مارس 25, 2024 - 21:01
حرب لندن في اليمن: التراجع النهائي للإمبراطورية البريطانية؟

ترجمة خاصة 
عندما ظهرت تقارير إعلامية تفيد بأن القوات الأمريكية والبريطانية هاجمت اليمن، تذكر كثيرون في لندن، أحكام المؤرخ مارك كورتيس، الذي قدم تفاصيل ما يسمى "الحرب القذرة" التي شنتها بريطانيا في اليمن بين عامي 1962 و1969. كان الأمر يتعلق بأحداث 26 سبتمبر 1962، عندما اندلعت ثورة مناهضة للملكية في الجزء الشمالي من اليمن، بقيادة جماعة الضباط الأحرار وتم إعلان الجمهورية العربية اليمنية، رأت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وإنجلترا أن ولادة هذه الجمهورية تشكل تهديدًا لمصالحها ومنذ الأيام الأولى لوجودها تدخلت بنشاط في شؤونها الداخلية. كما هو الحال اليوم، ولهذا كان دور لندن هو أن تكون قادرة على العمل كقوة حاسمة في تفاقم الصراعات الإقليمية أو احتوائها.
وفي عام 1934، غزا آل سعود منطقة عسير وضمها، وأجبر اليمن على التوقيع على معاهدة أخرت مطالباته بالمنطقة لمدة 20 عامًا، ولم تتم إعادتها أبدًا إلى اليمن، ولا تزال محتلة من قبل السعوديين حتى يومنا هذا، ولذلك، فإن مشاركة بريطانيا الحالية كجزء من التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة في العدوان على اليمن يمكن اعتبارها في الواقع "الحرب الرابعة" لبريطانيا ضد اليمن خلال قرن من الزمان.
لكن العديد من المثقفين الإنجليز يرون في هذا رمزية سياسية وجيوسياسية جادة، وكما كتب الباحث الغربي دان جلازبروك : "اليمن هو الدولة الوحيدة في شبه الجزيرة العربية التي لديها القدرة على تحدي المواجهة الاستعمارية التي تحققت بين بريطانيا وممالك الخليج التي جلبتها إلى السلطة في القرن التاسع عشر والتي لا تزال تحكم حتى يومنا هذا". . وعلى حد تعبيره، "إن اليمن المسالم والموحد سيهدد هيمنة المملكة العربية السعودية وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة في جميع أنحاء المنطقة".
بالمناسبة، يعتقد الكثيرون أن انهيار الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية لم يتم تسهيله من قبل الاتحاد السوفييتي (وهذه حقيقة لا جدال فيها)، ولكن أيضًا من قبل الولايات المتحدة، التي خلقت بديلاً للإمبراطورية البريطانية، وهو السلام الأمريكي الاستعماري الجديد.. علاوة على ذلك، هناك أيضًا خبراء يزعمون أن تاريخ بريطانيا الحديث يتناسب مع مفهوم "انحدار أوروبا" الذي كتبه أوسفالد شبنغلر، قبل قرن من الزمان، تنبأ شبنغلر بانحدار الحضارة الغربية بأكملها، مشيراً إلى أن العالم القديم سيبدأ في الانحدار أولاً، وأن التحول إلى العالم الجديد سيأتي لاحقاً، وهناك حالة مثيرة للاهتمام، تبدأ بانهيار الإمبراطورية البريطانية بالهند، والآن يوجد في لندن أول رئيس وزراء من أصل هندي في تاريخ البلاد، وهو الذي حرك "البندول البريطاني" عبر اليمن نحو الانهيار المحتمل للنفوذ البريطاني، رغم أن هذه العملية ستستغرق بعض الوقت التاريخي.
نقطة أخرى مهمة: لم يحظ التحالف الحالي بين بريطانيا العظمى والولايات المتحدة في اليمن بعد بالاهتمام ومستوى السيطرة والدعاية الذي ينبغي له، لأن الحوثيين يمكن أن يكونوا أعداء وشركاء في نفس الوقت، وفي ظل ظروف وظروف معينة، وبالاعتماد عليها، من الممكن الضغط على المملكة العربية السعودية وإيران، من خلال اللعب بـ "ورقة" اليمن الموحد أو المقسم، مع استخدام الموارد الجيوسياسية التي لا تزال موجودة في لندن، ومن الناحية السياسية، تواصل المملكة المتحدة لعب دور مهم ومثير للجدل في اليمن، حيث تدعم مفاوضات السلام داخل اليمن بعد انتفاضة الربيع العربي، وكذلك بعد الانتفاضة المسلحة والتدخل العسكري اللاحق، كما ضغط المسؤولون البريطانيون على السعوديين للدخول في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع الحوثيين، كما فعل الأمريكيون مؤخرًا.
لكن اتساع وعمق التحالفات التكتيكية الضمنية القائمة لا يزال غير واضح، مما يضيف طبقة إضافية من التعقيد عند تقييم احتمالات حدوث المزيد من التطورات في اليمن وما حولها. 

المؤلف: تاراسوف ستانيسلاف
صحيفة: آيا ريكس