فبراير 17, 2024 - 18:12
الهند تعزز حضورها في البحر الأحمر.. الأسباب والدوافع 


أروى حنيش 

رغم عدم مشاركة الهند  في التحالف الذي أنشأته الولايات المتحدة في البحر الأحمر،(حارس الازدهار)، قامت الهند بتعزيز وجودها في المنطقة الممتدة من شمال ووسط بحر العرب إلى خليج عدن، وأرسلت 10 سفن حربية بدلاً من اثنتين تتمركزان عادة في المنطقة، وفق ما أفادت به صحيفة "وول ستريت جورنال".
وتسعى الهند من خلال رفع مستوى تواجد قوتها البحرية العسكرية إلى حماية السفن التي ترفع علم الهند في المقام الأول، ولكن ذلك لا يمنع أنها كانت أول المستجيبين في عدد من الحوادث الأخيرة. وفي الأسبوع الماضي، استجابت مدمرة الصواريخ الموجهة الهندية "آي إن إس فيساخاباتنام" لنداء استغاثة من سفينة تابعة لشركة نقل بضائع مملوكة من الولايات المتحدة "جينكو بيكاردي" حين تعرضت لهجوم بطائرة بدون طيار في خليج عدن.
وتقول "وول ستريت جورنال"، إن الهند سعت من خلال ذلك لتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة العمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر، ولكنها في نفس الوقت تجنبت الانضمام رسمياً للتحالف الذي أنشأته واشنطن، لضمان المرور الآمن للسفن في البحر الأحمر، حفاظاً على علاقتها بطهران، حيث تقول أمريكا إن هجمات الحوثيين على السفن مدعومة من قبل إيران.
وتنقل الصحيفة الأمريكية عن هارش بانت، نائب رئيس السياسة الخارجية في مؤسسة أوبزرفر للأبحاث ومركزها في نيودلهي، قوله "إن الانضمام إلى تحالف تقوده الولايات المتحدة يعني النظر إلى الصراع من خلال منظور الولايات المتحدة، حيث اتخذت الولايات المتحدة موقفاً مفاده أن هذا تحريض إيراني"، مشيراً إلى أن الهند سعت منذ فترة طويلة إلى إظهار استقلالها عن تأثير القوى الكبرى في تعاملاتها في السياسة الخارجية.
وقال مسؤولون إن العمليات البحرية الهندية تعكس، أيضاً التعاون المتزايد مع الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة الصين، مشيرين إلى صفقة المشتريات العسكرية التي تبلغ قيمتها ثلاثة مليارات دولار مع الولايات المتحدة لشراء 31 طائرة بدون طيار من طراز "بريداتور"، نصفها مخصص للبحرية، ما يعني تعزيز قدرات الهند العسكرية.
يقول بيسواجيت داسغوبتا، نائب الأدميرال السابق والقائد الأعلى للقيادة البحرية الشرقية الهندية، إن "هناك تنسيقا كافيا مع الولايات المتحدة والدول الأخرى ذات التفكير المماثل على الجبهة البحرية" مؤكداً أن "جميع قنوات الاتصال مفتوحة".

الهند تعزز قواتها البحرية

تورد صحيفة  "وول ستريت جورنال" إن الهند خصصت مؤخراً طائرتين من دون طيار لتوفير لقطات دقيقة للسفن المضطربة، وقالت البحرية الهندية إن قوات تابعة لها قامت، خلال الشهر الجاري، بتنفيذ عملية لإحباط محاولة اختطاف لناقلة بضائع ترفع علم ليبيريا، في بحر العرب.
وأضافت البحرية الهندية خلال الأعوام العشرة الماضية أكثر من 12 سفينة حربية مسلحة بالصواريخ والطوربيدات، يتم إنتاجها جميعاً محلياً، لقوتها البحرية ووصل إجمالي عدد السفن الحربية في أسطول الهند إلى 140 سفينة.
وكان راندير جايسوال، المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية، قال الأسبوع الماضي "سفننا البحرية موجودة هناك، وتقوم بدوريات في المنطقة، وتحاول بذل قصارى جهدها لتأمين خطوط الشحن الهندية وتقديم الدعم للآخرين" مؤكداً في الوقت ذاته "نحن لسنا جزءاً من أي ترتيب متعدد الأطراف حتى الآن”.
وأثار وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جيشانكار، مخاوف بشأن الهجمات على السفن التجارية، الأسبوع الماضي، خلال زيارته إلى طهران التي جاءت بعد أيام من شن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة غارات جوية على أهداف ومواقع عسكرية في اليمن، كما تزامنت زيارة جيشانكار إلى طهران، أيضاً، مع ضربات إيرانية على العراق وسورية وباكستان، ما أدى إلى رد فعل متبادل من باكستان.
وفي بيان مشترك مع وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، قال جيشانكار إن المجتمع الدولي يشعر بالقلق إزاء المخاطر المتزايدة على الشحن، والتي تهدد أيضًا المصالح الاقتصادية للهند، مضيفاً "هذا الوضع المشحون لا يصب في مصلحة أي طرف ويجب الاعتراف بذلك بوضوح".
وكانت حكومة صنعاء اليمنية قد أعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن منعها للسفن المرتبطة بإسرائيل المرور في البحر الأحمر قبالة شواطئ اليمن، وتقول اليمن إن ذلك يأتي في إطار الرد على الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة.


نشر قوات بحرية هندية

إثر إستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، سلطت الأضواء على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لا سيما بعد أن شن قوات صنعاء هجمات على السفن المتجهة لإسرائيل أو المرتبطة باإسرائيل دعما لفلسطين ولوقف الحرب نهائيا.
 رد عليهم الجيش الأمريكي بتحالف عملية "حارس الازدهار" وقيامهم بالعدوان على اليمن شاركت فيها بريطانيا ودول أخرى ضد أهداف متنوعة في اليمن.
ووسط لهيب الاشتباكات حدث تطور يحمل دلالات هامة، وهو نشر البحرية الهندية للمرة الأولى أسطولاً ضخمًا يتكون من 12 سفينة حربية بخليج عدن وبحر العرب.
وبذلك يصبح للهند أكبر وجود عسكري بحري في تلك المناطق، وبمقدار يفوق ما سبق أن نشرته منذ عام 2008 بدعوى التصدي لعمليات القرصنة أمام السواحل الصومالية، والتي اقتصرت عادة على نشر سفينة واحدة على الأقل.
ففي أواخر عام 2023، أعلنت البحرية الهندية أنها سترسل ثلاث مدمرات موجَّهة تتميز بقدرات التخفي إلى بحر العرب والبحر الأحمر، لحماية مصالحها التجارية. وجاء هذا الانتشار رداً على هجوم على ناقلة كيميائية مرتبطة بإسرائيل قبالة سواحل الهند. وأشارت نيودلهي إلى أنها تعتزم الحفاظ على وجود رادع.
وقد أعطت الهند في السابق الأولوية لتحقيق مصالحها الاقتصادية على تطوير وجودها العسكري أو التورط في صراعات سياسية في مناطق أخرى.

 ويشير التحول الحالي إلى أن نيودلهي تتحرك الآن إلى ما هو أبعد من تأمين المصالح التجارية. وتشمل أهداف الهند الطويلة الأجل طموحات إلى التفوق الجيوسياسي وترسيخ مكانتها في عالم متعدد الأقطاب.
ولم تنضم الهند إلى قوة المهام التي تقودها الولايات المتحدة في البحر الأحمر، وليس لديها أي سفن حربية هناك. لكن المسؤولين قالوا إن لديها حاليا سفينتين حربيتين في خليج عدن، وما لا يقل عن عشر سفن حربية في شمال وغرب بحر العرب، إلى جانب طائرات استطلاع، وأضافوا أن هذا هو أكبر انتشار للهند في المنطقة.
وقال وزير الخارجية سوبرامانيام جيشانكار إن قدرة الهند المتنامية ومصالحها وسمعتها تستدعي مساعدتها في المواقف الصعبة.

تورط الهند 

تورط الهند في البحر الأحمر يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار الشبكات التجارية وإمدادات الموارد النفطية التي تعتبر ضرورية لطموحات البلاد الاقتصادية. وتهدف الهند إلى أن تصبح ثالث اقتصاد في العالم بحلول عام 2030، وهي حساسة تجاه التهديدات التي يتعرض لها اقتصادها ومواردها من الطاقة.

دوافع الهند 

يشكل أمن البحر الأحمر وممراته المائية مصدر قلق لنيودلهي؛ فالهند مستورد رئيس للنفط الخام الروسي، ولاعب رئيس في تصدير المنتجات البترولية إلى أوروبا عبر قناة السويس. ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، كانت الهند ثالث لاعب من حيث حجم النفط الخام والمنتجات البترولية المرسلة شمالاً إلى أوروبا عبر قناة السويس في النصف الأول من عام 2023، كما يشكل حجم واردات النفط الخام الروسي إلى الهند مصدر القلق الأكبر؛ حيث بلغ في النصف الأول من عام 2023 نحو 4 ملايين برميل من النفط الخام عبر قناة السويس. إن انعدام الأمن في هذه المنطقة من شأنه أن يلحق ضرراً بالغاً بإمدادات النفط التي يحتاجها الاقتصاد الهندي المتنامي.
وقد نشرت البحرية الهندية عقب الهجوم على الناقلة "تشيم بلوتو" مدمرات وفرقاطات وطائرات دورية ومسيرات في المحيط الهندي وبحر العرب وخليج عدن.

على المستوى الإستراتيجي

 يمثل نشر نيودلهي هذا العدد الكبير من السفن الحربية مؤشرا على حجم التغير في سياستها الخارجية التي ركزت سابقًا على الداخل الهندي لضمان وحدته فضلاً عن الصراع مع باكستان.
كما يبرهن على المضي في سياسة التوجه نحو الخارج، لإثبات القدرة على العمل كمزود للأمن في الجوار الإقليمي، وهو ما يتواكب مع تنامي قدرات الهند الاقتصادية التي تؤهلها للعب دور أكثر حضورًا على المسرح العالمي.
وهي دعوة لدول العالم للالتفات إلى هذا البلد النووي الذي يسكنه نحو 1.4 مليار شخص، ويمثل سدس البشر بعد أن تجاوز عدد سكان الصين.

تغير السياسة الخارجية

يمثل وجود الهند في البحر الأحمر تحولاً من سياسة سلبية إلى سياسة نشطة، بالإضافة إلى الافتقار إلى الالتزام العسكري، أو المشاركة السياسية في مناطق أخرى. وفي ظل السياسة الخارجية الجديدة لناريندرا مودي، جعلت الهند الاقتصاد أولويتها، وهي تعلم أنه من أجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية، يتعين على البلاد أن تتخلى عن سياسة عدم التدخل، وتخاطر باستخدام القوة العسكرية في مناطق أخرى للحفاظ على الوضع الراهن والاستقرار الاقتصادي.
 وبحسب سي راجا موهان أحد كبار المعلقين على الدبلوماسية الاستراتيجية، يتضمن نهج مودي الجديد وضع الدبلوماسية في خدمة التنمية الاقتصادية، وتعميق العلاقات مع الشتات، وإنهاء موقف نيودلهي الدفاعي على المسرح العالمي. وفي عهد مودي، تسعى الهند إلى اتخاذ مواقف أكثر مرونةً في السياسة الخارجية، وتهدف إلى بناء إطار جديد للأممية البرجماتية.
وتدرك الهند أن التعددية القطبية للنظام الدولي في المستقبل، توفر لها الفرصة لكي تصبح ركيزة اقتصادية وسياسية عالمية رئيسة بجانب الصين وروسيا، وغيرهما من القوى الناشئة. إن مشاركة الهند النشطة في الوقت الحاضر تشكل عنصراً أساسياً لضمان الأمن السياسي والاقتصادي والتكامل داخل المجتمع الدولي مع الحفاظ على الاستقلال الاستراتيجي.
وتشارك الهند في منظمات إقليمية ودولية، مثل مجموعة آي 2 يو 2 (I2U2) (التي تتكون من الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة)، والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، ومجموعة البريكس، ومنظمة شنجهاي للتعاون. ويشهد هذا على خطط نيودلهي للانخراط بنشاط في الساحة الدولية والتخلي عن سياستها الخارجية السابقة التي كانت تتجنب المخاطرة.

مخاوف هندية

 يتجلى القلق الهندي من تنامي الصين في مختلف الجوانب الاقتصادية والصناعية والتقنية. ونشاطها في ميناء جوادر الباكستاني وميناء هامبانتوتا السريلانكي، تطلق إشارات تحذير في الهند. كما أن ميناء كياوكبيو الذي تبنيه الصين في ميانمار، يجعل الصين أقرب إلى البحرية الهندية في خليج البنغال، الذي كانت الهند تسيطر عليه في السابق دون منافسة. وكان تطوير الصين جزيرة اصطناعية في جزر المالديف، وتوسيع قاعدة بحرية في ريام بكمبوديا، وغير ذلك من الأنشطة في جزيرة القمر الصغيرة في المحيط الهندي، سبباً في إثارة المخاوف لدى نيودلهي.
ويأتي حضور الهند في البحر العربي والبحر الأحمر رداً على هذه الخطوات من جانب باكستان والصين. وتسعى الهند إلى تقليص مناطق نفوذ منافسيها، وإظهار أن نيودلهي يمكنها أيضاً إنشاء مجال نفوذ جيوسياسي لنفسها، وتوسيع وجودها خارج مناطق سيطرتها التقليدية.
وتعتمد الصين على واردات الطاقة من الخليج العربي، والتي تعبر مضيق هرمز والمحيط الهندي ومضيق ملقا ثم بحر جنوب الصين قبل أن تصل إلى الشواطئ الصينية، وهو ما دفعها لبناء وتطوير سلسلة من الموانئ على طول ساحل المحيط الهندي وشرق أفريقيا، في باكستان وميانمار وبنغلاديش وسريلانكا وجيبوتي. وبالإضافة إلى ذلك، فقد دشنت الصين أول قاعدة عسكرية بالخارج في جيبوتي عام 2017، بهدف الحفاظ على أمن الطاقة الخاص بها، وقد أدت تلك التحركات إلى تنامي المخاوف الهندية من احتمال تخطيط بكين لعسكرة تلك الموانئ في حال اندلاع حرب، بما يتيح لها السيطرة على خطوط الاتصالات البحرية الحيوية، وهي مخاوف تزامنت مع حدوث مواجهات حدودية صينية هندية في "دوكلام" عام 2017 وإقليم لاداخ عام 2020.
ونظرا لأن الهند لا تملك قواعد بحرية في الخارج مما يحد من قدرتها على تنفيذ عمليات طويلة الأمد بالمياه العميقة، فقد تبنت السنوات الأخيرة سياسة دفاعية نشطة تقوم على تدشين شراكات لوجستية مع دول صديقة.
كما سعت نيودلهي لتعزيز التحالفات مع القوى الكبرى والإقليمية، فانضمت للحوار الأمني الرباعي "كواد" مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا عام 2017، وشاركت كعضو منتسب عام 2022 بالقوة البحرية المشتركة بقيادة واشنطن لتأمين الملاحة بالخليج، ثم انخرطت في تجمع "12يو2" (I2U2) مع واشنطن وأبو ظبي وتل أبيب، والذي تأسس كتحالف اقتصادي ولوجستي عام 2022.


 تأمين مصادر الطاقة

يزود الشرق الأوسط الهند بما يقرب من ثلثي النفط الخام، وهو أكبر شريك تجاري لها. وتستضيف المنطقة أيضاً جالية هندية يبلغ عددها نحو 7 ملايين شخص يشكلون مصدراً قيماً للدخل من التحويلات المالية. وأقامت الهند علاقات سياسية واقتصادية وحتى أمنية مع الإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل وإيران. وفي عام 2017، أصبح مودي أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل. وللحفاظ على التوازن الدبلوماسي للهند، زار أيضاً رام الله بالضفة الغربية في عام 2018. واستضاف مودي ولي العهد السعودي  محمد بن سلمان في عام 2019. وزار مودي دولة الإمارات خمس مرات منذ توليه منصبه في عام 2015. وبالتالي فإن أي اضطراب في الوضع الأمني بالخليج والبحر الأحمر من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على المصالح الاقتصادية والأمنية للهند، وبالتحديد على أمن الطاقة وحركة التجارة الهندية مع أوروبا.