أبريل 28, 2024 - 21:10
حراك الغضب الطلابي بالجامعات الأمريكية والأوروبية يهز أركان البيت الأبيض وتل أبيب


عرب جورنال / توفيق سلاّم -
"فلسطين حرة" هذا هو الشعار الذي هتف به، ورفعة طلاب الجامعات في أغلب الولايات الأمريكية، امتدادًا لطوفان الأقصى، الذي حرك المشاعر الإنسانية، في كل بقاع الأرض، يجرف حصونًا بنتها اللوبيات الصهيونية والدعاية الغربية للسيطرة على الرأي العام العالمي. فماذا يعني أن تنطلق شرارة الصحوة من جامعات النخبة الأمريكية والأوروبية؟ حراك غير مسبوق لم يحصل منذ حرب فيتنام في أكثر من 40 جامعة أمريكية، بدأت رياحها في جامعات كولومبيا، هارفرد، جورج واشنطن، تكساس، ستانفورد...إلخ، جامعة السربون بفرنسا، وفي ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، وأغلب العالم الأوروبي. 

 ثورة غضب طلابي، بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا في جامعة كولومبيا، ثم امتد رياحها لتشمل جامعات أمريكية في مختلف الولايات الأمريكية. حراك لايقاف الحرب الإجرامية،  في أرقى الجامعات الأمريكية، ومعقل صناعة النخبة المهنية التي تمتصها الدولة العميقة في أمريكا من الشركات العملاقة ومؤسسات الإعلام وأجهزة الاستخبارات، مرورًا بالوزارات وصولا إلى مكتب الرئيس الأمريكي. إذًا الحراك الأكاديمي، ليس غوغاء كما يفسره "المتطرفون الدينيون الصهاينة"، ولا هو ضد السامية، كما توصفه هذه الاتجاهات العصبوية الدينية، لأن المشاركين فيه من كل الأجناس والعرقيات والديانات بمن فيهم اليهود.  
والحقيقة هي أنه منذ السابع من أكتوبر الماضي سعت الدعاية الإسرائيلية إلى قلب الحقائق، فجندت لهذه الغاية إمبراطوريات الإعلام العالمي، لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر، وانكشف الزيف، فانطلق الحراك المؤيد للقضية الفلسطينية المناهض للإبادة الجماعية في الحرب على غزة، من جامعة كولومبيا في نيويورك، فمن هناك انطلقت المظاهرات في 17 أبريل/نيسان، فنظم تحالف طلابي ضم أكثر من 120 منظمة طلابية، وأعضاء هيئة التدريس اعتصامًا، ونصبوا خيامًا على أرض الجامعة، ولحقت بجامعة كولومبيا الجامعات الأمريكية الأخرى تباعاً.
لم يكن التضامن مع غزة فحسب هو ما أجج حركة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية، بل كان اعتقال الطلبة في جامعة كولومبيا ومعاقبتهم بعد استدعاء رئيسة جامعة كولومبيا "نعمت شفيق" شرطة نيويورك لفض الاعتصامات، كان ذلك بمثابة تيار الهواء الذي غذى ضرام المظاهرات، ودفع الكيانات الطلابية للانخراط فيها.
صاغ الطلاب أهم مطالبهم في هذه الاحتجاجات التي كان أبرزها: وقف الدعم الأمريكي لإسرائيل، وسحب الاستثمارات الإسرائيلية، ووقف التعاون مع الشركات الإسرائيلية خصوصًا العاملة في مجالات التسليح، في جامعتي ييل وكورنيل المرموقتين، وكان الطلاب في جامعة كولومبيا قد دعوا لبيع أسهم الجامعة في الصناديق والشركات التي يقول الناشطون إنها تستفيد من غزو إسرائيل لغزة، مثل جوجل وإيربنب حسب تقرير لنيويورك تايمز، وطالبوا بإيقاف الإبادة الجماعية في غزة، وكل أنواع التعاون بين الاحتلال وجامعاتهم، ودعم بلادهم لإسرائيل. لكن هذه المطالب عدتها رئيسة الجامعة نعمت شفيق معاداة للسامية، فاستدعت الشرطة لقمع الحراك.

ثورة الغضب 

ثورة الغضب الطلابي كانت ضد المجازر والمذابح الإسرائيلية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في غزة.. الإدارة الأمريكية لم تراع حق الطلاب في التظاهر والتعبير عن حرياتهم، وفقًا للدستور والقوانين النافذة، بل أطلقت العنان للشرطة والأجهزة الأمنية لقمع الحراك الطلابي، في الولايات الأمريكية التي اشتعلت فيها الاحتجاجات.
فالاعتقالات والقمع أشعلت نار الغضب، وبدأت ثورة الطلاب تنتقل من جامعة إلى أخرى في أمريكا وأوروبا، لذلك جن جنون اللوبيات الصهيونية والبيت الأبيض، ودفعوا بالشرطة وقوات مكافحة الإرهاب نحو اقتحام الجامعات لقمع الحراك الطلابي واعتقال المئات من الطلبة، وفصل وطرد العديد منهم.

حملات الاعتقالات الأمنية  

لم يألف الأمريكيون، الذين منحهم التعديل الدستوري الأول حقًا مطلقًا بحرية التعبير وحرية التجمع السلمي، صور اعتداءات رجال الشرطة وقوات الحرس الوطني المسلحة على طلاب وأساتذة جامعات النخبة، وصدمهم تبرير اللوبيات المؤيدة لإسرائيل لهذه الممارسات الغريبة على الساحة الأمريكية، وعلى رأسها اعتقال أكثر من 500 من طلاب الجامعات المؤيدين للفلسطينيين.
التقدمي المنتمي للحزب الديمقراطي بيرني ساندرز، رد على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على منصة "إكس" وقال بلا أي خوف من تبعات ما سيقوله "لا يا سيد نتنياهو، ليس من قبيل معاداة السامية، أو تأييد حماس أن نشير إلى أنه في غضون ما يزيد قليلاً على ستة أشهر قتلت حكومتكم المتطرفة أكثر من 34 ألف فلسطيني، وجرحت أكثر من 77 ألفا آخرين، منهم 70% من النساء والأطفال، لن تصرفوا انتباهنا عن هذه الحرب غير الأخلاقية".
وعلق على التطورات في الجامعات الأمريكية، ومرفقًا صورًا للحراك الطلابي في جامعة هارفرد، وقال " قُصر نظر الحكومة الإسرائيلية أمر مذهل، إنه يضمن أن جزءًا كبيرًا من جيل كامل من الأمريكيين -منهم النخبة القادمة- سينظرون إلى إسرائيل على أنها دولة إبادة جماعية، وفصل عنصري تهدد الديمقراطية الأمريكية".
 فيما انتقد العديد من هيئة التدريس، وطاقم الجامعة في كولومبيا بمن فيهم الأساتذة الجامعيون قرار اعتقال الطلاب، واحتج المئات منهم على ذلك في وقفة حمل فيها الأساتذة شعارات تشيد باعتصامات الطلاب، وتطالب برفع العقوبات عنهم.
ويبدو أن تعاطي رئيسة جامعة كولومبيا الأمني مع الاحتجاجات، والذي دفعها لطلب الشرطة أن تتدخل وتدخل حرم الجامعة، لأول مرة منذ 50 سنة -وفقًا لتصريح الرئيسة ذاتها- أسدى خدمة هائلة للقضية الفلسطينية، حيث كان هذا هو الفتيل الذي أورى زناد الطلبة حول البلاد.
ففي جامعة جورجتاون وفي اعتصام أقامه الطلاب والأساتذة في 25 أبريل/نيسان نشرت مجموعة أعضاء هيئة التدريس والموظفون في جامعة جورجتاون من أجل العدالة في فلسطين تصريحًا قالت فيه: "نحن ندعم بقوة حق طلاب جامعة كولومبيا والجامعات الأخرى بحرية التعبير والتجمع السلمي. وكانت نتيجة هذه الإجراءات عكسية، حيث عاود الطلاب في عدة جامعات التظاهر ونصب الخيام حتى بعد اعتقالهم، بل وصل الأمر لأن تشتبك الشرطة مع المحتجين في نيويورك، وفي جامعة أوستن في تكساس، وفي لوس أنجلوس في جامعة جنوب كاليفورنيا.
ويبدو أن طرق القمع تزداد عنفًا وضراوة، وفي جامعة إيموري في ولاية جورجيا استخدمت الشرطة صواعق كهربائية ضد طلاب كانوا مقيدين، وأطلقت الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، ورذاذ الفلفل، كما قيد ضباط شرطة بعنف أساتذة الجامعات الذين كانوا يدعمون احتجاجات الطلاب.

إعادة ترتيب المشهد

غزة تغير العالم، وتعيد ترتيب المشهد بعد محاولة فرض الرواية الإسرائيلية بأن حربهم ضد الإرهاب، تلك الدعاية انكشفت بعد ستة أشهر، لتسحب البساط من تحت قدم الإدارة الأمريكية والاحتلال الصهيوني، وتفضح زيف شعارات أمريكا التي كانت تتغنى بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحرية التعبير وحقوق المرأة والطفل. هذه هي حقيقة الإدارة الأمريكية التي خسرت أهم صوت في معاركها الانتخابية شباب الجامعات وستبقى تخسر، فدعمها ومساندتها ودفاعها المستميت عن إسرائيل يجرها نحو الهاوية، باعتبارها شريكًا أساسيًا في المجازر الجماعية بحق الشعب الفلسطيني بقطاع غزة. 
لم يكن هذا الحراك وليد أيام، بل كان ذروة الحشد الذي دأب الطلاب الأمريكيون، خاصة في الجامعات العريقة على الإسهام فيه بالمظاهرات والوقفات والاحتجاجات اعتراضًا على ما يصفه خبراء الأمم المتحدة بالإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهل غزة على يد الجيش الإسرائيلي. الآن تدوي شعارات مثل "فلسطين حرة" و "لن نستريح، ولن نتوقف، أوقفوا الاستثمارات واكشفوا عنها" ويقصد، هنا بالاستثمارات مع الكيانات والشركات الداعمة لإسرائيل في قلاع المعرفة الأمريكية، وما زال عدد الجامعات المنضم للحراك في تزايد.
يقول البروفيسور ديفيد بالومبو ليو، أستاذ الأدب المقارن في جامعة ستانفورد إن المزيد من الشباب الأمريكيين يرون أن الدفاع عن فلسطين "اختبار أخلاقي حقيقي للعالم"، مثلما كانت تنظر إليه الفيلسوفة والكاتبة والناشطة الحقوقية الأمريكية أنجيلا ديفيز.
 هذا الحراك يمتد ليشمل أهم الجامعات الأمريكية وأعرقها، التي توصف بأنها معقل للتميز، ولنخبة المفكرين والسياسيين الأمريكيين، والتي تشمل جامعات وهي منصات الحداثة والتطور العلمي والتقني والعلوم السياسية والاجتماعية، وهو ما أثار انتشار الحراك المناصر لغزة حفيظة المنظمات والشخصيات الداعمة لإسرائيل.

قيادة الحراك

يقود الحراك نوادي طلابية في الجامعات، والكثير منها نوادي يهودية تنادي بالسلام، حيث يشارك بالاعتصامات طلاب من شتى الجنسيات والديانات والأعراق. فقد شارك نادي "الطلاب من أجل العدالة في فلسطين" في الاعتصامات التي أقيمت في جامعة كولومبيا في مانهاتن، وجامعة رايس في هيوستن، وجامعة تكساس في أرلينغتون، وهو نادي طلابي عادة ما يؤسسه طلاب مناصرون لفلسطين في جامعاتهم، ولا يقتصر على الطلبة المسلمين أو العرب، بل الانضمام إليه مفتوح لجميع الطلاب بمختلف أعراقهم وجنسياتهم، وتعكس الصور والمقاطع والتصريحات الطلابية هذا التنوع. كما شارك العديد من الطلبة اليهود في الاحتجاجات، وفي كولومبيا بالتحديد كان أحد منظمي النادي الطلابي "الصوت اليهودي من أجل السلام". وقد أبدى النشاط الطلابي في الجامعات الأمريكية درجة من التنظيم. 
الجدير بالملاحظة أن الطلاب المنظمين من رواد جامعات اشتهرت بتحصيلها العلمي، وشروط القبول الصعبة والمعايير الرفيعة، وعادة ما تبدأ الاحتجاجات بنصب الطلاب مخيمات في الحرم الجامعي، يصاحبها تصريحات مكتوبة بلغة أكاديمية على مواقع النوادي الطلابية تطالب الجامعة والسياسيين بوقف إطلاق النار، ووقف تمويل الشركات
المرتبطة بإسرائيل، ورفع شعارات تنادي بالحرية لفلسطين منها "بينما يقرأ هذا النص غزة تنزف" في جامعة كولومبيا، وكتب "المتبرعون والأمناء الصهاينة في جامعة نيويورك ابتعدوا عن جامعاتنا".
وختامًا، فإن أكثر من 40 جامعة تنتفض ضد حرب الإبادة الإسرائيلية لسكان عْرْة، تحاول الإدارة الأمريكية وإدارات الجامعات تصوير انتفاضة الجامعات بأنها حملة معادية للسامية، وهذا غير صحيح، وتدحضه أربع حقائق، الأولى أن طلاباً يهود يشاركون في الانتفاضة، ثانياً، أن هذه الانتفاضة، ليست ضد يهـود أفراد بعينهم، بل ضد دولة تمارس الإبادة الجماعية والتهجير القسري والتجويع والإرهاب، ثالثاً، أن دولة إسرائيل عبارة عن مستوطنين من يهود، ومسيحيين وعرب مسلمين، وليس مكّونًا من يهود فقط، والحقيقة الرابعة أن جهاز الدولة الإسرائيلية لا يديره يهود متدينون، بل مسؤولون يتبنون إيديولوجيا صهـيـونـيـة.
لذلك فإن الانتفاضة الطلابية، تعبر عن نضج في الوعي السياسي، الذي أسقط الدعاية والتضليل الغربي، والكذب والخداع عن ما يجري في غزة من مذابح جماعية للسكان، وتهجير وتجويع، بالذات على الأطفال والنساء يرتكبها الصهاينة النازيون الجدد، بدعم سياسي وعسكري أمريكي وأوروبي. هذا هو الموقف الإنساني الذي يشجبه ويستنكره طلاب الجامعات. ولايبدو أن تتراجع نشاط الحركة الاجتماعية الطلابية الداعمة لحق الشعب الفلسطيني، بالرغم من قمع الشرطة والأجهزة الأمنية. فالتاريخ الأمريكي يقول: أن عنف الشرطة تجاه الحركات الاجتماعية يزيدها إصراراً وانتشاراً، حدث هذا مع حركة الحقوق المدنية، ومع حركة "الفهود السوداء" المطالبة بحقوق المواطنة المتساوية، وحدث مع انتفاضة الحركة الطلابية المناهضة لحرب فيتنام.
فهل ما يحدث في أمريكا وأوروبا، سيحرك انتفاضات طلابية في الجامعات العربية، وهم المعنيون بالتضامن مع إخوانهم وأهاليهم في غزة ومع القضية الفلسطينية ومع حقوق الشعب الفلسطيني، لوقف الحرب؟ هذا هو السؤال المحوري الذي يهم الجميع، في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة..!