مارس 1, 2024 - 22:46
البرلمانية التونسية السابقة مباركة إبراهيمي لـ(عرب جورنال): اليمن يقوّض استمرارية العدوان الإسرائيلي على غزة ويُعجّل بزوال أمريكا

في سياق مواكبة تطورات طوفان الأقصى، تستضيف " عرب جورنال " عضو البرلمان التونسي سابقاً والقيادية في التيار الشعبي التونسي مباركة إبراهيمي، للوقوف عند أبرز المستجدات الطارئة المتعلقة بهذه المعركة المقدسة التي تحمل أوجاع وأحلام أمة للخلاص من المشروع الاستعماري الصهيوني وأدواته في المنطقة. ويسلط الحوار الضوء على محاولات الكيان المؤقت لتوسيع حضوره في إفريقيا تحت عناوين ولافتات مختلفة، في إطار مساعي غربية لتقويض مسار التحرر الذي تشهده القارة السمراء.

عرب جورنال / حوار / حلمي الكمالي _

الانتصار لغزة يستوجب هبة عالمية وخذلانها سيكون له عواقب وخيمة على العرب والمسلمين 

اليمن يقوض استمرارية العدوان الإسرائيلي على غزة بعد منعه وصول الكثير من الأشياء التي تزود الاحتلال

أمريكا ارتكبت خطأ استراتيجياً حين اعتدت على الشعب اليمني الذي لا يعرف الهزيمة وقد يُعجّل هذا الخطأ بزوالها 

لا نعول على الأنظمة العربية في مساندة غزة فهي عبارة عن أدوات للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة

الفيتو الأمريكي على مشروع القرار الجزائري يأتي في صميم السياسة الأمريكية التي توفر الحماية المباشرة لجرائم الاحتلال 

البرازيل اتخذت قرارا شجاعا بطرد السفير الصهيوني في وقت تستقبل بعض الدول العربية سفراء "إسرائيل" بحفاوة

التوغل الإسرائيلي في إفريقيا يعود لعقود ويهدف لتعزيز اقتصادها وإضعاف تضامن الدول الأفريقية مع القضية الفلسطينية 

_ بعد قرابة 5 أشهر من المجازر الصهيونية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني في غزة، لكننا لم نرى حراكاً عربياً واسلامياً حقيقياً لوقف هذه المجازر عدا شعوب ودول المقاومة فقط.. ما الذي تنتظره الشعوب العربية والإسلامية حتى تنتفض للاقتصاص بعد كل هذا الدم ؟ وهل تعتقدون أن غزة هي اختبار حقيقي للإنسانية والبشرية جمعاء وما دون الانتصار لها سيكون له عواقب وخيمة؟ كيف ذلك؟

كانت عملية طوفان الأقصى مذهلة للشارع العربي الذي اعتاد متابعة الأنباء حول الشُهداء والمصابين  والأسرى بفلسطين المحتلّة وتعداد الضحايا ..وللمرة الأولى تنقلب الظروف وتتالى الأحداث سراعا،ويصبح الحديث عن قتلى وإصابات في الجانب الصهيوني ، وكان للمشاهد التي نقلها الإعلام العسكري للمقاومة أثناء أسرها عدداً من الجنود الصهاينة وقعٌ جديدٌ على قلوب المتابعين من كلّ أصقاع الدّنيا  ممن ينتصرون للقضية الفلسطينية.

في هذه المعركة، امتزجت المشاعر لدى الشارع العربي خاصة بين الفخر والعجز ..بين الإعتزاز بإنجازات المقاومة وبين خذلان النظام الرسمي العربي، ويُسيطر علينا جميعا الشعور بالعجز وتتحطّم قلوبنا في الدقيقة ألف مرّة ونحن نتابع الأخبار، والقلوب عالقة بين الألم لمشاهدة الدّمار الذي طال كلّ شيء في غزة، البشر والشجر والحجر، من ناحية،  والفخر بأعمال المقاومة التي ترفع الهامات عالية كما لم نرفعها من قبل، من ناحية أخرى.

أمّا النظام الرسمي العربي فإن أقصى ما استطاعه هو المطالبة بإحياء العملية السلمية وإطلاق مفاوضات جديدة بين منظمة التحرير الفلسطينية - بوصفها الممثل الشرعي للسلطة- و"إسرائيل".

على أية حال، فإن الأحداث تسارعت خاصة بعد انخراط اليمن في المعركة، والذي حاصر السفن المتجهة إلى كيان الاحتلال لتزويده بمقومات استمرار العدوان على غزة، بينما رأينا هذه المنظومة الرسمية العربية وخاصة الخليجية منها إلى قوّة إقليمية هدفها كسر الحصار الذي ضربته المقاومة اليمنية على دولة الكيان الغاصب، وأصبحت السعودية والإمارات والبحرين هي الشريان الذي تحيا به دولة "إسرائيل".

ولا شك أن الانتصار لغزة اليوم هو واجب إنساني وأخلاقي وديني يستوجب هبة عالمية حقيقية لمواجهة هذه الوحشية الصهيونية، أما خذلان غزة سيكون له عواقب وخيمة خاصة على العرب والمسلمين.

_ حتى اللحظة استهدف اليمنيين قرابة 50 سفينة إسرائيلية وأمريكية وبريطانية في طريق نصرتهم لغزة، ويواجهون عدوانا جديداً غاشماً نظير هذا الموقف التاريخي.. هل تعتقدون أن اليمن قد أصاب خاصرة الهيمنة الأمريكية الغربية في المنطقة من خلال هذا الموقف الجريء والشجاع؟ 

ما تقوم به القوات المسلحة اليمنية من اعتراض للسفن الاسرائيلية وكلّ السفن المتجهة إلى دولة الكيان الغاصب لدعمه وإنعاشه؛ هو من صميم الواجب الإنساني والأخلاقي الذي يهدف إلى فك الحصار الخانق المفروض على غزة، وهو ما عبّرت عنه القوات المسلحة اليمنية وحركة أنصار الله في جميع بياناتها وخطابات قياداتها.

فك الحصار عن غزة هو الدور الذي كان من المفروض أن تقوم به الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات الدولية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، ناهيك عن الدول العربية والإسلامية التي من المفروض أن تنصر دينها الدّاعي إلى نصرة المظلومين في كل مكان، وأن تستحضر النخوة العربية الأصيلة التي تإبى الضّيم، لكن اليمن كان حاضراً في الميدان ليقول كلمته الضاربة في أعماق البحر من أجل غزة، حيث منع الحصار اليمني المفروض على الملاحة الإسرائيلية، وصول الكثير من الأشياء التي تزود الاحتلال للاستمرار بعدوانه على غزة. 

اليمن اتجه لاستهداف سفن العدو الصهيوني، لوقف شلالات الدم المسفوكة في غزة، غير آبه بالتهديدات الأمريكية والغربية، وما يجري في عرض البحر يومياً يؤكد أن الشعب اليمني ثابت على موقفه المبدئي المساند للشعب الفلسطيني حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة.

وهنا يمكن الإشارة إلى أن التحالف الدولي الذي أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية بحجة حماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، هو في الحقيقة والواقع تحالف لحماية الكيان الصهيوني وسفنه والسفن الذاهبة إليه لانتشاله من ورطته، كما أن هذا التحالف هو جزء لا يتجزأ من العدوان على الشعب الفلسطيني وعلى غزة والأمة العربية والإسلامية.

وهو أيضاً تحالف يهدف إلى تشجيع الكيان الصهيوني لمواصلة جرائمه الوحشية بحق الشعب الفلسطيني في غزة كما أنه يتناقض مع القانون الدولي ولا يحمي الملاحة البحرية بل يهددها ويعمل على عسكرة البحر الأحمر لصالح الكيان الإسرائيلي الغاصب.

لقد أقدمت أمريكا على ارتكاب خطأ استراتيجيا جسيما أوقعها في حُفرةٍ بلا قاع، حين استعدَت الشعب اليمني الذي لم يعرف الهزيمة عبر التاريخ، وانتصر على الكثير من الإمبراطوريات العُظمى، وعلى رأسها الإمبراطورية البريطانية.

بالتالي يمكن التأكيد أن أمريكا وحلفائها في هذا التحالف ذاهبون إلى هزيمة كبرى، قد تُعجّل بانهيار امبراطوريتها.

_ كالعادة.. أجهضت أمريكا مشروع قرار جديد تقدمت به الجزائر في الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في غزة.. أي دور تمارسه واشنطن لاستمرار جرائم الاحتلال في غزة ؟ وأين دور الحركات والأحزاب السياسية العربية من مقاومة الغطرسة الأمريكية وفضحها أمام العالم ؟ وبماذا تنصحون في هذا السياق وأنتم أحد رموز الحراك السياسي والثوري في تونس؟ 

تواصل أمريكا إمعانها في الدعم المطلق لهذا الكيان النازي، وإجهاض أي مبادرة توقف العدوان، ولكن ليس في الموقف الأمريكي من دولة الاحتلال أي غرابة، وإسقاط مشروع القرار الجزائري باستعمال حق الفيتو هو من صميم السياسة الأمريكية، وهو ما يمثل استمرارا صريحا في توفير الحماية للآلة الصهيونية الهمجية من أجل ارتكاب المزيد من مجازر الإبادة الجماعية، وتجويع الشعب الفلسطيني، ومحاولات تهجيره قسريا من وطنه.

الفيتو الأمريكي يؤكد أيضاً للعالم أجمع أن أمريكا شريكة كاملة في العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، بل هي الطرف الأصيل والأساسي الذي يشرف بشكل مباشر على هذه الجرائم الصهيونية البشعة في قطاع غزة وفي كل فلسطين ، وهذا يفضح ادعاءاتها التي تروّجها حول ريادتها للعالم الحر.

لا شك أن ما حدث ويحدث هو فرصة جديدة أمام الشعوب والحركات الوطنية وكذلك القوى والأحزاب السياسية لفضح أكاذيب أمريكا وادعاءاتها.

_ البرازيل طردت السفير الإسرائيلي مؤخراً بسبب مجازر الاحتلال في غزة.. أي أهمية للحراك الذي يشهده الجنوب العالمي ضد الصهيونية والهيمنة الأمريكية؟ وماذا يعني أن تسارع دول في أقصى العالم للتعبير عن سخطها من الوحشية الصهيونية بينما يبلع معظم رؤساء الأنظمة العربية ألسنتهم تجاه ما يحدث في غزة؟ 

يجب التأكيد أن طرد البرازيل للسفير الصهيوني هو موقف شجاع، وقرار جريء لا تتخذه إلا الدول التي تملك قرارها وسيادتها، ويحسب للبرازيل أنها اتخذت هذه الموقف من الناحية الإنسانية الذي لم يحرك مشاعر الكثير من الرؤساء والزعماء وأولهم العرب الذين تحولوا إلى خدام وأدوات للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة وعلى رأسهم السعودية والإمارات، فيما تستقبل بعض الدول العربية سفراء "إسرائيل" بحفاوة.

التعويل اليوم فقط على الشعوب العربية لمساندة غزة، أما الأنظمة العربية والإسلامية فلا أمل في أن تفعل شيئا بعد كل هذا الإجرام الصهيوني الذي وقع فيما لم تحرك ساكنا.

_ هناك تحركات إسرائيلية لتوسيع حضورها في البحر المتوسط وشمال أفريقيا.. أي تداعيات خطيرة لهذا الحضور على أمن واستقرار الدول الأفريقية وعلى رأسها تونس ؟وهل تتجسد هذه المخاطر في صفقات التطبيع التي يسعى الكيان لتمريرها في القارة الأفريقية، في محاولة لتقويض مسار التحرر من قبضة الهيمنة الغربية والذي تشهده بعض دول القارة؟

مساعي الكيان الصهيوني للتوغل داخل إفريقيا بدأت منذ ستينيات القرن الماضي، حيث كانت حينها تبحثُ عن شرعية دولية في سنوات تأسيسها الأولى، بعد أن اغتصبت أراضي الفلسطينيين وذبّحتهم وهجّرتهم، وكذلك للبحث عن نفوذ في القارة الأفريقية.

أما اليوم ..فقد توسع التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا على مرأى ومسمع من العالم، وتصدر بين حين وآخر اعترافات إسرائيلية عن التورط بصفقات بيع أسلحة وتدريب مقاتلين في دول القارة الأفريقية الغارقة في الحروب الأهلية، بزعم أن هذه الصفقات العسكرية توفر لإسرائيل مصدرا اقتصاديا وماليا كبيرا، وتحقق لها مصالح أمنية في أفريقيا.

ووفقاً للمعلومات الرسمية، فإن قيمة السلاح الإسرائيلي، الذي وصل الدول الأفريقية زاد عن 163 مليون دولار، بنسبة 2.5% من إجمالي الصادرات العسكرية الإسرائيلية للعالم، حيث إن العنصر الأساسي من أسلحة بعض الجيوش الأفريقية من إنتاج إسرائيلي.

وللعلم فإن "إسرائيل" تركز في اختراقاتها لأفريقيا أولاً على الدول العربية وعلى رأسها مصر والمغرب، فيما تركز أيضاً على 6 بلدان أفريقية أخرى، وهي، توغو ورواندا وجنوب السودان والكاميرون والكونغو.

وتشمل التحركات الإسرائيلية في القارة الإفريقية محاولة في توسيع الاستثمار والتصدير الإسرائيلي في الدول الأفريقية والذي يتوسع على النحو التالي: كينيا 150 مليون دولار، نيجيريا 105 مليون دولار، أوغندا 70 مليون دولار، إثيوبيا 33 مليون دولار، كاميرون 60 مليون دولار. 

عموما، فإن مغزى "إسرائيل" في توسيع نفوذها في القارة الإفريقية ليس من باب الحصول على مكاسب اقتصادية وحسب، بل أنه ترجو من خلال تطبيعها الحاصل مع بعض الدول الأفريقية كمصر والمغرب وتشاد أن تبعدها عن دائرة الدول المعادية لها، وتمنع تعاطفها مع القضية الفلسطينية. 

وبذلك يتضح أن مسيرة التطبيع الصهيوني مع القارة الإفريقية بدأ ولم يتوقف وأن لإسرائيل ارتباطات عميقة سياسية واقتصادية بالأساس، وأن الدول الإفريقية التي لم تطبّع لا تزال معدودة على الأصابع، وأن الأنظمة وقياداتها الوطنية مثل تونس والجزائر تتحمّل كل الأذى والضغط حتى تستسلم لمركبة التطبيع.

وعلى سبيل المثال، بلدنا تونس تمتلك قاعدة عريضة من الطيف السياسي والمجتمع المدني المتجذّر في هويته العربية والإسلامية التي تحميه من كل تهوّر ديبلوماسي، أو انسياق وراء جوقة التطبيع والتفريط.

على أية حال فإن "إسرائيل" هذا الكيان المفتعل، اشتغل على صورته كرقم هام في العالم، أصحاب الحق مسلوبة إرادتهم، فيم الحكام العرب أقصى مهامهم البقاء في الحكم بأي ثمن، لكن صورة هذا الكيان سقطت مع طوفان الأقصى وهزيمته تحت أقدام المقاومة الفلسطينية من جهة وجرائمه الوحشية ضد أبناء غزة من جهة أخرى.