أغسطس 10, 2021 - 13:10
تقارُبات مصرية آنية مع المقاومة الفلسطينية
عرب جورنال

حقبة مصرية لاعروبية مزرية

باستثناء العام اليتيم الذي مثل عهد الرئيس محمد مرسي الذي تشترك جماعته"الإخوان" مع حركة "حماس" في المنهج والتوجه السياسي، لم يكن الموقف المصري الرسمي -منذ توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" المشؤومة إلى عهد السيسي الذي دشن مرحلة حكمه بمواقف أكثر تودُّدًا للسلطات الصهيونية وأكثر تشدُّدًا من المقاومة الصهيونية، لم يكن -بشكل متواصل- يبعث على الحدِّ الأدنى من التفاؤل.

ففي عهد السادات وقَّعت مصر الكنانة أول اتفاقية تطبيع مع الصهاينة بكل ما تعنيه تلك الاتفاقية من اعتراف عربي بالدولة الصهيونية وتفريط بالحقوق العربية الفلسطينية منسلخًا بمصر العروبة عن محيطها العربي الإسلامي بكل ما يمثله ذلك الانسلاخ من تبديل الانتماء والإدانة بالولاء للأعداء.

فكان نظامه أول الأنظمة العربية مفاخرةً بالولاء للصهيونية وأجرأها في المجاهرة بالعداء للمقاومة بل للقضية الفلسطينية.

وإذا كان حسني مبارك الذي تولى مقاليد الحكم خلفًا لـ"السادات" قد أتقن التصنُّع العقلاني في التعاطي مع الصراع الفلسطيني الصهيوني فأسند لنظامه -على المستوى النظري- دور الوسيط المحايد بين طرفي الصراع، فغالبًا ما اتسمت مواقفه التصهينيُة العملية بتحيُّز يبعث على التقزز، ففي الوقت الذي كان الكيان الصهيوني المحتل يتعامل مع الشعب الفلسطيني الأعزل بالحديد والنار كان نظام "حسني مبارك" الـ"لامبارك" يُحكِم عليه -من ناحيته- الحصار، ولم تزل مواقفه التي يتصدرها إغلاق معبر "رفح" في وجه جرحى الهجوم الصهيونى على "قطاع غزة" الفلسطيني نهاية عام 2008 ومطلع 2009 حاضرة في الذاكرة، فقد اتنقدت وسائل إعلام عربية وعالمية كثيرة ذلك الموقف اللاإنساني نورد من تلك الانتقادات ما يلي:

- أوردت وكالة "رويترز" في أخبارها ليوم 17 يناير 2009 -تحت عنوان "المئات يتظاهرون في القاهرة احتجاجًا على إغلاق معبر رفح"-: (خرجت في أحد شوارع "القاهرة" يوم أمس الجمعة مظاهرة سلمية احتجاجًا على إغلاق معبر "رفح" على الحدود بين "مصر" و"قطاع غزة" الفلسطيني الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

شارك مئات المحتجين في المظاهرة بعد صلاة العصر بأحد شوارع حي "مدينة" نصر بـ"القاهرة" ورفعوا لافتات وعلم "فلسطين" وطالبوا بفتح معبر "رفح".

وفي تعبير عن استيائهم عن غلق المعبر ردد المتظاهرون: "يا مبارك يا مسؤول معبر رفح ليه مقفول"، و"فكوا الحصار" و"يا للعار يا للعار مصر مشاركة في الحصار".

وتتعرض مصر لانتقادات من جانب فصائل فلسطينية وبعض الدول العربية لابقائها المعبر الحدودي مع غزة مغلقا، كما تُطالِب حركة حماس -من جانبها- بفتح جميع المعابر بما في ذلك معبر رفح لوصول الإمدادات الإنسانية والوقود لسكان القطاع).

- وُثِّقَ في "ارشيف نشرة فلسطين" ليوم 14 يناير 2009 -تحت عنوان "علماء دين ومفكرون: إغلاق معبر رفح تعاون مع العدو"- خبرًا هذا نصه: (أصدر أكثر من مائة من علماء الدين والمفكرين العرب والمسلمين بيانًا اعتبروا فيه ما سموه تعاون بعض الدول العربية بإغلاق معبر رفح وتتبع الأنفاق وهدمها حتى لا يصل الغذاء والدواء إلى أهالي قطاع غزة تعاونًا صريحًا مع العدو الصهيوني في قتلهم ومن أعظم الخيانات التي مرت على الأمة عبر التاريخ.

واتفق العلماء على أن "مظاهرة الكفار على المسلمين كفر وردة عن الإسلام"، وقالوا إن هذا هو الناقض الثامن من نواقض الإسلام العشرة، ويخشى أن يدخل في هذا الحكم من تعاون على إغلاق المعبر أو الأنفاق أو الدلالة عليها أو منع دخول المساعدات وكذلك تسليم المعابر لليهود أو القوات الدولية الموالية لهم.

كما يدخل في هذا الحكم الأفراد والمنظمات والوسائل الإعلامية التي تمالأت مع اليهود على المجاهدين في سبيل الله في غزة).

ولم يكن عهد السيسي أفضل من عهد سلف سلفه مبارك، فقد دشن عهده بمؤاذنة المقاومة الفلسطينية بحربٍ واسعة النطاق تمثل أحد مظاهرها -بالإضافة إلى إغلاق معبر "رفح" بإحكامٍ لا يُطاق- في وضع استراتيجية عسكرية وأمنية بعيدة المدى لتدمير "الأنفاق" التي كانت تمثل -للقطاع المحاصر- البديل الأوحد والأمثل عن المعبر، فقد نشر موقع "الجزيرة نت" بتأريخ 31 يوليو 2014 -تحت عنوان "الجيش المصري يواصل هدم الأنفاق على الحدود مع غزة"- هذا الخبر: (يواصل الجيش المصري هدم الأنفاق على الحدود مع قطاع غزة، بعد ما أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبيل بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع يوم 8 يوليو الجاري قانونا يغلظ عقوبة حفر الأنفاق الحدودية الرابطة بين مصر ودول الجوار.

وينص القانون على معاقبة كل من حفر أو أعد أو جهز أو استعمل طريقًاً أو ممرًا أو نفقًا تحت الأرض في المناطق الحدودية للبلاد، بقصد الاتصال بجهة أو دولة أجنبية أو أحد رعاياها أو المقيمين بها لإدخال أو إخراج أشخاص أو بضائع أو سلع أو معدات أو آلات أو أي شيء آخر، مقومًا بمال أو غير مقوم.

وتُعاقِب المادة رقم 82 مكرر مرتكبي هذه الجريمة بالسجن ومصادرة متحصلات الجريمة والأشياء المستخدمة في ارتكابها.

وأثيرت تساؤلات حول القانون، لا سيما في ظل استمرار شن القوات المسلحة المصرية حربًا في شبه جزيرة سيناء على ما تسميه بؤر الإرهاب وهدم جميع الأنفاق الرابطة بين مصر وقطاع غزة، والتي كانت تشكل المتنفس الوحيد للغزيين لتخفيف وطأة الحصار الإسرائيلي الخانق منذ ثماني سنوات).

وبالرغم من حرص نظامه على إغلاق معبر "رفح"بصورةٍ دائمة، فقد كان أكثر حرصًا على إغلاقه في حال تعرض "قطاع غزة" المحاصر لهجوم صهيوني عسكري يطال بحمم نيرانه الشجر والحجر فضلاً عن البشر، وأبرز مثال على ذلك الإغلاق المُنكر الذي تزامن مع تعرض القطاع للهجوم العسكري الصهيوني عام 2014.

بل لقد تعمد النظام المصري -من وراء إغلاق الممر بشكل مستمر- أن يُلحق بالغزيين -بالتنسيق مع حليفه العبري- أفدح الضرر، فقد ألمح -في 29 إبريل 2015- منسق الشؤون الإنسانية -بحسب فرع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة- إلى خطورة ذلك الإغلاق الذي لا يتعدى كونه حلقة من سلسلة إجرائية خيانية قائلا: (قد يكون الوصول إلى المستشفيات في مصر فعليًّا مسألة حياة أو موت بالنسبة لكثير من الفلسطينيين في قطاع غزة من المهم جدًّا بالنسبة للمرضى الذين يتعذر علاجهم داخل غزة والذين منعوا أو غير المؤهلين للوصول إلى المرافق الصحية الإسرائيلية أو الضفة الغربية عبر معبر "إيريز"، وكثير منهم مرضى يحتاجون إلى إجراءات لإنقاذ حياتهم.

وفي تحليل لمنظمة الصحة العالمية شمل 504 حالات حولتها وزارة الصحة إلى مصر من يناير إلى أبريل في عام 2015، كانت الأسباب الرئيسية للتحويلات الطب النووي "15 بالمائة"، وجراحة العظام "11 بالمائة"، وجراحة المخ والأعصاب "9 بالمائة" والعمليات الجراحية المتعلقة بالعين "9 بالمائة". ولكن سُجل فقط 42 مريضا عبروا معبر رفح خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2015 مقارنة مع 12,594 مريضًا من غزة سُجلوا في الربع الأول من عام 2013، قبل القيود التي فرضت في يوليو 2013.

أفاد مكتب الارتباط المحلي لوزارة الصحة أن الوصول للمرضى الذين ليس لديهم بطاقات هوية إسرائيلية الصدور أصبح في الآونة الأخيرة صعبًا للغاية. ومع أن الكثيرون من سكان غزة لديهم علاقات قوية مع أقاربهم في مصر، وغالبا الزواج المختلط. ولكن توقفت المعالجة الإسرائيلية لطلبات لمِّ شمل الأسرة بين سكان قطاع غزة والأزواج من غير غزة عدة مرات منذ عام 1993، وتوقفت تمامًا بعد الأعمال القتالية في 2008/2009 ما يقدر بنحو 35,000 شخص ينتظرون بطاقات الهوية التي من شأنها أن تسمح لهم بالسفر من قطاع غزة).

انحيازات آنية إلى المقاومة الفلسطينية

بالرغم من اتسام الموقف الرسمي المصري -منذ توقيع اتفاقية التطبيع وعلى امتداد فترة حكم الثلاثة الرؤساء الذين أفرزتهم المؤسسة العسكرية- بالفتور في التعاطي مع القضية الفلسطينية بصفة عامة وبحالة من العداء النسبي مع المقاومة، فإن نظام السيسي الذي استهل عهده بخطاب أكثر تواطؤًا مع الدولة الصهيونية وأشد تحامُلاً على المقاومة الفلسطينية التي وصمها ذلك الخطاب بالإرهاب قد تعاطى مع مواجهات مايو الماضي بين المقاومة الفلسطينية والقوات الصهيونية بإيجابية غير معهودة وسجل مواقف محمودة، فقد بادر -على غير العادة- إلى لعب دور الوساطة الهادفة إلى حقن الدماء وإلى تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني المُجاهد والصابر، فضلاً عن مسارعة ذلك النظام إلى فتح المعابر والسماح بنقل المصابين وبإدخال الأدوية والوسائل الطبية اللازمة لمواجهة الأوضاع التي أنتجتها المعارك الحربية، فقد أشار الكاتب الصحفي "سعيد عكاشة" في طيات مقال طويل بعنوان "متى ستعود التهدئة بين حماس وإسرائيل؟" نشر بتأريخ 15 مايو الماضي في "مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" إلى أن: (مصر تحركت منذ بداية الأزمة لاحتواء التوتر بين حماس والإسرائيليين، ومع تدهور الوضع إلى قصف عنيف متبادل بين الجانبين، إضافة لعزوف الولايات المتحدة عن التدخل السريع في الأزمة، ركزت مصر جهودها على تخفيف المعاناة عن كاهل الشعب الفلسطيني، ففتحت المعابر وسمحت بنقل الضحايا الفلسطينيين إلى المستشفيات المصرية في سيناء).

وفي السياق ذاته نشر الكاتب المصري "حسام عبدالبصير" المحسوب على النظام في 18 مايو الماضي في "القدس العربي" مقالا ينضح بالفخر بالصمود الفلسطيني وبموقف مصر على المستوى الرسمي والشعبي والاتحادي والنقابي تحت عنوان "القضية الفلسطينية تستعيد قوتها أمام العالم" أشاد فيه بدور الدبلوماسية المصرية في الانحياز إلى المقاومة الفلسطينية وإدانة آلة الفتك والدمار الصهيونية التي لا تتورع عن استهداف التجمعات السكانية المدنية قائلا: (وفي صحف الاثنين 17 مايو تواصل الشعور بأن الحلم يقترب وحرب التحرير تؤتي ثمارها، ووجد عدد من المطبعين أنفسهم أمام لحظة مغايرة صنعت تفاصيلها بالكامل الأيدي المباركة في فلسطين المحتلة. ومن تصريحات الاثنين: قال سامح شكري وزير الخارجية، إن مصر تكثف اتصالاتها لتحقيق الهدف المنشود، والتوصل إلى وقف إطلاق النار وحماية الشعب الفلسطيني من الاعتداءات الإسرائيلية، لأنه يحقق مصلحة كل الأطراف واستقرار المنطقة، وعدم توسيع رقعة الصراع، واصفا ما يحدث في قطاع غزة بأنه قتل وتدمير يتعرض له المدنيون. وحذّر شكري إسرائيل من محاولة تغيير طبيعة مدينة القدس، والحقوق العربية فيها، داعيا الحكومة الإسرائيلية إلى عدم اتخاذ خطوات تزيد من الاحتقان في المدينة).

وفي الوقت ذاته لم يفُت "عبدالبصير" التنويه إلى ما تكنه النقابات المهنية للموقف الرسمي المساند للقضية الفلسطينية من احترام وتقدير، فقد قال في ذات المقال: (في ما أشاد مجلس نقابة الصحافيين بالشعب الفلسطيني الصامد وتحركاته البطولية، على كامل التراب الفلسطيني، التي أعادت القضية الفلسطينية للصدارة عربيا ودوليا، وصححت مسار النضال الفلسطيني وأنهت محاولات الاحتلال الإسرائيلي وداعميه لتقسيم فلسطين، وحيا المجلس الموقف المصري الرسمي الذي أدان منذ اللحظة الأولى الاعتداءات الإسرائيلية، ولم يدخر جهدا طوال العدوان لوقفه وحماية الأرواح والممتلكات الفلسطينية. وبالنسبة للبرلمان شهدت الجلسة العامة لمجلس الشيوخ برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، المنعقدة أمس الاثنين، إدانة واسعة للممارسات الإسرائيلية، والاعتداء الممنهج على الشعب الفلسطيني، وإشادة بالتحركات المصرية لحل الأزمة وإيقاف العدوان. واحتفت الصحف بالعديد من الحافلات التي انطلقت وهي تحمل المساعدات المصرية للشعب الفلسطيني في طريقها إلى معبر رفح).

وقد وقف الإعلام الحزبي المصري المتحالف مع النظام مواقف قومية جديرة بالاحترام، فقد كتب الكاتب الصحفي "مختار محروس" مقالا متواضعًا في لغته قويًّا في فكرته نشر بتأريخ 16 مايو في موقع “الوفد” لسان حال "حزب الوفد" ذي التوجه الليبرالي جاء فيه: (فخر العرب والمسلمين أنتم أبناء فلسطين. شعب أبي حر رفض القهر والذل.. فليخسأ المتنطعون والخونة والمطبعون والمتآمرون.. فلتحيا فلسطين وقدسها وأقصاها.. فليحيا المدافعون عن حي الشيخ جراح.. أفسدتم احتفالاتهم بيوم وحدة القدس المزعوم، بعد تخريفة ترامب رئيس أمريكا السابق المجنون، أن القدس عاصمة بني صهيون.. خسئت وتبوأت مقعدك من النار.. فالقدس لنا والأقصى لنا والأرض لنا.. شعوب أمتكم أصابنا ما أصابها ولكن لن تموت.. سيخرجون ويزحفون ويهتفون ويهللون ويكبرون.. القدس لنا والأقصى لنا.. سيهز زئيرهم قلوب المرجفين، وترتعد منها فرائص المنهزمين المطبعين المنكسرين.. شهداؤكم في الجنة وقتلاهم في النار. اصبروا وصابروا ورابطوا فالله معكم.. ظنوا أنهم فرقوكم وأذلوكم وضمنوا سكوت أصواتكم وغلق دفاتركم. فخاب ظنهم وفشل سعيهم.. الخزي لهم والعار لهم. نسيتم خلافاتكم وشقاقكم فهذه هي البداية لوضع ظن البعض أن ليس له نهاية.. من لم يأت بالمفاوضات والتفاهمات والاجتماعات لن يأتيك إلا بالجهاد.. فحي على الجهاد.. أغلقتم أكبر مطاراتهم.. حولتم مسار طائراتهم.. علقتم الطيارين إلى كيانهم أوقفتم بحثهم عن الغاز قبالة شواطئكم.. ما هذا يا رجال؟ كل هذا بصواريخ بدائية صنعتها أياد طاهرة ونفوس زكية وعزيمة قوية وسدد الله بها رميكم. اثبتوا لهم أن القُبَّة الحديدية ليست الحل فصواريخها التي يتكلف الواحد منها 50 ألف دولار يفشل في التصدي لصاروخ كْلفته لا تزيد على 300 دولار.. نعم "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى").

بل لقد كان الموقف المصري الرسمي الذي اتسم -على عكس مواقفه الدائمة- بالإيجابية تجاه المقاومة الفلسطينية التي كانت موضع اهتمام الكثير من وسائل الإعلام، فقد كانت -على سبيل المثال- مادة تقرير إخباري موسع بعنوان: "الموقف المصري حيال الانتهاكات الإسرائيلية.. فلسطين ومآرب أخرى" نشر في موقع "نون بوست" بتأريخ 17 مايو افتتح بمفتتح استهلالي تضمن ما يلي: (شهد الموقف المصري حيال الأوضاع في فلسطين لا سيما ما يتعلق بالاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على القدس وقطاع غزة تحولًا جوهريًا في منسوب حدة الخطاب الدبلوماسي، الذي ابتعد إلى حد ما عن الإدانات التقليدية العابرة إلى مستوى أكثر سخونة.

التزم رد الفعل الرسمي المصري بداية الأمر بالإطار الدبلوماسي المعهود طيلة السنوات الماضية، بدءًا من شجب أحداث حي الشيخ جراح بالقدس مرورًا بالانتهاكات الإسرائيلية بحق الأقصى ومرابطيه، وصولاً إلى قصف مناطق في قطاع غزة وسقوط عشرات الشهداء، لكن الساعات القليلة الماضية حملت مواقف ذات درجة حرارة مرتفعة نسبيًا على أكثر من مسار.

ولأول مرة منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مقاليد الحكم في البلاد، تخرج تلك التصريحات الحادة بحق تل أبيب، مع الوضع في الاعتبار العلاقات الحميمية التي تربط بين النظامين في الآونة الأخيرة، والتنسيق التام حيال أكثر من ملف إقليمي ودولي، الأمر الذي أثار بعض التكهنات عن دوافع تغير الموقف المصري وما الرسائل التي تبعث بها القاهرة من وراء هذا الموقف المتغير).

وتحت العنوان الفرعي "تغيُّر في الخطاب الدبلوماسي" تطرق التقرير الإخباري إلى ما طرأ على الخطاب الرسمي المصري من تغيُّر جذري إزاء كل ما يجري في فلسطين المحتلة بقوله :(العديد من المؤشرات كشفت تغيرًا واضحًا في خطاب الخارجية المصرية حيال ما يحدث في غزة، البداية كانت بنقل التليفزيون الرسمي للدولة خطبة الجمعة الماضية 14 من مايو الحاليّ من الجامع الأزهر، التي دعا خلالها الدكتور أحمد عمر هاشم "خطيب الجمعة" لنصرة فلسطين ووصف الاعتداءات الإسرائيلية بالجرائم ضد الإنسانية، بجانب مناشدته للدول العربية والإسلامية بتدشين تحالف لدعم الفلسطينيين في مواجهة الصهيونية.

ما كان يمكن للخطيب أن يتفوه بما قال ولا للتليفزيون الرسمي أن ينقل خطبة كهذه دون موافقة الجهات السيادية، وهو ما يعكس تطابق موقف الدولة مع كل كلمة قيلت في الخطبة، الأمر تأكد بصورة أوضح مع استخدام بعض السياسيين والإعلاميين والفنانيين المقربين من النظام خطابًا حادًا تجاه الاعتداءات الإسرائيلية، كما هو حال النائب مصطفى بكري والإعلامي أحمد موسى.

الأمر انتقل من نطاق القوة الناعمة التي اعتاد النظام توظيفها لأهداف خاصة به، إلى الخطاب المباشر على لسان وزير الخارجية سامح شكري، الذي وصف ما تمارسه "إسرائيل" ضد الفلسطينيين بـ"الاعتداءات التي يجب توقفها فورًا"، لافتًا إلى أن "مصر لا ترى سبيلًا لتحقيق الأمن والسلام في منطقتنا، إلا عبر نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة واستقلال دولته على خطوط الـ4 من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".

شكري في بيانه الذي ألقاه أمام الجلسة العلنية لمجلس الأمن لمناقشة الوضع في الشرق الأوسط، (الأحد 16 من مايو 2021) أضاف "إذ نجتمع في أعقاب شهر رمضان الكريم الذي شهدنا على امتداده احتكاكات واستفزازات لا مثيل لها بالمصلين من أهل القدس في المسجد الأقصى المبارك، بالتوازي مع عملية تهجير، ضمن سياسة ممنهجة، لعدد من السكان العرب بحي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، مما أغضب الملايين من العرب والمسلمين الذين ضاقوا على مدى العقود الثلاثة الماضية مما بدا تغييبًا وتسويفًا لا نهائيًا لوعود وتعهدات دولية ذات طابع قانوني بالتفاوض الجاد حول إنشاء دولة فلسطينية على الأراضي التي تم احتلالها عام 1967 والتي تشمل القدس الشرقية".

وعلى المستوى الميداني فقد أرسلت وزارة الصحة المصرية عددًا من سيارات الإسعاف والإمدادات الطبية لأهالي القطاع عبر معبر رفح الحدودي، هذا بخلاف ما أثير في وسائل الإعلام بشأن نقل المصابين الفلسطينيين إلى المستشفيات المصرية، فضلًا عن فتح معبر رفح أمام الفلسطينيين لدخول الحدود المصرية).

وتحت عنوان: "من العداء إلى التقارب.. لماذا دعمت مصر حماس في مواجهتها الأخيرة مع إسرائيل؟" نشر المحلل السياسي "محمد العربي" بتأريخ 15 مايو الفائت في "الجزيرة نت" مقالا تحليليًّا تناول فيه طابع العدائية بين النظام المصري في عهد السيسي و"حركة حماس" الفلسطينية ذات التوجه الإسلامي، منتقلا إلى سرعة تغيير الموقف واعتماد النظام المصري على خطاب دبلوماسي وإعلامي مختلف مبني على حيثيات غير معقولة بقوله: (على غير العادة، انتفض الإعلام الحكومي المصري، وقام بتغطية مفتوحة لأحداث الحرب في غزة، واستُخدمت كلمات ذات وقع جديد في الصحافة المصرية أثناء تغطية الصراع بين المقاومة وإسرائيل، أبرزها ما جاء في صحيفة "الأهرام" التي وصمت إسرائيل بالاحتلال، ووصفت "حماس" بالمقاومة. وقد دخلت مؤسسات أخرى على الخط، أبرزها الأزهر الشريف، ففي حدث لافت للسياسة المصرية ألقى الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، من فوق منبر الجامع الأزهر خطبة دعا فيها لاستنفارٍ عربي مسلم لانتزاع القدس ووقف الاستيطان بالقوة. هذا وانتشرت تسريبات بأن تعليمات سيادية مباشرة صدرت من جهاز المخابرات لوسائل الإعلام بتكثيف تناول التصعيد الإسرائيلي، وعدم التعرض لحركة حماس بالانتقاد أو الهجوم، وانتهاج خطاب إعلامي يستند إلى أن إسرائيل هي من بادرت بالعدوان، وأن ما فعلته المقاومة هو رد فعل).

وتحت عنوان "غزة وإسرائيل: هل هناك تحول في مواقف مصر ..إلى آخره" السابق ذكره (أثارت صحف عربية -في 18 مايو الماضي- تساؤلات عن "تحول" في مواقف مصر والمغرب تجاه الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية، وذلك تعليقا على إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تخصيص 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة وسماح المغرب بتظاهرات واسعة للتضامن مع الفلسطينيين.

ورأى عدد من الكُتاب أن الإعلان المصري بالتبرع بهذا المبلغ وقبلها تصريحات "نارية" من شيوخ أزهريين محسوبين على النظام وتصريحات غير مسبوقة لوزير الخارجية يؤشر لتغير في موقف القاهرة باتجاه "محور المقاومة" في المنطقة).

أسباب اصطباغ العلاقة بشبه انقلاب

في ضوء دأب مصر -منذ الإطاحة بالدكتور محمد مرسي وصعود عبدالفتاح السيسي عام 2014م إلى الكرسي- (على اعتبار حركة حماس الفلسطينية جماعة إرهابية مسؤولة عن أغلب الأحداث في شبه جزيرة سيناء المصرية، بل واتهمها الإعلام المصري بتضييع الحق الفلسطيني وتعزيز الانقسام بين غزة والضفة)، لا يمكن توصيف تحسُّن العلاقة بينهما إلى هذا المستوى المثير للدهشة والاستغراب إلا على أنه انقلاب يجدر بذوي الألباب البحث عمَّا يكمن وراء حدوثه من أسباب.

ولكي تكون طريقة طرحنا موضوعية ومنصفة سنورد الأسباب التالية معبرة عن الرؤى المختلفة:

1 - ادعاء تخلي "حماس" عن توجهها الإخواني: فقد جعل المحلل السياسي الدكتور "حسن نافعة" في صدارة أسبابه غير المقنعة (أن الرؤية المصرية، تغيرت تجاه المقاومة الفلسطينية، حيث بدأت تدرك أن حماس لم تعد فصيلا تابعا لجماعة الإخوان المسلمين، بل هي فصيل يدافع عن قضيته)، وهو تسويغ مردود عليه، ولا يستحق مجرد الالتفات إليه، فـ"حماس" لم تدَّعِ -منذ تأسيسها وحتى اللحظة الآنية- أنها إخوانية، وليس من المنطق تصنيفها إخوانية لمجرد احتسابها على الطائفة السنية، فضلا عن أنها -على الرغم من سنيتها- على تنسيق عملياتي وإعلامي مع شقيقتها "الجهاد الإسلامي" المحسوبة على المحور الشيعي الذي تتزعمه "جمهورية إيران" المختلفة فكريًّا مع "الإخوان".

2 - تعاطي القاهرة مع قضية فلسطين كشأن داخلي: فقد أشار المحلل السياسي "محمد العربي" في طيات مقاله "من العداء إلى التقارب.. لماذا دعمت مصر حماس في مواجهتها الأخيرة مع إسرائيل؟" السالف الذكر إلى أن موقع "الهيئة العامة للاستعلامات" التابع للرئاسة المصرية قد (وصف تعاطي الرؤساء المصريين مع القضية الفلسطينية وكأنها جزء من مصر وليست مجرد قضية خارجية)، وهو طرح يفتقر إلى الموضوعية، فالشعب الفلسطيني الذي تجري قيم الشمم الإباء منه مجاري الدماء مستعص على التبعية، فضلاً عن سبق النظام العسكري المصري في التمرُّغ في المستنقعات التطبيعية.

ومن ناحية أخرى كيف يمكن لنظام مفرِّط في حقوق شعبه بكل طريقة تبني الحفاظ على مصالح الشعوب الشقيقة.

3 - تناغُم النظام مع توجه الرأي العام: فقد نوه موقع "نون بوست" ضمن تقريره السالف الذكر إلى أنَّ: (مقربين من دوائر صنع القرار في مصر أشاروا إلى أن التحرك المصري جاء استجابة للرأي العام الغاضب والمشتعل حيال الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأشقاء الفلسطينيين، خاصة في ظل تخلي مصر عن دورها التاريخي حيال القضية العربية الأم طيلة السنوات الماضية)، وهو طرح تنكره العقول والقلوب، فعهدنا بالأنظمة العربية -بشكل عام- الاستخفاف التام بآراء الشعوب.

4 - مساومة الكيان على التخلي عن إثيوبيا: فقد ورد في سياق تقرير "نون بوست" أيضًا: (دخول مصر كطرف أساسي في الصراع الدائر الآن في غزة والقدس، ودعمها الدبلوماسي للمقاومة -رغم التحفظات السابقة- في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، لا شك أنه يمثل ورقة ضغط كبيرة على تل أبيب في دعمها المطلق لحكومة أبي أحمد الإثيوبية في مشروعها القومي "سد النهضة" الذي يهدد مستقبل الأمن المائي لملايين المصريين).

5 - إثبات التفرُّد في ظل تودُّد المطبعين الجُدد: فقد ذكر المحلل السياسي "محمد العربي" من ضمن ما ذكر في مقاله الذي نُشر بتأريخ 21 مايو الفائت أنَّ (التحولات التي طرأت على الملف الفلسطيني في غياب صناع القرار المصريين نتيجة التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي، يبدو أن مصر وجدت في أحداث "حي الشيخ جراح" فرصة لإعادة إثبات وجودها السياسي بما تمتلكه من أوراق للتأثير على حركات المقاومة في غزة).