مارس 5, 2024 - 16:38
لقاء موسكو.. محطة هامة للحوار والمصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية ووحدة صفها الوطني في مواجهة العدوان الصهيوني الغاشم


توفيق سلاّم

يبدو من استقراء معالم العصر الحاضر، وما يسوده من صراعات وحروب، وتكتلات وتحولات جذرية في كل ميادين الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، انعكس سلبًا على حياة الشعوب رغم مكابدة البعض على إنهاء مرحلة القطبية الواحدة، ونفوذها الطاغي وقرصنتها على العالم.
وعلى الوجه الآخر يبدو أن عهد الزعامات والملوك والامراء والفخامات التي ترتفع فوق الشعوب بسموها وجلالها، وعلى الأحزاب والقوى والمؤسسات السياسية التي تعمل باسمها.. كل شيء باسم الماهر الموهوب، والحكيم في فهم الغير والمسؤول عن كل شيء.. 
لكن مع طوفان الأقصى صورة هذا المعظم الأسطوري ولى وذهب، أو أنه في طريقه إلى الانتهاء والزوال.. فهل حقًا لم يعد العصر الراهن يتقبل هذا النوع من النخب والقيادات؟ وهل إنتهى دور وثقل الزعماء  ومكانتهم المتميزة في مسيرات شعوبهم السياسية والتاريخية؟ وهل أنتهى حب وإعجاب الشعوب لهذا النمط من القادة الفاسدين الذي يصف علماء النفس أفعالهم وأعمالهم بالمكاسب الآنية البراجماتية للحفاظ على سلطتهم السياسية، فيما الإعلام  يصورهم بزعماء الشاشات بسبب جاذبيتهم للآخرين وقدرتهم على إطلاق الوعود الخادعة لممارسة القيادة عليهم؟ ثم وماذا عن العظمة ومقياس العظمة في الوقت الحاضر؟ وهل هناك تباين بين دولة وأخرى، بحسب ظروف كل دولة ودرجة تقدمها الحضاري ورشدها السياسي والديمقراطي؟

المقاومة الفلسطينية رافعة شعبية 

 أمم الشرق والغرب جربت في تاريخها الطويل عهود الزعامات التاريخية، وأيضًا العمالية والقادة الأبطال بمالها وما عليها وبما فيها، وما صاحبها من أمجاد وانتصارات أو هزائم، ولا يكاد يخلو تاريخ أو تراث أية أمة من الأمم من الرموز التاريخية في أكثر من مجال، يلتف الناس حول ذكراها وسيرتها في الأيام والأعياد الوطنية، وفي الأحداث والأزمات القومية والمصيرية. ولا ينتظر أن ينتهي دور الرجال الأفذاذ الموهوبين من حياة الشعوب والأمم، ولا غنى عن القيادة المتميزة التي تحسن استخدام الأفراد وتنسيق جهودهم لتحقيق الأهداف العامة والخاصة. فالقيادة الناجحة هي التي تعطي لأمتها عمرها وحياتها وتتبادل مع شعبها المحبة والثقة. ولكن الصورة المعاصرة والراهنة للقيادة الكاريزماتية ستتخذ لها صورة جديدة أو وجهًا جديدًا، لأن ما يصلح لزمان، قد لا يصلح لزمان آخر، والمجدي في السابق قد لا يكون مجديًا في الحاضر، فالقيادة الموهوبة في الوقت الحاضر مطالبة بالتحكم في مشاعرها وعواطفها وطموحاتها الشخصية ومطالبة بالخضوع لدولة القانون والمؤسسات وبالتجاوب الواقعي المرن مع سنن التطور وتغيرات الحياة. 
مضت إلى غير رجعة عهود الزعماء الجبابرة الذين يتفردون بالرأي والقرار والقيادة، ويتجاهلون شعوبهم، وأصحاب الفكر والثقافة، ويترفعون عن النصائح والاستقصاءات من منطلق الثقة بالنفس والاندفاع وراء أوهام العظمة، وهواجس الإلهام والعصمة من الأخطاء، على الرغم من يصنع الانتصارات هي الشعوب، بفواعلها وطاقاتها المحركة والابداعية والانتاجية لعملية التغيير. وها هو الشعب الفلسطيني بصموده الاستثنائي ومقاومته الوطنية التي تمثل رافعة وطنية وشعبية وقومية في النضال التحرري، وفي صناعة الأحداث، وهي المكون الذاتي السياسي والثقافي الرئيس والقوة الروحية الهائلة القادرة على توحيد الشعب، وحشد طاقته وتوجيهها لمواجهة النازية الصهيونية وحلفائها الغرب. ويعلمنا التاريخ أن أخطر أشكال الصراع السياسي الاجتماعي والحروب من أجل النفوذ والمصالح والهيمنة وأكثرها وحشية ودموية هي تلك التي يواجهها الشعب الفلسطيني  التي تقوم على أساس عقائدي عصبوي يهودي أكثر تطرفًا، يخوض معاركه ضد الشعب الفلسطيني باعتبارها تعاليم يهودية وفريضة مقدسة، وتحت شعارات يدعي لذاته الحق، في شن حروب الإبادة الجماعية لتصفية الفلسطينيين وتهجيرهم بهدف احتلال أرضهم.

توحيد الفصائل الفلسطينية

بالأمس القريب خاضت دول وشعوب المنطقة صراعاتها الداخلية وحروبها البينية بالوكالة عن قطبي الاستقطابات الدولية المتصارعة تحت شعارات سياسية وأيديولوجية مختلفة، وهذه الحروب والصراعات الداخلية التي كلفت شعوبنا غاليًا، مثلت على الدوام أحد الروافد المالية الغزيرة للمجمعات الصناعية الأجنبية والاسهام في تنميتها وتطويرها على حساب المزيد من الإفقار والتخلف لشعوبنا وأوطاننا. واليوم وفي ظل متغيرات كونية جديدة، لازالت الكثير من الدول والشركات الأجنبية تنظر إلى المنطقة كمناجم ذهب منها يمكن أن يملؤوا جيوبهم وخزانات دولهم بالأموال والحفاظ على ثرائهم وتفوقهم، من خلال النهب والسلب المنظم لثروات الشعوب، وإجهاض التطلعات النهضوية المشروعة لشعوب المنطقة وادخالها في دوامة من الحروب والصراعات، ليعزز وجوده وانتشاره داخل الخارطة الجغرافية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمنطقة. ولعل مشروع التطبيع واحد من هذه المخططات لمحاولة دمج إسرائيل بالعرب التي بدأت طاحونته بالتفجر في فلسطين، وغدًا في أقطار أخرى. ومن هنا يأتي أهميةوضرورة توحيد شتات الفصائل الفلسطينية كمطلب ملح في مواجهة الغطرسة الصهيونية، وقلب معادلة مسار التحول التي تلعب عليها الدول الغربية في تعميق الفجوة المجتمعية، لاستمرار نفوذها.
 
المصالحة الوطنية 

بدأت الفصائل الفلسطينية، الخميس الماضي 29 فبراير، لقاءها في العاصمة موسكو لبحث سبل تحقيق المصالحة الوطنية، بحضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وقال بسام الصالحي، أمين عام حزب الشعب الفلسطيني (أحد فصائل منظمة التحرير) في تصريح للأناضول، إن "لقاء موسكو للمصالحة بدأ في العاصمة الروسية موسكو، بحضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف". وأشار الصالحي إلى أن لافروف أكد في كلمة خلال الاجتماع على "دعم روسيا لحقوق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية". كما أكد وزير الخارجية الروسي على "جهود بلاده المستمرة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة". واعتبر لافروف أن "الرعاية الأمريكية المنفردة واحتكار عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والانحياز فيها هو المسؤول عن الفشل الذي أدى إلى تدهور الأوضاع والى عدم الاستقرار".
ويأتي لقاء موسكو وسط تصريحات إيجابية أدلت بها قيادات من فصائل فلسطينية، بينها طرفا الانقسام الرئيسان حركتا "حماس" و"فتح".

الانقسام الفلسطيني

تعاني الساحة الفلسطينية من انقسام سياسي وجغرافي منذ عام 2007، حيث تسيطر "حماس"  على قطاع غزة، في حين تدير الضفة الغربية حكومة شكلتها حركة "فتح" بزعامة الرئيس محمود عباس، وعلى مدى سنوات طويلة انعقدت العديد من اللقاءات والاجتماعات بين الفصائل الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، كان آخرها اجتماعات الجزائر في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، ولقاء بمدينة العلمين المصرية في 30 يونيو/ تموز 2023، دون أن تُسفر عن خطوات عملية جادة تحقق هدفها.
وفي مسعى جديد أعلنت روسيا في 16 فبراير/ شباط الماضي دعوتها لقادة الفصائل الفلسطينية إلى محادثات في موسكو يوم 29 من الشهر نفسه تمتد حتى الأول أو الثاني من مارس/آذار الحالي، وفق ما صرح به ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي.
وتأتي المحادثات الجديدة على وقع حرب تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول​​​​​​​، خلفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، فضلاً عن كارثة إنسانية غير مسبوقة ودمار هائل بالبنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية للمدنيين في قطاع غزة.

صدور بيان مشترك 

أصدرت الفصائل الفلسطينية بياناً عقب اجتماعها الجمعة في موسكو، أعلنت فيه البنود التوافقية التي تبنتها، وفي مقدمتها التصدي للعدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة الجماعية. وأكدت في البيان توافقها على المهمات الملحة أمام الشعب الفلسطيني ووحدة عملها من أجل تحقيق ذلك، وفي مقدمتها التصدي للعدوان الإسرائيلي الإجرامي وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال على قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلتين، بدعم ومساندة ومشاركة الولايات المتحدة الأمريكية.
وشدد البيان على استمرار مقاومة وإفشال محاولات تهجير الشعب من أرض وطنه الفلسطيني، وخصوصاً في قطاع غزة أو في الضفة الغربية والقدس"، والتأكيد على "عدم شرعية الاستيطان والتوسع الاستيطاني وفقاً لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة". وأشار البيان إلى ضرورة "العمل على فك الحصار الهمجي على الشعب في قطاع غزة والضفة الغربية، وإيصال المساعدات الإنسانية والحيوية والطبية من دون قيود أو شروط.
وشدد البيان على ضرورة إجبار قوات الاحتلال على الانسحاب من قطاع غزة ومنع محاولات تكريس احتلاله أو سيطرته على أي جزء من قطاع غزة بذريعة أنها مناطق عازلة وسائر الأراضي المحتلة، إضافةً إلى التمسك بوحدة الأراضي الفلسطينية وفق القانون الأساسي.
وبالنسبة لمحاولات الاحتلال فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، بما فيها القدس، رفض بيان الفصائل الفلسطينية هذه المحاولات التي رأى أنها تأتي في إطار "المساعي لسلب الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير وإقامة دولته الحرة المستقلة كاملة السيادة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة وعاصمتها القدس، وفقاً للقرارات الدولية".
أما بالنسبة لعمليات المقاومة في قطاع غزة، فقد أكّد البيان "دعم وإسناد الصمود البطولي لشعبنا المناضل ومقاومته في فلسطين، وحرصها على إسناد شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية، وخصوصاً في القدس، ومقاومته الباسلة"، و"تجاوز العدوان عبر إعمار ما دمره الاحتلال، ودعم عائلات الشهداء والجرحى وكل من فقد بيته وممتلكاته ومصادر رزقه".
وبخصوص مؤامرات الاحتلال وانتهاكاته المستمرة على المسجد الأقصى، اتفقت الفصائل الفلسطينية على "التصدي لاعتداءات الاحتلال على حرية العبادة، وخصوصًا في شهر رمضان المبارك "، و"الإصرار على مقاومة أي مس بالأقصى ومدينة القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية"، إذ كان الاحتلال قد أعلن في وقت سابق أنه سيمنع المصلين من الوصول إلى المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك.
بيان الفصائل الفلسطينية تناول قضية الأسرى الفلسطينيين لدى الاحتلال، وأعلن "دعمه وإسناده الكامل للأسرى والأسيرات البواسل في السجون الذين يتعرضون لمختلف أشكال التعذيب والقمع"، و"التصميم على أولوية بذل كل جهد ممكن من أجل تحريرهم من أسر الاحتلال".
وعلى إثر توقف 12 دولة، بينها دول مانحة رئيسة، عن دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، أكدت الفصائل الفلسطينية ضرورة "حماية الوكالة الدولية ودورها الحيوي في رعاية اللاجئين الفلسطينيين حتى تحقيق عودتهم، وتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 194".
ووجهت الفصائل الفلسطينية التحية إلى جنوب أفريقيا لدعمها الشعب الفلسطيني ودورها الأساس في رفع قضية أمام محكمة العدل الدولية لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جريمة الإبادة الجماعية.
وأعربت في الختام عن شكرها وتقديرها للقيادة الروسية على استضافتها اجتماعاتها في موسكو، وعلى الروح الإيجابية البناءة التي سادت الاجتماع، في ظل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان إسرائيلي اجرامي غاشم ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مشيرة إلى أنه تمّ الاتفاق على أن تبقى اجتماعاتها مستمرة في جولات حوارية قادمة، للوصول إلى وحدة وطنية شاملة تضم كل القوى والفصائل الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وفي السياق نفسه، كشف رئيس وفد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين فهد سليمان، لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أن الجانب الروسي أبدى استعداده لاستضافة جولات حوار فلسطينية أخرى، مشيراً إلى أن هناك توجهًا تم تبنيه بمواصلة الاجتماعات الحوارية التي تستضيفها موسكو في الفترة المقبلة.
وتستضيف روسيا جولة من الحوار بين الفصائل الفلسطينية في مسعى جديد لتحقيق تقدم في ملف المصالحة الفلسطينية التي تواجه تعثرًا منذ 17 عامًا.
وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي تجتمع فيها الفصائل الفلسطينية منذ 7 أكتوبر 2023، في خضم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وتهدف المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية في موسكو إلى تقريب وجهات النظر لإنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة الوطنية على قاعدة يتوافق عليها الجميع. ورأت قيادات في حركة حماس أن وضع شروط سبق وأن أفشلت جولات الحوار السابقة، أمام حوار المصالحة الحالي تحديدًا فيما يتعلق باعتراف منظمة التحرير بالشرعيات الدولية، قد لا يكتب النجاح لحوار المصالحة الفلسطينية في موسكو. وفي الوقت الذي ينصب فيه جهد حركة حماس على سبل التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل لإنهاء الحرب بشكل دائم وصفقة لتبادل الرهائن الإسرائيليين والسجناء والمعتقلين الفلسطينيين وإدخال المساعدات الإغاثية العاجلة للفلسطينيين، وعودة النازحين إلى شمال القطاع، طالبت حماس أن تكون مرجعية أي حكومة فلسطينية مستقبلية للفصائل الفلسطينية كافة، مع ترحيبها بالانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية. من جانبها أيضًارحبت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية المشاركة في جولات الحوار في موسكو، بانضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وقال الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، بسام الصالحي " ندعم تماما دخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي لمنظمة التحرير، ونعتقد أن هناك إجماعًا على الأساس السياسي لذلك، وفي ثلاث قضايا أساسية: أولا إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية، ثانيًا: الاستناد إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة في إطار الشرعية الدولية لإنهاء الاحتلال وتحقيق حق العودة وفق القرار 194، ثالثًا: منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ولا يوجد سياسيًا ما يعيق انضمام أي فصيل فلسطيني لها".


حماس مع بوغدانوف 

خلال لقاء وفد من حركة حماس مع ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسية في العاصمة موسكو بحث مجريات لقاءات الفصائل الفلسطينية في موسكو، وتطورات الأوضاع في قطاع غزة. وقالت الحركة، في بيان السبت، إن وفدها الذي يضم عضوي مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق وحسام بدران، اجتمع مساء الجمعة، مع بوغدانوف، وهو أيضاً المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، بمقر وزارة الخارجية الروسية بالعاصمة موسكو.
وأضافت: "قدم وفد حماس الشكر لروسيا الاتحادية على مواقفهم الداعمة للشعب الفلسطيني، وعلى استضافتهم لقاءات المصالحة الفلسطينية".
وأشارت إلى أن الاجتماع "استعرض مجريات اللقاءات الفلسطينية في موسكو، وما توصلت له من نتائج إيجابية لتوحيد الصف الفلسطيني، وردع العدوان، وإغاثة الشعب، وإسناد المقاومة الفلسطينية الباسلة، والتأكيد على استمرارية اللقاءات بين الفصائل الفلسطينية".
كما أطلع وفد حماس المسؤول الروسي حول مجريات الأوضاع بغزة و"الانتهاكات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، والتأكيد على استمرارية المقاومة والدفاع عن شعبنا حتى نيل حريته".

التوافق الوطني

اليوم ليس هناك من ثمة وسيلة لقطع الطريق على المشروع الأمريكي الغربي لاستعمار الشرق الأوسط ونفوذه الذي أضحى مصدرًا لازعاج الشعوب. وليس ثمة طريق للخروج من مأزق انقسام الصف الداخلي الفلسطيني، وقطع دابر المؤامرة الصهيوأمريكية الغربية، إلّا عبر المقاومة، وسلوك الطريق الفعلي المفضي إلى وحدة صف العمل الوطني، وتعزيز صمود الفلسطينيين بتوحيد فصائل المقاومة الوطنية، لمواجهة العدو الصهيوني الغاشم. ولم تكن منظمة التحرير الفلسطينية يوماً إلا إطاراً جبهوياً موحداً للطاقات والفصائل الفلسطينية. وهي محاولة استباقية لابد منها لخيار "التوافق الوطني" عند تشكيل الحكومة، لفتح بازار لمزيد من العروض والأسماء التي تتطاير بكثرة هذه الأيام، في سباق محموم على شكل السلطة والحكومة، وعلى مضمون المنظومة السياسية الفلسطينية بأكملها عن لقاء موسكو، الذي يعد محطة مهمة للحوار والمصالحة؟
وأياً يكن من أمر، وعلى الرغم من أن الأحاديث عن استقالة اشتية وحكومته كانت سابقة للسابع من أكتوبر، فإن أحداً لن يكون في مقدوره أن يتجاهل أن الاستقالة، أو بالأحرى، الإقالة، جاءت استجابة، من نوعٍ ما، لدعوات وضغوط الغرب والعرب بشأن تجديد سلطة شاخت وترهلت وطُعن في نزاهتها ونظافة كفها.
بيدَ أن المؤكد ليس هذا هو "التجديد" الذي تتطلع إليه العواصم الداعية إليه، والأرجح أن الشخصية التي ستُحول إليها صلاحيات الرئيس لن تكون أبداً على قياس المرشح الأوفر حظاً، أو ذاك الذي أصبح عابراً للحكومات والمناصب والمواقع، بفعل القرابة الشخصية، أو الذي ترضى عنه الحكومات العربية والأجنبية.
هنا، يصبح سيناريو "قطع الطريق على المصالحة" و"التوافق الوطني" لتشكيل حكومة جديدة، هو التفسير الأكثر ترجيحًا لخطوة الإقالة والتسريبات التي تلتها، يصبح مرجحًا، إذ تُعَدّ الإقالة والتسريبات "مسعى استباقياً" للتخفيف من الضغط الدولي – العربي، لتقليص صلاحيات الرئيس وتحويله إلى منصب شرفي/بروتوكولي.
 عواصم عربية أخرى، ومن خلفها دوائر غربية متعددة، لديها تفضيلاتها الأكثر اقتراباً من رؤاها لمرحلة ما بعد الحرب على غزة. وهي تبحث عن أسماء، بأكتاف عريضة، منسجمة عقائدياً مع شعار "لا عباس ولا حماس"، وفي مقدورها أن توفر مظلة سياسية للتجديد المطلوب في السلطة أمنيًا. 
فالهدف الرئيس، من وراء إطلاق واشنطن شعار "السلطة المتجددة"، هو الوصول إلى منظومة سياسية–أمنية، قادرة على ضبط الضفة الغربية ومنع انزلاقها إلى سيناريو الانفجار الكبير، ونقل التجربة إلى قطاع غزة. وهذا هو الجزء الأكثر أهمية وحساسية في تفويضها، ذلك بأن مهمة "ترويض" القطاع تبدو أكثر استعصاءً من مهمة كبح الضفة. وثمة أسماء يجري تردادها للقيام بهذه المهمة، بل ثمة رزم من الأسماء السياسية والأمنية والاقتصادية التي يجري ترويجها، في السر والعلن أحياناً.

إجماع، ولكن..!

البحث في شكل المنظومة السياسية الفلسطينية ومضمونها بعد السابع من أكتوبر، وبعد أن تضع الحرب على غزة أوزارها، لم يتوقف لحظة واحدة، وانخرطت فيه كل القوى والشخصيات الفلسطينية، وتبلور ما يشبه الإجماع الوطني الفلسطيني، لم تشذ عنه سوى القيادة المتنفذة في رام الله، على كيفية الخروج من مأزق الانقسام، والتصدي لأعباء ما بعد الحرب وتحدياتها.
فالإجماع الوطني الفلسطيني، كما تجلى في ركام المبادرات والمواقف، يلحظ الحاجة إلى البدء بمنظمة التحرير، وبعثها وإحيائها وإعادة هيكلتها، بترتيب انتقالي يتمثل بإنشاء مرجعية عليا مؤقتة وطارئة للشعب الفلسطيني، تحت ظلال المنظمة وفي إطارها، وتضم مختلف القوى الفلسطينية، وبينها حركتا حماس والجهاد، فضلاً عن شخصيات وطنية داخل الأرض المحتلة وخارجها، مرجعية تقوم على الشراكة الفعّالة والحقيقية بدلاً من الهيمنة والاستئثار والتفرد، وتؤمن بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال والفاشية والعنصرية والاستيطان، عبر كل الأشكال والصور، وتعمل على مطاردة "إسرائيل" في كل المحافل الإقليمية والدولية، وعبر مختلف الطرق والوسائل.
وتبلور إجماع ثانٍ أيضاً، على الحاجة إلى تشكيل حكومة من الخبراء والفنيين والتكنوقراط، تُناط بها مهمات أربع:
 • الإغاثة والإيواء وإدخال المساعدات.
• توحيد مؤسسات السلطة في الضفة والقطاع.
 • الشروع في إعادة الإعمار.
• التمهيد لانتخابات عامة، وهي الفيصل والحكم في نهاية المطاف، وهي مصدر الشرعية وطريق تجديدها.
على أن هذه الحكومة يجب أن تتشكل عبر توافق وطني عريض، يوفر لها المظلة والحماية، ويساعدها على إنجاز تفويضها ومهماتها، وأن تحتكم في مطلق الأحوال لمرجعية وطنية عليا وموحدة، في كل ما يتعلق الأمر بالخيارات السياسية والسيادية الكبرى للشعب الفلسطيني. ومن دون وجود هذه المرجعية، "ستعود هذه التيارات السياسية والفصائل إلى أوكارها القديمة"، وستتحول أي حكومة، وأي رئيس لمجلس الوزراء، إلى دمية، تديرها، كيفما أرادت، "ترويكا" متحكمة في زمام المال والسلطة في رام الله.

المصالحة الوطنية والحوار، يبدو مدعوماً من أطراف عربية ودولية وازنة، وفي سياقه جاءت الدعوة الروسية إلى اجتماعات موسكو، الخميس الماضي، ولا تمانع أطراف دولية (أوروبية) كذلك في التعاطي معه، إن تم التوافق عليه والعمل به، ما دامت هذه الأطراف ستكون ملزمة بالتعامل مع مؤسسات حكومية رسمية فلسطينية، وليس مع هذا الفصيل أو ذاك. ومعظم الفصائل للأسف، إن لم نقل جميعها، مصنَّفة "إرهابيًا" في كثير من العواصم الأوروبية، وحتى العربية.
المعادلة الصفرية ما زالت تتحكم في نظرة رام الله إلى حماس، وترى فيها مشروعًا بديلاً، وليس مشروعًا شريكًا
وهي، بخلاف الأطراف اللبنانية المطمئنة إلى سلامة حصتها في النظام السياسي لأسباب طائفية ومذهبية، واستولدت قاعدة المناصفة ومعادلة "6 و6 مكرر"، تخشى على دورها المهيمن ونفوذها المتفرد بالمؤسسات وآلية صنع السياسة والقرار في السلطة والمنظمة.
الرئاسة الفلسطينية لم تُبد، حتى الآن، حماسة لدمج حماس في منظمة التحرير، وهي قابلت الدعوات الفلسطينية والعربية، التي تلقتها بهذا الصدد، بمواقف حذرة وغامضة، بعضها يتذرع بالخشية من ردود أفعال إسرائيلية "أموال المقاصة" وعربية "المعسكر المناهض للإسلام السياسي"، أو غربية، وتارة أخرى، بذريعة أن حماس لم تستجب لشروط الرباعية الدولية، القائمة على الاعتراف بـ"حق إسرائيل في الوجود" ونبذ الكفاح المسلح وقبول التزامات "أوسلو".
ربما لا يبوح الناطقون باسم الرئاسة، والمحيطون بها، بتفاصيل هذه الاشتراطات المخجلة والمذلة، ويفضلون إعادة صياغتها بعبارات أخرى، من نوع "قبول برنامج المنظمة والتزاماتها"، هكذا بالعموم. والحقيقة أن مؤسسات المنظمة، منذ عدة أعوام، قررت كذلك الانسحاب من "أوسلو" وسحب الاعتراف بـ"إسرائيل" ووقف التنسيق الأمني معها، على نحو يقرب المنظمة من حماس، وليس العكس، وأن من يخرق قرارات المنظمة وتوجهات مجلسيها الوطني والمركزي الأخيرة، هي قيادة المنظمة وليس أحداً غيرها.

 وفي الأخير، لم تكن منظمة التحرير الفلسطينية، يوماً، إلا إطاراً جبهوياً موحداً للطاقات والفصائل الفلسطينية، من دون أن يشترط على أي منها التخلي عن طروحاته وبرامجه ورؤاه السياسية والأيديولوجية.
فلماذا تصر قيادتها الحالية على إخضاع الجميع لمقاساتها، القصيرة والمحدودة، في أي حال؟ ولماذا الإصرار على دفع الجميع إلى الالتحاق بخياراتها على الرغم أن الوقائع العنيدة، وبالذات في الحرب البربرية على غزة، أظهرت بؤسها وتهافتها؟!، ولا يتردد بعض الناطقين باسم الرئاسة، أو المتطوعون للنطق باسمها، عن إظهار نوع من الغطرسة والاستعلاء اللذين لا يليقان بهم، وهم الذين يكادون لا يغادرون منازلهم إلى مكاتبهم من دون "تنسيق" مسبق مع الاحتلال، فتارة يخرج علينا من يطالب حماس بممارسة النقد الذاتي بشأن "انقلابها" وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 2007، وتارة أخرى، بوضعها على قدم المساواة، مع أنصاف وأرباع الفصائل التي تدور في فلك رام الله، عبر عرضهم مقعداً واحداً لها وآخر للجهاد، وكان الله بالسر عليماً.
هذه الألاعيب لن تُجْدي نفعًا، ولن تُخفي الحقائق التي بات يعرفها القاصي والداني، بمن فيهم خصوم المقاومة وألد أعدائها. ومن لا تقنعه أرقام استطلاعات الرأي العام، فعليه أن يجرؤ على النزول إلى الشارع لقياس شعبيته وشعبية رؤسائه ومرؤوسيه.