أبريل 29, 2024 - 15:58
الصين تستضيف محادثات بين حماس وفتح

أروى حنيش

أظهرت الصين في الآونة الأخيرة، نشاطًا دبلوماسيًا متزايدًا، وتأثيرًا كبيرًا في الشرق الأوسط، حيث تتمتع بعلاقات قوية مع الدول العربية وإيران، ومع العديد من دول الشرق الأوسط. ولعل نجاح بكين العام الماضي في التوصل إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران هو أعطى للدبلوماسية الصينية زخمًا كبيرًا في علاقاتها مع الدول المبنية على التعاون والاحترام المتبادل، والانفتاح على الشراكات الاقتصادية، والتجارة الحرة، والاستثمارات، وفي هذا السياق كثّف مسؤولون صينيون جهودهم في الدفاع عن الفلسطينيين في منتديات دولية خلال الأشهر القليلة الماضية، وفي فبراير الماضي، حثّت بكين محكمة العدل الدولية على إبداء رأيها في الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، الذي قالت إنه غير قانوني. ولاحقًا، ضغطت الصين من أجل انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة، وهو ما قال عنه وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الأسبوع الماضي إن من شأنه أن "يصحح ظلمًا تاريخيًا طال أمده". وفي تصريحات إعلامية، قال "يي" إن "بكين ترفض أي تهجير قسري أو عقاب جماعي للفلسطينيين في غزة".

 التسوية السياسية 

في إطار جهود التسوية السياسية والمصالحة الوطنية بين فصائل العمل الوطني في فلسطين، وعلى رأسها حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) ومنظمة التحرير الوطنية الفلسطينية "فتح"، صرح بهذه الخطوة دبلوماسي مقيم في بكين، يوم الجمعة الماضية،  وقال إنّ :"الصين ستستضيف محادثات لمناقشة جهود المصالحة الداخلية". ونقلت رويترز عن مسؤولين في حركتي "حماس" و"فتح" قولهما إن وفد حماس يرأسه عضو المكتب السياسي في الحركة موسى أبو مرزوق، في حين يرأس وفد حركة فتح عزام الأحمد.
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانج وينبين، يوم الجمعة الماضية، "ندعم تقوية السلطة الوطنية الفلسطينية، وندعم كل الفصائل الفلسطينية لتحقيق المصالحة، وزيادة التضامن عبر الحوار والتشاور". وأدلى وانج بهذه التصريحات في مؤتمر صحفي اعتيادي ردًا على سؤال بشأن عقد اجتماع بين حركتي حماس وفتح في بكين، والدور الذي تلعبه الصين في تسهيل الاجتماع. وكانت موسكو قد احتضنت اجتماعًا مماثلاً نهاية فبراير الماضي، لبحث تشكيل حكومة وحدة فلسطينية، وإعادة إعمار قطاع غزة، وفق ما أُعلن وقتها، إلا أنه لم يحقق تقدّمًا كبيرًا.
وستكون هذه الزيارة هي المرة الأولى التي يُعلن فيها توجه وفد من حماس إلى الصين منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة. وكان قد اجتمع الدبلوماسي الصيني وانغ كيجيان برئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في قطر الشهر الماضي، بحسب وزارة الخارجية الصينية. ونقلت رويترز عن دبلوماسي مقيم في بكين، لم تذكر اسمه، قوله إن "المحادثات المرتقبة، تستهدف دعم جهود المصالحة بين حركتي فتح وحماس".
 
تزايد المخاوف

 تطرقت صحيفة "واشنطن بوست" إلى تزايد المخاوف الدولية من تداعيات هجوم صهيوني يبدو وشيكا على رفح"، يقول الجيش الإسرائيلي أن خطة اجتياح رفح تمت المصادقة عليها من قبل الهيئات العليا في قيادة الجيش، ولم يتبق إلا قرار حكومة الحرب المصغرة لاتخاذ القرار، وكانت الصحيفة قد أشارت إلى عدم قدرة الجيش الصهيوني على القضاء على المقاومة الفلسطينية.
وجاء في تقريرها أن " لا أدلة على أن إسرائيل مستعدة لنقل أعداد كبيرة من المدنيين إلى خارج رفح". وفي ذات السياق يرى محللون سياسيون أن "الهجوم على رفح سيضغط على حركة المقاومة، لكنه لن يقضي عليها، مشيرين إلى أن حماس قادرة على إعادة تجميع صفوفها في المناطق الوسطى والشمالية للقطاع، وأن إعادة تجميع حماس لقدراتها "هي أخبار سيئة لحكومة بنيامين نتنياهو التي قد تفشل في إعادة الرهائن والقضاء على حماس مما يجر إسرائيل إلى أزمة سياسية كبرى". ووفق صحيفة " الغارديان"، يشكك سكان مستوطنة سديروت القريبة من غزة، "في قدرة الجيش الصهيوني على القضاء على حماس نهائيًا والوفاء بالوعد الذي يكرره نتنياهو باستمرار تحقيق النصر الكامل".

نجاح حماس 

من الناحية السياسية، يرى مراقبون وخبراء، أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" نجحت نجاحاً مُبهراً في إدارة المفاوضات الجارية مع الجانب الصهيوني، سواءً في جزئها الأول الذي انتهى بإطلاق سراح عدد من الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح الكثير من الأسرى الفلسطينيين، أو من خلال المفاوضات الحالية، والتي تديرها باحترافية منذ اجتماع باريس ومنذ اجتماع اللجنة الرباعية التي تتكون من الولايات المتحدة الأمريكية، مصر وقطر، بالإضافة إلى الكيان الصهيوني، فهي تدير المشهد كما  ينبغي، وبهذا جعلت الحكومة الصهيونية الدينية المتطرفة في إسرائيل تعيش أزمة حقيقية من خلال الانتقادات والضغط التي تواجهه حكومة الاحتلال سواءً من مواطنيها أو من المجتمع الدولي وحتى من الولايات المتحدة الأمريكية الداعم رقم واحد للاحتلال الإسرائيلي. وعلى صعيدٍ متصل، فالكيان الصهيوني ومن ورائه الغرب كان يعول على انكسار المقاومة الفلسطينية واستسلامها، لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا، فقد واجه مقاومة شرسة لم يتوقعها، وصمود الشعب الفلسطيني رغم كل الأساليب التي استخدمت ضده لكسره، كل ذلك أفشل الكيان الصهيوني في تحقيق اهدافه في قطاع غزّة بالرغم من تواصل غاراته الجوية، لقتل المدنيين، ورغم تهديده باجتياح رفح، وهذا سيكلفه الكثير، والعالم الدولي يحذره من الإقدام على مثل هذا هذه الخطوة، والمغامرة الصبيانية، ما هو على الخرائط، تلك مجرد خطط تكتيكية سيصعب تنفيذها على الأرض، ولن تنجح خطط فصل رفح، إلى قسمين، ولا توفير المخيمات لنقل السكان. نتحدث عن مليون ونصف نسمة، دول الجيران تحذر من هذه الخطوة، فعواقبها وخيمة، ولن تكون في صالح الوجود الإسرائيلي، هذا سيشعل المنطقة بحرب كبرى. وما هو غير وارد في العقلية النازية الصهيونية أن الشعوب العربية غليانها في الصدور، ستنتفض على حكوماتها، وعلى التطبيع، واتفاقيات السلام، وجبهات المقاومة في كل الساحات تعرف أين توجه ضرباتها.

تحول حماس إلى حزب سياسي

 واضح أن الكيان الصهيوني يعيش اليوم أزمة حقيقة، وينتظر فقط متى تصل مفاوضات التهدئة إلى نتيجة رغم مناوراته بالعمليات العسكرية، لذلك فهو متحمس كثيرًا للمبادرة المصرية الأخيرة التي تضمنت بعض التعديلات على غرار إطلاق سراح عدد أقل من الرهائن الإسرائيليين، وكذلك الحديث عن هدنة لمدة سنة، لكن تلك مجرد وجهة نظر قد لا تقبل بها حماس.

يقول متحدث "الأيام نيوز" : "إن المقاومة الفلسطينية تجيدُ تسيير الحرب الحالية، ولا نستغرب أن يصدر منها قراراً بشأن حل الجناح العسكري، وتحولها إلى حزب سياسي مقابل قيام دولة فلسطينية، لأن هذا هو الهدف الأساسي والجوهري للمقاومة، فصحيح أن القطاع كان يُعاني ويلات الحصار على مدار عدة سنوات، لكن الهدف من وراء عملية السابع من أكتوبر، كان إعادة القضية الفلسطينية إلى المشهد وإلى الساحة الدولية، ولكن بالطريقة التي يفهمها الإسرائيلي وبالطريقة التي يفهمها الداعمين له، لأنه تم التعويل في السابق على الحلول السلمية، وعلى المفاوضات وعلى اتفاق أوسلو 1993، لكن ذلك لم يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية، وحماس والمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها وأطيافها رأت أن عملية "طوفان الأقصى" هي التي ستؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، ولو بتضحيات أكبر.
 الجدير ذكره أن حركة حماس كانت قد غيرت من ميثاقها في عام 2017، حيث توافق الحركة على قبول دولة فلسطينية على طول حدود عام 1967 دون الاعتراف بـإسرائيل، وأن تعرض هدنة طويلة الأمد مع الكيان الصهيوني تمتد لعشرات السنوات، حتى يأتي جيل آخر، جيل قادم هو من يقرر ما الذي يفعله مع أراضي 1948.
في سياق ذي صلة، أشار الباحث في الشؤون الدولية، إلى أن المقاومة الفلسطينية للأسف الشديد تتعرض إلى ضغوطات كبيرة من قبل بعض الدول العربية بهدف التوصل إلى اتفاق هدنة على مقاس الجانب الصهيوني من خلال التنازل عن بعض مطالبها، لكن المقاومة الفلسطينية الباسلة لا تزال ثابتة ومتمسكة بشروطها التي تؤكد في كل مرة  بمطلب وقف العدوان الصهيوني الجائر وضمان عودة كل النازحين إلى شمال غرب القطاع، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة وُصولا إلى ضمان دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى كل قطاع غزّة، بالإضافة إلى إعادة إعمار غزة وبضمانات دولية.
والواضح أن حماس وضعت الكيان الصهيوني ومن ورائه الغرب وعدد من الدول العربية في أزمة حقيقية، خاصة وأن كمية المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع أصبحت أكبر من السابق، وبالتالي هذه الورقة لم يعد يعتمد عليها الاحتلال في الضغط على المقاومة، حتى أن العمل العسكري الذي كان الكيان الصهيوني في كل مرة يروج على أنه يضغط من خلاله على المقاومة الفلسطينية من أجل استرجاع أسراه لم يعد متاحًا، بعد الهزائم المتوالية والخسائر الفادحة التي يتكبدها جيش الاحتلال في العتاد والأفراد، خلال 
المواجهات والعمليات البطولية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في معارك ضارية مع العدو، حيث كبدته مئات القتلى وآلاف الجرحى والمصابين الذين يعانون من صدمات نفسية وما إلى ذلك من الخسائر في معدات وآليات العدو.

الكرة في مرمى الغرب

يبدو أن حماس ومن خلال قرارها الذهاب إلى حل قوتها العسكرية ووضعها تحت تصرف الدولة الفلسطينية في حدود 67، قد وضعت الكرة في مرمى الغرب، وكذلك في مرمى بعض حلفائه في المنطقة، وبشكلٍ خاص بعض الدول العربية، ولسان حالها يقول "إذا كنتم تريدون حقيقة السلام، فنحن نريد السلام ويمكننا حتى حل الجناح العسكري الذي بسببه تلفقون لنا تهمة الإرهاب، ونتحول إلى حزب سياسي، لكن لن يكون ذلك إلاّ من خلال السماح لنا بإقامة دولتنا الفلسطينية على حدود 67″، وهذا على الأقل الذي يتفق عليه كل العرب والمسلمين، وأغلب دول العالم ضمن أهداف المقاومة.

توازنات الحرب

يرى المحلل السياسي الفلسطيني، يونس الزريعي، أن قرار حركة المقاومة الفلسطينية بالذهاب نحو حل قوتها العسكرية ووضعها تحت تصرف الدولة الفلسطينية في حدود 67، يؤكد أن الحركة منفتحة على الحوار البناء خدمة للشعب الفلسطيني، وذلك في إطار الرؤية الدولية والإقليمية لما بعد الحرب في غزة.
وأوضح الزريعي، أنه لا يمكن أن تكون التصريحات عبثية، وإنما في إطار القبول المبدئي من حماس بهذا الشأن، مشددًا على أن ذلك يتطابق مع أهداف الحركة السياسية، وأبرزها خلق بديل لمنظمة التحرير.
ولفت الزريعي إلى أن قرار حركة المقاومة الفلسطينية، يمثل تقدمًا في مواقفها المتعلق بالعدوان الصهيوني، كما أنه يأتي في إطار تعديلاتها الخاصة بوثيقتها الداخلية، متابعًا: “هذا الأمر يمثّل أحد مفرزات العدوان الإسرائيلي، ومرتبط بخطط ما بعده".
فما وراء هذه الرسالة،
وهل غيّرت المقاومة من خطّها الفكري والسياسي؟  حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" تنطلق على ضوء ما تحقق في أرض المعركة، وهو ما يمكن البناء عليه في إطار عملية سياسية إيجابية، لأن من يعتقد أن "طوفان الأقصى" عسكري فقط يجانب الصواب، فالموضوع سياسي في النهاية، من حيث السياق والتوقيت والأهداف، والحركة سياسية في الأصل بجناح عسكري له عقيدة ووظيفة في إطار إستراتيجية شاملة وواضحة.
فالمقاومة المسلحة وسيلة شرعية لهدف شرعي، وهي الدولة الفلسطينية، ولا أعتقد أن الحركة غيرت من خطّها الفكري والميداني عندما تقترح رؤية براغماتية للصراع مع الكيان الصهيوني، بل هي تتحرك وفق مقتضيات المشهد ومتغيراته من أجل تحقيق مكاسب تكتيكية تخرج فيها المقاومة بشرف أولا وبقوة ثانيًا، من هذا المشهد الجيوسياسي الراهن بعد أكثر من ستة أشهر من العدوان الصهيوني بدعم سياسي وعسكري ولوجيستي واقتصادي أمريكي وغربي كبير، مع العلم أن موقف حماس يبدو موضوعي، وهي رسالة  للداخل الفلسطيني بأن الحركة تعمل في خدمة مصلحة الشعب الفلسطيني عمومًا لتلبية حاجيات النضال الوطني الذي تلتزم به، ولا تنفرد في تحديد مخرجاته.
كما أنها رسالة قوية للخارج في ظل رغبة نتنياهو والكابينت في الهجوم على رفح، وذلك لإحراج الكيان الصهيوني أمام العالم وتقديم صورة حركة سلام وليس تنظيم إرهابي، كما يسعى الكيان والغرب عمومًا إلى تسويقه، خاصة في ظل الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية والأوروبية القوي ضد العدوان على غزة، والذي يفيد الحركة على مستوى صورتها لدى الرأي العام الغربي، وبالعكس يضر أكثر بصورة "تل أبيب". والسياسة الأمريكية الداعمة له، وبالانتخابات الأمريكية.
وبالتالي، نكون أمام موقف ذكي لحركة حماس من حيث القراءة الجيدة للواقع الداخلي والدولي أولًا، ومن حيث توظيف الأحداث كفرصة للضغط بما ينفع توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية، وهو ما تسعى إليه في لقاء بكين الذي تهيء أرضية توحيد جهود فصائل المقاومة الفلسطينية نحو سلطة موحدة، على طريق بناء الدولة الفلسطينية. 
ولعلّ زيارة قيادة حماس لإسطنبول يضعنا موضوعيًا في صورة هذه الحقيقة، في إطار قواعد لعبة جديدة تستبق بها الحركة سيناريوهات أخرى جاهزة لتصفية القضية نهائيًا بدعم تيار التطبيع وقوى الشر في المنطقة وفي العالم بصفة عامة.

وختامًا فإن اللحظة التاريخية الحالية مفصلية في عمر الحركة الوطنية الفلسطينية، والتي تعتبر حركة المقاومة الإسلامية جزءًا أصيلاً منها أو هكذا على الأقل نفهم من مخرجاتها العقلانية الأخيرة داخل الصندوق الوطني والدولي، إن صح التعبير، ويبدو أن لقاء بكين سيكون لحظة تاريخية فارقة في المصالحة الوطنية والتسوية السياسية لجميع فصائل العمل الوطني وتوحيد جهودها النضالية في مواجهة الصلف الصهيوني، والدخول في مفاوضات السلام، وهذا سيأتي بالتزامن مع وقف الحرب في غزة بصورة نهائية وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة.