فبراير 24, 2024 - 17:37
إصرار سلطة الكيان على قتل سكان القطاع بسلاح التجويع عقوبةً على رفضهم النزوح برغم تعرضهم للترويع الفظيع

عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي

من المعلوم للأصدقاء والأعداء على السواء أنَّ سكان «قطاع غزة» يقعون -منذ 17 سنة- تحت طائلة التجويع جرَّاء الحصار المفروض عليهم من سلطات الدولة العبرية بمباركة أو مشاركة غربية وبتواطئات سرية ومعلنة من بعض الأنظمة العربية التي بات يتشكل منها -منذ سبتمبر 2020- ما يطلق عليه «محور الصهينة».
فمنذ اتخاذ إجراءات ذلك الحصار الجائر فرضت سلطات الكيان رقابة صارمة على ما يتصل بالقطاع من معابر، حرم سكان «القطاع» -في ضوء تلك الرقابة- من بعض السلع التجارية الضرورية بذريعة أنها تستخدم لأغراض عسكرية، واقتصر السماح بدخول المواد الاستهلاكية الغذائية على كميات غير كافية، على أمل أن يؤدي عدم الاكتفاء إلى تمرد الناس على سلطة «حماس»، لكن ذلك الخروج لم يحصل بل سعى السكان إلى توفير احتياجاتهم بشتى السبل.
أما بعد «طوفان الأقصى» فقد عمدت سلطات العدو إلى إغلاق المعابر إغلاقًا شبه تام وحرمت حوالي 2,4 مليون نسمة -في ضل استهداف المخيمات والمدن والقرى صباح مساء بقصف عنيف دمر الخدمات والبنى التحتية وخلف إلى هذه الأثناء أكثر من مائة ألف من الشهداء والجرحى- من الحصول على الحدَّ الأدنى من الغذاء والدواء متخذة من هذه الإجراءات سلاحًا آخر يفتك بالغزاويين أكثر فأكثر.

ابتكار العراقيل والصعوبات أمام المساعدات

لأنَّ العدو الصهيوني معروف للقاصي والداني بعدم التقيد بأيِّ نصٍّ قانوني، فقد اتخذ في حقَّ سكان القطاع من وسائل التجويع والحرمان ما لم يسبقه إليه أيُّ طغيان على مرِّ الزمان، وحين وجد نفسه مضطرًا لتصنع التجاوب مع ضغوطات المجتمع الإنساني في السماح بدخول الحدِّ الأدنى من المساعدات لإنقاذ حياة مدنيي القطاع ممَّا يتهددهم من موت شبه محقق، فقد وافق على دخول عدد محدود من الشاحنات المحملة بالنزر اليسير من الأغذية والأدوية، ثم لم يلبث أن أحاط دخول ذلك الكم القليل بالكثر من العراقيل التي نلمح إلى أهمها -على سبيل المثال- في ما يأتي:

١- اعتراض المستوطنين طريق سير الشاحنات:
ففي مقابل تصنع سلطات العدو الموافقة على دخول شاحنات مساعدات إلى «قطاع غزة» عبر معبر «كرم أبو سالم»، أوعزت لمستوطنيها بالتظاهر المتكرر في طريق عبورها ومنعها من مواصلة سيرها، وذلك ما أشير إليه في سياق التقرير التفصيلي التساؤلي المعنون [لماذا لا يدخل إلى غزة سوى قدر ضئيل من المساعدات؟ الذي نشرته «CNN بالعربية» يوم الاثنين الـ12 من فبراير الحالي بما يلي: (قام محتجون إسرائيليون، أكثر من مرة، بمنع مرور الشاحنات التي تحمل مساعدات إنسانية لغزة عبر المعابر الإسرائيلية. وطالبوا بعدم تسليم المساعدات إلا مقابل إطلاق سراح الرهائن).

٢- تكرار عمليات التفتيش وتعمد إطالتها:
كما أنَّ سلطات العدو تعمد -في سبيل تأخير دخول شاحنات المساعدات لأطول ما يمكن من الأوقات- إلى تكرار عمليات تفتيش تلك الشاحنات، وإلى إجراء تلك العمليات ببطءٍ شديد وبشكلٍ نمطيٍّ مطول يبعث على الملل، وذلك ما يفهم من احتواء التقرير الذي سبق الاستشهاد ببعض محتواه على ما يلي: (قال «مارتن غريفيث» وكيل الأمين العام للأمم المتحدة: إنَّ الشاحنات التي تحمل المساعدات يجب أن تمر عبر ثلاث مراحل من التفتيش قبل أن تتمكن من دخول القطاع.
وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي إنَّ الطوابير الطويلة للتفتيش أدت إلى اختناقات عند معبر رفح.
ويقول عمال الإغاثة والأمم المتحدة إنَّ إدخال أيّ شكل من أشكال الإغاثة إلى غزة يعد عملية طويلة وشاقة).

٣- استهداف بعض قوافل المساعدات بالقصف:
لعل شعور سلطات العدو أنَّ الإجراءين الإعاقيين غير كافيين للحدِّ من وصول المساعدات إلى المدن والقرى والبلدات والمخيمات قد حملها على استهداف قوافل المساعدات في كثير من الأوقات، وقد أشير إلى بعض تلك الاستهدافات -في سياق التقرير الإخباري المعنون [أهل غزة يموتون جوعًا.. الأمم المتحدة تحذر ثانية] الذي نشره «العربية نت» بتأريخ 20 من فبراير الجاري- في ما هو أت: (وسبق لبرنامج الأغذية العالمي أن أوقف قبل ثلاثة أسابيع إرسال المساعدات الغذائية إلى شمال غزة الذي يشهد حربًا مستمرة منذ أربعة أشهر بعد ضربةٍ إسرائيليةٍ أصابت شاحنةً للبرنامج التابع للأمم المتحدة، لكنه عاود شحناته يوم الأحد الماضي.
إلا أنه منذ ذلك الحين تعرضت شاحناته "للنهب" أو استهدفها قصف إسرائيلي في ظل "العنف والفوضى الشاملة ").

اعتماد العدو الصهيوني التجويع سلاحًا ضد الشعب الفلسطيني

لم تصل الأوضاع الكارثية التي تكاد تودي بحياة أكثر من 700000 مواطن في محافظتي غزة والشمال إلى ما وصلت إليه بالصدفة، بل جاءت نتيجة تبييت السلطات الصهيونية -إذا أخذنا في الحسبان أول تصريح لوزير دفاع حكومة الكيان بعد عملية «الطوفان»- سوء النية تجاه أكبر عدد ممكن من الكتلة السكانية الفلسطينية وحرمانها -بأساليب فجّة ممنهجة- من أبسط مقومات الحياة حتى تضعها بين خيارين أحلاهما مرّ، فإما أن تضطر إلى ترك أرضها وتخضع لمخطط التهجير، أو تتمسك بأرضها فتجد نفسها -في ضوء ما يسلط ضدها من سلاح التجويع- وجهًا لوجه مع اليد العزرائيلية التي بدأت تتغلغل في أوساط التجمعات السكانية الغزاوية لا سيما في المحافظات الشمالية بسرعة خيالية، وذلك ما يفهم من استهلال الحوار الذي أجراه «محمد إقبال أرسلان» -في «جنيف»- مع «توماسو ديلا لونغا» متحدث الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر ونشره في وكالة أنباء «الأناضول» تحت عنوان [أنين غزة.. شح المساعدات يفاقم هول الكارثة الإنسانية] الذي نشر في الـ10 من فبراير الحالي على النحو التالي: (قال متحدث الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر «توماسو ديلا لونغا» إن الوضع الإنساني في غزة "يتجاوز الكارثة"، موضحًا أنَّ مستوى الجوع في القطاع ترك الناس "عاجزين".
وقد كان من الصعب جدًّا -خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة- وأحيانًا من المستحيل على الآباء والأمهات العثور على حليب للرضع أو طعام من أجل أطفالهم).
كما أشير إلى تفاقم كارثة التجويع التي اتخذ منها العدو سلاحًا للقضاء على الغزيين الصامدين في وجه القصف والترويع في سياق التغطية الإخبارية التحليلية المعنونة [شبح المجاعة يخيم على قطاع غزة] التي نشرتها صحيفة «السوسنة» الأردنية يوم الثلاثاء الموافق 20 من فبراير الحالي بما يلي: (وتجلّت مظاهر الجوع الذي يعانيه الأهل في غزة، بقيام بعض الأطفال والشبان والنساء بجمع مخلفات الحيوانات من أجل انتقاء الحبوب منها ثمّ طحنها وعجنها وخبزها، بعدما نفدت أعلاف الحيوانات التي كانت تُستخدم لصناعة الخبز.
ونشر الصحفي «حسام شبات» الذي نجا اليوم من محاولة اغتيال -أثناء تغطيته توغل آليات الاحتلال بالقرب من حي الزيتون- عبر صفحته على منصة (X): "أقسم لكم بالله العظيم أنَّ الناس في شمال غزة يتساقطون في الشوارع من شدة الجوع!".
وبثّ مراسل قناة الجزيرة «أنس الشريف» مقطع فيديو تظهر فيه سيدة تصف حال الأهالي في شمال غزة قائلةً: "والله مُتنا من الجوع، إحنا بنوكل رمل مش خبز.. هكذا حالنا وحال كل الناس في شمال غزة").

خطورة تخلي أمريكا ودول أخرى عن تمويل «الأونروا» 

الأونروا هي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى، تأسست نتيجة النزاع العربي الإسرائيلي عام 1948 لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين وإيجاد فرص العمل لهم، وهي تقدم المساعدة والرعاية لحوالي ستة ملايين لاجئ فلسطيني منتشرين في الأردن ولبنان وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة.
وتعتمد -بنسبة 92% من وارداتها المالية- على الدعم المادي من جميع دول الأعضاء في الأمم المتحدة، وفي مقدمتها «أمريكا» و«الاتحاد الأوروبي» اللذين تشكل تبرعاتهما حوالي 45% من إجمالي تمويلاتها.  
وبهدف إضعاف المقاومة الفلسطينية تسعى السلطات الصهيونية ومن يساندها من قوى الماسونية إلى تجفيف تمويلها وإيقاف عملها، وفي سبيل تحقيق هذا المسعى قررت الإدارة الأمريكية وحكومات الاتحاد الأوربي مطلع عام 2018 -بحسب ما ورد في سياق التقرير التحليلي المعنون [تعرف على الأونروا التي قلصت أمريكا مساهمتها فيها] الذي نشره «BBCعربي» في الـ17 من يناير 2018- (حجب 65 مليون دولار عن الوكالة بعد أن قوبل قرار الرئيس «ترامب» بإعلان «القدس» عاصمة لإسرائيل بالرفض من قبل الفلسطينيين).
وقد وجدت سلطات الكيان من تجاوب الإدارة الأمريكية وبعض دول الاتحاد الأوروبي مع رواياتها الكاذبة حول ما حصل في الـ7 من أكتوبر وإبداء استعدادها دعم سلطات الكيان اللامحدود وتمويل حربها الهادفة إلى استئصال حركة «حماس» ومن ورائها «فلسطينيي غزة» من الوجود فرصةً سانحة لتجفيف بقية ما يصل الوكالة من تبرعات الدول المانحة، وفي هذا المعنى استهل الكاتب «يوسف سامي» مقاله التحليلي المعنون [“الأونروا”.. عنوان جديد للحرب على الفلسطينيين] الذي نشره «نون بوست» في الـ28 من يناير الماضي بما يلي: (على نحو مفاجئ وفي ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة للشهر الرابع على التوالي، ظهرت أزمة جديدة تتمثل في زعم إسرائيل مشاركة عدد من موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في عمليات 7 أكتوبر.
الصادم أنَّ الموقفين الأمريكي والأوروبي تناغما مع الموقف الإسرائيلي من خلال الإعلان السريع عن وقف تمويل «أونروا»، فقد أعلنت حوالي 16 دولة منها الولايات المتحدة وألمانيا وقف تمويلها بشكلٍ مؤقت تحت ادعاء التحقيق فيما جرى.
ويبدو أنَّ الحكومة الحاليّة معنية بإنهاء الأونروا عبر التحريض عليها أو خنقها ماليًّا من خلال الحلفاء الأوروبيين والأمريكيين بما يؤدي إلى تقليص خدماتها تدريجيًا وجعل برامجها معرضة ومهددة طوال الوقت بالتوقف بفعل العجز المالي).
وذلك ما حمل محللين وخبراء -بحسب محتوى التقرير الخبري المعنون [محللون: استهداف الأونروا جزء من عملية التطهير العرقي ضد الفلسطينيين] الذي نشره «الجزيرة نت» في الـ31 من يناير الفائت- على الذهاب إلى (أنَّ تعليق بعض الدول تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» يهدف لإنهاء فكرة حق العودة ومواصلة خطة التطهير العرقي التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة، وتحويل أنظار العالم عن قرار محكمة العدل الدولية التي رجحت ارتكاب إسرائيل جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين).
والحقيقة أنَّ ما عمدت إليه أمريكا ومعها حوالي 15 دولةً أخرى من إجراء سيفضي -حتمًا- إلى تجفيف مواردوكالة «أنروا» يهدف –بالدرجة الأولى- إلى مفاقمة كارثة المجاعة في «قطاع غزة» التي بدأت نذرها بالإطلال والأخذ بالاستفحال لا سيما في محافظات الشمال.