مارس 7, 2024 - 17:39
تسجيل صوتي يؤزم العلاقات الروسية الالمانية .. إلى أين يتجه مستقبل ألمانيا الموحدة..؟


أنس القباطي


تأزمت العلاقة بين روسيا وألمانيا على خلفية تسجيل صوتي نشرته موسكو يتضمن نقاش عسكريين ألمان حول توجيه ضربة صاروخية لشبه جزيرة القرم الروسية، هذا التسجيل نقل الازمة الاوكرانية إلى مستوى أعلى، ما يعد نذير شؤوم بتوسع الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية إلى اوروبا.


وخلال الايام القليلة الماضية كشفت رئيسة تحرير شبكة RT الروسية، مارغريتا سيمونيان، أسماء وصور ضباط ألمان رفيعي المستوى، وردت أصواتهم في تسجيل صوتي مدته 40 دقيقة جرى في 19 فبراير/شباط 2024، يبحث فيه ضباط ألمان كيفية ضرب جسر القرم الروسي. وشارك في الحديث، رئيس قسم العمليات في قيادة القوى الجوية فرانك غريف، ومفتش القوات الجوية الجنرال إنغو غيرهارتز، وموظفو مركز العمليات الجوية "فينسكه" و"فروستدت"،  وفي التسجيل اكد أحدهم "أن تفجير الجسر يحتاج إلى 10 أو حتى 20 صاروخا".


والتسجيل يعد مؤشرا على مخاوف ألمانية من تعرضها لهجوم روسي، وهذا الهاجس اصبح يقض مضاجع القادة الألمان، فهم يعتقدون ان روسيا التي تكاد ان تحسم المعركة في اوكرانيا، لن تتوقف هناك، وانما ستنطلق منها صوب اوروبا لاستعادة مناطق نفوذها في شرق اوروبا، وأن غرب اوروبا لن تكون بعيدة عن المطامع الروسية في حال سلكت لها الطريق لاستعادة النفوذ في شرق اوروبا.


تصعيد روسيا ضد ألمانيا بعد نشر التسجيل دفع العلاقات بين البلدين نحو النأزم، خاصة وان الحديث الذي تضمنه التسجيل تحدث عن استخدام صواريخ لقصف شبه جزيرة القرم، وتزامن هذا الحديث مع نقاش يجري في اروقة الحكومة الألمانية حول نقل صواريخ بعيدة المدى من طراز "توروس" إلى اوكرانيا، بعد اعتماد البرلمان الألماني مشروع قرار بشأن توريد الأسلحة بعيدة المدى إلى أوكرانيا دون تحديد نوعها، رغم تصريحات المستشار الألماني أولاف شولتز المتكررة بأنه ضد مثل هذه الإمدادات.


يقول المحلل الروسي ألكسندر نازاروف ان ما ناقشه الضباط الألمان في التسجيل الصوتي هو ما تفعله بريطانيا التي تقوم طواقمها بتشغيل صواريخ Storm shadow والقوارب الانتحارية البحرية بدون ركاب، وراى أن هذا يعكس سوء فهم الغرب المنهجي للوضع وافتقاره إلى سيناريو للخروج من الحرب الاوكرانية، واعتبر ان الهجمات على الجسر والقواعد العسكرية في شبه جزيرة القرم جعلت من فرض سيطرة روسية كاملة على ساحل البحر الأسود السابق لأوكرانيا ليس بديلاً، وأن البديل غير مقبول على الإطلاق بالنسبة لروسيا، وقال: ان ذلك يقارب الهزيمة العامة وانهيار البلاد، لافتا الى أن هذا الهدف سيتم تحقيقه بأي ثمن، بما في ذلك الحرب النووية إذا لزم الأمر، وأكد انه بدون ساحل البحر الأسود، فإن أي قطعة من أوكرانيا لا تهم أحداً، إذا بقي منها شيء، مشيرا إلى ان الغرب يجبر روسيا على تشديد موقفها، ويبذل قصارى جهده لضمان قيام روسيا بتصفية أوكرانيا، مبينا انه في الوقت نفسه فالغرب ليس مستعدًا للدفاع عن أوكرانيا، كما يتضح من النأي المتسرع لقادة الدول الأوروبية عن اقتراح ماكرون، لإرسال قوات إلى أوكرانيا.


ألمانيا بدورها لم تنكر محتوى التسجيل الصوتي وانما ذهبت لتبرير فضيحة التسجيل، وفي هذا السياق؛ قال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، الثلاثاء 5 مارس/آذار 2024، أن "خطأ فردياً" أدى إلى تسريب التسجيل الصوتي لمناقشات ضباط ألمان حول الوضع في أوكرانيا، على شبكات تواصل اجتماعي روسية، وقال بيستوريوس في مؤتمر صحافي، انه "حصل خطأ جسيم هنا، وما كان ينبغي أن يحدث"، مبينا ان النتائج الأولية للتحقيق أظهرت أن "أنظمة الاتصالات التابعة للجيش الألماني لم ولن تتعرض للخطر"، مردفاً أن "السبب وراء إمكانية تسجيل المكالمة الهاتفية يرجع إلى خطأ فردي من المستخدم"، مضيفا ان أحد المشاركين في معرض سنغافورة الجوي انضم إلى الاجتماع عبر اتصال غير مصرح به.

ذهاب المانيا نحو تبرير تسريب التسجيل مؤشر على حجم المفاجأة التي صدمت الاوساط الألمانية، وهو مؤشر على تفوق روسيا في التكنولوجيا العسكرية، ومؤشر على حجم الحرب الالكترونية بين روسيا وخصومها الغربيين. وفي سياق اخر فإن عدم انكار ألمانيا لمحتوى التسجيل يعد مؤشر على وجود مخطط غربي يستهدف روسيا قد تكون واجهته ألمانيا، التي باتت تعيش حالة رعب من حسم روسيا للمعركة الاوكرانية، لكن تبني ألمانيا او مشاركتها في اي هجوم عسكري مباشر ضد روسيا يعد تجاوزا للدستور الألماني الذي يجرم مثل هذه الاعمال، كون توحيد المانيا في اكتوبر/تشرين اول 1990 جاء كنتيجة حتمية لاتفاق وقع في 12 سبتمبر/أيلول 1990 بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا والألمانيتين، والذي غرف بمعاهدة التسوية النهائية بشأن ألمانيا، والتي تعتبر الأساس القانوني الوحيد لوجود ألمانيا الموحدة، وبموجب هذه المعاهدة ألتزمت ألمانيا بأن السلام وحده هو الذي ينبع دائماً من أراضيها، وذلك ما يجسده دستور ألمانيا الموحدة، وبالتالي فإن الأفعال التي يمكن أن يكون هدفها تعكير صفو السلام بين الشعوب، وخاصة الاستعدادات لشن حرب هجومية، غير دستورية ومعاقب عليها بموجب الدستور الالماني النافذ.


وبعد ايام من نشر روسيا للتسجيل الصوتي للضباط الألمان اقترح أعضاء في مجلس الاتحاد الروسي ادانة معاهدة 12 سبتمبر/ايلول 1990، لان ذلك سيجعل وجود ألمانيا الموحدة غير قانوني، على اعتبار ان تلك المعاهدة هي المرتكز القانوني لنشوء الكيان الالماني القائم..


ومما سبق يمكن القول ان التسجيل الصوتي للضباط الالمان ستكون له تداعيات على العلاقات الروسية الألمانية التي كانت قد وصلت إلى مستوى متطور قبل الحرب الاوكرانية، خاصة في عهد المستشارة الالمانية ميركل، وهو ما ينذر بأزمة روسية ألمانية قد تتداعى نحو تصعيد اكبر يدق ناقوس خطر اندلاع حرب في القارة الأوروبية، وهو ما تطمح إليه الولايات المتحدة التي في مصلحتها استخدام الاتحاد الاوروبي لمواجهة روسيا، كما فعلت عندما استخدمت اوكرانيا لمواجهة روسيا، ظنا منها انها حرب استنزاف لروسيا الصاعدة بقوة الى المسرح الدولي.