهق أنه يميل إلى تقليد البدع، وقراءة القصص والروايات البوليسية وما شابه، لذا يجب توجيهه نحو القراءة الهادفة والبحث الجاد في الأمور المعرفية دون إكراه، واستغلال نزعة حب الاطلاع لديه في تنمية القدرة على البحث والتنقيب، والاهتمام بقدرات المراهق الخاصة والعمل على توفير فرص النمو لهذه القدرات وتوجيه المراهق وجهة إيجابية تتفق وفلسفة المجتمع وأهدافه في التقدم والعطاء.
أصدقاء... ولكن
تعد الصداقة لدى المراهق من الضرورات الملحة نظراً لحساسيتها، والصداقة يجب أن تسلك طريقا بعيدة عن الزيف والخداع، إنها دليل الحق ورسول الحب والوفاء، وحتى نصطفي الصديق لابد أن يتوافر فيه العقل الذي يهدي إلى السبيل الأقوم ولابد أن يكون الصديق محمود الأخلاق، فالصداقة عقد يتلألأ على صدور المؤمنين بمبادئها، وتوخي الحذر مطلوب في مسألة الانتقاء، وهذا ما قد يجهله المراهق، لذا يجدر بالوالدين مساعدته في الانتقاء الأمثل بالحكمة والإقناع، حيث صديق السوء يفسد الإنسان، والصديق الجيد ركن في بناء الشخصية .. وينبغي أن يكون عند الوالدين اقتناع بقدرة المراهق على مواجهة الموقف الصعب، لكي يحاكم تصرفاته وتصرفات أصدقائه بدقة، كما ينبغي تشجيع المراهق على ممارسة نشاطه، وخاصة الرياضي، لأنه يساعد على صرف الطاقة الكامنة لديه. وإذا كان لابد من الانتقاد، فليكن بصورة غير مباشرة، لأن النقد المباشر يشكل تحدياً للمراهق ويخلق رد فعل معاكسا .
ولعل من خصائص التغيرات الجسدية التي تصاحب هذه المرحلة أنها تثير إحساساً بالقلق، وهنا يظهر دور العلاج النفسي في فك الرموز بعد استجلاء المشاعر المرتبطة بالمعاناة، وقد يتم اللجوء إلى الطرائق السلوكية لتصحيح نظرة المراهق وفقاً للطرق المتبعة في العلاج المعرفي.
وتلعب العوامل النفسية دورها في التبكير بالزواج، كأن يكون هروباً من مشكلات منزلية مستعصية، أو يكون نتيجة لقلق الأم على مستقبل ابنتها فتسرع بدفعها نحو هذه العلاقة تحسباً لمخاطر متوقعة، ولابد من مراعاة العوامل المتشابكة في تحديد ما هو أفضل على المستوى الشخصي والاجتماعي.
يجب على الأسرة أن تحيط المراهق بالحب والحنان دون مبالغة، وبالمراقبة غير المباشرة، وتوفير المحيط المستقر، والمساواة بين الأبناء، وملء أوقات الفراغ بأنشطة إيجابية كالرياضة والمطالعة والرحلات، وتأمين المناخ الأسري الذي يتيح التعبير عن المشكلات، ومحاربة المظاهر السلوكية الضارة كالتدخين والمخدرات - واتباع أسلوب الإقناع وممارسة الوالدين عملياً للسلوك الكريم الذي يطالبان المراهق بالقيام به.
أما دور المدرسة فيجب أن يتجسد في المساواة في التعامل، والبعد عن العنف، وترسيخ العلاقات الودية، وتوجيه الطاقات لممارسة الأنشطة، وإعطاء الفرص للتعبير عن التصورات، وإذاعة البرامج التي تتفق مع القيم الأصيلة، وانتقاء البرامج التي تنمي "الوازع الديني" ... والإعلان عن المناسبات الاجتماعية والرياضية والثقافية والحث على المشاركة بها .
وثمة مراهقة متأخرة تمتد فترتها من ۱۸ الی ۲۱ سنة أو أكثر، ويستطيع معظم الشباب في هذه المرحلة أن يعملوا بطريقة مستقلة، رغم انهماكهم بقضايا تتعلق برسم معالم هويتهم، ولأنهم يشعرون بثقة أكبر تجاه قراراتهم، ويعود الكثير منهم لطلب النصيحة من الأهل، ويأتي هذا التغير في التصرف مفاجأة سارة للأهل، إذ يعتقدون أن النزاع
أمرمحتم قد لا ينتهي أبداً.
• علاء الدين معصوم - كاتب سوري.
