أغسطس 27, 2021 - 22:18
فلسطين وتراخي المواقف من عودة اللاجئين
عرب جورنال

واللاجئون الفلسطينيون يتصدرون قائمة اللجوء العالمي عددًا ومُددًا، فعددُهم -كما تحكي إحصائيات "مركز العودة"- نحو 9 ملايين لاجئ، أي 67.5% من مجموع الشعب الفلسطيني، وتتجاوز مدة أول وأضخم أفواج اللجوء 73 سنة، إذ تسببت الحرب التي نشبت عام 1948 عقب انسحاب البريطانيين بتشريد معظم الفلسطينيين.

وعلى الرغم من أن هذه القضية قد غدت -بفعل قِدَمِها وتزايد أعداد اللاجئين وتراكمِها- معضلة مستفحلة، فإن المواقف منها وكانت وما تزال متخاذلة، وفي ما يلي سأستشهد على ذلك التخاذُل بالمواقف التالية:

مواقف الأمم المتحدة المراوغة

بالرغم من أن موقف الأمم المتحدة -ممثلة بهيئاتها المختلفة- في صفِّ اللاجئين الفلسطينيين منذ بداية نكبتهم، وأنها قد أصدرت بشأن فلسطينيي الشتات عددًا من القرارات، بداية بالقرار رقم "194" الذي يقضي -بحسب ما هو موثق في "مركز المعلومات الوطني الفلسطيني"- بـ(وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم)، وبالرغم من أنه قد رصدت بعدَهُ قرارات عدة أذكر منها: (قرار الجمعية العامة رقم 273 سنة 1949، قرار الجمعية العامة رقم 513 سنة 1952، قرار مجلس الأمن رقم 237 سنة 1967، قرار الجمعية العامة رقم 3236 سنة 1974)، وهي قرارات ذات مضامين مؤكدة أو مفندة، فإن الإشكالية القائمة بصورة دائمة تتمثل -على حدِّ ما أورده "حسام أبو حامد" في طيات مقاله "اللاجئون والاستراتيجية الصهيونية" المنشور بتأريخ 25 يوليو الماضي في "العربي الجديد" من توكيد- في (أن تلك القرارات -من وجهة نظر صهيونية- غامضة وغير ملزمة وغير نهائية).

أما في الوقت الراهن فإن أهم ما تتعمده المنظمة الأممية إزاء اللاجئين الفلسطينيين من تهاون يتمثل في ما أشار إليه الأكاديمي الفلسطيني "عبدالستار قاسم" في مقال "تغييب قضية اللاجئين عن الخطاب الفلسطيني" الذي نشر في"الجزيرة نت" في 5 أكتوبر 2014 بقوله: (الأمم المتحدة لم تكن على قدر مسؤوليتها عندما اكتفت في قرار مجلس الأمن (242) بالدعوة إلى حل قضية اللاجئين حلا عادلا دون أن تذكر من هم اللاجئون الذين تعنيهم، ودون أن تتطرق إلى المواثيق الدولية الخاصة باللاجئين، ودون أن تؤكد على قرار الجمعية العامة رقم (194) لعام 1948 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين).

المواقف الأوروبية والدولية التحايلية

من الثابت تأريخيًّا أن بريطانيا التي كانت رأس حربة أوروبا لم تنسحب من فلسطين عام 1948 إلا بعد مضي 31 سنة على "وعد بلفور" اللعين وبعد أن مكنت للصهاينة فيها غاية التمكين، حتى تزامن انسحابها -بسبب الإرهاب الصهيوني الذي مورس في حق الفلسطينيين- مع تشرد الملايين، لذلك ليس من المؤمل أن تتعامل أوروبا الصليبية مع مأساة اللجوء الفلسطيني تعاملا يفضي بها إلى حل، وإذا كانت بعض الأطراف الدولية تتظاهر -من وقت إلى آخر- بشيءٍ من التعاطف الزائف، فسرعان ما يتأكد -ساعة الجد- أنها لا تتبنى أي موقف مختلف، وفي هذا السياق فقد استهل الكاتب "حسام شاكر" مقاله "الموقف الأوروبي في ذكرى النكبة.. أوروبا وحق العودة" المنشور في موقع "الجزيرة" منذ 16 مايو 2016 بقوله: (يغيب ملف اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة عن مقررات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بشأن فلسطين، ومنها الوثيقة المطولة الصادرة في 17 يناير 2016؛ بما يعني أن حق العودة لا يستدعي اكتراثًا به.

لا جديد في ذلك على أي حال؛ فالخطاب الرسمي الأوروبي يغض الطرف عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، كما هي الحال بالنسبة للأطراف الدولية الأخرى).

موقف الإدرات الأمريكية المتصهين

مما لا يختلف عليه اثنان أن الإدارات الأمريكية قد مثلت امتدادًا للمواقف البريطانية في تبني المواقف الصهيونية، وعلى هذا الأساس فقد وقفت حجر عثرة في طريق تطبيق كل القرارات الأممية المنتصرة للقضية الفلسطينية، ومما يدل على ما تعمِد إليه الإدارت الأمريكية من تحامل ضد الحق ومن تحيز للباطل ما وثقه "مركز المعلومات الوطني الفلسطيني" من اتخاذ أمريكا حق "النقض الفيتو" للحيلولة دون تنفيذ القرارات المؤيدة لـ(توصيات الجمعية العامة المؤيدة -بأغلبية ساحقة- حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة أربع مرات خلال الفترة من عام 1976 حتى عام 1980، إذ كانت مشاريع القرارات تؤيد -في كل مرة- التوصيات وتقرر تنفيذها بأكثرية أصوات أعضاء المجلس، إلا أن حق "النقض" الذي كانت "الولايات المتحدة" تستخدمه ضد هذه المشاريع كان يؤدي إلى إسقاطها).

ولعل أبرز صور التحامل الأمريكي ضد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة بل وضد القضية الفلسطينية بصورةٍ أكثر علنية تبني الرئيس السابق "دونالد ترامب" -منذ حوالي ثلاث سنوات- ما سمي بـ"صفقة القرن" وكذا اتخاذه قرار نقل سفارة بلاده إلى مدينة "القدس" إسهامًا منه في تحقيق الأحلام الصهيونية اليهودية الزاعمة أن "القدس" عاصمة دولتهم الأبدية.

وبقدر ما تعتبر الخطوتان كلتاهما -لا سيما وقد تورطت أطراف عربية في دعم أولاهما- أخطر مسمارين في نعش القضية الفلسطينية، تكشفان من ناحية ثانية حجم ارتهان السياسة الأمريكية لإرادة اللوبيهات الصهيونية.

موقف السلطات الصهيونية المتصلب

لقد كانت سلطات الكيان الصهيوني أساس مشكلة اللجوء الفلسطيني، فهي تبذل -لأكثر من سبعة عقود- ما في وسعها من جهود لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وإنشاء مئات المستوطنات على أنقاضه.

ومن المنطق أن يتسم موقف سلطات الكيان من حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة بالرفض الملطلق، وحتى بعد توقيعها "أوسلو" مع "منظمة التحرير" عام 1992 التي شرعنت لتربعها على أكثر من 78% مساحة فلسطين، لم تزل تحافظ -كلما أشير إلى إمكانية عودة اللاجئين الفلسطينيين- على موقفها الرافض، وتشترط عدم طرحه على طاولة التفاوض.

وإذا حدث وأبدت -ما بين وقت وآخر- نوعًا من المرونة بشأنهم، فإن أية موافقة صهيونية على عودة اللاجئين الفلسطينيين أو أية نسبة منهم فلن تكون إلى الأماكن التي اقتلعوا منها رغمًا عنهم بل إلى الـ22% المتبقية لأهلهم من وطنهم، وقد أكد هذا المعنى الصحفي "نضال محمد وتد" في تقرير بعنوان "عودة اللاجئين الفلسطينيين من منظور إسرائيلي: إلى غزة والضفة" الذي نشر في "العربي الجديد" بتأريخ 10 أغسطس 2017 بقوله: (وقد أصدر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، مذكرة خاصة حول مسألة عودة اللاجئين، مع التركيز مسبقًا على أن الحديث ينحصر في العودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة).

ومن جانب آخر فقد قال الكاتب "حسام أبو حامد" في مقاله: "اللاجئون والاستراتيجية الصهيونية" الذي سبقت الإشارة إليه: (ولا يبدو أن الاستراتيجية الإسرائيلية ستتغير، ولا تسمح موازين القوى الحالية بتغييرها، بما أن عودتهم تنسف بالأساس المشروع الصهيوني القائم على تفريغ فلسطين من شعبها لإقامة "الدولة اليهودية").

المواقف العربية التذبذبية

باستثناء حربي (1948) و(1967) اللتين عززتا ثقة الصهاينة بأنفسهم ومنحتهم ذريعةً لتشريد الفلسطينيين من أرضهم مشكلين أكبر موجات لجوء في التأريخ المعاصر، فقد اقتصرت جهود الأنظمة العربية في الصراع مع الدولة العبرية على التنديدات الخطابية الهادفة إلى اكتساب جماهيرية شعبية، وما سوى ذلك فمواقفٌ غاية في السلبية.

فقد ورد في مقال "حسام أبو حامد" الذي استشهدنا بنصوص منه: (رغم أن مفاوضات "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل دعت -في إحدى محطاتها- إلى إنشاء "سلطة حكم ذاتي فلسطيني" في "الضفة الغربية وقطاع غزة"، إلا أنها حيَّدت قضية اللاجئين عن الطاولة)، وقد عكس هذا التحييد الموقف المصري غير المعني بقضية اللجوء وفلسطينيي الشتات التي يفترض طفوُها على سطح أية مناقشات.

وفي السياق ذاته ورد عن الكاتب ذاته قوله: (أما اتفاقية "وادي عربة" الأردنية الإسرائيلية، فلم تتعامل مع اللجوء الفلسطيني نفسه، بل مع المشاكل الناتجة عنه، ونظرت إلى مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بوصفها مشكلة إنسانية، لا سياسية، تعهّد فيها الطرفان بالسعي إلى التخفيف من حدة المشاكل الناتجة عنها بتطبيق برامج الأمم المتحدة المتفق عليها، وغيرها من البرامج الاقتصادية الدولية المتعلقة باللاجئين والنازحين، بما في ذلك المساعدة على توطينهم).

والملاحظ أن كلتا الاتفاقيتين لم تتطرق البتة إلى حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وفي إغفالهما هذا الحق بشكل مطلق دليلٌ دامغً على أنهما تصبان في مصلحة دولة الكيان، بينما أصبحت سائر الأنظمة العربية البعيدة (غير المحادّة) على الحياد -تقريبًا- من هذا الشأن.

أما الأنظمة العربية التي ما تزال تستكمل إجراءات التطبيع مع الكيان الآن وتلك التي احتفت بصفقة القرن "الترامبية"، فإن مواقفها الفعلية تدحض ما تتصنعه من مساندة للاجئين الفلسطينيين عبر بياناتها القولية، فتهافُتُها على صداقة السلطات الصهيونية يعكس -في ما يعكسه- دقة ما ترتبه معها من تنسيقات أمنية تفضي إلى استئصال شأفة القضية العربية الفلسطينية.

موقف السلطة الفلسطينية المفرِّطة

ممَّا لم يكد يُصدق أن ما تسمى "السلطة الفلسطينية" هي أقدم وأكثر من غيرها تفريطًا في حق اللاجئين الفلسطينيين، وإذا استثنينا العدو الصهيوني فسنجد تلك السلطة أقل الأطراف تحمُّسًا لحقهم في العودة إلى وطنهم.

ويكفي للاستدلال على تلك الحال قول "حسام أبو حامد" في طيات ما تصفحناه له من مقال: (وكانت الكارثة أن اتفاق "أوسلو" قد أجّل قضية اللاجئين إلى مباحثات "الوضع النهائي" التي لم يكتب لها الانطلاق حتى اليوم، بعد انسحاب إسرائيل عمليًّا من "أوسلو" وفرضها على الفلسطينيين سياسة الأمر الواقع)، ولا يمكن أن تُفسر موافقة تلك السلطة على إرجاء الحديث عن قضية اللاجئين الفلسطينيين -كما تنص الاتفاقية- إلا في سياق تفريطها بحقهم في العودة بصورة استباقية.

ولعل تفريطها السابق يُتبع بما نلمسه من تفريط لاحق يتمثل بالموافقة على مجرد عودة رمزية وإلى الجغرافية المتبقية للدويلة الفلسطينية المزعومة التي لم تعُد تبلغ 20%، وفي هذا الصدد ورد في تقرير "نضال محمد وتد": (ويبدو أن هناك نوعًا من التسليم الفلسطيني الرسمي بأن هذه العودة ستكون رمزية، وأنها ستنحصر في العودة إلى "أراضي الدولة الفلسطينية" في الضفة الغربية وقطاع غزة، خاصةً أنها مقرونة -كما هو معلن- بمقولة "الحق بالعودة أو التعويض"، في إشارة إلى التعويض المالي لمن لا تشمله العودة).

صهيوني مدافعٌ عن الحق الفلسطيني

من غرائب زمن تصهيُن الأعراب أن نجد صهيونيًّا كان متمرغًا في مستنقع الصهينة من أحمص قدميه إلى شحمة أذنه يعود عن غيه -بعد أن وقف مع نفسه وقفة موضوعية- فيصبح من أشد المدافعين عن حقوق الفلسطينيين وعن حق كل لاجئ فلسطيني في العودة وإثبات وجوده، فها هو موضوعٌ بحثي بعنوان "أطروحة يهودية دفاعًا عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين" ترجمه "علاء الدين أبو زينة"، ونشر في "الغارديان" في ثلاث حلقات، قد استهلت حلقته الأولى التي نشرت في 18 مايو الماضي بما هو آت: (في الشهر الماضي، كتب "بنيامين والاس ويلز" في مجلة "نيويوركر":

“في المعارك حول مستقبل إسرائيل وفلسطين، والتي غالبًا ما يُفهم فيها أن العداوات بين الشعبين قديمة وأبدية على حد سواء، كان "بيتر بينارت" الشخص النادر المتحرر من هذه العداوات. وبعد أن صنع اسمه كنصير متحمس للصهيونية الليبرالية، وداعم بارز من يسار الوسط لحرب العراق، سواء كمحرر لصحيفة “ذا نيو ريببليك” أو كوجه دائم الحضور في البرامج التلفزيونية، أمضى "بينارت" معظم العقد الماضي منخرطاً في مراجعة عميقة لهذه المواقف. وفي الصيف الماضي، أحدث معها قطيعة كاملة. وكتب -في مقال طويل لموقع “تيارات يهودية”: “الحقيقة المؤلمة هي أن المشروع الذي كرسَ الصهاينةُ الليبراليون من أمثالي أنفسَهم له لعقود -قيام دولة للفلسطينيين منفصلة عن دولة لليهود- قد فشل”. ودعا الأطراف المعنية إلى العمل من أجل إقامة دولة واحدة في الشرق الأوسط، تحمي حقوق اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.

وفي 11 أيار (مايو) هذا العام، مع تصاعُد العنف في إسرائيل وغزة، نشر "بينارت" مقالًا ثانيًا جادل فيه بأن حق اليهود في العودة إلى ديارهم يجب أن ينطبق أيضًا على الفلسطينيين. وكتب: “إذا لم يكن للفلسطينيين الحق في العودة إلى وطنهم، فإننا لا نمتلك هذا الحق نحن أيضاً”).