أغسطس 29, 2021 - 21:54
مؤتمر بغداد .. حاجة عراقية إقليمية أم رغبة غربية ؟
عرب جورنال

ويشارك في المؤتمر الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والمصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ونائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ورئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح.

كما يشارك في المؤتمر وزراء خارجية كل من السعودية وتركيا وإيران، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط والأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي يوسف بن أحمد. وحضر المؤتمر الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية نايف الحجرف وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت.

وألقى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي رئيس المؤتمر كلمة في افتتاح المؤتمر قال فيها إن "هذا المؤتمر يعقد في ظرف حساس وتاريخي ليمثل زخما جديدا لمساعي العراق بتوطيد علاقاته الخارجية على أسس التعاون والتضامن والتفاهم المشترك والعلاقات الأخوية والمصالح المشتركة".

وأضاف أن "انعقاد هذا المؤتمر في بغداد يجسد رؤية العراق بضرورة إقامة أفضل العلاقات مع دول العالم مبنية على أسس التعاون والتكامل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وتغليب لغة الحوار والشراكات والاحترام المتبادل".

وأكد أن دور العراق التاريخي يمكن أن يكون أحد ركائز الاستقرار في المنطقة، مشددا على رفض استخدام الأراضي العراقية ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، أو أن يكون منطلقا للاعتداء على جيرانه من أي جهة كانت.

وأعرب عن أمله في تحقيق الشراكات الاقتصادية الكبرى للإعمار والبناء من خلال هذا المؤتمر واللقاءات الثنائية والجماعية ليكون العراق مساهما قويا في انماء المنطقة عبر التكامل الاقتصادي المستند إلى المشتركات التاريخية والجغرافية والثقافية، وشدد على أن القضاء التام على الإرهاب يتطلب مواجهة الظروف والبيئات التي تسمح بنمو الجماعات الارهابية، مبينا أن هذه المهمة تتجاوز العامل العسكري إلى ثقافة الحوار والتسامح والتنمية الاقتصادية والبشرية.

من جهته قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته إن "مؤتمر بغداد يبين الشراكات وتحقيق السلام في المنطقة"، مؤكدا أن المؤتمر جاء لدعم سيادة العراق، وجدد الرئيس ماكرون التزام بلاده بدعم القوات العراقية لدعم سيادة البلاد، مشيدا بتصدي العراق لتنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف اختصارا بـ (داعش).

من جانبه اعتبر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن المؤتمر فرصة للتشاور والتعاون لمواجهة التحديات. وقال السيسي في كلمته إن "مصر سوف تدعم جهود الحكومة لتحقيق استقرار العراق وترسيخ موقعه، وتقف سندا إلى جانب الحكومة العراقية في تحقيق الأمن"، وأبدى السيسي استعداد مصر لنقل تجربتها إلى العراق للسير سوية على الطريق نحو المستقبل، معلنا رفضه كافة التدخلات الخارجية في شؤون العراق. وأكد ملك الأردن عبد الله الثاني أن بلاده تدعم جهود الحكومة العراقية في مكافحة التطرف والإرهاب وإعادة البناء، وقال إن العراق يلعب دورا مركزيا في بناء الجسور وتعزيز الحوار الإقليمي والدولي. وفي السياق ذاته أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان دعم بلاده للعراق والعمل على كل ما يحفظ أمنه واستقراره، كما أعلن فرحان دعم المملكة استقرار العراق ووحدة أراضيه، وقال إن بلاده مستمرة في التنسيق مع بغداد ودول المنطقة لمكافحة التطرف والإرهاب.

وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن بلاده ماضية في دعم العراق، قائلا إن استقراره أمر حيوي لسائر دول المنطقة، وأكد جاويش أن العراق يجب ألا يكون ساحة للتنافس بل للتعاون والشراكة، معبرا عن استعداد تركيا للمساعدة في إعادة إعمار العراق عبر تنفيذ مشاريع حيوية. وقال الوزير التركي إنه لا مكان للإرهاب في مستقبل العراق، معلنا رفض أنقرة أي وجود لحزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية.

وأعرب وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان عن دعم بلاده أمن العراق واستقلال ووحدة أراضيه، وقال عبد اللهيان إن بغداد تلعب دورا مهما في المنطقة، وإيران كانت أولى دول المنطقة التي اعترفت بالعراق الجديد، وتابع أن العراق تضرر كثيرا بفعل الإرهاب، وأشار إلى أن إيران كانت أول من مد يد العون له في مكافحته، معتبرا أن الأمريكيين لن يجلبوا الأمن والسلام لشعوب المنطقة. ودعا الوزير الإيراني جيران العراق إلى دعم استقراره، كما دعا إلى تحقيق السلام عبر الحوار بين دول المنطقة بعيدا عن التدخلات الأجنبية، مشددا على أن هذه التدخلات هي سبب عدم الاستقرار في المنطقة، وأن هناك حاجة إلى أمن إقليمي مستدام.

إن انعقاد مثل هذا المؤتمر يأتي لتوفير المناخ المناسب لجلوس قادة وممثلي الدول المشاركة ليكون الخطوة الأولى باتجاه حلحلة الأزمات بالمنطقة، ومن ثم إيجاد حلول لها في المستقبل، إن لم يكن خلال هذا المؤتمر الذي يشكل مقدمة للتقارب وإنهاء الخلافات البينية وخصوصا وأن المنطقة تواجه تحديات مشتركة تقتضي التعاون معها على أساس المصالح المشتركة المتبادلة ووفقا لمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام السيادة الوطنية العراقية،

لاسيما وأن المشاركون قد أكدوا دعمهم لجهود الحكومة العراقية في تعزيز مؤسسات الدولة وإجراء الانتخابات النيابية وتأكيد رفضهم لكل أنواع الإرهاب والفكر المتطرف وتحقيق السلام عبر الحوار بين دول المنطقة بعيدا عن التدخلات الخارجية .

ويرى محللون أن انعقاد هذا المؤتمر يأتي في سياق أن هناك رغبة مشتركة في إدماج العراق في المحيط العربي والإسلامي وأن مسألة استقراره تتطلب أولا إنهاء وجود القوات الأجنبية المحتلة للأراضي العراقية منذ العام 2003م وهذا الأمر يتعلق بالسيادة الوطنية للعراق وتلك هي الاشكالية التي تتعلق في الجغرافية السياسية للدولة العراقية.

اليوم هناك إمكانية في إعادة إدماج العراق في المحيط العربي ولكن هذا يستدعي عدم إغفال المحيط الإسلامي بمعنى آخر أن تكون الفرصة سانحة لرسم خارطة سياسية لعلاقات عراقية إقليمية ودولية جديدة ولكن ليس وفق حسابات المقايضة التي تخطط لها الولايات المتحدة مع الطرف الإيراني فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.

إن مثل هكذا مؤتمر يعتبر مكسبا لكل فرقاء المنطقة يعبر عن حقيقة أنه لابد للمختلفين أن يجلسوا سوية على طاولة الحوار للخروج برؤية مشتركة للسلام وتعزيز أمن واستقرار المنطقة، ومن الناحية السياسية والاستراتيجية فإن دبلوماسية مفاوضات المؤتمرات لوحدها قد لا تحقق المقاصد الحقيقية، كما عبرت عنها خطابات المشاركين في المؤتمر التي بينت أن هناك مصالح متفاوتة ومتناقضة وبعضها متصارعة، وكيف يمكن للعراق أن يحقق الموائمة والتوازن مع هذه الأولويات المختلفة؟!

هذا المؤتمر في نظر مراقبين لايكفي، بل يستدعي مواصلة الاجتماعات بحيث لا يلبي هذا المؤتمر أو غيره رغبة خارجية بوجود الرئيس الفرنسي ماكرون بالإنابة باعتباره وسيطا مقبولا للسعودية وغيرها فإن الوساطة الأجنبية الغربية لن تجدي نفعا إذا أهملت الوساطات الإقليمية. وما لم يعبر عن رغبة العراق لأن يكون له دور محوري في التوازن ليس فقط في الاقليم، وانما لاستخدام هذا التوازن الخارجي في العلاقات الخارجية من أجل تحقيق استقرار داخلي بمعنى آخر إنهاء النفوذ الخارجي وتحديدا الاحتلال الأمريكي الذي أصبح هامشيا نسبيا.

لذلك فإن العراق يتطلب الاستقلال وإنهاء التواجد العسكري الأمريكي والأجنبي لكي يحقق توازنا في نمط علاقاته الخارجية تتيح للحكومة العراقية محاولة السيطرة على الوضع الداخلي ومنع أي دولة من التدخل في شؤونه بطريقة لا تسمح له بالاستقرار.